حقائق وشهادات حول قضية توفيق بوعشرين مع البيجيدي: بين تصريحات الصحافي وتوضيحات المحامي عبد المولى المروري    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    التجمع الوطني للأحرار يثمن المقاربة الملكية المعتمدة بخصوص إصلاح مدونة الأسرة    حصيلة سنة 2024.. تفكيك 123 شبكة لتنظيم الهجرة غير النظامية والاتجار في البشر    الدكتور هشام البوديحي .. من أحياء مدينة العروي إلى دكتوراه بالعاصمة الرباط في التخصص البيئي الدولي    الدورة ال 44 لمجلس وزراء الشؤون الاجتماعية العرب بالمنامة .. السيد الراشيدي يبرز الخطوط العريضة لورش الدولة الاجتماعية التي يقودها جلالة الملك    قيوح يشرف على تدشين المركز اللوجيستيكي "BLS Casa Hub" بتيط مليل    فرض غرامات تصل إلى 20 ألف درهم للمتورطين في صيد طائر الحسون بالمغرب    38 قتيلا في تحطم طائرة أذربيجانية في كازاخستان (حصيلة جديدة)    الدفاع الحسني يهزم الرجاء ويعمق جراحه في البطولة الاحترافية    رحيل الشاعر محمد عنيبة أحد رواد القصيدة المغربية وصاحب ديوان "الحب مهزلة القرون" (فيديو)    المهرجان الجهوي للحلاقة والتجميل في دورته الثامنة بمدينة الحسيمة    انقلاب سيارة على الطريق الوطنية رقم 2 بين الحسيمة وشفشاون    المغرب الرياضي الفاسي ينفصل بالتراضي عن مدربه الإيطالي غولييرمو أرينا    رئيس الرجاء يرد على آيت منا ويدعو لرفع مستوى الخطاب الرياضي    الإنتاج الوطني من الطاقة الكهربائية بلغ 42,38 تيراواط ساعة في متم 2023    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    الندوة 12 :"المغرب-البرتغال. تراث مشترك"إحياء الذكرىالعشرون لتصنيف مازغان/الجديدة تراثا عالميا. الإنجازات والانتظارات    حركة حماس: إسرائيل تُعرقل الاتفاق    أخبار الساحة    الخيانة الزوجية تسفر عن اعتقال زوج و خليلته    روسيا: المغرب أبدى اهتمامه للانضمام إلى "بريكس"    عبير العابد تشكو تصرفات زملائها الفنانين: يصفونني بغير المستقرة نفسياً!    السعودية و المغرب .. علاقات راسخة تطورت إلى شراكة شاملة في شتى المجالات خلال 2024    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    الريسوني: مقترحات مراجعة مدونة الأسرة ستضيق على الرجل وقد تدفع المرأة مهرا للرجل كي يقبل الزواج    التنسيق النقابي بقطاع الصحة يعلن استئناف برنامجه النضالي مع بداية 2025    تأجيل أولى جلسات النظر في قضية "حلّ" الجمعية المغربية لحقوق الإنسان    بعد 40 ساعة من المداولات.. 71 سنة سجنا نافذا للمتهمين في قضية "مجموعة الخير"    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    ابتدائية الناظور تلزم بنكا بتسليم أموال زبون مسن مع فرض غرامة يومية    جهة مراكش – آسفي .. على إيقاع دينامية اقتصادية قوية و ثابتة    برنامج يحتفي بكنوز الحرف المغربية    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها بأداء إيجابي    مصرع لاعبة التزلج السويسرية صوفي هيديغر جرّاء انهيار ثلجي    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    لجنة: القطاع البنكي في المغرب يواصل إظهار صلابته    ماكرون يخطط للترشح لرئاسة الفيفا    بطولة إنكلترا.. ليفربول للابتعاد بالصدارة وسيتي ويونايتد لتخطي الأزمة    نزار بركة: 35 مدينة ستستفيد من مشاريع تنموية استعدادا لتنظيم مونديال 2030    مجلس النواب يصادق بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالإضراب    مجلس النواب بباراغواي يصادق على قرار جديد يدعم بموجبه سيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية    باستثناء "قسد".. السلطات السورية تعلن الاتفاق على حل "جميع الفصائل المسلحة"    تقرير بريطاني: المغرب عزز مكانته كدولة محورية في الاقتصاد العالمي وأصبح الجسر بين الشرق والغرب؟    تزايد أعداد الأقمار الاصطناعية يسائل تجنب الاصطدامات    مجلس النواب بباراغواي يجدد دعمه لسيادة المغرب على صحرائه    ضربات روسية تعطب طاقة أوكرانيا    وزير الخارجية السوري الجديد يدعو إيران لاحترام سيادة بلاده ويحذر من الفوضى    السعدي : التعاونيات ركيزة أساسية لقطاع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني    ارتفاع معدل البطالة في المغرب.. لغز محير!    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الملكية البرلمانية

من بين القضايا المثيرة للنقاش حاليا في إطار إعداد الدستور المقبل: الملكية البرلمانية، هل سيتم التنصيص عليها كنظام للحكم بالمغرب وبناء إختصاصات السلط طبقا لهذا الاختيار؟ أم أن الوثيقة المرتقبة «ستقترب» من هذا الشكل في الحكم وتقوى صلاحيات البرلمان والحكومة وبالتالي تفلص من صلاحيات الملك؟ هل ستصيغ اللجنة دستورا يتضمن أسسا تشكل لبنة في إتجاه الملكية البرلمانية؟ أم سنظل بعيدين عن تحقيق هذا المطلب الذي تتبناه أبرز القوى السياسية إلى جانب مطالب أخرى تهدف بناء مغرب ديمقراطي قوي.
في العالم اليوم، تتجه الملكيات إلى تبني نظام الملكية البرلمانية، ومن بين 38 ملكية هناك 12 إختارت أن ملكها يسود ولايحكم. ومن أبرز هذه الملكيات، المتواجدة بأروبا وعددها 7، كلها يتبوأ التاج مكانة رمزية فيما السلطة التنفيذية بيد الحكومة والوزير الاول والتشريعية بيد البرلمان. وبطبيعة الحال كانت هناك مخاضات اجتماعية وصراعات سياسية ودينية هي التي صاغت هذا الشكل من نظام الحكم.
لقد تضمن الخطاب الملكي ليوم 9 مارس أسسا دستورية لمغرب الغد، كي يكون بالفعل مغرب العصر. وجاءت المحاور السبعة في هذا الخطاب لتفتح الباب من أجل هندسة جديدة للدستور، وخاصة المحور الرابع الذي إلى «توطيد مبدأ فصل السلط وتوازنها، وتعميق دمقرطة وتحديث المؤسسات وعقلنتها...» . وقراءة هذا المحور وتفرعاته الخمسة يجب أن تنطلق من دمقرطة المغرب بما تعنيه الديمقراطية، كما أصبح متعارف عليها دوليا .
في الندوة التي ننشر وقائعها اليوم تم إثارة عدد من الاسئلة:
أي مسار للملكية البرلمانية؟ ماهي الظروف والشروط السياسية والتاريخية التي صاغتها حتى أصبحت نظاما للحكم؟ هل تم تبنيها في إطار استمرار نفس النظام، أم في أعقاب تغيير نظام الحكم؟
هل يشكل النشاط الاقتصادي والاستئثار بالثروة في الملكيات عائقا في وجه الديمقراطية؟
و اللجنة التي تم تنصيبها؟ ماذا عن تركيبتها؟ منهجية عملها؟
وقد شارك في هذه الندوة التي نظمتها جريدة «الاتحاد الاشتراكي» بمكتبها بالرباط يوم الاثنين 4 أبريل الجاري كل من الأساتذة:
محمد مدني أستاذ بكلية الحقوق بالرباط
سعيد بكري، محامي، عضو المكتب الوطني للمنظمة المغربية لحقوق الانسان.
حسن طارق، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية الحقوق بسطات.
عبد العزيز النويضي، محامي، رئيس جمعية «عدالة»، مستشار سابق للوزير الأول عبد الرحمان اليوسفي.
{ لنبدأ من السؤال التالي: أي مسار للملكية البرلمانية؟ ماهي الظروف والشروط السياسية والتاريخية التي صاغتها حتى أصبحت نظاما للحكم؟ هل تم تبنيها في إطار استمرار نفس النظام ، أم في أعقاب تغيير نظام الحكم؟
حسن طارق:
الملكية البرلمانية هي سيرورة تاريخية انطلقت في الملكيات الأوربية، وهي عبارة عن مسار تاريخي استغرق أجيالا وهذا التطور كان مرتبطا بدمقرطة هذه الأنظمة . مسار التحول الديمقراطي العميق كان بالضبط هو صراع حول السلطة وحول النفوذ وحول الصلاحيات بين المؤسسة البرلمانية وبين المؤسسات الملكية... لذلك فالملكية البرلمانية هي تطور ديمقراطي داخل شكل نظام محتفظ بطابعه التقليدي، هذا التطور أعطى صلاحيات قوية للمؤسسة التشريعية، ومن ثم صلاحيات قوية وواسعة للوزير الأول والحكومة. صيغة البرلمانيات الملكية الأوربية مرت بمرحلتين، الأولى مرحلة أنظمة برلمانية ثنائية كان فيها اقتسام للسلطة التنفيذية مابين المؤسسة الملكية وما بين الوزير الأول والحكومة، كان جزء كبير من الصلاحيات تزاوله المؤسسة الملكية والجزء الآخر من الصلاحيات يزاوله الوزير الأول والحكومة.
المرحلة الثانية، والتي تعطينا صورة المؤسسات الملكية البرلمانية الكلاسيكية، هي بالضبط تقليص نفوذ المؤسسة الملكية في ما يتعلق بالسيادة ورمز الدولة وبعض السلط الدينية، ثم سلط دستورية محدودة ، كما هو الأمر ، مثلا، في الحق في تعيين الوزير الأول، وطبعا هو حق تقيده الأعراف الدستورية وتربطه بالحزب الفائز بالانتخابات، خاصة في نمط حزبي فيه ثنائية (أو ثلاثة أحزاب كما هو الاتجاه اليوم).
إذن، المرحلة الأولى كانت مرحلة الثنائية، سلطة تنفيذية مقتسمة، ثم مرحلة نعيشها الآن في الملكيات الأوربية، أي السلطة التنفيذية بيد الوزير الأول وبيد الحكومة المنبثقة عن أغلبية نيابية أفرزتها صناديق الاقتراع.
