اهاجم الفريق حسام خيرالله نائب رئيس جهاز المخابرات الأسبق، والمرشح السابق للرئاسة، تسريبات إخوانية حول وجود كيان مواز تشرف عليه وزارة الداخلية قوامه 300 ألف بلطجي. وتزيد هذه التسريبات وما تبعها من غضب لدى قيادة المخابرات العامة من عزلة الإخوان في ظل مواقف تحذيرية أطلقتها المؤسسة العسكرية من قبل، ووقوف مؤسسة القضاء ضد محاولات الاختراق الإخوانية، فضلا عن موجة احتجاج أطلقها معارضون سياسيون مثقفون وحقوقيون ضد خيار ?أخونة الدولة?. وتوقع محللون أن تكون الأيام القادمة صعبة بالنسبة إلى الإخوان إذا قررت المؤسسة العسكرية وجهاز المخابرات أن تفتحا ?الصندوق الأسود? للاخوان وحركة حماس، وخاصة ما تعلق بالتنظيم السري للجماعة وما يرتبط به من شبكات تمويل محلية ودولية، وأجهزة خاصة. وكان أبوالعلا ماضي، رئيس حزب الوسط، المقرب من الإخوان قد قال إن لديه معلومات أكدها له الرئيس المصري محمد مرسي عن أن جهاز المخابرات العامة أشرف على بناء جهاز مواز قوامه 300 ألف بلطجي منهم 80 ألفا في القاهرة وحدها. وتساءل خيرالله عن سر خروج الاتهامات لجهاز المخابرات في مثل هذا التوقيت؟ ?فهل ذلك لأن الجهاز لديه ملفات عن حماس ونشاط الإخوان ?والصندوق الأسود? الذي سبق وأعلن عنه اللواء عمر سليمان؟... هل مثل هذه التصريحات من أجل حرية الحركة حتى لا يقف أحد أمام حماس لفرملتها؟?. وقال خبراء أمنيون إن التسريبات التي يطلقها الإخوان هدفها إرباك المؤسسة الأمنية، ودفع المواطن المصري إلى الشك فيها، والهدف الرئيس هو خلق أجواء من عدم الثقة في المؤسسة الأمنية ما يجعل أي تقارير تصدر عنها محل شك وتساؤل. وأضاف الخبراء أن الإخوان يريدون استباق نتائج التحقيق التي تجري في مصر حول مقتل 16 جنديا وضابطا مصريا في رفح والتي وجهت فيها الاتهامات لحماس، وينتظر أن تصدر هذه النتائج خلال أسابيع. وهو ما أشار إليه خيرالله حين أكد أن الجماعة تشعر بأن الأرض تميل تحت أقدامها وهذه الفرقعة هدفها تخفيف الضغط على الجماعة. وكشف متابعون أن الإخوان سبق أن اتهموا المخابرات العامة، التي كانت لها قصة طويلة مع التنظيم منذ عهد عبدالناصر، بأنها متورطة في قتل المتظاهرين أيام الثورة، وأنها تقف وراء ظاهرة ?البلاك بلوك? التي اجتاحت الشارع المصري كحركة احتجاج على سياسات الإخوان. ولفت المتابعون إلى أن الإخوان يريدون تصفية الحساب مع جهاز المخابرات الذي يمتلك ?صندوقا أسود? حول تاريخهم، والهدف من ذلك فتح الطريق أمامه لتشكيل أجهزة بديلة يتحكمون بها في الشارع. ولم تقتصر اتهامات الإخوان على المؤسسة الأمنية، فقد سبق للقيادي في جماعة الإخوان المسلمين علي عبدالفتاح أن اتهم أعضاء المجلس العسكري بأنهم من دبَّروا حادثة الهجوم على الضباط والجنود المصريين ال 16 في مدينة رفح. وردت المؤسسة العسكرية بقوة على هذا الاتهام على لسان الناطق باسمها العقيد أركان حرب أحمد محمد علي الذي قال ?