عقدت اللجنة الدولية للحقوقيين والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان والشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان ندوة صحفية الاسبوع الماضي بالرباط قدمت خلالها مذكرة بشأن إصلاح السلطة القضائية بالمغرب . قد أبرزت هذه المذكرة القضائية مدى امتثال الإطار القانوني الخاص بالسلطة القضائية في المغرب للمعايير الدولية في ميدان استقلال القضاء وحياده. وتحلل المذكرة بشكل خاص وضعية المجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة واستقلال النيابة العامة واستخدام المحاكم العسكرية. كما تضم المذكرة جملة من التوصيات الهادفة إلى التوفيق بين الإطار القانوني المغربي والقانون الدولي والمعايير الدولية الخاصة باستقلال السلطة القضائية وحيادها. في الجزء الاول الذي ننشره اليوم، تتناول المذكرة موضوعي «المجلس الاعلى للسلطة القضائية» و «النظام الاساسي للقضاة» .وفي الجزء الثاني الذي ننشره غدا تتطرق ل«النيابة العامة» و «المحكمة العسكرية» . على الدول الالتزام بضمان استقلال السلطة القضائية الذي يعد حجر الزاوية في دولة الحق والقانون. هذا الالتزام يترتب عن المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي انضم إليه المغرب، والذي يضمن «حق كل فرد، لدى الفصل في أية تهمة جزائية توجه إليه أو في حقوقه والتزاماته في أية دعوى مدنية، أن تكون قضيته محل نظر منصف وعلني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية، منشأة بحكم القانون». كما تدعو أيضا المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن استقلال القضاء الدول إلى احترام استقلال السلطة القضائية، وتنص على أنه من مسؤولية جميع المؤسسات سواء الحكومية أو غيرها احترام استقلال القضاء. استقلال السلطة القضائية مضمون في المغرب بموجب أحكام الدستور. إذ تنص المادة 107 من الدستور المغربي المعتمد في يوليو 2011 على أن «السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية». لكن رغم تكريس الدستور لهذا المبدأ هناك الكثير من العقبات القانونية والعملية التي ما زالت تهدد استقلال السلطة القضائية، ولا سيما القانون رقم 467-74-1 بتاريخ 11 نوفمبر 1974 والخاص بالنظام الأساسي للقضاة، وكذلك القانون رقم 338-74-1 المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة ومختلف أحكام قانون الإجراءات الجنائية وقانون الإجراءات المدنية المتعلقة بالمنظومة القضائية. كما عانى استقلال القضاء لسنوات عديدة من التدخل التعسفي للسلطة التنفيذية في المسائل القضائية، بما في ذلك استخدام المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين. وقد أدت تلك الممارسات إلى تراجع ثقة الشعب في نزاهة الجهاز القضائي وعرقلة السير الحسن لإقامة العدالة. وبالإضافة إلى ذلك، ما زالت النيابة العامة تحت سلطة وزير العدل وأعضاء النيابة العامة خاضعين للسلطة التنفيذية. وكان لهذه التبعية أثر سلبي على إجراء التحقيقات والمتابعات الجنائية في القضايا المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك سلطة تحريك وحفظ الدعاوى . ولمواجهة هذه العوائق، ينبغي إجراء إصلاح عميق في المنظومة القضائية من قبل السلطات المغربية. لقد مهد دستور يوليو 2011 الطريق لإجراء هذا الإصلاح، إذ وردت فيه أحكام خاصة بإصدار قوانين تنظيمية جديدة تتعلق بالنظام الأساسي للقضاة (المادة 112) وتنظم المجلس الأعلى للسلطة القضائية (المادة 116). عندما يقوم المغرب باعتماد تلك القوانين التنظيمية وبإصلاح المنظومة القضائية ينبغي أن يسترشد بالصكوك الدولية الخاصة باستقلال السلطة