لا يمكن تناول ظاهرة الحجاب من منطلق أنه فرض أوغير فرض، عن طريق الرجوع إلى أصله النصي والتاريخي، فكل هذا لا يجدي نفعا ولا يخدم عقلا ولا يعين على الفهم، كما أن الدعوة إلى فرضه وإلزامه أوإلى خلعه ونبذه ينتج العنف ولا يعين على الحوار، كما أننا لن ننشغل بأشكاله ومسمياته من برقع وخمار ونقاب وغطاء للرأس وسنستعمل مصطلحا واحدا وهو الحجاب لأنه دال على تلك الأشكال جميعا، فالحجاب ظاهرة تحتاج إلى الفهم وليس إلى الملاحظة والوصف والتقييم والتقسيم الرجل العربي يرى في جسد المرأة سلطة وقوة، يمنحها أسماء مختلفة مثل الفتنة والإغراء والإثارة ويربطها بالشيطنة والخطيئة .. لذلك فالرجل في المجتمع الأبيسي يراقب هذه القوة بقلق، وبما أنه لا يمكن أن تتعايش قوتان إلا بسلب وطرد أحدهما للآخر، فإن الرجل عمل ويعمل على مراقبة جسد المرأة، ليس من منطلق شهوي بل من منطلق الدفاع عن هيمنته وسيطرته التي شكلتها عقلية المجتمعات الأبيسية، لذلك فهاجس الرجل هو تسييج جسد المرأة وحصاره وإخضاعه لفكرته التي تتلخص في المعادلة التالية : بما أن جسد المرأة يغري ويفتن وبما أن هذا الإغراء سيؤدي بهما إلى الخطيئة فإنه لزاما وفرضا على المرأة أن تستر مناطق الإثارة في جسدها، لكن الغريب والمثيرهو مناطق الحجب والستر في جسد المرأة والتي تتركز مجملها في شعر المرأة، لكن هذه الغرابة تنتفي عندما نعلم أن مناطق الإثارة سواء في جسد المرأة أوالرجل هي نتاج لثقافة كل شعب على حدا، فمثلا هناك شعوب بدائية تتخذ فيها مساحة العري حجما كبيرا من جسد المرأة و حتى الشعوب المعاصرة فهي تختلف فيما بينها في تحديد مناطق الإثارة والجمال في جسد المرأة وهو ما يتجلى بشكل واضح في موجة اللباس الذي عليه أن يكشف هنا ويخفي هناك ويتخذ شكلا تابعا لمناطق الجمال والإغراء في الجسد، أو الاهتمام بالنظام الغذائي وتأثيره على الجسد بين شعوب تفضل المرأة البدينة وأخرى النحيفة أوالمتوسطة، وكذلك أدوات الزينة وتركيزها على مناطق محددة من الوجه دون أخرى، وانتهاء بعمليات التجميل حيث يتدخل الطب لكي يحقق عافية الجسد ليس من الناحية الصحية بل من الناحية الجمالية هذه المرة، هذه العافية التي لا تفرضها الحاجة البيولوجية للجسد بل تفرضها النظرة الثقافية للجسد هذا الأخير الذي يتشكل على يد الطب حسب ما تمليه تلك النظرة .. إذن فالجسد هو صناعة فكرة وثقافة أي أنه منتوج ثقافي أكثر مما هو منتوج بيولوجي وطبيعي، لذلك فجسد المرأة العربية خصوصا هو منتوج لفكرة ونظرة الرجل،وخاضع لحتمية هذه النظرة وتلك الفكرة، هذا الجسد الذي يسيجه الرجل بأفكار من قبيل العفة والبكارة والشرف .. إلخ ويزيد على ذلك بتغليف تلك المعاني بالدين حيث لا يصبح للمرأة مجال للمقاومة أوالنقد، بل تصبح المرأة مدافعة عن سجنها ومتماهية مع الفكرة التي أطر بها الرجل جسدها حيث تختفي المراقبة المباشرة والصريحة للرجل فتقوم بها المرأة نفسها على جسدها، لذلك فالدفاع عن الحجاب تتكفل به المرأة أكثر من الرجل، وهذا ما لاحظناه مؤخرا في مصر عندما فرضت الدولة على طالبات الجامعة نزع النقاب وأيدت ذلك بفتوى من أعلى هيئة دينية بمصر وهي الأزهر إلا أن المعنيات بهذا القرار رفضن هذا الأمر، وكذلك ما نشهده عند بعض النساء