إن ما ردَّده علي عبدالفتاح هو نوع من التخاريف?. وذهب محللون إلى القول إن خطة الجماعة الاساسية هي التشكيك في المؤسسات الوطنية المؤثرة بدءا بالمؤسستين العسكرية والأمنية القويتين وصولا إلى مؤسسة القضاء التي كانت عصية على الاختراق حتى في عهد مبارك. أزمة ثقة مع الخليج على صعيد آخر، هنالك قلق كبير من أزمة الثقة بين الإخوان المسلمين ودول الخليج العربي، ويتعاظم هذا القلق كلما تطابقت الرؤى والخطوات السياسية بين الإخوان في الخليج مع أشقائهم في الفكر والمنهاج في دول الربيع العربي، مما يشي بأن للإخوان انتماءً خارج أوطانهم لأنظمةٍ أخرى، وهذا ما ينفيه إخوان الخليج بشدة، كما ينفيه الوافدون المقيمون في الخليج من إخوان الربيع العربي أو غيرها من الدول التي اقترب فيها الإخوان لمعادلة الحكم. هذا التطابق المذكور كان في الماضي يحتمل التفسير: أنه من قبيل التعاطف مع دعاة إسلاميين قَدّر الله لهم أن يكونوا من ضحايا الأنظمة، وهذا عطف وإشفاق مشروع كانت تبذله دول الخليج ذاتها، ولكن هذه المرة صارت للإخوان دول وجيوش وأنظمة استخبارية ومشروع أممي يتضمن تفكيك الدول الوطنية الأخرى وضمها داخله. أزمة الإخوان المسلمين في الخليج لا تقتصر على نزعتهم لإجهاض (الدولة الوطنية) لصالح المشروع الأممي الكبير. ولو أمعنا النظر في هذه النقطة لقلنا دون تردد أن الإخوان يتلبسهم فيها خطأ كبير وعظيم، إذ يشهد الواقع والمعطيات الاقتصادية والأمنية والسكانية أن تعزيز الدولة الوطنية في الخليج (فرض عين) على كل مواطني تلك الدول، ولا بد من تنحية الهواجس والوساوس حول التناقض بين الدولة الوطنية والانتماء للأمة الإسلامية والوطن العربي، لأن هذا الانتماء الكبير عبارة عن مجموع إرادات وطنية مستقلة ولكنها متضامنة ومنتمية. وجوب حماية الهوية الوطنية في الخليج يتعداها ليشمل الجميع، بما في ذلك إخوان الربيع العربي، وذلك لأن الاستقرار والازدهار الخليجي مصدر قوة للأمة الإسلامية والوطن العربي، ومن المعلوم أن الإخوان ذاتهم استفادوا من هذا الاستقرار عندما ضَيَّقت عليهم حكوماتهم الأنفاس؛ فوجدوا في الخليج متنفساً وسعة في الكسب والعمل الإسلامي، وصدّروا كثيراً من الخيرات لأوطانهم ولمشاريع اقتصادية ودعوية وخيرية تأسست لتقوية نفوذهم السياسي والاقتصادي . ولا بد أولا، من الإقرار بأن لكل بلاد خصوصيتها و?عجينها السياسي? الذي تتفاوت مقاديره وتختلف وصفته. فما يصلح في مصر قد لا يصلح في السعودية، وما ينفع في تونس قد يضر في الكويت وهكذا. كما يجب أن نقر أيضاً بأن الإخوان المسلمين تأثروا بالأنظمة التي ناهضوها، لأنهم مهما نبذوها فقد نشؤوا سوياً من تربة وطنية واحدة. ويضاف إلى هذا أنهم كانوا، على مدى نصف قرن من الزمان، الطرف الأضعف في المعادلة السياسية، ولذلك شملتهم قاعدة ابن خلدون في اقتداء المغلوب بالغالب، ويمكننا أن نقول باختصار أن (الأخلاق السياسية) للإخوان المسلمين تُماثل أخلاق الأنظمة التي عاشوا فيها، ولذلك سيظلون (عجيناً مختلفاً) وجسماً غريباً على الخليج العربي وبعض الدول. بإمكاننا تنقيح وإعادة إنتاج قاعدة ابن خلدون، فالمغلوب يمكن الاستعاضة عنه بالضعيف أو المستضعف، أما الغالب فيمكن الاستعاضة عنه بالقوي والمهيمن على مسرح الأحداث. أما الاقتداء فيمكن أن نستعيض عنه بظاهرة استنساخ النظم والبنى الهيكلية، وبذلك يمكننا القول بأن الإخوان يعيدون إنتاج الأنظمة الشمولية السابقة بإضفاء صفة إسلامية عليها، مع رغبةٍ تَوَسعيّة تتجاوز الأطر القطرية. وهنا يتطلب الأمر تمايزاً سريعاً بين المنتمين لفكر الإخوان في الخليج وبين هذا الانقلاب الكبير. في تقديري أن التحدي الأكبر لا يقع على عاتق إخوان الربيع