في ما يخص العلاقة بين الملكية البرلمانية وبين الديمقراطية، فإن المجال الوحيد والوجهة الوحيدة للدمقرطة في الأنظمة الملكية كانت عبر تعزيز سلطة البرلمان، وعبر تعزيز سلطة الحكومة المجسدة للأغلبية النيابية، لذلك فإن تطوير الطابع البرلماني للنظام السياسي هو مسار يتطابق مع مسار الدمقرطة، لأنه في حالات أخرى كان الاختيار الرئاسي أو الاختيار البرلماني في الملكيات، كان فيه تطابق بين الرغبة في الدمقرطة، ونذكر هنا الصراع الذي عرفته انجلترا حول صلاحيات مجلس العموم والصلاحيات المالية ( الميزانية ، التشريع الضريبي) ومسار الديمقراطية، لذلك فهذه الملكيات البرلمانية هي نموذج لتطور ديمقراطي يحتفظ بشكل الدولة بخصوصيتها ، برمزية المؤسسة الملكية، ولكن يعطي الصلاحيات لممثلي الأمة من خلال البرلمان والحكومة والوزير الأول.
محمد مدني:
في الواقع، لدينا ملكيات برلمانية، ملكيات برلمانية يعني أن السيرورات التاريخية والسياسية والثقافية تلعب دورا مهما في تحديد صيغة الملكية البرلمانية. إذن هنا ننطلق من تعددية المسارات، وحتى لا أقول الخصوصيات، لأن الخصوصيات تستعمل في المغرب للحفاظ على «الستاتيكو»، ولكن هذه التعددية لاتنفي وجود تصور متفق عليه عالميا، تصور حول بعض الخصائص التي ينبغي أن تتوفر للحديث عن الملكية البرلمانية، وأضيف الديمقراطية، لأن الملكية البرلمانية في بدايتها ارتبطت بانتقالات حتى في بريطانيا ، أي أن تقليص سلطات الملك جاء في نفس الوقت أو ربما جاء سابقا عن الديمقراطية الحقيقية. الشعب الانجليزي لم يكن ديمقراطيا دفعة واحدة ، ثم أنشأ الملكية البرلمانية، بل كانت من بين الوسائل التي ساعدت في الدمقرطة، وفي نفس الوقت كان مضمونها يتطور مع الديمقراطية.
وتعلمون أنه في بريطانيا، هناك سياق تاريخي معروف يتميز بالخصوص، بغياب دستور مكتوب.
النموذج الثاني القريب من النموذج الانجليزي ، بالرغم مما يقال، هو النموذج الاسباني ، الذي يتميز بوجود وثيقة مكتوبة ، وتجربة أخرى مختلفة ، ولكن في نفس سياق الانتقال الديمقراطي، والوثيقة قامت بدور في هذا الإطار. وفي نفس الوقت الملكية البرلمانية مضمونها تطور، لأنه مثلا في اسبانيا سنة 1981 ، أثناء محاولة الانقلاب، اجتاح الجيش البرلمان وهو يناقش تدخل الملك، وكان ذلك الحدث قد أعطى مشروعية ،آنذاك، للملكية البرلمانية الديمقراطية.
إذن هناك مجموعة من الخصائص من بينها انتقال ديمقراطي حقيقي، وهذه مسألة أساسية. المسألة الثانية، وحتى لا نقول أنه يمكن أن تكون ملكية برلمانية على الطريقة المغربية ، وهذا لا يعني أي شيء، فإن الخصائص المتعارف عليها عالميا هي أولا: وجود محيط ديمقراطي أو انتقال ديمقراطي بما يترتب عنه من قطيعة، لأنه حتى في اسبانيا ،رغم وجود توافقات، فإن أول عملية تمت سنة 1977 ،هي حل المؤسسات الفرنكاوية، ثم الدعوة لانتخابات برلمانية، والتي أعطت نتائجها أغلبية يمينية، ولكن هذه النتيجة غيرت قواعد اللعبة، لأن الأساسي في الملكية البرلمانية لا يضمن أن قوى التغيير أو القوى التي تدافع عنها ، هي التي ستحظى بالأغلبية ، هذا غير مضمون ، ولكن المضمون أنها تحدد قوانين اللعبة التي يتفق عليها الجميع ، أو على الأقل الأطراف السياسية الأساسية.
إذن، بناء على هذا، هناك الديمقراطية أو الانتقال الديمقراطي، وهناك البرلمان، والذي يصبح محور الحياة التأسيسية ، وهذه مسألة أساسية، فسواء في بريطانيا أو في اسبانيا ، البرلمان هو الذي يؤسس. وفي بريطانيا نعلم أنه ما هو تأسيسي وما هو عادي ليس محددا شكليا ، ولكنه من اختصاص البرلمان. وجود البرلمان في العملية التأسيسية مسألة أساسية، وقد نعود إلى النقاش في هذه النقطة عند تطرقنا للجنة إعداد الدستور، إذ إذا كانت اللجنة مساندة للعملية التأسيسية للبرلمان، فإن ذلك لا يطرح أي مشكل، أما عندما تكون اللجنة هي استمرار للسلطة التنفيذية فهذا يطرح مشاكل، ليس من حيث الخبرة، ولكن لأنه في بعض الأحيان يكون هناك نقاش مغلوط حول أنها لجنة خبراء. الواقع في المغرب أن اللجان أو المجالس الموجودة هي استمرار أو امتداد للسلطة التنفيذية. بمعنى أنها لجان سياسية ذات لون خبرة أو خبراء. أما إذا كانت اللجان منتخبة للخبرة أو تساندها الخبرة... فهذا لايطرح أي مشكل.
إن الدور المحوري للبرلمان في العملية التأسيسية وفي العملية السياسية ، معناه أن مركز الحياة السياسية ينتقل من القصر إلى الاحزاب السياسية، وهنا أريد أن أوكد أنه سواء في تجربة الانجليز أو تجربة الاسبان، تبين أنه ليس هناك شعب ناضح أو غير ناضح للملكية البرلمانية، والوقائع تبين أن أي شعب يمكنه أن يتعامل معها في سياقات معينة.
الخاصية الثالثة، هي دور رئىس الحكومة، والحكومة في السلطة التنفيذية كاملة. ثم وضعية الملك التي تتميز في الملكية البرلمانية في شيئين، وهما ، كما قال الاستاذ حسن طارق، الملاءمة بين الوراثة والديمقراطية، لأن الملكية وراثية.
المسألة الثانية وهي التمييز بين شخص الملك وبين التاج، شخص الملك هو شخص طبيعي، يموت، يمرض، أما التاج فهو وظيفة متميزة ، وغالبا الدساتير تركز على التاج، والنقاش يجب أن يدور حول وضعية الوظيفة، لأن هذه مستمرة.
إن التمييز هو من الناحية القانونية ،عندما تقرأ النصوص أو عندما تنظر من الناحية الشكلية لهذه الدساتير، تجد أن للملك صلاحيات واسعة، ولكن في الواقع، فإن تلك الصلاحيات لا يمارسها الملك إلا باستشارات وبإرادة رئيس الحكومة. بمعنى أنها كلها خاضعة للتوقيع بالعطف مع استثناء أو استثناءين في الحالة الإسبانية...
عبد العزيز النويضي:
في ما يخص الديمقراطية كمؤسسات ومفاهيم وقيم، صارت اليوم حاجة ملحة للشعوب، هي مثل الأدوية اليوم، بمعنى أنه لا يمكننا أن نقول إن هذا الشعب كان يعالج نفسه عن طريق الفقهاء وعن طريق الأعشاب، واليوم لا يمكنه أن ينتقل فجأة إلى العلاج بواسطة البنسلين و... و... الذين يقولون، إننا نحتاج إلى قرون، كما احتاجت بريطانيا الى قرون طويلة، هؤلاء الناس لا يعيشون العصر. الديمقراطية اليوم صارت حقاً من حقوق الشعوب ولا تنكرها حتى أعتى اليكتاتوريات.
بخصوص الشروط، أعتقد أن الديمقراطية هي أيضاً ممارسة ومؤسسات وثقافة تنمو بالممارسة وتتطور بالممارسة. بطبيعة الحال، يمكن أن يكون عندنا نقص في الظروف السوسيولوجية التي تساعد على الإسراع والتسريع بالديمقراطية من قبيل وجود طبقة وسطى ومتعلمة ومستقلة، ولا يمكن أن تُشترى أصواتها في الانتخابات، طبقة تفهم معنى الدستور ومعنى المؤسسات إلخ... ولكن إذا أردنا أن نتجاوز هذه العراقيل السوسيولوجية، يجب أن نبدأ الديمقراطية، لأن تعطيل الديمقراطية أصبح يستغل من طرف المستفيدين من غياب الديمقراطية لتأبيد هذا الوضع، وبالتالي، فإن الديمقراطية نفسها كفيلة بتسريع إنضاج الشروط السوسيولوجية، لأنه حين تكون هناك مشاركة، وحينما تكون هناك نزاهة الاقتراع، وأن يكون هذا الأخير مبنيا على وعي المواطنين وعلى عدم تدخل سلطة المال وسلطات أخرى غير محايدة، فإن الأمر لا يعرقل الديمقراطية و لايعرقل حتى نمو الطبقات الوسطى. حينما تكون هناك مشاركة، فإنها تجعل المشاركين يستفيدون، في حين أن الإقصاء يجعل الناس الذين يقصون الآخرين هم المستفيدون.
إذن الديمقراطية حقيقة تطورت عبر القرون، ولكن حينما وصلنا الآن إلى القرن 21 ، مثلا، ملك إسبانيا كان يمكنه أن يخول لنفسه نصف ملكية تنفيذية ، ولكنه اختار الملكية البرلمانية، لأنه رأى العصر، وأراد أن يكون منسجماً مع روح العصر.
الملكية البرلمانية تطورت فعلا بفضل تطور النظريات التي كانت ضدها وكانت لصالح الحكم المطلق. كانت تقوم على نظرية الحق الإلهي للملوك، ثم دخلنا في نظرية الحقوق الطبيعية للأفراد، لكن التطور عجل حتى في الغرب، حينما حصلت الثورات الفرنسية والأمريكية، فإن ذلك عجل بإنضاج الجانب الديمقراطي في الملكيات. فتطورت الملكيات. وكما قال زميلي الأستاذ مدني، هناك ظروف محيطة من شأنها أن تسهل وتسرع عملية الانتقال الديمقراطي، في اسبانيا بدأوا بقانون للإصلاح السياسي وبالاعتراف بأحزاب كانت ممنوعة كالحزب الشيوعي، وصار المعتدلون يتناقشون فيما بينهم، و صنع المعتدلون هذا التحول، وجاءت الانتخابات وداخل البرلمان تم التوافق على الدستور.
