تتعرض الأصوات النسائية في ربيع العرب لمصادرة البوح , وتسوق الأقلام المثقفات إلى ردهات المحاكم إن هن امتلكن الشجاعة في مناقشة الفكر والرأي وانتقاد اليومي السياسي والاجتماعي .. نساء في مصر , في السياسة والثقافة والفن يهدر دمهن وينكل بشرفهن , صحافيات يقودهن احترافهن للكلمة والرأي للإعتداء.. وفي تونس يمثلن أمام القضاء لأن صوتهن قص حبال عورته وجادل السياسي في زمن «النهضة» . رجاء بن سلامة واحدة من هؤلاء التونسيات العصيات على الانكسار والرافضات للرجوع للصفوف الخلفية ستمثل يوم 5 أبريل القادم أمام محكمة تونس لتقول كلمتها بصوتها.هنا بعض مقتطفات من بعض مقالاتها لتقريب القراء من فكر نسائي يأبى أن يتقيد. ستمثل يوم 5 أبريل المقبل أمام قاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية في العاصمة التونسية, الباحثة والكاتبة التونسية رجاء بن سلامة, بعد تأجيل استنطاقها الذي كان مقررا يوم 28 فبراير المنصرم, في قضية رفعها ضدها الحبيب لخضر رئيس لجنة صياغة الدستور عن حركة ?النهضة? الاسلامية , على خلفية انتقادات وجهتها له بتحريف محتوى الفصل 26 من مسودّة مشروع الدستور المتعلق بحرية الرأي والتعبير والإبداع. حيث قارنت الباحثة بين صياغته الأولى التي اتفقت عليها اللجنة التأسيسية للحقوق والحريات، وبين الصياغة الثانية التي تمّ اعتمادها في مسوّدة مشروع الدستور. ولم يرضَ الحبيب خضر بأن يمرّ هذا التصريح مرور الكرام، ما دفعه إلى التقدّم بشكوى ضدّ الكاتبة لدى المحكمة الابتدائية في تونس قبل أن تتمّ إحالتها على مكتب التحقيق بتهمة ?نسب أمور غير قانونية إلى موظف عمومي متعلقة بوظيفته عن طريق وسيلة إشهارية من دون الإدلاء بما يثبت ذلك? والقذف والادعاء بالباطل و النميمة. ليست هذه المعركة الأولى التي تخوضها الباحثة من أجل الحرية والاختلاف. فخلال العام الماضي، وصل الأمر بالسلفيين إلى حد هدر دمها والمطالبة بشنقها في ساحة ?الباساج? في قلب العاصمة. خبر مثول بن سلامة أمام المحكمة دفع جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الأهلية إلى إصدار بيانات تضامنية تطالب ب?الكف عن الزجّ بالقضاء في النقاشات الفكرية والدينية والفلسفية والسياسية، وإلى مقارعة الحجة بالحجة في إطار حوارات هادئة?. باعتبارها ?أحد أهم مكاسب ثورة 14 يناير? ومن أبرز مقتضيات المواطنة المشاركة في الشأن العام بإبداء رأي نقدي في السياسات العمومية وفي النصوص القانونية وفي مشاريعها?. وقد أكدت الجامعية بن سلامة أن قضيتها قضية رأي والشاكي أي الحبيب خضر ليس لديه حجج قوية لمواجهتها في المنابر الاعلامية المفتوحة للردّ عليها قائلة ?إنه فضل اللجوء الى القضاء قصد تكميم الأفواه وتخويف المثقفين والنخبة?. والباحثة بالمناسبة، أستاذة محاضرة بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنّوبة بتونس، تدرّس التفكيك وتاريخ التصورات عن المرأة في نطاق وحدة ?تاريخ النساء?