العربي، لأنهم مشغولون بمشاكل كثيرة، ولكن التحدي، ومطلب الاجتهاد والتجديد، يقع على عاتق المنتمين للإخوان في الخليج. عليهم أن ينتبهوا أن هنالك مرحلة وانتهت، ويجب عليهم الدخول في مرحلة جديدة. الإخوان والفرص الضائعة إلى ذلك يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين في مصر متخصصة في ضياع الفرص، فكلما هيأت لها الظروف طاقة أمل للصعود بسلاسة أو الهبوط بكرامة، سعت بكل قوة إلى تفويتها، وكأنها مصرة على الانعزال والحفاظ على مسافة بعيدة عن القوى الأخرى. وهي حكاية بدأت، عقب قيام ثورة يناير- كانون الثاني والجري وراء الاستئثار بالسلطة، وانتهت بأحكام قضائية تبطل قرارات جمهورية. وبين الجري والأحكام تطورات كثيرة، تتعلق بأسس التوافق الوطني وطرق إدارة الحكم وآليات بناء دولة تحترم القانون. وكلها تدور في فلك عنوان واحد هو »فن إضاعة الفرص«، الذي يعتبره البعض أنه ينطوي على فقر في الحكمة السياسية، بينما يراه آخرون دليلا على الرغبة العارمة في الاستحواذ ورفض التعايش مع الآخر وإقصائه وعدم قبوله أصلا، شكلا ومضمونا. هذه الآفة تمكنت من جسد الإخوان وظهرت معالمها عبر سنوات طويلة، لكن لم يتمعن أو يتوقف عندها كثيرون من قياداتها، بسبب الظروف القاسية التي مرت بها الجماعة، وجعلت غالبية القوى تتعاطف معها، وفي بعض الأحيان تقاتل سياسيا وقانونيا في خندقها. ومع ذلك تنكرت لهؤلاء وألصقت بعدد منهم تهما لا تتناسب مع تاريخهم وسيرتهم النضالية. وكانت نقطة البداية الحقيقية والكاشفة لحظة وصول الرئيس محمد مرسي للسلطة، بعدها بأسابيع قليلة أخذت تظهر بجلاء معالم الصلف والتكبر الكامنة، من خلال القرارات الخاطئة التي كانت تصدر من الرئيس وتجد دفاعا مستميتا من كوادرها. وفي كل مرة يثبت خطأ قرار يتم الالتفاف عليه بطرق مختلفة، حتى وقر في يقين معظم الأحزاب والقوى السياسية أن هناك اتجاها راسخا للإقدام على هذا النوع من السياسات لقطع الطريق على التفاهم والتلاقي. خلال الأيام الماضية حدثت ثلاثة تطورات مهمة، لو فهمت الجماعة رسائلها العميقة، لكان من الممكن تغيير الدفة في أمور كثيرة، لكن لأنها أدمنت الفشل، فقد فاتها قطار الفرص، ولم تحاول حتى اللحاق بعرباته. الأول، حكم محكمة القضاء الإداري ببطلان قانون الانتخابات ومباشرة الحقوق السياسية، وقبله قرار للمحكمة الدستورية حوى المعنى ذاته. وبدلا من أن تقوم الجماعة بالتفحيص والتمحيص والتشاور مع القوى السياسية المختلفة لوضع قانون صحيح، قررت الرئاسة الطعن من خلال هيئة قضايا الدولة. وفاتت فرصة جاءت للرئيس على طبق من ذهب للخروج من مأزق البطلان. فقد كان من المتصور أن يعيد الأمور إلى نصابها السليم، ويستفيد من هذا التطور لفتح صفحة جديدة مع المعارضة، التي كان أحد شروطها لدخول الانتخابات البرلمانية القادمة وضع قانون متوازن للانتخابات يراعي مصالح الجميع ولا يتم تفصيله لمصلحة فئة بعينها. وضياع هذه الفرصة تسبب في مشكلتين، إحداهما تأكيد قناعة المعارضة بأن الرئيس لا يحترم القضاء ويضرب بأحكامه عرض الحائط، والأخرى تأكيد أن الإخوان لا يبحثون عن التوافق ويصرون على ما يفعلون حتى لو كان باطلا. الأمر الذي يجعل الثقة في تصرفاتهم وتعهداتهم معدومة. التطور الثاني، ما أصبح يعرف في الأدبيات المصرية الجديدة بمعركة الجبل أو غزوة