إذن الأطراف السياسية هي التي تتوافق على الدستور، وبعد ذلك، عرض على الشعب للاستفتاء، ومنذ ذلك اليوم، تتقدم اسبانيا، ولكن أريد أن ألح على استيعاب روح العصر وعلى دور الملك ودور الطبقات السياسية والعمالية، دور المعتدلين الذين قدموا تنازلات لبعضهم البعض ، هو الذي عجل بإنجاح عملية الانتقال الديمقراطي في اسبانيا. وأنا لا أرى أن المغرب عاجز عن أن يتقدم خطوات كبيرة في هذا الاتجاه.
{ دون شك، كان لمنظومة الحقوق التي تحققت بفضل نضالات مجتمعات الملكيات البرلمانية، دور في بناء أنظمة الحكم على أسس صلبة...
سعيد بكري:
أعتقد شخصياً أن التطرق الى هذا الموضوع يمر من بوابة حقوق المواطن ومساهمته في تدبير الشأن العمومي، هذا الحق منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إلا أن نمط تدبير هذا الحق يطرح سؤال: كيف يمكن للمواطن أن يمارس هذا الحق في إطار ما يسمى الآن بالديمقراطية كمبدأ وكنظام معمول به في العالم؟
يعتبر مناضلو حقوق الإنسان أن حق المواطن في تدبير الشأن العام يعطيه سلطة في اختيار من يمثله في تدبير هذا الشأن العام، ويكون هذا الاختيار مترجما في الأجهزة التي تشكلها الدولة.
وبمعنى آخر، هذا الاختيار يحدد من يمثل المواطن في البرلمان، وبالتالي أغلبيةً بهذا الجهاز، الذي تنبثق عنه حكومة، ومن ثم يكون هناك توازن في هذه السلط أساسه الديمقراطية.
بطبيعة الحال، يطرح الموضوع على مستوى آخر، أي علاقة هذه السلط بسلطة الملك، وفي المغرب، فإن نظام الحكم لا يفتح المجال للسلطة التنفيذية، أي الحكومة، لتمارس بشكل واسع هذا الحق، وحتى المواطن من خلال ممارسته حق الانتخاب، فإن نتائج الاقتراع لم تعرف النزاهة والشفافية المطلوبة التي تعكس هذا الحق.
إن سلطة الملك في مغرب الاستقلال، كانت تنفيذية، فبالرغم من أن للحكومة برنامجها، فإن الملك كان يمارس السلطة التنفيذية أو ما تم التعبير عنه بالملكية التنفيذية.لذلك يتم طرح مطلب فصل السلط حتى يبقى الملك بعيداً عن ممارسة هذه السلطة وحتى يتمكن المواطن من مساءلة ومحاسبة الشخص أو السلطة التي أعطاها صوته الانتخابي.
نعتبر في المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، أن الديمقراطية هي أساس كل تطور وكل تقدم وكل تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية. لقد قطع المغرب شوطاً كبيراً في مجال الحقوق المدنية والسياسية مع بعض التعثرات التي أكدتها هيأة الإنصاف والمصالحة، والتوصيات الصادرة عنها، وهي التوصيات التي يؤكد الجميع على أهميتها ويطالب بإعمالها...
وبالرغم من إقرار هيأة الإنصاف والمصالحة وتوصياتها بوجود خلل في ممارسة الحقوق المدنية والسياسية، فإنه لايزال هناك تردد في تدبير الشأن العام من خلال تحقيق الديمقراطية الحقيقية المبنية على فصل السلط، وظلت هناك هيمنة للمؤسسة الملكية على جميع السلط الأخرى ليس بالمفهوم القانوني المنصوص عليه بشكل واضح، ولكن من خلال الالتفاف حول الاختصاصات الموكولة دستورياً لبقية السلط، على سبيل المثال، بالنسبة لتعيين الموظفين السامين الذي يجب أن يكون من اختصاص السلطة التنفيذية...
إن أي تقدم نحو الديمقراطية يجب أن يمر من خلال سلطة الناخب التي يفوضها لمن يمثله في تدبير الشأن العام حتى يسائله ويحاسبه، ودون ذلك، لا تعتبره المنظمة المغربية لحقوق الإنسان شكلا من أشكال الديمقراطية.
وبقدر ما تكون السلطة الملكية مطلقة، فإننا نبتعد بشكل كبير عن الديمقراطية. وبقدر ما تكون هناك إمكانية مراقبة ومحاسبة الشخص أو السلطة التي يفوض إليها المواطن، تدبير الشأن العام، فإننا نقترب بشكل كبير من الديمقراطية.
إن الوضع الذي نعيشه اليوم بالمغرب يبدو وكأن الحكومة لا تمارس أية سلطة، لأنها غير منبثقة من ديمقراطية حقيقية، والانتخابات التي أفرزت نخباً بالبرلمان، هي انتخابات غير نزيهة، وأذكر هنا بأن تقارير المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ، بشأن الانتخابات، بينت وجود خلل كبير في ما يتعلق بالنزاهة، وبالتالي تزييف الإرادة الشعبية، وهو ما ترتب عنه وجود حكومة بدون مصداقية.
عبد العزيز النويضي
حتى أضيف في موضوع العلاقة بين حقوق الانسان والديمقراطية، والتي لا يمكن أن تكون عندنا في المغرب إلا في إطار ملكية برلمانية، أشير إلى أن القانون الدولي لحقوق الانسان إذا فسرناه بشكل سليم، يلزم جميع الدول أن تكون ديمقراطية، فهو يتضمن ثلاثة مرتكزات كبرى: المرتكز الأول هو حق الشعوب في تقرير مصيرها، الذي له بعد خارجي، ويعني حقها في التحرر من الاستعمار ومن الاحتلال ومن سيطرة الهيمنة الأجنبية ،وله بعد داخلي، وهوما يعني حق الشعوب في تقرير مصيرها ، أي الديمقراطية ، وأن لها الحق في اختيار نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
ثم هناك ثلاثة حقوق إذا مورست جيدا ، وهي موجودة في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي صدق عليه المغرب سنة 1979 : الحق في تكوين الجمعيات والاحزاب والنقابات والعمل في إطار تكافؤ الفرص بينها، الحق في حرية الرأي والتعبير، والحق في انتخابات حرة ونزيهة، إذا ما طبقت هذه الحقوق بشكل سليم، فإنها تنتج لنا نظاما ديمقراطيا، والحالة ، مع الأسف، رأينا أن هناك في المغرب تدخلا في حرية تأسيس الاحزاب والنقابات والجمعيات، ورأينا أن هناك تدخلا في الانتخابات وفي الاعلام الذي لايزال لحد الآن تحت الوصاية، لهذا فإن هناك عراقيل، و مساسا بالديمقراطية التي التزم بها المغرب، وإذا أردنا أن نضيف لهذه الحقوق ، هناك الحق في التنمية الذي يعني حق الشعوب والأفراد في المشاركة في سياسات ومسلسل التنمية وفي التمتع بثمارها..
محمد مدني:
في الحديث عن الخصائص الحقوقية والمؤسساتية، هناك أيضا خصائص أخرى غير مؤسساتية، أو خارج مؤسساتية، التي توفرت في هذه التجارب. فبالاضافة إلى تحقيق شروط مواطنة بالمعنى الكامل، هناك عملية فصل ثروة المسؤولين عن السلطة، وهي مسألة أساسية، وهي التي تفسر ظهور اللائحة المدنية كتعويض عن تخلي الملك عن تدخله في المجال الاقتصادي، وخصوصا في المجال العقاري الذي كان هو الأصل في الثروة، وبالتالي تعوضه الدولة بلائحة يصوت عليها البرلمان ، الذي يحددها بشكل يختلف من دولة إلى أخرى.
وبالاضافة إلى ذلك، كان خلق اقتصاد سوق حقيقي مسألة أساسية .معنى ذلك أن السوق مبني على المنافسة، أي أن الليبرالية السياسية التي هي منافسة بين الأحزاب بناء على قواعد انتخابية حقيقية ، وبناء على قواعد سياسية حقيقية، توازيها على المستوى الاقتصادي منافسة حقيقية، وهذا يتطلب محاربة الاحتكار، رغم أننا نعلم أن الاحتكار هو تطور طبيعي داخل الرأسماليات، إلى جانب ذلك ، هناك أيضا خلق ما يمكن تسميته بالاقتصاد التضامني، الذي يسمح بالتنافس وخلق اقتصاد للسوق، وذلك في نفس الوقت دون تهميش قطاعات تصوت لكي لا تبيع صوتها.
هذه فقط إضافة حتى تكتمل الصورة في مجال الحقوق وعلاقتها بالديمقراطية.
عبد العزيز النويضي:
بالاضافة إلى الجوانب السوسيولوجية والسياسية تطورت الملكية البرلمانية في اتجاه الديمقراطية بسرعة حينما رأت طبقة البورجوزايين الذين ينتجون الثروات، انه لا يمكن ان تقبل أن يبقى للقطاع و للأرستقراطيين والنبلاء امتيازات غير مستحقة، فرأت بأنه ما دامت تنتج الخيرات والثروات ،فيجب ان تشارك في القرار وفي تدبير الشأن العام، ثم تطورت الأمور عند دخول الطبقة العمالية إلى معترك السياسة وحصولها على حق التصويت، وتوسع هذا الحق، كل هذا ساهم في الوصول إلى أنظمة ديمقراطية.