الهرمات والكبيرات في السن حيث لا مبرر لتحجبهن لو اعتبرنا أن المبرر هو الفتنة،نجدهن متمسكات بالحجاب في صوره المختلفة وأشكاله المتنوعة فنزعة الوأد انتقلت من التراب إلى اللباس، فبعدما كان الرجل العربي يئد المرأة في التراب أصبح الآن يئدها في اللباس، فشكل الوأد تغير لكن دوافعه العدوانية والثقافية (الخوف من العار) ما زالت قائمة،وقد أثرت هذه النظرة الثقافية للمرأة حتى في العمارة الإسلامية القديمة التي اتخذت أساليب وأشكال كلها تنصب في حجب المرأة وعزلها عن العالم الخارجي .. إذن تشكل المرأة عند الرجل العربي المعادل الموضوعي للغريزة الجنسية، والغريزة الجنسية تحتاج إلى الستر والخلوة والحجب وما يستدعيه ذلك من قلق وتوتر وشعور عدواني والرغبة في الامتلاك والاستئثار، وهذه المعاني الأخيرة كلها هي التي تترجم طريقة تعامل الرجل العربي مع المرأة أونظرته إليها وتفكيره فيها وصورتها عنده، فهي مجرد فرج أوعورة تحتاج إلى الستر والتغييب والفصل .. لكن لا يمكن التعميم، فحضور الحجاب في المجتمعات العربية تختلف وطأته من مجتمع لآخر، ففي المجتمع المغربي مثلا لا يشكل الحجاب عامل فصل وتقسيم بين النساء مع بعضهن البعض، فأغلب النساء المتحجبات يتعاملن بتسامح وربما بتناس تام للفروقات بينهن وبين النساء غير المتحجبات، وأي إثارة لهذا الموضوع فهي آتية من جهات متعصبة أومن جهات الإسلام السياسي التي تريد صبغ المجمتع بألوانها وأقمشتها، فيصبح الحجاب عندها شعارا سياسيا يؤكد هيمنتها وانخراط المجتمع في مشروعها بطريقة غير مباشرة، كما أن الحجاب أصبح له بعد تجاري واقتصادي، فالشركات الإنتاجية للباس المحجبات لا يمكنها أن تستغني عن الإشهار مستغلة جميع خطابات الجذب بما فيها الخطاب الديني،كما أن بعض النساء يلجأن للحجاب لأنه يحسن شكلهن وصورتهن بتورية جزء غير جميل من جسدهن وإبراز الأجزاء الأجمل ويتخذ أشكالا جمالية متنوعة في لونه وشكله وطريقة لفه ووضعه ، باختصار فللحجاب مدلول ظاهر وهو المدلول الديني، لكنه في نفس الوقت يخفي مدلولات أخرى عديدة، مثل المدلول الجنسي والسياسي والاقتصادي والجمالي وحتى الأمني كما لاحظنا مؤخرا في مصر، فالحجاب يجب تناوله انطلاقا من المعاني التي يخفيها ويضمرها وليس انطلاقا من معنى أحادي ومباشر وصريح وهو المعنى الديني الصرف، فالحجاب ليس فكرة ثابتة، بل فكرة متحولة وتأخذ معانيا ومدلولات متنوعة انطلاقا من ذلك التغير والتحول وإن كنا نربطها في وعينا المباشر بمدلول واحد وهو المدلول الديني الصرف، والدليل على ذلك أن الحجاب سابق على الإسلام فهو كان موجودا لدى مجتمعات وأمم سبقت الإسلام بمئات السنين واتخذ الحجاب لديها معانيا متنوعة لا علاقة لها بالمعنى الديني، بل إن معنى الحجاب في صدر الإسلام نفسه كان يدل على المرأة الحرة بعكس الأمة والعبدة التي كانت تعرف بسفورها وعدم تغطية شعرها ختاما يجب الدعوة إلى قراءة مغايرة للحجاب انطلاقا من المعاني التي ينتجها ومن المدلولات التي يبطنها، من أجل تجاوز نزعة الاستئصال سواء من الفريق الذي يدعو إلى فرضه وتعميمه أو من الفريق الذي يدعو إلى تحييده وابعاده، وبذلك نصل إلى مجتمع متسامح متصالح يعي شراك التعصب وبوادر الخوف التي ينتجها الجهل بالآخر