، والخطاب عن المرأة في العالم العربي بالمعهد العالي للعلوم الإنسانية بتونس. وأصدرت مجموعة من المؤلفات بالعربية والفرنسية، منها على الخصوص: ?»العشق والكتابة: قراءة في الموروث»، «صمت البيان» ، «الموت وطقوسه من خلال صحيحي البخاري» ,»نقد الثوابت: آراء في العنف والتمييز والمصادرة»الذي تناشد الباحثة من خلاله المتلقي بأن يترك التّلعثم والتّكتيكات الباردة، وتطالب بما ?يضمن المساواة والحرية بين الجميع: بفصل الدين عن السياسة وفصله عن التّشريع وإخضاع العلاقات بين الرجال والنساء ترى الباحثة أن ثقافتنا تقوم على ?التهريج وعبادة النجوم والتزلف إلى الأحياء الأقوياء?، وتؤكد على ضرورة تسمية ?الأشياء بأسمائها وأن نفضح في الوقت نفسه الخلط المتعمد?، كشروط مؤسسة ?في من يتحمل مسؤولية الإعلام والتحليل والتفكير? و أن ?شيوخ الأمس كانوا يقولون: ?واللّه أعلم?، أما شيوخ اليوم فهم آلات إفتاء في كل شيء?، ويتأسس على هذا التقييم تأكيد الباحثة على أنه ?لا يوجد بشر له حق إلهي في النطق بالحق، وفي الكلام باسم الله والوصاية على النصوص المقدسة، ولا يوجد أي بشر يمكن أن يتّخذ ذاته الفردية مصدرا للتشريع?. ثقافة النّقاب فشل في تهذيب الغرائز ثقافة النّقاب تدلّ في الظّاهر على التّقوى والورع، لكنّها في عمقها تدلّ على فشل الثّقافة والتّنشئة الاجتماعيّة في تهذيب غرائز هؤلاء، بحيث يلجؤون إلى التّديّن المفرط لدرء هذا الفشل. إنّها ميكانيزمات معروفة في التّحليل النّفسيّ، تتّصل بسجلاّت العصاب الوسواسيّ المفرط والذّهان، وما بينهما ممّا يسمّى الحالات البينيّة. ولقد مارست التّحليل النّفسيّ في مصر، واستمعت إلى منقّبات لم يفرض عليهنّ النّقاب، أو أتيح لي التّعرّف على تجارب بعضهنّ. هؤلاء النّساء أردن النّقاب لأسباب نفسيّة تتعلّق بحاجتهنّ إلى حاجز مادّيّ يفصلهنّ عن الآخرين فصلا يكاد يكون تامّا، لفشل في استبطان صورة ملائمة للجسد، أو لفشل في القبول بالأنوثة وبالإخصاء الرّمزيّ الذي يتبع العمليّة الأوديبيّة، أو لاستبطان أنا أعلى قاس في أسر فرضت على أفرادها نمطا سلفيّا في الحياة،. وبعضهنّ يلجأن إلى النّقاب هربا من النّساء أنفسهنّ، أي من نزعات مثليّة مترسّخة لديهنّ. لكنّني لا أنفي وجود حالات أخرى لا يكون فيها النّقاب حلاّ دينيّا لمشاكل نفسيّة، بل بكون أداة تستعملها المنقّبة للتّلاعب بالرّقابة المفروضة عليهنّ من أسرتها أو زوجها. المهمّ أنّ هذه الظّاهرة، ظاهرة النّقاب في حدّ ذاتها كان يمكن أن تبقى في دائرة فرديّة، وأن تنحسر في مجموعة صغيرة من الفئات التي تختار نوعا من التّهميش الإراديّ لولا تسيّسها، وتحوّلها بعد الثورة إلى موضوع مطالبة بالحقوق يتّخذ أحيانا أشكالا عنفيّة، وتحوّلها إلى موضوع دفاع، والمشكل انّه دفاع باسم حقوق الإنسان.. التركيبة الفحولية تتحكم في البرلمانات العربية تنتج البلدان العربيّة منذ العشرينات على الأقلّ، وتصدّر موجات من الثّقافة المعتمدة على التّركيبة الفحوليّة السّياسيّة, يضاف إليها بعد دينيّ يؤسطرها و»يأمثلها». هذه التّركيبة الملحّة على بعدها الثّالث, المناهضة لخروج المرأة