{ هل يشكل النشاط الاقتصادي والاستئثار بالثروة في الملكيات عائقا في وجه الديمقراطية؟
عبد العزيز النويضي:
بدون شك، لماذا؟ ليس فقط في اطار الملكيات، بل في جميع التجارب السياسية الحديثة، رأينا أن الطبقات التي كانت تحرص على الاستئثار بالثروات غالبا ما كانت تميل نحو احتكار السلطة، وذلك عبر تهميش كل من يعارضها، ورأينا في أمريكا اللاتينية طبقات الملاك الكبار تحالفت مع الجيش عندما قام بانقلابات على حكومات مدنية منتخبة ديمقراطيا، كما رأينا في حالة الشيلي في بداية السبعينات، والبرازيل في منتصف الخمسينات وفي دول أخرى. إن مسألة الثروة تعد من العراقيل ، فعندما تكون الطبقات التي في السلطة مستحوذة على الثروات، فإنها تقاوم الانتقال الديمقراطي، وأعتقد أنه يجب أن تكون هناك تسويات وترتيبات حتى تسمح لمن يريد الاحتفاظ بالثروات، وأن يمارس الأعمال في الميدان الاقتصادي، أن يبتعد عن السياسة. ولكن الخلط بين ممارسة السياسة وممارسة الأعمال من شأنه أن يدفع الناس الذين يمارسون السياسة لاتخاذ قرارات لصالحهم أيضاً في المجال الاقتصادي، وبالتالي تحدث منافسة غير مشروعة وغير شريفة، وتضارب في المصالح لا يمكن أن يشجع على الديمقراطية.
سعيد بكري:
أعتقد أن العلاقة بين السياسة والمال علاقة أزلية موجودة منذ القدم. لكن أن يتم استغلال الموقع السياسي من أجل تنمية الثروة المالية والاقتصادية فهذا يناقض الديمقراطية. إن من حق الملك في الأنظمة الملكية أن يمارس التجارة مثلا، إلا أنه يجب أن تكون هذه الممارسة على قدم المساواة مع بقية المواطنين، وأن لا يكون هناك استغلال للموقع الذي يتبوأه الملك من أجل جلب منفعة أو تدبير يسهل له الربح والإثراء.هذا لا يتعلق فقط بالملك، بل أيضاً حتى بالنسبة للمقربين منه ومن السلطة التي تمنح وتسهل لهم تجميع الثروات بشكل غير مشروع.
إن الحق في ممارسة التجارة أو تكوين الثروة يجب أن يكون في إطاره المشروع، وأن لا تكون هناك علاقة جدلية بين أصحاب المال مع السلطة، لأن تداخل هذين الطرفين يفسد العملية
محمد مدني:
هناك مستويان في هذا الجانب على الأقل، المستوى المالي ويطرح مسألة أساسية، وهي من يتحكم في مالية الدولة؟ والجميع يعلم أن البرلمان في الديمقراطيات العريقة، هو نتاج للتحكم في الجبايات، أي عندما استطاعت البرلمانات في الدول الحديثة أن تستأثر بحق وضع الضريبة وتحديدها ، تم الانتقال نحو الملكية البرلمانية.
هذا المشكل أساسي، لأنه حتى في الحالة التي يكون فيها للبرلمان حق شكلي في وضع الضريبة وفي التصويت عليها، نجد في الواقع ، في دول مثل المغرب مثلا، البرلمان لا يتحكم في سيرورة وضع الضريبة، لأنها نفسها مرتبطة بالانتخاب، مرتبطة بالأحزاب السياسية، وبالعلاقة بين هذه الأخيرة والحكومة، ودور وزارة المالية ووزارة الداخلية، النقص في الموارد البشرية.إلخ... تجعل أن حتى ذلك الاختصاص المخول للبرلمان هو اختصاص ناقص، إن لم يكن شكليا.
المستوى الثاني ليس فقط في وضع الميزانية، بل في مراقبة تنفيذها ، ونعلم جميعاً وضعية ما يسمى بقانون التصفية والتصويت عليه، ففي المغرب، يتم طرحه متأخراً لأسباب قانونية ولأسباب عملية تجعل منه غير مُراقِب فعلي للطريقة التي تنفذ بها الميزانية، وبالتالي عندما لا يكون البرلمان يتحكم في هذا الجانب، فإن ذلك يطرح مشكلا على النظام السياسي.
إضافة إلى ذلك، هناك جانب أوسع من الجانب المالي، ويتعلق بما إذا كان هناك اقتصاد متمركز أو غير متمركز، وغالباً ما نناقش اللامركزية من الزاوية الادارية. لكن اللامركزية الحقيقية هي على مستوى الاقتصاد. إذا كان الاقتصاد مشكلا من أقطاب متكافئة نسبياً، في جميع الأحوال، كما قلت سابقا، فإن قانون التوجه نحو الاحتكار هو مسألة مرتبطة، ولا يمكن التخلي عنه، ولكن الديمقراطية البرلمانية أوجدت وسائل لكي لا يصبح هذا الاحتكار خطراً على النسق الاقتصادي والاجتماعي.
والواقع، نحن في المغرب، لدينا مركزة اقتصادية قوية تجعل المنافسة قوية، وهذا ما يفسر مواقف رجال الأعمال، منافسة سياسية واقتصادية تصبح مسألة صعبة جداً إن لم نقل مستحيلة.
حسن طارق:
إضافة إلى ما أشار إليه الأستاذ محمد مدني، هناك ما يتعلق بعلاقة مناقشة الميزانيات بالملكيات البرلمانية. كان الاختصاص المالي للبرلمان هو العنصر الأول في الصراع بين تشكيلات اجتماعية لديها تمثيلات مختلفة إما داخل العائلات الملكية أو داخل البرلمانات ومجالس العموم... كان هناك صراع حول الاختصاصات المالية، هذا من جانب، الجانب الثاني متعلق بالنقاش النظري حول الديمقراطية أو الدمقرطة، والذي اعتبره الكثيرون بمثابة هندسة للمصالح الاقتصادية داخل مجتمع من المجتمعات، وبالتالي فرز لقوى اقتصادية متقابلة وليست لديها هيمنة مطلقة لهيأة أو لفئة اقتصادية معينة. هذا التوازن المادي والاقتصادي، في لحظة من اللحظات، يخلق الحاجة الى قواعد لعب و حياد موضوعي للدولة تجاه الفاعلين الاقتصاديين، وهذا كان جزءا من نقاش كبير حول الاقتصاد السياسي للديمقراطية، أو كيف يمكن أن يكون هناك تحول ديمقراطي بالنظر للمعطيات الاقتصادية.
الجانب الثالث متعلق بالنقاش الذي انصب جزء منه في إطار الدراسات الديمقراطية حول ما يعرف بالشرطية الاقتصادية...
طبعاً اليوم هناك سقوط لهذه الشرطيات، الشرطية الثقافية والعلاقة بين الاسلام والديمقراطية ،وما طوره المنظرون الأمريكيون، الذين اعتبروا ، مثلا، أن الموجة الرابعة هي موجة مسيحية يصعب تصورها في مجتمعات اسلامية.
الجانب الرابع، يتعلق بنقاش يعرفه العالم اليوم، ويهم تضارب المصالح، كيف يمكن تقنين المنافسة؟ كيف يمكن أن تكون هناك أخلاقيات للتنافس؟ وكيف يجب أن يكون هناك وضوح كامل في العلاقة بين السياسي والاقتصادي، وهناك حاجة في المغرب أن يكون هذا النقاش حول تضارب المصالح، أي ما هي التزامات الفاعلين السياسيين؟
إن علاقة الاقتصاد بالسياسة يجب أن تطرح بقوة الآن بالمغرب لمناقشتها وإيجاد حلول بشأنها.
خامساً، يتعلق هذا الجانب ،على المستوى المغربي، بالتشكيلة الطبقية للدولة، وما هي علاقتها بالاقتصاد، من السابق، هل السياسي هو الذي صنع الاقتصادي؟ هل الدولة هي التي صنعت البورجوازية؟ هل الدولة صنعت ، من خلال قراراتها ، فئة موالية؟
اليوم، نلاحظ أن هناك أشخاصاً في حركة 20 فبراير جاؤوا من العالم الاقتصادي، هل يعني هذا أن هناك مسلسلا لاستقلالية فئات بورجوازية ترى أن نشاطها الاقتصادي مرتبط بوضع سياسي معين قائم على مبدأ التثمين القانوني والدستوري لمبدأ المنافسة؟
يجب على الباحثين والمهتمين أن يلتقطوا مواقف عينات كبيرة من رجال الأعمال والاقتصاديين، وهو مؤشر له دلالات سوسيولوجية عميقة تجاه الدولة التي يجب عليها ضمان الحياد الموضوعي نحو الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين، وأعتقد أن الدولة المغربية كانت تُخترق بما أسميه بنوع من الايديولوجية، أي تفوق الدولة على المجتمع. إيديولوجية تقول إنه في المجال الاقتصادي يجب أن تكون هناك قاطرة لها علاقة بالدولة أو بالمؤسسة الملكية، لكي تقود الاقتصاد (بمبرر الدفاع عن الاقتصاد الوطني أو تشجيع الاستثمار) ،نفس هذه الايديولوجية هي التي أفرزت حالة «حزب الدولة».
عبد العزيز النويضي:
سأتناول الموضوع من زاوية العلاقة بين السلطة والثروة، هناك عالم اجتماعي اسمه إليكيا مبوكدو ELIKIA M›BOKDO ، يقول إنه في دول خرجت من فترة الاستعمار ، ومنها المغرب مثلا، أهم استثمار يقود إلى الثروة، ليس هو الخبرة والمعرفة ورأس المال ، بل هو السلطة، فعندما تكون في السلطة فإنك تستطيع أن تنجح في عالم الأعمال، وأن تراكم الثروات، وهذا يتضح لنا من خلال مثال بسيط، هو أنه في سنة 1996 عندما تم إقرار الغرفة الثانية (مجلس المستشارين) رفعنا من درجة الرشوة في الانتخابات، إذ أن عددا من الأشخاص في المجالس الجماعية مثلا، أصبحت لهم إمكانيات لبيع أصواتهم في عدة مراحل، وبالتالي تتأكد فرضية أن موقع الشخص في التدبير أو في السلطة، يوفر له إمكانية الاغتناء، فما بالك إن كان الموقع أكبر من هذا المستوى؟
{ وردت في الخطاب الملكي ليوم تاسع مارس، سبعة محاور تتضمن مقترحات للبناء الدستوري المقبل، هل تعبد هذه المحاور الطريق لنظام ملكية برلمانية بالمغرب؟
وماذا عن اللجنة التي تم تنصيبها ؟ عن تركيبتها؟ منهجية عملها؟
حسن طارق:
إن المحاور السبعة الواردة في الخطاب الملكي تفتح الباب ليس لتعديلات بسيطة، بل إنها تفتح المجال، إذا ما أعطيناها تأويلات ديمقراطية وبرلمانية، لتغيير هندسة وتوزيع السلط داخل المنظومة الدستورية المغربية. إن الأمر متعلق بتدبيرنا وقراءتنا لهذا النص.