القضائية والتطبيق السليم للعدالة، وبوجه خاص المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن استقلال القضاء لعام 1985 (مبادئ الأممالمتحدة) ومبادئ بنغالور للسلوك القضائي لعام 2002 (مبادئ بنغالور) ومبادئ الأممالمتحدة التوجيهية المعنية بدور أعضاء النيابة العامة ومبادئ ديكو بشأن إقامة العدل عن طريق المحاكم العسكرية. وقد وضعت تلك المبادئ لدفع الدول إلى ضمان وتعزيز استقلال القضاء بما في ذلك تعزيز ضمانات استقلال وحياد القضاة. وتدرس اللجنة الدولية للحقوقيين والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان والشبكة الأوروبية المتوسطية لحقوق الإنسان في هذه المذكرة القضائية مدى امتثال الإطار القانوني الخاص بالسلطة القضائية في المغرب للمعايير الدولية في ميدان استقلال القضاء وحياده. وتحلل المذكرة بشكل خاص وضعية المجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة واستقلال النيابة العامة واستخدام المحاكم العسكرية. كما تضم المذكرة جملة من التوصيات الهادفة إلى التوفيق بين الإطار القانوني المغربي والقانون الدولي والمعايير الدولية الخاصة باستقلال السلطة القضائية وحيادها. المجلس الأعلى للسطة القضائية لا يمكن تحقيق استقلال القضاء بدون وجود مؤسسة مستقلة تسهر على هذا إلاستقلال. إن المجلس الأعلى للقضاء، الذي يحدد تنظيمه الإطار التشريعي المغربي الحالي، بحكم تركيبته وصلاحياته ونقص استقلاله لا يمكنه القيام بهذه المهمة. ويتجلى نقص استقلال المجلس الأعلى للقضاء عن السلطة التنفيذية في جملة من الحالات، ابرزها سلطات وزير العدل، بصفته نائبا لرئيس المجلس، فيما يتعلق بتعيين وترقية وتأديب القضاة. على سبيل المثال، لا يملك المجلس الأعلى للقضاء صلاحية البت في القضايا التأديبية. فبحسب المادة 10 من قانون 11 نوفمبر 1974، يتألف المجلس التأديبي من وزير العدل بصفته رئيسا ومن الأمين العام لوزارة العدل ومدير الشؤون المدنية ومدير الشؤون الجنائية والعفو ومدير المعهد العالي للقضاء. وتجدر الإشارة إلى أن وزير العدل يشغل أيضا منصب رئيس مجلس إدارة المعهد العالي للقضاء. وعلاوة على ذلك، فرغم أن المجلس الأعلى للقضاء مؤسسة مستقلة بموجب الدستور فهو يعتمد على وزارة العدل من الناحية المالية ويعد على أرض الواقع قسما من أقسامها، حيث يقع مقر أمانة المجلس داخل مبنى وزارة العدل. كما أن المفتشية العامة للأجهزة القضائية تابعة لوزارة العدل وليس للمجلس الأعلى للقضاء. ووفقا للمادة 13 من قانون تنظيم القضاء في المملكة «لوزير العدل أن يعين قاضيا أو عدة قضاة (...) للقيام بتفتيش المحاكم غير المجلس الأعلى أو للبحث في وقائع محددة (...) ترسل تقارير التفتيش حالا إلى وزير العدل مع مستنتجات المفتشين واقتراحاتهم». ولتصحيح هذا الوضع الذي تلعب السلطة التنفيذية فيه دورا كبير في الحياة المهنية للقضاة، ينص الدستور المغربي الجديد على إنشاء مجلس أعلى للسلطة القضائية بهدف الحد من تمثيل السلطة التنفيذية داخل المجلس الأعلى للقضاء وعدم التوازن في تركيبته والطابع المحدود لاختصاصاته. تنص المادة 115 على ما يلي «يرأس الملك المجلس الأعلى للسلطة القضائية، ويتألف هذا المجلس من: الرئيس الأول لمحكمة النقض، رئيسا منتدبا ؛ الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ؛ رئيس الغرفة الأولى بمحكمة النقض ؛ أربعة ممثلين لقضاة محاكم الاستئناف، ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم ؛ ستة ممثلين لقضاة محاكم أول درجة، ينتخبهم هؤلاء القضاة من بينهم ؛ ويجب ضمان تمثيلية النساء القاضيات من بين الأعضاء العشرة المنتخبين، بما يتناسب مع حضورهن داخل السلك القضائي ؛ الوسيط ؛ رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان ؛ خمس شخصيات يعينها الملك، مشهود لها بالكفاءة والتجرد والنزاهة والعطاء المتميز في سبيل استقلال القضاء وسيادة القانون ؛ من بينهم عضو يقترحه الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى». وبمقتضى هذا الفصل، فإن وزير العدل مستبعد من تشكيلة المجلس الأعلى للسلطة القضائية وهذا يشكل خطوة إلى الأمام نحو الامتثال للمعايير الدولية في هذا المجال. كما تنص على ذلك الفقرة 1.3 من الميثاق الأوروبي الخاص بالنظام الأساسي للقضاة، ينبغي أن يكون المجلس الأعلى القضائي «سلطة مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية يكون نصف أعضائها على الأقل قضاة منتخبون من قبل نظرائهم وفقا لمعايير تضمن أوسع تمثيل ممكن للقضاة». إضافة إلى ذلك، فقد تمت مراجعة صلاحيات المجلس الأعلى للسلطة القضائية بشكل صريح وتم توسيعها بموجب المادة 113 من الدستور الجديد: «يسهرالمجلس الأعلى للسلطة القضائية على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة، ولاسيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم». وتنص أيضا المادة 116 على ما يلي: «يتوفر المجلس الأعلى للسلطة القضائية على الاستقلال الإداري والمالي. يساعد المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في المادة التأديبية، قضاة مفتشون من ذوي الخبرة. يحدد بقانون تنظيمي انتخاب وتنظيم وسير المجلس الأعلى للسلطة القضائية، والمعايير المتعلقة بتدبير الوضعية المهنية للقضاة، ومسطرة التأديب». ولتعزيز هذه المكاسب الدستورية ينبغي للقانون التنظيمي في المجلس الأعلى للسلطة القضائية أن : يعزز اختصاصات هذه المؤسسة ونظامها التأسيسي بصفتها سلطة دستورية ضامنة لاستقلال السلطة القضائية؛ يؤكد على سلطة المجلس الأعلى للسلطة القضائية في إدارة القضاء ولا سيما في اتخاذ القرارات الخاصة باختيار وتعيين القضاة ونقلهم وتوقيفهم وغير ذلك من الإجراءت التأديبية التي يمكن اتخاذها ضدهم، إضافة إلى أي قرار خاص بمشوارهم المهني؛ يؤكد على الاستقلال الذاتي من الناحية المالية للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وخاصة فيما يتعلق بالميزانية والحرس على إشراك المجلس الأعلى للسلطة القضائية في كل القرارات المتعلقة بالميزانية المخصصة للمحاكم لكي يتسنى تنظيمها على أحسن وجه وضمان تأدية مهاهما؛ يمنحَ المجلس الأعلى للسلطة القضائية صلاحيات جديدة في مجال وضع المعايير الأخلاقية لمهنة القضاة وخاصة عبر اعتماد مدونة أخلاقيات المهنة والسلوك القضائي بما يتوافق مع المعايير والممارسات الدولية؛ يلحق المفتشية العامة للمصالح القضائية بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية ويضمن تعيين المفتش العام وغيره من المفتشين من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية؛ منح المجلس الأعلى للسلطة القضائية صلاحية تحديد التوجهات العامة في مجال تكوين القضاة وتطبيقها ولا سيما عبر ضمان إلحاق المعهد الأعلى للقضاء بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛ يضمن استشارة المجلس الأعلى للسلطة القضائية بشأن مشاريع القانون والمقترحات القانونية المتعلقة بسير وبتنظيم العدالة بما في ذلك قانون تنظيم القضاء في المملكة والنظام الأساسي للقضاة وقانون الإجراءات المدنية وقانون الإجراءات الجنائية وكل النصوص الأخرى المتعلقة بالمنظومة القضائية والوصول إلى العدالة. النظام الأساسي للقضاة يجب أن يضمن النظام الأساسي للقضاة تأديتهم لوظائفهم بحرية