هل يقبل العلمانيون المغاربة آثار و نتائج العلمانية في حالة تطبيقها في المغرب؟ يقول العلمانيون ما دامت الشعوب العربية تُخْضِع الدولة والسياسة والاقتصاد والثقافة للدين، فإن هذه الشعوب ستبقى هي الأكثر تخلفا عبر العالم، لأن الدولة السليمة، أو الحَكامَة الجيّدة، هي تلك التي تُخْضِع تدبير المجتمع للعقل. والسبيل الوحيد للتقدم و الرقي و الحداثة، يمر بالضرورة عبر الفصل بين الدين والدولة. و يقول بعضهم أن طرح مسألة الدين هو مجرد نَزْوَة إيديولوجية فارغة و أن الدولة، في الحقيقة، ليس لها دين، ولا يمكن أبدا أن يكون لها دين. و لا يمكن للدولة أن تحمل دينا، كما لا يمكن لها أن تمارسه أو تَتقيّد بأي مبدأ من مبادئه. لأن الدولة هي بَشَر، ومؤسسات، وأجهزة، وآليات، وموازين قوى، وإجراءات، وقوانين، وصراعات، وعلاقات، وبرمجة، وتدابير، وغش، ونِفاق، وحِيّل، وخِيانات، إلى آخره. و لا مكان في مُكَوّنَات الدولة لا للإيمان، ولا للعبادة، ولا للروحانيات، ولا للأخلاق المجردة. لست مختصا في الشريعة الإسلامية، ولكن سأحاول أن أطرح بعض الآراء و الأفكار انطلاقا من المنطق فقط، و أتمنى أن أكون واضحا و مقنعا. إن تأملاتي في الحياة و دراساتي العلمية لبعض تفاصيلها الدقيقة...، تفاصيل الطبيعة، مثل تركيبة الذرة و الأنزيمات و وظائفها و طريقة اشتغالها و أداءها لمهامها...، هذه التفاصيل جعلتني أقتنع أكثر أن هناك قوة كبيرة و ذكاء خارق للعادة اسمه الله....، هذا الذكاء الخارق هو الذي خلق هذا الكون و نظم فيه كل شيء بكيفية دقيقة جدا و مدهشة قد يعجز الإنسان بذكائه المحدود أن يثبت ذلك وأن يستوعب و يفهم كل شيء. إن السبيل الذي يمضي فيه الإنسان متأملا و عاملا و باحثا و مكتشفا و مستمتعا و عابدا أو غير عابد هو الذي نسميه مشوار الحياة....، نعم كل واحد منا يسير في مشواره الخاص دون أن يعرف طوله و لا لحظة نهايته. كلنا يحمل طموحات و أحلام و مشاريع تغذيها الغرائز كحب الدنيا، حب البقاء، حب المال، حب الاستمتاع، حب المعرفة، حب الاطلاع، حب الاكتشاف، و غيرها....، متطلعين دائما إلى الأحسن و الأفضل لتحسين ظروف العيش، ظروف الصحة، ظروف الحياة....، و هذا شيء طبيعي. والعقل البشري له دور كبير في كل هذا. لكن علينا أن نعترف، أن بسببه أيضا تحدث حروب و صراعات و أشياء أخرى، غريبة و غير طبيعية.... ، تحدث أشياء تفقد الإنسان توازنه و تزيغه عن مساره الصحيح....، تحدث أشياء تحول دون أداءه لرسالته و مهامه الحقيقية....، أشياء تبعده عن فطرته و عن إنسانيته و تجعله أقرب في تصرفاته إلى الحيوان....، أشياء تحول حياته إلى ملهى بلا حدود لا مكان فيه إلا للشهوات و الغرائز و الملذات. اعتمادي على العقل و احتكامي إلى المنطق جعلني أكثر تمسكا بالدين، كمجموعة قيم و مبادئ، كقانون أسمى لا يجب فصله عن الدولة. أختلف مع العلمانيين المتشبعين بأفكار الغرب...