عمليا نقطة الانطلاق أعطيها توصيفا: خطاب 9 مارس ينطلق من ما يمكن تسميته بدستور الكتلة الديمقراطية، ونقطة وصوله هي دستور 20 فبراير. طبعا سيكون دستور 2011 ما بين هذين الدستورين. ماهو دستور الكتلة الديمقراطية؟ هو الدستور الذي تمت المطالبة به منذ مذكرة 1991، وصولا إلى مذكرة الاتحاد الاشتراكي في 8 ماي 2009 ، مرورا بمذكرات 92 و 1996، والمذكرة التي لم تقدم سنة 2007. هذا الدستور، دستور الكتلة الديمقراطية، يشتغل أساسا على إعطاء ضمانات متعلقة بحقوق الانسان في ما يتعلق بالمبادئ العامة ويشتغل أساسا على توزيع السلط بإعطاء نوع من التوازن على مستوى العلاقة ما بين الحكومة وما بين البرلمان، مثل توسيع صلاحيات مجلس النواب وإعطاء مصداقية أكبر للحكومة وتقوية مسؤوليتها أمام البرلمان . هذه هي الخطوط العامة الرئيسية التي حكمت هذه المذكرات، لذلك فخطاب 9 مارس ينطلق من التجاوب مع هذه المطالب. ويمكن أن نقرأه في أفق أكبر، فبعد 20 فبراير لم تعد الملكية البرلمانية شعارا، بل أصبحت مطلبا ، وهذا التحول مطلب امتلكه الشارع، امتلكه الفضاء العام، امتلكه الشباب، اليوم هذه المسافة من دستور الكتلة الديمقراطية إلى دستور 20 فبراير ستدبر وفقا للتدافع السياسي الذي سيقع في الثلاثة أشهر المقبلة، ووفقا للنقاش العمومي الذي سيفتح، ووفقا للتفاعلات التي ستحدث ونعيشها كأحزاب وهيئات.
إذن دور اللجنة لا أعطيه قيمة كبرى في التحليل، طبعا هذه اللجنة، في تاريخ النزاع الشكلي أوالمسطري ، تشكل خطوة إيجابية، لأننا ، على كل حال، مررنا من مرحلة التنازع حول المسطرة ، مثل إنشاء المجلس التأسيسي، والتي كانت أيضا تعبر عن نزاع وصراع حول المشروعيات، لذلك فالنقاش حول المسطرة يسميه الأستاذ محمد مدني، نقاشا ما قبل دستوري ،لأن المغاربة تصارعوا حول الشكل قبل حتى الصراع حول المضمون، والصراع حول الشكل صراع سياسي يعبر عن التشكيك في مشروعية الدولة في لحظة من اللحظات، ثم انتقلنا من الصراع في الستينيات حول الشكل وحول المسطرة، تحولنا في التسعينيات إلى ما يمكن تسميته بمحاورة ثنائية ما بين الكتلة الديمقراطية ومابين المؤسسة الملكية، كانت فيها المذكرات كصيغة، وكانت فيها تقاليد الكتمان،وكانت لديها حدود. كانت الدولة إما تتجاوب وإما تلتف على بعض المطالب، مثل مطلب إلغاء الثلث غير المباشر، حيث تم تحويله إلى غرفة ثانية، أو تتجاهل مطالب أخرى، وكانت لديها حدود كذلك في ما يتعلق بالشكل. إن الملك الراحل مثلا كان يرفض إطلاع قادة أحزاب الكتلة على مشروع الدستور قبل عرضه على الاستفتاء.
اليوم، اتجهنا إلى لحظة بها آليتان ،آلية للخبرة والثانية سياسية، قد يكون الشكل مهما، لذلك ينبغي الاجتهاد. فنحن يجب أن ننطلق من لحظة الحوار مابين الأحزاب والدولة إلى لحظة تعاقد مجتمعي. إن هناك أطرافا أخرى يجب الاستماع إليها وإشراكها ، بما في ذلك العدل والاحسان ،مثلا ، بما في ذلك شباب 20 فبراير، بما في ذلك إشراك الاعلام، كي تكون لحظة الحوار قوية وعميقة.
إذن دستور 2011 ستكتبه هذه الدينامية السياسية، وهذا التفاعل ما بين الاحزاب السياسية وما بين الفاعلين.
بدأنا نرى أن مذكرات الأحزاب نقلتنا إلى مرحلة ثانية من النقاش في القضية الدستورية، لم نعد نناقش فقط ما يسمى بالطبقة السفلى (البرلمان، الحكومة ، القضاء) أصبحنا نناقش الطبقة العليا (اختصاصات المؤسسة الملكية) وهذا تحول في الموضوع في ما يتعلق بالاصلاح الدستوري.. وخطاب 9 مارس يعطي اشارات وإمكانية تأويل ديمقراطي وتأويل برلماني ،لأنه يركز على عدد من المبادئ، مثلا تضمن الخطاب قضية المسؤولية، وهي توجد في عمق فكرة الديمقراطية والأنظمة البرلمانية، والمحاسبة معناها المراقبة ،ومعناها أن من يملك السلطة يحاسب ويساءل.
ثانيا تأكيد الخطاب الملكي على فصل السلط. هناك نظرية الديمقراطية الحسنية التي تعتبر أن فصل السلط يهم فقط السلط التي هي دون المؤسسة الملكية. بمعنى أن المؤسسة الملكية غير معنية بأي فصل للسلط، فإلى أي مدى ستقدم لنا الوثيقة الدستورية تجسيدا لفصل السلط المتعارف عليه؟
محمد مدني
في ما يخص اللجان بشكل عام ، أكرر أن المشكل ليس في اللجان... في المجتمعات الديمقراطية قد تلجأ الحكومات أو المجالس البرلمانية أو أصحاب القرار إلى لجان للخبراء تساعد على اتخاذ القرار.
النوع الثاني من اللجان هي لجان منتخبة،وهذه لا تطرح مشكل مشروعيتها، المشكل المطروح في المغرب هي لجان تمثل في الواقع استمرارا مرنا للسلطة التنفيذية، أي أنها من الوسائل الجديدة لتحرك السلطة التنفيذية، وهو ما يطرح مشاكل حول الاستقلالية وحول طريقة العمل أو حول التمثيلية والمشروعية.
أعود إلى السؤال الذي طرحته بشأن اللجنة وقيمتها؟ إني أقوم بالتقييم بناء على الوقائع وليس على تصورات مسبقة. إذن إذا أردت أن أحكم على فترة سياسية معينة ألجأ إلى الوقائع، ماهي هذه الوقائع في المرحلة الراهنة؟ أولا الخطاب الملكي ل 9 مارس أتى بشيئين واضحين على مستوى الخطاب. أولا الملك نطق بعبارة «الاصلاح الدستوري»، هذا واقع، شيء لم يفعله منذ 1999، نعم ، لقد سبق أن أشار إلى عبارات أخرى في خطبه مثل الإصلاح المؤسساتي ، الحكامة المؤسساتية، لكن عبارة الاصلاح الدستوري تضمنها الخطاب الملكي لأول مرة.
الحدث الثاني لم يتم النطق بعبارة « ملكية برلمانية ».
إن خطاب 9 مارس قد يؤول بهذا الشكل أو ذاك، ووقائع تأويل الخطاب كانت دائما تأويلا تيولوجيا ، وهذا هو المشكل. منذ السيتنات ،اعتبر الخطاب الملكي بمثابة أمر وإن لم ينشر بالجريدة الرسمية، في السبعينات ، بدأ التأويل وأعطيت تأويلات للخطب الملكية، واستمر الحال إلى يومنا هذا، فهذا التأويل لايزال حاضرا ولم يصدر شيء يقطع معه بشكل نهائي. وإلى جانبه ذلك هناك التأويل الذي تحاول الأحزاب أن تعطيه إلى هذا الخطاب، وهو التأويل البرلماني، الذي تحدث عنه الاستاذ حسن طارق، ولكن التأويل الأول هو الذي يطبق.
لتقييم هذه المرحلة نتوفر على ثلاث أدوات لمعرفة ماهي أهمية حدث معين.
أولا هذا الخطاب ( خطاب 9 مارس) هو الاعلان عن برنامج ولا يتعدى ذلك، أو بمثابة ورش يتكون من سبعة محاور، هذا الاعلان لا يمكن دراسته إلا بربطه مع القرار السياسي الذي سيتلوه، ولا يمكن ربطه إلا مع التطبيق الذي سيعرفه القرار السياسي. وفي انتظار ذلك على ماذا نتوفر ؟ نتوفر على وقائع.
الوقائق بعد الخطاب، هناك اللجنة، وتحدثنا عنها وعن المخاوف التي تثيرها. هناك استعمال الفصل 19 الذي يطرح مشاكل حول الاعلان، حتى إذا أولنا أن الخطاب يسير نحو الملكية البرلمانية، هذه الممارسات تطرح اشكاليات.
هناك أيضا موقف الاعلام الرسمي، لأن الاعلام الرسمي ليس فقط مسألة إعلامية. فمن بين أوجه إصلاح الاعلام هناك التعددية ، وتبرز خصوصا على مستوى التلفزيون، وهذا ليس حاضرا في الاعلام الرسمي. هناك بعض الانفتاحات ولكن التوجه العام غير تعددي خصوصا في ما يتعلق بتغطيات حركة 20 فبراير.
الواقع الآخر هو التعامل مع الاحتجاجات بشكل عنيف. هذه كلها وقائع تجعل المرحلة ما بين الاعلان واتخاذ القرار تدفعنا نحو خلاصة معينة، وهي ان الاصلاح ليس بالشكل الذي نتصوره، بل سيكون عملية صعبة قبل عملية القرار.
ان هذه العناصر تؤكد أن القرار لن يكون كما يتصوره البعض، يسير في اتجاه ملكية برلمانية.