من حجبها، المناهضة لتقلّدها وظائف الزّعامة، مدعومة بالكثير من التّشريعات في الكثير من البلدان العربيّة، مدعومة بالمؤسّسات الدّينيّة الكبرى التي ما زالت رافضة لحقوق الإنسان، ولحقوق الإنسان للمرأة، بل إنّها مدعومة بالهياكل التّمثيليّة المنتخبة، فالبرلمانات العربيّة لا تسير في الغالب في اتّجاه الاعتراف بأهليّة المرأة ومساواتها التّامّة مع الرّجل، والدّليل على ذلك مطالبة الكثير من البرلمانيّين المنتخبين بالتّراجع عن الحقوق الممنوحة للمرأة. ففي سنة 1988 دعا أحد نوّاب التّيّار الإسلاميّ في «مجلس الشّعب» المصريّ «بعدم تعيين الإناث في الوظائف الحكوميّة من أجل القضاء على ظاهرة البطالة.» هذه الثّقافة ليست مهمّشة وهي إلى ذلك كلّه ثقافة رائجة، تكاد تهيمن على وسائل الإعلام السّمعيّة والبصريّة، والقنوات الفضائيّة العربيّة التي تخصّص حصصا هامّة لشيوخ الإفتاء أبرز مثال على رواج هذه الثٌّقافة وتلبيتها لحاجيات الجماهير العريضة. خصوصيّتنا الثّقافيّة إذن هي هذه : لا نتحفّظ على حقوق المرأة فحسب، بل ننتج ثقافة تقدّم ترسانة من الأحكام والفتاوى والتّصوّرات المناهضة للمرأة. تعنيف المرأة إنكار لمبدأ الكرامة ترى رجاء بن سلامة أنه في كل حالة عنف ضد المرأة هناك عنف أساسي يقوم على إنكار حق المرأة في أن تكون لها حقوق. ولكن العنف ليس قائما فحسب على إنكار ضمني أو معلن لمبدأ المساواة بين الرجال والنساء، إنه قائم أيضا على إنكار لمبدأ الكرامة. ومفهوم الكرامة هو الذي يجعلنا لا نقدم تصورا للعنف يقصره في التعدي على حرمة الجسد فحسب، وهو الذي يجعلنا لا ندين الإغتصاب فحسب، بل ندين التحرش الجنسي أيضا، فالمتحرش بالمرأة لا يؤذي جسدها بل يؤذي معيش جسدها، لا يعتدي على الجسد-الموضوع بل يعتدي على الجسد-الذات، وهو يخل بكرامتها لأنه لا يبالي برغبتها وبعدم رغبتها، فيعتبرها وسيلة لتحقيق رغبته. ومفهوم الكرامة في إرتباطه بالعقل وبالطبيعة الأخلاقية للعلاقات بين الناس، هو الذي يجعلنا نعي مدى المس بكرامة المرأة في شعارات نقرأها في كل مكان، هي من قبيل : ?الحجاب حصانة ضد الزنا والإباحية، فلا تكون المرأة إناء لكل والغ?. فمثل هذه الشعارات تعتبر الرجل كائنا عاجزا عن التحكم في غرائزه وتعتبر المرأة كائنا متسببا في إثارة الغرائز، يجب إتخاذ التدابير اللازمة لإحكام حجبه. وإذا لم يحكم حجبه فإن ?تبرجه? يتسبب في كل الكوارث. وليست المرأة أقل عقلا من الرجل ولا الرجل أقل جسدانية من المرأة، وإحترام الذات البشرية يقتضي منا افتراض تحمل الناس مسؤولية رغباتهم، وافتراض قدرتهم على الاختيار ووضع الحدود لرغباتهم ورغبات الآخرين دون حاجة إلى الحواجز المادية المفتعلة.. وقيمة الكرامة هي التي تجعلنا نحجم عن اعتبار المرأة وسيلة للإنجاب وحفظ النسل والأسرة، ونحجم تبعا لذلك عن إحتقار فئات النساء اللاتي لا يقمن بهذا الدور أو اللاتي إنقطع قيامهن به، اقصد : المرأة التي لا تنجب، والمرأة التي اختارت العزوبة، والمرأة العانس، والمرأة المطلقة، والمرأة