، أختلف معهم في أمور كثيرة و خاصة حول المبادئ و التشريعات التي يرفضونها و التي تبدو لي منطقية، و كمثال: مسألة قوامة الرجل على المرأة في الدين الإسلامي: الرجل و المرأة متكاملان و هما متساويان في كثير من الحقوق المدنية، و لكن لا يمكن أبدا أن يكونا متساويان في كل شيء، فالعدل مسألة واجبة و ضرورية، و استمرار العشرة و الحياة الزوجية تقتضي في كثير من الأحيان أن يتحمل الرجل أكثر من المرأة أو المرأة أكثر من الرجل. و في بعض الأحيان، رغم الحوار و محاولة إقناع طرف للأخر قد لا يتفقان الشريكان، و قد يستمر النقاش في نفس الموضوع أيام و شهور بل سنين بدون نتيجة، بدون اتفاق، و قد يرفض كلا الطرفين التنازل عن آراءهما و رغباتهما، و بالتالي قد يدخلان في طريق مسدود و يصطدمان بالحائط. و هنا يتدخل الدين لحسم الأمر من أجل استمرار الشراكة و إنقاذ العش و إنقاذ الأبناء من التشرد و الضياع، و أعتقد أن مسألة قوامة الرجل على المرأة جاءت لهذه الغاية....، فالهدف منها ليس تسلط الرجل أو فرض رأيه على المرأة، بل غاية التشريع بقوامة الرجل غاية نبيلة في صالح الفرد و الأسرة و المجتمع ككل، على عكس ما يتصوره البعض. يقول العلمانيون : الدولة السليمة، أو الحَكامَة الجيّدة، هي تلك التي تُخْضِع تدبير المجتمع للعقل، و يجب إبعاد الدين عن السياسة و التربية و الثقافة و غيرها، بمعنى أن الشيء الوحيد الذي علينا أن نعتمد عليه هو العقل أريد أن أطرح بعض الأسئلة على كل من هو علماني يرفض الدين أو يعتبره شأنا خاصا لكل إنسان أراد ذلك. - هل تعتقد أن عقل الإنسان كافي لوحده و قادر بدون دين و عقيدة صحيحة على ضبط الأمور و تسيير الكون و ضمان الحياة الطبيعية و السلم الاجتماعي و العيش الكريم للإنسان ؟ هل بإمكان العقل لوحده بدون عقيدة أن يتحكم في الرغبات و الشهوات و غريزة الأنانية ؟ هل تكفي القوانين الوضعية، التي يبتكرها و يضعها العقل والتي هي قابلة للتغيير، لضبط تصرفات الإنسان؟ هل الغرامات و العقوبات كافية لردع الإنسان لتجنب الغش و الخداع و السرقة و الظلم و الاعتداء و الحروب و غيرها ؟ ألا ترى أن الإنسان بدون إيمان يربطه بالخالق وعقيدة تنهيه عن بعض الأمور قد يتصرف تصرف الحيوان ؟ هل زواج الرجل بالرجل و المرأة بالمرأة الذي نشاهده في المجتمعات العلمانية مسألة طبيعية ؟ أليس هذا ناتج عن إهمال لمبادئ العقيدة و الخضوع فقط لما يمليه العقل و الغريزة ؟ هل تقبل أن يكون ابنك شاذا جنسيا لأن حقوق الإنسان تشجعه و العقل يؤكد بالحجة على أنه لا يضر أحد ؟ هل يمكنك أن تقبل بضمير مرتاح أن يتزوج ابنك بولد آخر أو تتزوج ابنتك بفتاة أخرى ؟ و هل تقبل حضور زاوجهما و ترقص ابتهاجا و سرورا بالعرس لأن العقل و الحقوق أرادت ذلك ؟ هل تقبل أن ترى ابنك مع أخته، أي ابنتك، أو مع أمه التي أنجبته، أي زوجتك ، في وضعية شاذة يمارسان ما حرم الله عليهما؟ هل تقبل ذلك لأن العقل و الشهوة أرادت ذلك ؟ هل تقبل ذلك لأن الحرية و الحقوق التي فرضها العقل سمحت بذلك ؟ أليست هذه نتيجة حتمية للعلمانية و فصل الدين عن الدولة و حرية العقل الذي فرض هذه الحقوق كما هو الشأن في الغرب ؟ أليست هذه نتيجة منطقية لاستغناء الإنسان العلماني عن العقيدة و الوازع الديني؟ بأي حجة يمكنك أن تمنع هذه الأشياء لكي لا تقع حاضرا و مستقبلا ؟ بأي حجة و حق يمكنك أن تمنع هذا لكي لا تحدث و تنتشر في المجتمع و في العالم بأسره؟ هل يكفي العقل لوحده لإنقاذ الأسرة و المجتمع ؟ أليس العقل بدون عقيدة مخاطرة قد تؤدي إلى إفلاس و انهيار للمجتمع الإنساني ؟ ألا ترى أن مبادئ و قيم الإسلام هي الأقرب إلى الصواب للحفاظ على طبيعة الأشياء و إنسانية الإنسان ؟ ألا ترى أن العقيدة ضرورية لتوجيه العقل و تصحيح أخطاءه ؟ ألا ترى أن الإسلام بإمكانه إنقاذ البشرية من الهلاك بتشجيعه الحفاظ على الفطرة و دفاعه عن مبادئ و الشرف و العفة والكرم و التضامن و الإخاء و المحبة و السلم و غيرها.... ؟ ألا ترى أن الإسلام عقيدة صحيحة و دستور للعالمين لا يفرق بين عجمي و عربي إلا بالتقوى و يجب أن تأخذ منه الأحكام كل الدساتير؟ أليست دسترة الدين الإسلامي مسألة ضرورية لتجنب انهيار المجتمع ؟ أليست العلمانية و فصل الدين عن الدولة مخاطرة كبيرة و ليس في صالح المواطن المغربي و الإنسان عامة ؟ لا يجب على الإنسان، كيفما كان و أينما كان، أن يتصرف حسب هواه و عقله فقط. و كل مجتمع إنساني بدون مبادئ و أخلاق و عقيدة كغابة أو إسطبل لا تعيش فيه إلا الحيوانات. أعتقد أن الاهتمام فقط بثقافة الغرب و إهمال الثقافة الإسلامية هو الذي يؤدي إلى انتشار الفكر العلماني و بروز الأفكار التي تنبذ و ترفض الدين. صحيح أن الغرب وصل إلى درجة كبيرة من التقدم التكنولوجي، لكن ليس كل ما يأتينا من الغرب صحيح و صالح و نافع. و أعتقد أن الدستور الصحيح و الحكامة الجيدة هما قبل كل شيء الالتزام بالعقيدة و الأخلاق و القيم الصحيحة، كما أن بناء الحاضر و التخطيط للمستقبل يستوجب إعادة النظر في مفهوم الحداثة، و لا عيب أن نراجع أنفسنا و نعترف إن كنا مخطئين، و لا عيب أيضا أن نقول أننا مسلمين متمسكين بقيم و مبادئ الإسلام لخدمة الإنسان و الكون برمته و الفوز بالجنة إنشاء الله. يقول أحد العلماء الكبار في الدين و الشريعة إن إقامة دستور علماني يعزل الدين عن الدولة و السياسة و الحياة العامة هو إعلان حرب ضد ثوابتها و أصالتها، و أكيد أن الشعب سيرفضه كما يرفض جهاز المناعة أي جسم غريب يتم زرعه في كيانه. قد يختفي الصراع بينهما أيام و شهور و أعوام ، و لكنه سيظل باقيا و مستمرا لأنه صراع بين الذات و العدوان، يكمن كمون النار في البركان، لابد أن يؤدي يوما إلى الانفجار. لقد نجح أتاتورك و خلفاؤه في تركيا في زرع العلمانية و تطبيق النموذج الغربي في الحياة و السياسة و الاقتصاد و غيرها، و حاولوا سلخه من تراثه و قيمه و تقاليده ، لكن لم و لن ينجحوا أبدا في اجتثاث جذور الإسلام و مبادئه و قيمه من حياة الشعب التركي المسلم. و كل من زار تركيا في السنين الأخيرة، يشهد بما تعرفه المساجد هناك من ازدحام بالمصلين من كل الأجيال، و يشهد كذلك بانتشار المعاهد و المدارس القرآنية و الإسلامية، و الإقبال الكبير على الكتب الإسلامية. يشهد العالم الإسلامي صحوة إسلامية كبيرة و متزايدة، و أغلب المسلمين من التيار أو الإسلام المعتدل الذي يدعو إليه كبار العلماء، وهو التيار المستمر و الباقي .... تيار الوسطية الإسلامية، لأن الغلو لا يطول عمره و لا يمكن أبدا أن يحقق مبتغاه. و معالم الإسلام الذي يدعو إليه العلماء الكبار كالدكتور القرضاوي هو الذي يخاطب العقول و يدعو إلى العلم و التفوق و التفكير، و لا يرى أي تعرض بين العقل الصريح و النقل الصحيح. فالعقل ، كما يقول العلماء، هو أساس النقل، إذ به ثبت وجود الله تعالى، وثبتت النبوة، كما لا يرى أي تعارض بين حقائق العلم، وقواطع الإسلام، فلا مجال للصراع بينهما. فهو منارة تهدي، وليس قيدا يعوق، و ينفتح على تراث العلم والفكر في العالم كله، ويلتمس الحكمة من أي وعاء خرجت، وينتفع بتجارب الأمم قديما وحديثا، فيأخذ منها أفضل ما