عبد العزيز النويضي
إن من العناصر الايجابية في الخطاب الملكي، هو ربط السلطة بالمسؤولية، إذ هذا في الحقيقة يفتح آفاقا كثيرة للتوجه نحو دمقرطة أعظم للنظام وحد أكبر من سلطات الملك. اللجنة لن أطيل في الحديث عنها ، وإن كان ما يصدر أحيانا عن بعض أعضائها يدفع إلى التساؤلات ، مثل ما صدر عن الاستاذ محمد الطوزي الذي قال بأن الطبقة السياسية بالمغرب غير ناضجة للملكية البرلمانية، وهذا تصريح خطير، إذا كان قد استقاه وأوحي إليه بأن يصرح به ،فهو خطير، وإذا كانت هذا وجهة نظره الشخصية فإنه تجاوز واجب التحفظ الذي يجب أن يطبع عمل اللجنة.
بالنسبة للجنة متابعة تعديل الدستور، هي لجنة تم تبخيس قيمتها ، وأرى أنه على الزعامات السياسية خاصة المنتمية للأحزاب الديمقراطية، أن تعمل على تطوير هذه اللجنة ، وأن يكون لها موقع كبير في هذه اللجنة شريطة أن لا يتم إغراقها بعدد من الأحزاب الادارية التي لم يسبق لها أن طالبت بالتعديلات أو الاصلاحات الدستورية، وأرى أنها اليوم لا شرعية لها في ان تغرق اللجنة حتى تمكن فيما بعد من التذرع بأن لجنة تعديل الدستور إنما قامت بتركيبة لمطالب عدة. إني أرفض هذا المنطق وأرى بأنه يجب أن يكون الحوار الأساسي مع مطالب حركة 20 فبراير ومع مذكرات الأحزاب الديمقراطية التي لها تاريخ ومع المنطلقات السبعة للخطاب الملكي والتي يجب تأويلها في الاتجاه السليم.
ما سيصدر ، كما قال صديقي محمد مدني، هناك مؤشرات ولكني أرى أن ما سيحسم النتيجة هو مجموعة من العناصر، وهي عناصر متراكمة ويتأثر بعضها ببعض.
العنصر الأول هو ما يريده الملك ، خاصة عبر الاستشارات التي قد يكون قام بها على المستوى الدولي ،لأن هذه مسألة أساسية.
العنصر الثاني: ما يقوم به الاعلام، لأن الاعلام يلعب دورا أساسيا، لقد سمعت بأن بعض المنشطين لبعض البرامج الترفيهية (مثل نغمة وتاي) أو بعض البرامج «الاجتماعية» (الخيط الأبيض) دخلوا على الخط، ولا يمكن أن يفعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم في اتجاه يعطي تفسيرات من شأنها أن تُعلّب الأفئدة والعقول البسيطة في اتجاه لا علاقة له بنقاش حر ومفتوح.
إذن للاعلام دور خطير، ويجب أن ننتبه إلى ذلك، ويجب على القوى الديمقراطية أن تناضل في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة حتى يكون الاعلام معبرا عن مختلف وجهات النظر.
ما سيؤثر كذلك هو الشارع، فإلى أي حد ستستمر حركة 20 فبراير وتأطيرها.. الخ.؟ وأنا أرى أن هذه الحركة تتأثر بما يجري في العالم، والخطاب الملكي لم يأت فقط نتيجة حركة 20 فبراير، بل نتيجة للنتائج التي جاءت بها حركات 25 يناير (مصر) و14 يناير (تونس)، وما يقع في ليبيا وفي اليمن وغيرهما، أعتقد أن كل هذه العناصر سوف تتداخل لتعطينا النتيجة، ولكن في هذه المرحلة أعتقد أن على الديمقراطيين أن يبقوا يقظين، وقد أسس عدد منهم حركة تسمى «يقظة».إن على القوى الديمقراطية ان تبقى حاضرة حتى تدفع في اتجاه تفسير يؤدي بنا إلى ملكية برلمانية ، وكما قال الأستاذ محمد الطوزي نفسه ، إن الملكية التنفيذية بالشكل الذي تمارس به اليوم هي خطر على الملكية، وهي ضارة، وهو قال فكرة أتفق معه فيها، قال إن المغاربة يحكمون على الملكية بدرجة نفعيتها، وأن مشروعيتها التاريخية، وأنا أضيف مشروعيتها الدينية، لم تعد تلعب دورا ، خصوصا إذا استغلت للإبقاء على ملكية تنفيذية يستظل بظلها عدد من الأشخاص للهيمنة على الحقل السياسي والهيمنة على الحقل الاقتصادي. وأعتقد أن كل هذه المحددات ستؤثر في القرار، وهي تدعونا إلى اليقظة، خاصة إزاء الاعلام الرسمي، وخاصة تجاه ما ستقوم به وزارة الداخلية من سلوكات لتأطير الاستفتاء وعملية الاستفتاء.
سعيد بكري:
أطرح سؤالا أراه مهما جدا، بالنسبة لي أعتبر ما جاء في الخطاب الملكي من نقط أساسية مهمة هي نتاج لمرحلة سياسية طويلة عاشها السياسيون بالمغرب، إذ كانوا يطرحون هذه النقط أو المطالب ولم تكن هناك إمكانية الاستجابة إليها ، حتى أنه لم نكن نتصور أنه في مرحلة معينة سيتضمنها الخطاب الملكي. في 9 مارس عدد كبير من الناس تفاجأوا بالخطاب الذي ألقاه الملك، نظرا لحمولته القوية ومضامين النقط السبع التي تضمنها، فلذلك أطرح شخصيا سؤالا : هذه النقط السبع حتى وإن تم إدراجها في الدستور بطريقة قوية، هل يمكن على أرض الواقع أن تعرف التنفيذ الحقيقي، حتى نرقى إلى مرحلة الديمقراطية؟ إن هذه النقط ، إن أدرجت في الدستور، ستتطلب منا معركة أخرى على مستوى القوانين التي يمكن من خلالها تفعيل هذه المبادئ السامية دستوريا. نأخذ على سبيل المثال السلطة القضائية وإقرارها سلطة مستقلة، هل بمجرد التنصيص عليها في الدستور سيتحقق استقلال القضاء، أم أن الأمر يتطلب معالجة المجلس الأعلى للقضاء، استقلالية القضاة عن السلطة التنفيذية، بعد وزير العدل عن القضاة وعن المحاكم... وهذه أسئلة خطيرة جدا تقتضي منا أجوبة عنها وإيجاد حلول تمكن بالفعل من تكريس هذه المبادئ في الدستور وإعطائها بعدا واقعيا.
السؤال الآخر الذي يطرح نفسه، هل هذه المبادئ ستعطينا دستورا ممنوحا؟ هل هذه المبادئ التي وردت في الخطاب هي التي ستأخذ بها اللجنة، وهي لجنة معينة، أم أن خبراء اللجنة سيضعون دستورا يجمع ويأخذ بعين الاعتبار آراء وأفكار كافة المواطنين؟
لماذا مثلا لا يتم تجميع الخبراء والسياسيين في لجنة واحدة؟
محمد مدني
هناك بعض الوقائع لم تحدث قطيعة معها بالرغم من أن مضمون الخطاب قد قطع معها، وهي الممارسة السياسية التقنوقراطية، هذا ما يهمني في النقاش.
عندما أشار الخطاب إلى وزير أول منتخب، هذا يعني أن المنطق هو إعطاء أهمية للاقتراع العام في العمل السياسي. ولكن عندما تنشأ لجان، فإن وظيفة هذه اللجان هي تقننة المشاكل السياسية. وهذا غير مساير لدور الاقتراع بشكل أساسي، بمعنى أن التصور التقنوقراطي لم يتم القطع معه ولايزال حاضرا في قضية مهمة، وهي قضية تأسيسية. لأن القضية الدستورية قضية مهمة وليست قضية عادية. المشكل هو أنك عندما تلجأ إلى الحل التقنوقراطي يكون هناك خلل في التنسيق مع الحل السياسي، لك أن تختار، لا يمكن أن تتعامل مع السياسي بجانب التقنوقراطي، وهذا هو إشكال الحكومة كذلك. لأن في الحكومة هذا التعايش بين ما يسمى بالتقنوقراطي والسياسي طرح مشاكل. وفي وضع الدستور نرى أنه يطرح مشكلا ، لأنه ليست هناك صيغة مختلطة تجمع بين الاثنين، هناك دائما اختيار، إما دول تعطي التأسيس لبرلمان، مثلا في اسبانيا سنة 1977، أعطت الانتخابات أغلبية معينة في البرلمان، فأسست لجنة من 35 عضوا ، وهي لجنة تأسيسية، أي تقوم بدور وضع الدستور وضمنها عهد ل 7 أشخاص بصياغة الدستور، وهؤلاء الأشخاص لجأوا للخبراء بمن فيهم شخصية ستحصل في سنة 1989 على جائزة نوبل في الآداب، وهو الروائي والشاعر ماريو صولا ، وذلك لتنقيح اللغة، لكن الاختيار كان سياسيا برلمانيا، في المغرب مازلنا أمام هذا التأرجح التقنوقراطي ويكون هو الأساسي ، وننادي على السياسي لأننا نحس بضعف ذلك الاختيار من حيث المشروعية. بمعنى أن السياسي يأتي ليضفي مشروعية على اختيار تقنوقراطي واضح ، وهذا الاختيار هو الذي يسير الى حدود الاستفتاء.
{ شرعت الاحزاب السياسية ، منذ بداية أبريل ، في تقديم وعرض مذكراتها. بعض هذه المذكرات لم يشر للملكية البرلمانية.والبعض اعتبر مطالبه لبنة في اتجاه الملكية البرلمانية، ومذكرات طالبت بإقرار هذا النظام دون تردد، ومذكرات تحدثت عن ضرورة إبداع ملكية برلمانية طبقا للخصوصية المغربية...ماهو تقييمكم لهذا «التنوع» ؟
حسن طارق
أعتقد ، وبشكل عام، أن قضية الملكية البرلمانية أصبحت مهيكلة للنقاش. يعني أنها هي التي تحدد التقاطبات، لذلك فإن الرأي العام والمتتبعين يعتبرون هذه المذكرة مع الملكية البرلمانية، وهذه دون الملكية البرلمانية، وهذه في أفق الملكية البرلمانية.