وبصفة مستقلة وبدون أي تأثير خارجي أو ضغوط أو تدخلات من قبل أي سلطة أو أي طرف آخر. هذا الاستقلال الشخصي يشكل أولا وقبل كل شيء ضمانة للمواطن حتى يحصل على محاكمة عادلة. ولضمان عدالة المحاكمة، تحث المعايير الدولية الدول على ضمان بقاء القضاة في مناصبهم وتعيينهم على أساس معايير اختيار صارمة وموضوعية وشفافة. بدون ضمان بقاء القضاة في مناصبهم على الأمد الطويل قد يتعرضون لضغط كبير من قبل أولائك الذين يتحكمون في تجديد مناصبهم وظروف عملهم. وهذه المشكلة حاضرة بشكل قوي في البلدان التي تمارس فيها السلطة التنفيذية دورا رئيسيا في اختيار وتعيين القضاة. وفي المغرب، يضمن دستور 2011 (المادة 108) عدم قابلية القضاة للعزل. ان هذه الضمانة لا تشمل قضاة النيابة العامة. يجب على السلطات المغربية تصحيح هذا الوضع عبر جعل الوضع القانوني لقضاة النيابة العامة مطابقا لوضع قضاة الحكم، ولا سيما عبر ضمان استقلالهم وعدم قابليتهم للعزل. تنص مبادئ الأممالمتحدة على أنه يتوجب على الدول أن تضمن في تشريعاتها ظروف الخدمة وبقاء القضاة في مناصبهم: «يضمن القانون للقضاة بشكل مناسب تمضية المدة المقررة لتوليهم وظائفهم واستقلالهم، وأمنهم، وحصولهم على أجر ملائم، وشروط خدمتهم ومعاشهم التقاعدي وسن تقاعدهم». وبالإضافة إلى ذلك، يجب على التشريع أن يضمن «تمتع القضاة، سواء أكانوا معينين أو منتخبين، بضمان بقائهم في منصبهم إلى حين بلوغهم سن التقاعد الإلزامية أو انتهاء الفترة المقررة لتوليهم المنصب». وتتحكم وزارة العدل في المغرب في الإجراءات التي يتم عبرها اختيار وتعيين القضاة تماماً. إذ تنص المادة 5 من قانون 1974 على أن «يوظف الملحقون القضائيون بحسب ما تقتضيه حاجات مختلف المحاكم على إثر مباراة». وتنص أيضا المادة 6 على : «يعين المترشحون الناجحون في المباراة المنصوص عليها في الفصل السابق حسب تفوقهم ملحقين قضائيين بقرار لوزير العدل». وكثيرا ما انتقد تحكم السلطة التنفيذية في إجراءات اختيار وتعيين القضاة من قبل لجنة حقوق الإنسان، وهي جهاز يتكون من خبراء مستقلين يراقبون تطبيق الدول الأطراف للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وأشارت لجنة حقوق الإنسان في مناسبات عديدة إلى الطريقة التي يتم من خلالها تعيين القضاة وأوصت باعتماد إجراءات أكثر شفافية : أن تضع الدول آلية مستقلة تتكفل بمهمة تعيين وتأديب القضاة من أجل ضمان استقلال القضاء. وتشجع مبادئ الأممالمتحدة أيضا الدول على اعتماد طرق موضوعية ومستقلة في تعيين القضاة. إذ ورد فيها «يتعين أن يكون من يقع عليهم الاختيار لشغل الوظائف القضائية أفرادا من ذوي النزاهة والكفاءة، وحاصلين على تدريب أو مؤهلات مناسبة في القانون. ويجب أن تشتمل أي طريقة لاختيار القضاة. على ضمانات ضد التعيين في المناصب القضائية بدوافع غير سليمة». كما يجب على الدول أيضا أن تسهر على أن يكون ترقي القضاة في حياتهم المهنية مبنيا على معايير موضوعية تحددها هيئة مستقلة. إذ ورد في المبادئ أنه «ينبغي أن يستند نظام ترقية القضاة، حيثما وجد مثل هذا النظام، إلى العوامل الموضوعية ولا سيما الكفاءة والنزاهة والخبرة». وفي المغرب، تنص المادة 23 من قانون 1974 على أنه لا يمكن ترقية أي قاض إلى الدرجة الأعلى إذا لم يكن مسجلا في «لائحة الأهلية». ويتكفل وزير العدل بتصنيف القضاة حسب الأفضلية في إطار نظام التنقيط وبوضع القضاة في لائحة الأهلية. كما يقوم وزير العدل بدور أساسي في مجال التأديب. إذ تنص المادة 61 من قانون 1974 على ما يلي: «ينهي وزير العدل إلى المجلس الأعلى للقضاء الأفعال المنسوبة للقاضي. ويعين بعد استشارة الأعضاء