فيها دون تعصب لرأي قديم، ولا عبودية لفكر جديد، لا ينقطع عن الماضي، ولا ينعزل عن الحاضر، ولا يغفل عن المستقبل، يأخذ من الديمقراطية أحسن ما انتهت إليه من الصيغ والضمانات، لحماية حقوق الشعوب. ويستفيد من كل الآراء والنظريات. إن الإسلام الصحيح هو الذي يدعو إلى الاجتهاد والتجديد، ويقاوم الجمود والتقليد، ويؤمن بمواكبة التطور، ومواصلة التقدم، و يجمع بين القديم النافع والحديث الصالح. و الشريعة الإسلامية الصحيحة لا تضيق بجديد، و الاجتهاد أصبح في عصرنا فريضة وضرورة، و العجز الذي تعرفه الدول العربية و الإسلامية ليس في الإسلام وإنما العجز في عقول المسلمين. إن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعرف والحال، وأن الشريعة إنما شرعت لمصالح العباد في المعاش والمعاد، وأنها قامت على حفظ الأديان والأنفس والعقول والأعراض والأنساب والأموال. الإسلام يتسم بالوسطية في كل شيء، ويجعلها من خصائص أمته الأساسية: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) (سورة البقرة:143). فهو يمثل التوازن الإيجابي في كل المجالات، اعتقادية وعملية، مادية ومعنوية، فهو يعمل في حياة الفرد على الموازنة بين الروح والمادة، وبين العقل والقلب، وبين الدنيا والآخرة، وبين الحقوق والواجبات، ومن ناحية أخرى، يقيم الموازين القسط بين الفرد والمجتمع، فلا يعطى الفرد من الحقوق والحريات، حتى يتضخم، على حساب مصلحة المجموع، كما فعلت الرأسمالية ، ولا يعطى المجتمع من الصلاحيات والسلطات، ما يجعله يطغى ويضغط على الفرد، حتى يضمر وينكمش، وتذبل حوافزه ومواهبه، كما فعلت الشيوعية والاشتراكيات المتطرفة، فلا يقر نظرية الرأسمالية في تضخيم الحريات الفردية، على حساب العدل في المجتمع، وبخاصة الفئات الضعيفة فيه، ولا يقر نظرية الماركسية ، في خنق الديمقراطية السياسية، باسم الديمقراطية الاجتماعية، وتحت الشعار الخادع: لا حرية لأعداء الحرية، بل يعطى الفرد حقه، والمجتمع حقه، بلا طغيان ولا إخسار، كما نظمت ذلك أحكام الشريعة وتوجيهاتها. وبهذا يرعى الإسلام حرية المواطن، كما يحافظ على حرية الوطن، وهي حرية الفكر، لا حرية الكفر، وحرية الضمير، لا حرية الشهوة، وحرية الرأي، لا حرية التشهير، وحرية الحقوق، لا حرية الفسوق. الإسلام يتميز بالواقعية، التي هي إحدى خصائصه العامة، فهو لا يحلق في أجواء المثالية المجنحة، ولا يعامل الناس على أنهم ملائكة أولهم أجنحة، بل بشر يصيبون ويخطئون، ويستقيمون وينحرفون، وهو يعترف بضعف البشر، ووجود الخطأ والشر، ولهذا رغب ورهب، وأوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وشرع العقوبات، وفتح باب التوبة، ووضع للضرورات أحكامها، وقدر لأصحاب الأعذار أعذارهم، فشرع الرخص والتخفيفات والاستثناءات في أحوال شتى، منها الخطأ، والنسيان، والإكراه، وأجاز النزول إلى الواقع الأدنى، عند تعذر المثل الأعلى. ومن واقعيته: أنه يكرم الإنسان، ويسمو به، و يعترف بفطرته وكرامته، لا يهبط به إلى درك الحيوان، ولا يعلو به إلى درجة التأليه، يعترف بأشواقه الصاعدة وغرائزه الهابطة، يعترف به روحا وجسما، وعقلا وعاطفة، ذكرا أو أنثى، وفردا ومجتمعا. ويهيئ له فرصا للهو المباح، والترفيه البريء، كما يهيئ له المناخ الإيجابي ليحيا حياة إسلامية، بلا ضغط ولا تنازلات. وهو لهذا، يحافظ على الصحة الجسمية والنفسية والعقلية، ويخاطب كل إنسان: إن لبدنك عليك حقا، ويقاوم المسكرات والمخدرات، وسائر السموم المضرة بالأجسام والنفوس والعقول، ويرحب بالتربية البدنية، ويتخذها وسيلة لا غاية. ويفرض الرعاية الصحية الشاملة، وييسر لكل عامل حقه في الراحة، ولكل مريض حقه في العلاج، ويعلم الناس أن الله ما أنزل داء إلا أنزل له شفاء، وأن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. الإسلام يكرم المرأة، ويعتبرها إنسانا مكلفا تكليفا كاملا، له حقوقه، وعليه واجباته، ويرعاها بنتا وزوجة وأما وعضوا في الأسرة، وفي المجتمع، ويفسح لها المجال لتشارك في العبادة، وفي التعلم، وفي العمل، وخصوصا إذا احتاجت إليه، أو احتاج إليه أسرتها، أو احتاج إليه المجتمع، مع مراعاة ما تتميز به باعتبارها أنثى وزوجة وأما، تحتاج إلى توفير ضمانات خاصة لحمايتها ورعايتها، حتى من الزوج إن ظلم، والأب إن فرط، والابن إن عق وأساء، بشرط ألا يتعارض عملها مع واجبها في رعاية البيت والولد، كما يعطيها حقها في الإسهام مع الرجل في أعباء الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومقاومة الشر والفساد (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) (سورة التوبة:70)، ويفسح لها مكانا، لتشارك في قضايا الأمة السياسية والاجتماعية والثقافية، ناخبة ومرشحة لكل ما تحسنه من الأعمال فيما عدا الولاية العامة على الدولة فهي نصف المجتمع، وأحد جناحيه، وإنما النساء شقائق الرجال. وهو انطلاقا من احترام كرامة المرأة وإنسانيتها يأبى أن تتخذ أداة للإثارة واللهو، والاستمتاع الرخيص، ويوجب عليها في ملاقاتها للرجال الأجانب عنها الاحتشام ، والتزام الأدب والوقار، في اللباس والتجمل، والمشي، والحركة والكلام والنظر، حتى تعرف المرأة بجديتها، فلا تؤذى، وحتى لا يطمع، الذي في قلبه مرض من الرجال. الإسلام يرى أن الأسرة أساس المجتمع، وأن الزواج هو أساس الأسرة، لذا يحث الإسلام عليه، وييسر أسبابه، ويزيل العوائق الاقتصادية من طريقه، بالتربية والتشريع معا. ويرفض التقاليد الزائفة، التي تصعبه وتؤخره، من غلاء المهور، ومبالغة في الهدايا والولائم وأحفال الأعراس، وإسراف في التأثيث واللباس والزينة، ومكاثرة، يبغضها الله ورسوله في سائر النفقات. وهو إذ ييسر أسباب الحلال يسد أبواب الحرام، والمثيرات إليه، من الخلاعة والتبرج، والكلمة والصورة، والقصة والدراما، وغيرها، ولاسيما في أدوات الإعلام، التي تكاد تدخل كل بيت، وتصل إلى كل عين وأذن. وهو يقيم العلاقة الأسرية بين الزوجين، على السكون والمودة والرحمة بينهما، وعلى تبادل الحقوق والواجبات والمعاشرة بالمعروف، ويجيز الطلاق عند تعذر الوفاق، كعملية جراحية لابد منها، بعد إخفاق وسائل الإصلاح والتحكيم. ويقيم العلاقة بين الأبوين والأولاد على وجوب الرعاية الكاملة، ماديا وعاطفيا وأدبيا، من جانب الأبوة والأمومة، ووجوب البر والإحسان من جانب البنوة. و يأمر برعاية الطفولة، وخصوصا الطفولة اليتيمة والمشردة. ويوسع الأسرة، لتشمل الأرحام وأولى القربى، فصلتهم فريضة، وقطيعتهم كبيرة في دين الله. و أخيرا أقول و أدعو للقول ، نعم للدستور الجامع الموحد الذي يقر بإسلامية الدولة و ضمان الحقوق و العدالة و الكرامة...، لا للعلمانية، لا للتطرف، لا للتعصب و القبلية.