إذن هذا المحدد جيد، لأننا في نقاش له أفق واضح من الناحية الدستورية. أين يكمن التحول في موضوع الإصلاح الدستوري؟ يبرز في الجيل الأول للمطالبين بالإصلاح الدستوري على الأقل منذ التسعينات، والتي كانت المذكرات تركز فيه على اختصاصات الحكومة واختصاصات البرلمان، اليوم تحول الموقع الى السلطة التنفيذية، مذكرات اليوم يمكن أن نقرأها من زاوية تفاعلها مع مطلب الملكية البرلمانية، وثانيا فجميع المذكرات التي قدمت يمكن أن نصنفها في خانات حسب تدبيرها للسلطة التنفيذية، وأعتقد أن تدبير العلاقة داخل السلطة التنفيذية هو السؤال الذي طرح على الأحزاب. من سيتحمل المسؤولية داخل السلطة التنفيذية؟ هل الملك أم الوزير الأول؟ كيف سيتم توزيع الأدوار داخل السلطة التنفيذية؟ هل ستبقى المؤسسة الملكية هي المهيمنة على السلطة التنفيذية؟ أم أننا سنتجه الى شراكة واقتسام الاختصاصات؟ أم سنسير مباشرة الى الحكومة ، هي المشرفة على السلطة التنفيذية؟ هذا سؤال محوري وهو ما حاولت المذكرات الإجابة عنه، هناك من اقترح توزيع السلطة بين المؤسسة الملكية وبين الحكومة، ما بين مجلس وزاري ومجلس حكومي، هناك من طرح إلغاء المجلس الوزاري، وهناك من طرح الإبقاء على المجلسين، وقائل طرح أن يبقى مجلس حكومي والى جانبه مجلس أعلى، حتى نماذج المقارنة هنا غير متوفرة، لأنه في الغالب يكون هناك مجلس واحد في نظام شبه رئاسي أو شبه برلماني. في فرنسا مثلا ، هناك المجلسان معا ولكن التكييف السياسي لهما مرتبط بطبيعة المرحلة، هل هناك تعايش سياسي أوأن حزب الرئيس هو نفسه حزب الوزير الأول. اعتقد أن هذا هو جوهر النقاش، وهذا هو السؤال الجوهري، أي كيفية توزيع الصلاحيات داخل السلطة التنفيذية؟ أي كيف توزع بين المجلس الوزاري والمجلس الحكومي؟
لقد رأينا العديد من التطورات ووجهات النظر، وهذه القضية أعطت لنا ما يعرف بالمجالات، المجال المحفوظ، ما الذي سيبقى حكرا على المؤسسة الملكية؟ هناك من اعتبر أن السلطة الدينية وحدها تبقى، وهناك من اعتبر أنه بالاضافة إلى السلطة الدينية، يبقى جزء من السلط والوظائف السياسية.
المجال الثاني الذي برز من خلال هذه المذكرات، هو المجال المشترك الذي توجد فيه مسؤولية الملك ومسؤولية الحكومة ، مثل مذكرة الاتحاد الاشتراكي، حيث هناك فكرة أن يضم المجال المشترك قضايا الخارجية والدفاع ويتم التداول بشأنها في المجلس الوزاري، والقرارات يصدرها الملك، لكن يوقع عليها الوزير الأول بالعطف. أو أن المجلس الحكومي هو الذي يقترح التعيين في مناصب الولاة والعمال والسفراء، لكن هذه التعيينات تتم تسميتها داخل المجلس الوزاري من طرف الملك.
إذن اعتقد أن هذه القضايا الثلاث هي القضايا الأساسية، نحن في منطق النقاش حول الملكية البرلمانية، جزئيا هذا النقاش انحاز الى السلطة التنفيذية، أي كيفية تقسيم هذه السلطة بين الملك والحكومة، وثالثا الهندسة الدستورية لهذه المجالات.ما هو المجال المحفوظ للملك، وما هو المجال المشترك؟ وما هو المجال الحصري الذي تمارس فيه الحكومة السيادة الكاملة كجزء من السلطة التنفيذية. وهنا عندما نعود الى خطاب 9 مارس، هناك في المحور الرابع من المحاور المعلن عنها ، تقوية مكانة الوزير الأول، كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية (دون ال «التعريف»).
عبد العزيز النويضي
هناك في الخطاب الملكي ل 9 مارس، مبدآن اثنان يمكن أن يفسرا في اتجاه الملكية البرلمانية، فالعبارات التي تقول إن الوزير الأول يتوفر على سلطة تنفيذية حقيقية. بطبيعة الحال مع التحفظ ومع النقاش المشروع حول استعمال العبارات، ولكن إذا أضفنا الى ذلك ربط السلطة بالمحاسبة والمسؤولية، فهذا الربط يدفع في اتجاه توسيع سلطات الوزير الأول أو رئيس الحكومة.. وإن كان يجب أن نبقى حذرين في نفس الوقت بالنظر الى أن من بين الثوابت الخمسة التي جاءت في بداية الخطاب كانت هناك اشارة الى إمارة المؤمنين، واشارة الى الإسلام، وجعل الخيار الديمقراطي في أسفل القائمة.
إذن بعض الأمور التي انتبهت إليها في مذكرات الأحزاب، وأنا ألح على الأحزاب الأساسية ، مثل الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية وحزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية واليسار الاشتراكي الموحد، الذي ذهب الى أبعد مدى ممكن ، هنا نقط فيها نوع من التمايزات، وهي تتعلق بأمير المؤمنين.هناك من يقبل بأن يحتفظ الملك بهذا اللقب في باب الملكية مع أخذ احتياطات كبيرة ، وذلك بالنص على أن الملك ينحصر دوره في المجال الديني مع اضافة عبارة أنه يمارس الاختصاصات المنصوص عليها صراحة فقط في الدستور. وحتى في ما يخص الدور الديني فأنا لا أراه صمام أمان، أي أن النص على أن الملك ينحصر دوره في تأطير الحقل الديني ليس صمام أمام ، لأن تأطير الحقل الدبيني يمكن أن يذهب في اتجاه تدبير السياسات العمومية. وهو ما يرجح أن الملك يدخل من باب الحقل الديني الى المجال التنفيذي، والى مزاحمة السلطة التنفيذية.
هناك مجال آخر أرى أن أغلب المذكرات تتفق عليه وهو احتفاظ الملك بصفة القائد الأعلى للقوات المسلحة، والتعيين في المناصب العسكرية. وأعتقد أن هذه المقتضيات جاءت لتطمئن الملك على أن وسائل مهمة جدا لممارسة السلطة والتحكيم ولحماية المؤسسة نفسها عند الاقتضاء تتطلب بأن يحتفظ الملك بقيادة الجيش.
هناك كذلك اشارة يراد منها عدم تدخل الملك في الحقلا السياسي كفاعل وطرف وهو دور التحكيم بين المؤسسات. ولكن تختلف الصياغات إذا كان يقال بدور التحكيم في إطار الدستور وكان هذا الأخير دقيقا فإن ذلك سيجعل التحكيم لايؤول في اتجاه التدخل في الحقل السياسي لصالح أحد الأطراف.. إذن كل شيء يتوقف على الصياغة الدستورية ودقة العبارات وكذلك على منح المجلس الدستوري سلطة تؤول الخلافات حول الدستور، أي أن سلطة تأويل الدستور لا تبقى لجهة أخرى غير المجلس.
محمد مدني
في ما يتعلق بالتنصيص في الدستور على أن الديمقراطية من الثوابت ، هذا ليس بالجديد، ففي الدستور الحالي هناك تنصيص على أن نظام الحكم في المغرب، نظام ملكية دستورية ديمقراطية اجتماعية، مامعنى الثوابت في الدستور؟ هي الفصول التي لا تقبل المراجعة، هذا هو معناها الدستوري. من الفصول التي لا تقبل المراجعة هناك الشكل الملكي للدولة، أي كملكية دستورية ديمقراطية...
عبد العزيز النويضي
أنا طرحت ترتيب الديمقراطة في الخطاب الملكي، لم تأت في المقدمة.
حسن طارق
هناك مذكرات طالبت بتضمين الدستورالطبيعة الديمقراطية للدولة...
محمد مدني
يجب أن نعتبر أنها منصوص عليها أصلا ربما في الترتيب جاءت الرابعة ولكن منصوص عليها.
في ما يخص النقاش حول السلطة التنفيذية هناك جانبان، جانب يمكن التنصيص عليه في الدستور، وكيف يتم التنصيص عليه ؟ مثلا قد نتفق على أنه في الدستور يتم التنصيص على السلطة الدينية للملك، هذا لا يطرح مشاكل، ولكن المشكل في ممارسة السلطة الدينية، مثلا عندما نأخذ مثال النظام البرلماني الانجليزي، فإن وضعية الملكية الاعتبارية هي رئيسة الكنيسة الانجليكانية. إذن فمجالها الديني هو من اختصاصها التاريخي. و لكن من الناحية الاجرائية كيف يمارس هذا الاختصاص التاريخي؟ يمارس بعد استشارة الوزير الأول. رغم أنها هي قائدة الكنيسة. ويتم تعيين الاساقفة، أي القيادات الكبرى الدينية وتقابلها عندنا المجالس العلمية بناء على لائحة تقدمها لجنة اكليروسية.
إذن، لاأحد يمكن أن يجادل في هذا الاختصاص الديني، لكن النقاش يطرح حول طريقة تنفيذه وعلاقته بالسلطة التنفيذية. إن المشكل المطروح على مستوى المسؤولية هو مشكل التدبير اليومي، أما الوضع الاعتباري للملك فيحتاج الى أن يبتعد عن التسيير الديني بما فيه السياسي اليومي الديني لأن فيه مشاكل ونقاش وأخذ ورد ، وهذا ما قد يتعاضر مع الدور التحكيمي للملك.
فيمايخص التحكيم، واتحدث مما هو موجود، أن الملكية البرلمانية تتميز بدورها التحكيمي، وهذا الدور التحكيمي يجب أن يكون دورا ديمقراطيا، لكي لا يؤول بشكل تحكيمي تقليدي، لأن التحكيم التقليدي هو الذي ورد في الخطاب الملكي في الستينات خلال عهد الراحل الحسن الثاني الذي قال أنه إذا كنت أنا الحكم فمن حقي أن أطرد اللاعبين.
إن التحكيم يجب أن يكون تحكيما ديمقراطيا، أي ينبني على قواعد ديمقراطية واضحة.