المعينين بقوة القانون مقررا». وعلاوة على ذلك، تنص المادة 62 على أنه «يمكن توقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه بقرار لوزير العدل إذا توبع جنائيا أو ارتكب خطأ جسيم». ويملك وزير العدل حرية تحديد الأفعال التي ينطبق عليها وصف «الخطأ الجسيم». وتفرض هذه الأحكام علاقة سلطوية هرمية بين وزير العدل والقضاة بموجبها تخضع الحياة المهنية للقضاة إلى حد بعيد إلى رغبات السلطة التنفيذية. وهذا يشكل تهديدا دائما على استقلال القضاة. وبحسب المعايير والممارسات الدولية لا ينبغي اتخاذ قرار توقيف القضاة إلا بعد القيام بإجرءات تأديبية عادلة وشفافة ومحايدة تضمن حقوق القضاة المتهمين في افتراض البراءة وحقوق الدفاع واستئناف قرارات التعليق. هناك ضمانة أخرى تعد ضرورية لكي يتمكن القاضي من ممارسة مهنته بشكل كامل وهي ممارسة حرية التعبير والحق في تكوين الجمعيات. فبصفتهم ضامنين لدولة القانون وجزء لا يتجزأ من المجتمع القانوني، من الضروري أن يشارك القضاة في النقاش الديمقراطي والإصلاحات القانونية. في المغرب، لا يسمح قانون 1974 للقضاة بتأسيس جمعيات مهنية أو الانخراط فيها. إذ تنص المادة 14 على أنه «يمنع على القضاة كيفما كانت حالتهم في سلك القضاء تأسيس نقابات مهنية أو الانتماء إليها». هذا الفصل الذي يحد من حق القضاة في ممارسة حقهم في تكوين الجمعيات لا يتوافق مع المعايير الدولية في هذا المجال. إذ ينص المبدأ 8 من مبادئ الأممالمتحدة على أنه «وفقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يحق لأعضاء السلطة القضائية كغيرهم من المواطنين التمتع بحرية التعبير والاعتقاد وتكوين الجمعيات والتجمع، ومع ذلك يشترط أن يسلك القضاة دائما، لدى ممارسة حقوقهم، مسلكا يحفظ هيبة منصبهم ونزاهة واستقلال القضاء». ويؤكد الميثاق الأوروبي بشأن النظام الأساسي للقضاة على الدور الأساسي الذي تؤديه جمعيات القضاة، إذ ورد فيه ما يلي : «المنظمات المهنية الي ينشئها القضاة والتي يملك كل قاض حرية الانخراط فيها تساهم بشكل كبير في الدفاع عن هذه الحقوق التي منحها لهم النظام الأساسي وبوجه خاص ضد السلطات والهيئات المعنية باتخاذ القرارات التي تعنيهم». ولتصحيح هذا الوضع نصت المادة 111 من دستور 2011 بشكل صريح على أنه «يمكن للقضاة الانتماء إلى جمعيات، أو إنشاء جمعيات مهنية، مع احترام واجبات التجرد واستقلال القضاء، وطبقا للشروط المنصوص عليها في القانون». غير أن المادة 111 تبقي أيضا على حظر انخراط القضاة في منظمات نقابية. يجب على القانون التنظيمي الخاص بالنظام الأساسي للقضاة أن: يضمن ظروف تعيين القضاة وترقيتهم بما يكفل حماية استقلالهم. ولا ينبغي للسلطة التنفيذية أن تكون لها سلطة توقيف أو عزل القضاة أو أي صلاحية من شأنها أن تؤثر على القضاة من حيث مشوارهم المهني أو في القرارات التي يتخذونها؛ ضمان عدم قابلية قضاة النيابة العامة وقضاة الأحكام للعزل ولا سيما عبر الحاق الوضع القانوني لقضاة النيابة العامة بوضع قضاة الأحكام؛ تخويل المجلس الأعلى للسلطة القضائية صلاحية إدارة المسار المهني لقضاة النيابة العامة فور اختيارهم وتعيينهم؛ تحديد الأفعال التي تشكل خطأ مهنيا والحرص، إذا ما اقتضى الأمر، على أن يكون المجلس الأعلى للسلطة القضائية المؤسسة المسؤولة على بدء الإجراءات التأديبية وتطبيقها ضد القضاة. يجب ألا يكون لوزير العدل أي سلطة تأديبية ضد القضاة؛ ضمان حق القضاة في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والسماح لهم عبر الوسائل المناسبة بالدفاع عن حقوقهم واستقلالهم عن السلطات الأخرى ولا سيما السلطة التنفيذية. يتبع