الخبر صعب تصديقه، المناضل اليساري عبد المومن الشباري في ذمة الله. تعب القلب ونام. حتى والرجل لا يزال في أحسن العمر للعطاء والبذل كما اعتاد دوما. ابن الحي المحمدي، ذلك الشاب الطالع من صهد الوقت المغربي الصعب للسبعينات، المتشبع بالأطروحات الماركسية اللينينية، الطالب بكلية الآداب عين الشق في الثمانينات، المعتقل ضمن مجموعة 26، الطالب الذي حوكم مرتين بذات التهمة حينها، وحكم عليه بسنتين، ثم أعيدت محاكمته أسابيع بعد ذلك، في فضيحة حقوقية، ليرتفع الحكم إلى 10 سنوات. المناضل اليساري، الذي اختار أن يظل منحازا للراحل أبراهام السرفاتي، وأن يصبح من قادة تيار النهج الديمقراطي. ورغم أي اختلاف معه في التحليل والرؤية والنقاش، بقي عبد المومن الرجل الخلوق جدا، الذي بالكاد يرفع عينيه فيك، حتى وهو لا يتزحزح قيد أنملةعن قناعة إن آمن بها. هو أيضا الأب الطيب جدا مع أبنائه، الذي قد تلتقيه صدفة، يرافق ابنه أمين (14 سنة) في مدرجات ملعب محمد الخامس بالدار البيضاء، ضمن عشاق فريق الرجاء البيضاوي، وحين تلتقي العين بالعين، يبتسم من بعيد، ذات الابتسامة التي تشبه الاعتذار، خجلا وتواضعا ورقة إنسانية، تلك التي كان يطلقها في تجمعاتنا الطلابية بكلية الآداب عين الشق سنة 1985. أذكر أن الجو كان جو امتحانات، وكان مبحوثا عنه لشهور من قبل الأمن، حين انسل إلى قسم الامتحان باكرا، فوصل الخبر إلى مترصديه من رجال المخابرات ومن الحرس الجامعي، ففر الطالب المجد، الذي سيكمل دراساته في السجن، عبر السور الخلفي للكلية، باتجاه منطقة كانت لا تزال خالية حينها، وراء إعدادية الحسنى للبنات، لكن دهاء الأمنيين، استبق احتمالات هروبه، فوجد فرقة منهم واقفة هناك تنتظره، فتم اعتقاله ولم يكمل امتحاناته. اليوم وقد غاب إلى الأبد، ما الذي قد يعزي به المرء من كلمات ابنته هاجر (17 سنة) وابنه أمين (14 سنة)، هما اللذان ظلا يريان والدهما يخاتل الموت منذ سنوات، خاصة بعد إجرائه عملية جراحية دقيقة على القلب منذ سنة. وأذكر حين صدر كتابي المشترك مع الزميل الصافي الناصري «أقصى اليسار بالمغرب.. مقارعة نبيلة للمستحيل»، قد قال بذات حيائه في الكلام، ما معناه، لو كتبت غير ما كتبت لما كنت أنت. هو يعرف أننا غير متفقين في الرؤية للأمور مغربيا، في سياقاتها التاريخية والسياسية والنضالية، لكنه متأكد أننا منتصرون للإنساني في العلائق وفي الروح المغربية كسقف أعلى للانتماء. وكثيرا ما يشكر الخاطر بعضه أن يجد نفسه أمام عقلاء في الحوار، لأنه كارثي أن لا تجد في لحظة اختلاف فكري وسياسي نفسك أمام تطرفات لا عقل فيها. والراحل الشباري، المواطن المغربي، بهذا المعنى ليس خسارة لصحبه وعائلته فقط، بل هو خسارة للصف التقدمي الوطني المغربي كله. كانت وجهة نظره حول مضمون ذلك الكتاب، أن الجيل الجديد من الحركة الماركسية اللينينية، هو جيل مراجعات وأن الرؤية الاستراتيجية للتطورات هي هي، لكن أسلوب العمل والنقد تطور. وعمليا هو ينتمي للجيل الثالث من مجموعة «إلى الأمام»، جيل أمين التهاني ومجموعة 26، التي كانت من آخر المجموعات التي اعتقلت في أواسط الثمانينات (1986) وحوكمت بسنوات سجن طويلة، بعد أن تم التوصل إلى أماكن اجتماعاتها السرية بشقة بحي بلفدير قرب محطة القطار المسافرين بالدار البيضاء. رحم الله الصديق عبد المومن الشباري، زميل الدراسة بكلية الآداب بالدار البيضاء، وصديق طريق طويلة للنقاش السياسي، المختلف نعم، لكنه العميق إنسانيا. وفي مكان ما، أكاد أراه يطلق ذات ابتسامته بلونه القمحي الناصع، بنحافته وبأثر السيجارة التي كانت ذات زمن لا تفارق يديه. بميزته الأخرى، أنه كان رجل سياسة يكتب ويبني تصورات ورؤى وتحاليل. واليوم من حقه على عائلته الصغرى وعائلته السياسية تجميع تلك الكتابات عنوانا عنه وعن رؤية جيل سياسي مغربي، شاب، آمن بأفكار سياسية ذات مرجعيات كونية، وبقي وفيا لها حتى وفاته. فهي في النهاية تجربة حياة.