الأرملة، والمرأة التي تجاوزت مرحلة الإنجاب... ّ الثّوابت في العالم العربيّ الثّابت في «الثّوابت» العربيّة والإسلاميّة هي الوظيفة الأساسيّة التي تضطلع بها : إنّها تسمية اللاّحرّيّة واللاّمساواة بأسماء بديهيّة لا تحتاج إلى النّقاش، أو تعرّض من يناقشها إلى تهمة الخيانة أو الفكر والمروق. الثّوابت في الغرب الدّيمقراطيّ هي المساواة والحرّيّة، أمّا الثّوابت عندنا فهي ما يبرّر اللاّمساواة واللاّحرّيّة، بل وما يبرّر الإرهاب والعنف. ربّما يكون من المفيد القيام ببحث متقصّ للاستعمالات المختلفة لهذه العبارات في شتّى الخطابات المعاصرة. وبما أنّ هذه العبارات مبهمات، فلا بدّ أن نلجأ إلى السّياقات التي تستعمل فيها. وعندها سيتّضح لنا الثّابت في الثّوابت العربيّة : باسم الثّوابت تتمّ مصادرة الكتب وملاحقة المفكّرين والأدباء وتتبّعهم عدليّا، أو قتلهم إن لزم الأمر، وباسم الثّوابت نتمسّك بأحكام الشّريعة الإسلاميّة التي تخضع النّساء إلى عبوديّة القوامة، وتخضع غير المسلمين إلى نظام المواطنة المنقوصة، وباسم الثّوابت نعارض حقّ الرّجال والنّساء الرّشّد في السّيادة على أجسادهم. وباسم الثّوابت أيضا نفضّل الحرب على السّلام، والمقاومة المسلّحة على المقاومة السّياسيّة، ونحوّل الانتحار المدمّر إلى استشهاد مجيد، ونحوّل الهزائم إلى انتصارات للأمّة، ونفضّل الدّكتاتوريّة النّابعة من الدّاخل على الدّيمقراطيّة الآتية من الخارج. الثّوابت هي شعار من يغار على أوهامه النّرجسيّة وأوثانه, هي تعويذة من لا يريد أن يرى، من يريد أن يرى في حركة النّهر الجاري بركة آسنة يعبد فيها صورته وظلّه وهويّته فيكون مآله الانتحار غرقا. الانترنيت رافد للعلمانية العلمانية هي مبدأ الإقرار بأن تنظيم الدولة والتشريع ممكنان دون مرجعية دينية، لأن المرجعية الدينية تفرض معتقدا خاصا، وتفرق ولا تجمع مهما كانت متسامحة، ولا تفصل بين الحياة العامة والخاصة، ولا تفصل بين القانون والأخلاق، ولأن مجال السياسة وممارستها الخاضعة للنقد والمساءلة غير مجال الدين القائم على المعتقدات الثابتة والمطلقات، وهو مجال إلى ذلك لم يتخلص في الغالب من التطبيق السياسي لمبدأ خلافة الله في الأرض. هناك تفاوت بين مختلف البلدان العربية في مدى الأخذ بالنتائج العملية للعلمانية. هناك بلدان تم فيها تطوير التشريعات في اتجاه وضعي وخاصة في مجال الأحوال الشخصية، وهناك بلدان رفع فيها شعار علماني بديع هو «الوطن للجميع والدين لله». ولكن لا يوجد بلد عربي علماني بأتم معنى الكلمة من حيث تعريفه لنفسه ومن حيث منظومته القانونية والدستورية، ومن حيث تنظيمه السياسي، ومن حيث منظومته التعليمية. أما التيارات غير الدينية التي تلعب وظيفة المعارضة فيمكن أن نقول إنها لم تتعامل مع فكرة العلمانية بوضوح، ولم تبلور فكرا علمانيا انطلاقا من خصوصيات المنطقة التي لا تواجه فيها القوى غير الدينية سلطة كنسية بل تواجه في الغالب نصوصا دينية اعتبرت صالحة لكل زمان ومكان، وتم تشييئها ومنع كل علاقة تأويلية