المقطم أو حرب السيوف وحرب النجوم وأحيانا بلاط الشهداء... وكلها أوصاف أطلقت على أعمال العنف التي وقعت بالقرب من المقر الرئيس لجماعة الإخوان المسلمين بحي المقطم في القاهرة، حيث اشتبك شباب الجماعة مع شباب الثورة. وبصرف النظر عن سير الالتحامات ومن بدأها وكيف والتكتيكات التي استخدمت فيها ومستوى ذكاء كل طرف في التعامل مع المسألة، فقد أكدت تحطيم صورة القوة الأمنية التي تملكها الجماعة والمعروفة بميلشيات الإخوان. فهذه هي المرة الثانية (بعد موقعة قصر الاتحادية) التي تهتز فيها الصورة الأمنية لها وتتكسر أسطورتها، حيث بدا التواضع في الأداء ظاهرا والعقم في التفكير واضحا، في حين كان شباب الثورة أكثر حنكة وقدرة على المناورة، على الرغم من جاهزية واستعداد الطرف الآخر. إطفاء الحرائق وتهدئة الأوضاع هنا كان من المتوقع أن تعيد الجماعة النظر في هذا الطريق وتلجأ إلى التهدئة وإطفاء الحريق، من خلال طي هذه الصفحة ومحاولة التأكيد على السلام الذي يتوافق مع روح ثورة يناير. لكن ما حدث شيء آخر؛ شيء امتلأ بالتهديد والوعيد، وتكثيف عمليات استهداف المعارضين. تارة بالاتهام ب »التآمر والعمالة«، وأخرى بالانتقام من الإخوان... وارتفع سقف التحريض إلى درجة تحريك دعاوى قضائية ضد عدد من الناشطين، بذرائع، جميعها يرمي إلى تشتيت شمل المعارضة ووضعها تحت مستوى مرتفع من الضغوط السياسية. بما يفيد أن الإخوان يريدون استمرار المباراة ساخنة لأطول فترة ممكنة، وعدم التجاوب مع طموحات تبريدها. وبدلا من أن يخرج قادة الجماعة للاعتراف بالخطأ عند مقرها، أصروا على الإمعان فيه فضاعت فرصة جديدة، وفتح المجال أمام اختبارات ربما تكون أشد قسوة، لأن الجيل الذي فجر الثورة متمسك بشعار »النصر أو الشهادة«، بمعنى أن يرحل الإخوان أو يموت هؤلاء. التطور الثالث، حكم محكمة استئناف القاهرة أخيرا ببطلان تعيين النائب العام المستشار طلعت عبد الله، الذي وضعه في هذا المكان رئيس الجمهورية بموجب إعلان دستوري صدر في 21 نوفمبر- تشرين الثاني الماضي ثم تم إلغاؤه لاحقا مع الإبقاء على آثاره، ومن بينها تعيين النائب العام. هذا الحكم كان من الممكن أن يتحول إلى طاقة أمل لطي الصفحة القاتمة بين الإخوان والمعارضة لو أن الرئيس أعلن التزامه بتنفيذ أحكام القضاء، خاصة أن عزل طلعت عبد الله أحد أهم مطالب المعارضة وغالبية القضاة. لكن ما حدث هو سيناريو مشابه لما حصل مع التطورين السابقين، وجرى التشكيك في الحكم ومحاولة البحث عن مخرج لهذا المأزق. ومهما كان شكل محاولة الإبقاء على النائب العام والطرق التي يمكن المضي فيها، دستورية أم سياسية، فهي دليل آخر على العصف بالقانون وعدم احترام أحكام القضاء. وهي أيضا تؤكد هروب فرصة ضمن قائمة طويلة من الفرص التي ذهبت هباء. الكلام عن وصف الإخوان بأنهم أصحاب الفرص الضائعة بامتياز لم يأت من فراغ، فهناك براهين وأدلة بالجملة. لكن هذا الوصف تحول إلى غاية وهدف عند قيادات الجماعة، ليس فقط لأنها لا تريد التعلم من أخطائها، بل بسبب رغبتها في إقصاء القوى الأخرى واحتكار التحكم في مفاصل الدولة. وهي تخوض معاركها السياسية على طريقة »أكون أو لا أكون«، التي بدأت تظهر لها ارتدادات سلبية على شكل ارتباك وتخبط وسوء إدارة. لذلك يصعب التعويل عليها في مسألة استثمار أية فرصة قادمة.