يحق لنا التساؤل عن حقيقة الخطاب الرسمي الذي يتحدثون فيه عن قيم المواطنة والتطور والتقدم، ولائحة طويلة من تعابير أعتبرها مجرد مساحيق تجميل يحاولون من خلالها إخفاء قبح وبشاعة الواقع المعيش ببلادنا0 أين نحن من كل هذه الخطابات الرنانة التي تتحدث عن دولة الحق والقانون والعهد الجديد ببلادنا ، والتي لا يمكن لعاقل أن يصدقها الآن؟ كانت هذه «القبائل» تتحرك في السر والعلن وبكل الأسلحة، لايهم، فالغاية تبرر الوسيلة، والغاية هنا حفظ المصالح الشخصية . قبائل «النهبماليون» لم تنفع معهم المحاكمات ولم تردع تحركاتهم تقارير المجلس الأعلى للحسابات ولا التقارير التي تفضح ممارساتهم ، كل من موقعه، في كل مراتب المسؤولية في كل القطاعات أو المؤسسات المنتخبة. تخصصوا في العمولات والرشاوى، في التهرب الضريبي وتهريب الأموال، في الغش الجمركي أو التهرب من الجمارك، في إفشاء أسرار العقود والصفقات والوساطة والمحسوبية في الوظائف العامة. وعندما تمكنوا من بسط نفوذهم استباحوا كل شيء ولم يعودوا يخشون شيئا مادامت عصبتهم توفر لهم الحماية المطلوبة، ومادام الخطاب الرسمي الحالي للحكومة هو محاربة الفساد بالنيات ولكل مفسد ما نوى. غزوات قبائل «النهبماليون» تسببت في الإجهاز على الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، وحتى الثقافية للمغاربة، حيث الضغط الضريبي على الأجور، والزيادة في الضريبة على القيمة المضافة على المواد الاستهلاكية الأساسية وارتفاع الأسعار للمواد الأساسية، وغلاء المعيشة، مقابل ضعف الضمان الاجتماعي ونظام المعاشات، وتدني الخدمات الاجتماعية من صحة، وتعليم، ونقل، وسكن... واستمرار ممارسات الظلم الاجتماعي وتوسيع دائرة االفقر. غزوات قبائل «النهبماليون» جعلت المغرب يحتل أضعف المراتب في التنمية البشرية بعد أن تمكنت من تمتين مظاهر الفساد وزادت من اتساع رقعة اقتصاد الريع، وساهمت في حركة الأموال خارج دائرة الإنتاج، بالإضافة إلى تهريبها إلى الخارج لعدم ثقتها في الداخل. غزوات قبائل «النهبماليون» ساهمت بشكل مباشر في تبذير المال العام وإفلات العابثين به من العقاب، ساهمت بأفعالها في إثارة قلاقل اجتماعية، وأفسدت الحياة السياسية. ومع إقرار الدستور الجديد، استبشر المغاربة خيرا مع الحكومة الجديدة ، خاصة وأن حزب العدالة والتنمية العمود الفقري لها ، اعتمد ورش محاربة الفساد و لم يتوقف رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران عن رفع خطاب محاربة الفساد قبل تحمله المسؤولية بعد أول انتخابات تشريعية عرفها المغرب في ظل الدستور الجديد وبصلاحيات كبيرة له ولطاقمه الوزاري. خطاب جعله أساس حملته الانتخابية حين كان يدعو الناخبين إلى محاربة الفساد والاستبداد عبر التصويت بكثافة لحزب العدالة والتنمية لدرجة أنه لايخلو شعار محاربة الفساد من تدخلاته وخرجاته الاعلامية بعيد تحمله للمسؤولية. إلى أن فاجأ رئيس الحكومة المغربية المواطنين بإعلانه أن فلسفته في محاربة الفساد تنطلق من «عفا الله عما سلف »! وهو إعلان استسلام رسمي لقبائل «النهبماليون» ، وهو أيضا تنزيل لسياسة إنما محاربة الفساد بالنيات ولكل مفسد ما نوى!