إبداعية بها. مع ذلك يبدو لي، وقد أكون مخطئة أو متفائلة أكثر من اللزوم، أن العلمانية بدأت تظهر باعتبارها ضرورة ملحة وبدأ يتشكل وعي بها على الساحة العمومية، وما الكتابات المناهضة لها إلا رد فعل ممانع على ظهور هذا الوعي وظهور حاجة إليها في الواقع السياسي. فقد وفرت الإنترنت منذ بضع سنوات حاملا للتعبير عن الفكرة العلمانية في العالم العربي، من خلال الكثير من المواقع التي رفعت هذا الشعار. وللتذكير فإن الإنترنت ليست شبكة خيالية، مهما قلنا عن افتراضيتها. بل إنها فضاء مدني يجمع الناس ويخلق نوعا من حوار الأفكار ويوفر هامشا مهماً للأفكار الجديدة. الفتاوى تعفن الاجتهاد الفتاوى جزء من جهاز سلطويّ عامّ يؤدّي إلى أسلمة المجتمع على نحو هذيانيّ خانق، ويؤدّي إلى خلق برلمان تحت كلّ عمامة. تقول رجاء بن سلامة, فالفتوى في حال صدورها عن مؤسّسات رسميّة، جزء من جهاز سلطويّ تعتمده بعض الحكومات في تنافسها المستمرّ مع الحركات الإسلاميّة لتأكيد شرعيّة متآكلة أو معدومة. إنّنا لم نعد نريد فتح أبواب الاجتهاد، ولا نطالب هؤلاء الشّيوخ بما لا طاقة لهم به. أبواب الاجتهاد يفتحها الواقع البشريّ التّاريخيّ بزخمه، وتفتحها مطالبة المستضعفين والمقموعين بحقوقهم فالواقع التّاريخيّ هو الذي فرض إبطال الرّقّ في السّابق، والواقع التّاريخيّ مع المطالبة بالحقّ فرض خروج النّساء من خدورهنّ وحجابهنّ، رغم كلّ الفتاوى ورغم كلّ الأحكام الفقهيّة التي تمّ بعثها من جيد، والواقع التّاريخيّ هو الذي فرض هيكل الدّولة الحديثة، وفرض في الكثير من البلدان الإسلاميّة عدم تطبيق القصاص والدّية، وعدم رجم الزّناة وعدم قطع يد السّارق... ولم تكن الفتاوى والاجتهادات سبّاقة إلى هذه التّحوّلات والإصلاحات، بل كانت رافضة إيّاها أو قابلة بأمرها الواقع في أحسن الأحوال. ما يمكن أن نطالب به اليوم ليس فتح أبواب الاجتهاد، بل غلق أبواب الفتوى، وتركها مفتوحة إلى حدّ في مجال العبادات التي يحتاج إليها المؤمنون إذا رأوا ضرورة وجود وسائط بينهم وبين معبودهم.، وضرورة وجود وصاة على عقائدهم وعباداتهم. فما أدعو إليه عمليّا، وكخطوة أولى للحدّ من فوضى الفتاوى اللاّتأويليّة، وللحدّ من هذا العمى الفقهيّ، هو قصر دور المفتين على أمور العبادات، وترك المعاملات والسّياسة لمن هم أهلها من ممثّلي السّلطة التّشريعيّة ومن المطالبين بالحقّ، وممّن لا ينتظرون فتاوى الشّيوخ لكي يفتكّوا بأيديهم، و في كلّ لحظة، أجزاء من حرّيّتهم وكرامتهم. شجاعة أدبية تُحسب للباحثة التونسية رجاء بن سلامة في التعبير عن اجتهادات تثير الكثير من الجدل والاستفزاز. نحن في ضيافة أحدث مؤلفات رجاء بن سلامة: نقد الثوابت: آراء في العنف والتمييز والمصادرة. ?شرح النّصوص وتفكيكها?، هي المهمة التي تتقنها المؤلفة، دون أن تتوقف طويلا عند المرجعية الإيديولوجية التي تتأسس عليها عملية التفكيك هذه، لولا أننا نجد العديد من القراءات والإشارات التي تعبر بشكل واضح عن مرجعية الباحثة، وهذا ما يُحسب لها في واقع الأمر.