سعيد يكري
أريد أن أعود إلى ما ورد في الدستور المغربي بأن النظام هو نظام ملكي ديمقراطي،وهذا يختلف نوعا ما عن ما تم طرحه في الخطاب الملكي ليوم9 مارس من كون أن أحد التوابت هي الديمقراطية. وكأن الملك يريد أن يقول كفى من المرحلة الانتقالية ، الآن سننقل الى مرحلة أخرى لتكريس الديمقراطية التي طالما ناضلنا من أجلها، وبالتالي فإن هذه الديمقراطية التي سنكرسها هذه هي قواعدها، أي فصل السلط، وتقوية اخصاصات الوزير الأول والحكومة.. وبالتالي وضعية الملكية في هذا الوضع الجديد.
إذن التنصيص علي الديمقراطية بالرغم من انها وردت في الرتبة الرابعة وهذا ليس بمهم، لكن المهم أن الخطاب الملكي اعتبرها من التوابث التي لا يمكن تصور نظام سياسي بدونها.. أي نظام ديمقراطي يفتح المجال أكثر فأكثر لفصل السلط ولعدم هيمنة سلطة على سلطة، واعتبار سلطة القضاء سلطة مستقلة وأعلى من جميع السلط، وهنا يطرح السؤال: هل اعتبار سلطة الفضاء سلطة مستقلة بما تحمله من مضمون قوي يجعلها فوق جميع السلط التنفيذية والتشريعية.
أظن أنه ما جاء في مذكرات الأحزاب السياسية وكما قال الاستاذ حسن طارق، هناك نوع من الاختلاف بدرجة أو بأخرى، لكنها تتجه باتجاه توسيع مجال الاختصاص للوزير الأول.. لكن نلاحظ أن هناك خجل حزبي فيما يتعلق تناول بعض السلط وتقليص اختصاصاتها وبالتالي اقرار اصلاح دستوري حقيقي ونظام ديمقراطي حقيقي.
{ أود طرح سؤال حول قضيتين اثنتين . الأولى تتعلق بما إذا كان هناك دستور مواز غير مكتوب يوجد في الدرج ويستعمل عند الضرورة .أي دستور التأويل؟ وثانيا وضع الفصل 19 الذي يحد من إمكانية إقرار ملكية برلمانية.
محمد مدني
ان المشكل ليس في وجود دستور غير مكتوب، وقد يكون الدستور غير المكتوب يتضمن أعرافا ديمقراطية لا تطرح أي إشكال .المشكل ليس في الثنائية في المكتوب وما هو غير مكتوب .لا أعتقد أن هناك عدة دساتير، هناك نص واحد معروف. هذا النص وكما هو الشأن بالنسبة لكل النصوص، قابل لتأويلات متعددة. لكن في الواقع هناك تأويل مورس وأصبح تأويلا رسميا ولا يمكن لك أن تقول أن هناك تأويلات متعددة. هذا التأويل هو الذي فرض نفسه في حالة الاستثناء وهذا معطى أساسي .في حالة الاستثناء ثم تأويل الدستور تأويلا تيولوجيا يقول هكذا ينبغي أن يطبق الدستور . وهذا التأويل أعطته المؤسسة الملكية كفاعل سياسي. وهناك تأويل القضاء، فالقضاء في مجموعة من الاحكام سار منذ حالة الاستثناء في الاتجاه التيولوجي المتعلق بوضعية الملك ووضعية الظهائر وأن القضاء من مشمولات الإمامة.. والفصل 19 لا يمكن فصله عن الظهير. لقد عادت الظهائر سنة 1969، من قبل كان المرسوم الملكي. اذن هذه المنظومة التيولوجية هي نتاج لحالة الاستثناء ولا تزال مستمرة الى اليوم وهي التي تطرح مشاكل. لأنه لا يمكن أن نقرأ النص بغض النظر عن هذا التأويل السائد. وهذا يطرح اشكالا حول وضعية الفصل 19 والظهير والقضاء ووضعية تمثيل الأمة، لأن الفصل 19 أضيفت اليه أن الملك «الممثل الأسمى للأمة». إذن تم تأويل التمثيل تأويلا تيولوجيا يجعل أن هناك ممثلا أسمى ، وبالتالي هناك تمثيل عادي، الاول مقدس والثاني «مدنس» ، هذا التأويل لايزال حاضرا ولم تتم القطيعة معه، لأن القطيعة ليست التأويلات التي يعطيها أساتذة، فهذه التأويلات لا تلزم إلا أصحابها..
حسن طارق
هناك جزء كبير من الحياة السياسية غير مدستر، لماذا؟ لأن السلطة تعتبر نفسها سابقة عن الدستور، وهي فوق الدستور، وهنا تطرح قضية السمو. إذ لا نعتبر أن الوثيقة الدستورية أسمى. لذلك يتحدث البعض عن دسترة الدستور، حيث يمارس الملك كما يمارس البرلمان والحكومة مهامهم وفقاً للمقتضيات الدستورية. وهنا يطرح موضوع الفصل 19 وما يتعلق بالتأويل. وأشير إلى أن التأويل في الدستور مرتبط بالقضاء الدستوري الذي له الحق في هذا المجال. الحق في التأويل يصبح حقاً في ممارسة سلطة تأسيسية دائمة. فعندما يصبح لك حق في تأويل الدستور، فذلك معناه أنك فوق الدستور.
إن مشكلة الفصل 19 متعلقة بالاستناد إليه للتشريع في مجال يهم مجال القانون، إذ كانت هناك ظهائر صدرت في مجال هي من مشمولات القانون وفي أوقات عادية. هنا الفصل 19 يتحول إلى أداة تحل بمقتضاها سلطة محل السلطة التشريعية.
النقاش هنا هو أيضاً بين السلطة الدينية وبين السلطة السياسية. هل من المفروض أن نبقى في مجال به تراتبية هاتين السلطتين بشكل يكون فيه الحقل الديني هو الحقل الأعلى، والذي يسمح له بأن يرخي بظلاله وتأويلاته على الحقل السياسي. أعتقد أنه يجب أن يصبح هذان الحقلان متجاورين وليس بشكل تراتبي. بمعنى أن يصبح مجال الحقل الديني واضحا بحدوده وأدواته القانونية، وبجانبه حقل سياسي تمارس فيه السياسة والصلاحيات والسلط وفقاً لمقتضيات الدستور.
إذن في هذه المرحلة، يجب إعادة إدخال الفصول التي كانت تسمح بتأويل فوق دستوري، إدخالها الى الدستور وأن تصبح خاضعة لشكلانية النص الدستوري.
سعيد بكري:
أريد أن أطرح هنا قضية بلورة سلطة أعلى لمراقبة الدستور، وأشير هنا الى المجلس الدستوري وإمكانية طرح دستورية القوانين حتى للأفراد وللجمعيات، لا أن تبقى عملية مراقبة دستورية القوانين موكولة فقط للجهات المنصوص عليها حالياً، بل أن تفتح في وجه الأفراد والجمعيات للطعن، وبالتالي يجب أن تكون لدينا محكمة دستورية عوض مجلس دستوري...
عبد العزيز النويضي:
أريد أن أتطرق إلى الفصل 19 واستغلاله في التاريخ الدستوري في المغرب لربطه أيضاً بوجود ما يسمى بوزارات السيادة، وخاصة الأمانة العامة للحكومة. إنني أعتقد أنه في بعض الأحيان الملك نفسه قد لا تكون له رغبة في خرق الدستور، وفي استعمال الفصل 19 للاعتداء على اختصاصات السلطات الأخرى. مثلا في سنة 2002 لعب الأمين العام للحكومة دوراً أساسياً في اغتصاب السلطة. كنا آنذاك بصدد وضع مجموعة من القوانين تهم إصلاح الاعلام السمعي البصري، بما في ذلك إصلاح وكالة المغرب العربي للأنباء والهاكا وإصدار قانون الوسيط. هذا يدخل في مجال القانون، في مجال الحريات العامة، في مجال الصحافة إلخ... لكن تم اغتصاب هذا الحق. كذلك فإن بعض المسؤولين وبعض الوزراء يهيئون بعض الخطابات الملكية ، مما يؤدي إلى إفراغ بعض بنود الدستور من محتواها، مثلا في سنة 2004 وعلى إثر احتجاج مجموعة من القضاة، وكون بعضهم كانوا أعضاء في الجمعية المغربية لاستقلال القضاء وتوقيع عريضة يقولون فيها، إنهم لا يجدون منبراً يتظلمون إليه إلخ... جاء خطاب ملكي في أبريل 2004 يقول للقضاة: عليكم أن تعملوا فقط داخل الودادية الحسنية للقضاة وداخل المجلس الأعلى للقضاء وداخل جمعية الأعمال الاجتماعية، وهل يستطيع القضاة أن يخالفوا هذا؟ هنا يطرح السؤال: من المسؤول؟
بطبيعة الحال، يبقى المسؤول هو الملك، لأنه خاطبهم مباشرة، ولكن في حقيقة الأمر، أن بعض الناس المحيطين بالملك هم الذين يدفعون في اتجاهات تفرغ بعض بنود الدستور من محتواها.
هناك كذلك ما قاله الأخ محمد مدني حول تأويل القضاء، وكل ذلك يتعلق بمؤسسة أساسية هي مؤسسة البيعة، إذ كان هناك حرص على أن تبقى هذه المؤسسة حتى يبقى هذا التأويل ممكناً، لأن مؤسسة البيعة معناها أنني أحكم لأن لدي في أعناقكم عهداً على الطاعة والولاء، وأنه انطلاقاً من هذا العهد، وإذا لم يكفني الدستور، فسوف ألجأ إلى تفسير موسع للدستور وخارج الدستور.
أعتقد أن الحل لهذه المشاكل يكمن أولا في توضيح ووضوح اختصاصات الملك في الدستور، وأن ينص على ذلك. وتوضيح اختصاصات السلطة التنفيذية ومجال القانون وتوسيعهما، وكذلك وبالرغم من أن هذا له طابع شكلي أن يؤدي الملك القسم ، قسماً منصوص عليه في الدستور يحل محل مؤسسة البيعة، فبدلا من تنصيب الملك عن طريق البيعة، ينصب ولي العهد ملكاً عن طريق مسطرة منصوص عليها في الدستور...
أود أن أشيرإلى نقطة أخرى تتعلق باختصاص الملك بالحقل الديني ، لا أرى لها مبرراً، في نظام ديمقراطي يؤمن بالمبادىء العالمية لحقوق الإنسان، فما معنى الملك أمير المؤمنين في دولة تؤمن بحرية المعتقد، بالنسبة لي فهو أمير المؤمنين للمسلمين وللمسيحيين وغيرهم...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.