لحد الساعة، لم يثبت الفريق الأغلبي، الذي يدير الجهاز التنفيذي، أنه يؤمن بالتشاركية والعمل التشاوري، اللذين وردا بالتنصيص في ديباجة الدستور الجديد. وبالرغم من أن اللغة والمعنى واضحان في الدستور، فإن الفريق المعني بتدبير السياسة التنفيذية، وبالتالي بتطبيق الدستور والسهر على مضامينه، يتجاهل النص الأسمى للبلاد، وهو يشدد على مبدأ التشاركية في صناعة القرار. وهي تشاركية تتجاوز الطابع التعددي للأغلبية، بطبيعة الحال، إلى الطابع التعددي للمجتمع ، من جهة، والطابع التعددي للحقل الوطني والمؤسساتي من جهة ثانية. وهو ما تقابله الأغلبية بالتبخيس والتجاهل والالتفاف. وبمعنى أوضح بتعطيل المعنى والمبنى في تنزيل الدستور. ما يسلط الضوء الحقيقي على معنى سلوك التعطيل هذا، هو تزامنه مع أمرين اثنين، أولهما تغييب المعارضة من أية مشاركة فعلية منتجة وبنيوية في بناء الدولة ، بالرغم من كل ضمانات الدستور المخولة لها، والتي لا يمكن أن تتعامل معها الأغلبية كما لو أنها منحة من أحد. وثانيا التهميش الذي يطال المؤسسة التشريعية، بالرغم من التفوق العددي الذي تمتلكه الأغلبية، سواء في تمرير القرارات أو المشاريع، أو في إفراغ محتوى التشاركية الوطنية في إعداد السياسة العمومية. ولهذا أشارت اللجنة الإدارية بكل وضوح إلى ما أقدم عليه الجهاز التنفيذي...بتهميش تام للمؤسسة التشريعية، في تناقض مطلق مع مبادئ الدستور، الذي يخول للبرلمان وللمعارضة دورا محوريا في الحياة السياسية». والبديل؟ البديل الذي طرحته الحكومة، في نهاية التحليل، هو «اللجوء إلى إبداع مسرحيات من قبيل الحوارات الوطنية وتشكيل لجان يغلب عليها طابع الزبونية، والاستحواذ عليها من طرف المقربين من الحزب الأغلبي، بهدف فرض توجه إيديولوجي معين داخل الإدارات والمؤسسات والمجالس، وكذلك على آليات إدارة الشأن العام، وتكريس تأويل رجعي لمبادئ الدستور، مما يعرقل الإصلاح العميق للدولة والمحاربة الفعلية للفساد». إننا أمام محاولة متعددة الأبعاد، وفيها السطو على دستور المغاربة وتفويض اختصاصاته الى الحزب الأغلبي. كما تتسم بإرباك المكونات المجتمعية عبر فرض الأمر الواقع، من خلال دفاتر تحملات مجهزة ومدونات إصلاح» مصنوعة في مختبرات خارج الحقل السياسي والمؤسساتي، يضاف الى ذلك فرض الفكر الواحد والصوت الواحد والتأويل الواحد عبر تغييب كلي للمعارضة، أو تبخيس وجودها أو افتعال معارك خارج الزمن الدستوري الجديد، معها. وخلاصة القول، تنزع الحكومة اليوم الى اعتبار كل معارض عدوا مفترضا، وأن أحسن المعارضين هم من لا صوت لهم.