المغرب يدعو إلى هامش أكبر من الاستقلالية المادية لمجلس حقوق الإنسان    ولي العهد يستقبل الرئيس الصيني    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34        المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلى شعيب حليفي .. النقد المابعد الكولونيالي في المغرب-أو الكتابة المضادة ضد الأنساق المهيمنة
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 08 - 03 - 2013


1-على سبيل التقديم
بعد حصول المغرب على الاستقلال الوطني سنة 1956 اتجهت الانتلجنسيا المغربية وتحديدا منذ ستينيات القرن العشرين مع عبدالله العروي وعبدالكبير الخطيبي و محمد عابد الجابري وبول باسكون ،وغيرهم إلى الانخراط كل حسب قناعاته المعرفية والإيديولوجية في ممارسة «نقد مزدوج «، حسب الصيغة الشهيرة لعبدالكبير الخطيبي ،ينصب على مفاهيم الانتروبلوجية الاستشراقية وتصور الاستشراق بشكل عام لكل ما عربي،وبالتالي تخليص الذات الثقافية العربية من الشوائب المعرفية الاستشراقية البرانية التي ألصقها الاستشراق بالعربي وهويته للمرور إلى نقض بنية الثقافة العربية ، والحفر في بنياتها المتنوعة العميقة وتفكيكها سواء منها المعرفية كما هو الحال في مشروع محمد عابد الجابري في رائعته «بنية العقل العربي» أو من الزاوية الانتروبولوجية كما هو الحال عند عبدالله حمودي، في كتابه «الشيخ والمريد» أو من الزاوية السياسية التاريخية والنخبوية كما هو الحال عند عبدالله العروي «الايديلوجية العربية المعاصرة» وكتاباته حول مفاهيم الحداثة العربية(مفهوم الحرية والايديلوجية والتاريخ والدولة والعقل.
وعلى العموم فالنقد المابعد-الكولونيالي في المغرب جاء استجابة للوضعية السياسية والثقافية والتاريخية التي ميزت تفكير مثقفي ما بعد الاستعمار في الدول العالمثالية،ذلك أن السياق المابعد-الكولونيالي - المابعد-استعماري - بين 1960-1970 دفع ،وكما يرى عبدالله المصلوحي، الانتلجنسيا الشابة المغربية آنذاك (عبدالله العروي ،عبدالكبير الخطيبي،بول باسكون..)إلى إخضاع الموروث الكولونيالي المغربي في العلوم الاجتماعية إلى رؤية ابستمولوجية وإيديولوجية صارمة(1)،و ضمن هذا التقليد تنكتب حفريات عبدالله حمودي الانتروبولوجية خاصة فيما يتعلق بكتابه»الشيخ والمريد» وأيضا انتقادات عبدالكبير الخطيبي للنزعة الانقسامية في قراءتها لتاريخ بنية الدولة المغربية وصيرورتها التاريخية قبل الاستعمار وما بعده في كتابه»النقد المزدوج»،ولا مجال هنا للتذكير بأهمية عبدالله العروي حسب إدوارد سعيد الذي كان من بين المثقفين الذين انتقدوا الاستراق في شخص فون غرونباوم(2).
والواقع ، وتوطيدا لما سلف ذكره،إن النقد المابعد الكولونيالي عرف انطلاقته الابستمولوجية والتاريخية مع إدوارد سعيد في كتابه الشهير والذائع الصيت كونيا:»الاستشراق» والذي يعتبر ثورة «كُوبرنيكية» في ميدان نقد الاستشراق وسلطته المعرفية تجاه الشعوب المستعمرة،وإذ نتكلم عن الاستشراق فنحن نتكلم عن الاستعمار، والاستشراق والاستعمار،رغم أهميته في تحليل بنية الثقافة العربية كما يرى أركون(3)، وجهان لعملة واحدة وقد فهم إدوارد سعيد هذه المعادلة التاريخية والثقافية في تاريخ الاستعمار ،فكان كتابه «الثقافة والإمبريالية» تكملة لمشروع ثقافي وتاريخي يروم ليس فقط نقد الاستشراق وسلطته المعرفية بل وتفكيك الإمبريالية وثقافتها،وبالتالي تأسيس ما يمكن تسميته بالنقد الثقافي المزدوج تجاه الإمبريالية وبنيتها الثقافية والاستشراقية وأيضا تجاه البنية السياسية الثقافية للمجتمعات المابعد -الكولونيالية أو الدول العالمثالثية وخاصة تلك التي لم تتحرر اقتصاديا وثقافيا وسياسيا من هيمنة الاستعمار بحكم أن النخب التي استولت على السلطة ،ظلت نخبا كمبرادورية فوضها الاستعمار بعد الاستقلالات الوطنية لهذه الشعوب ليرعى مصالحها. إنها هذه النخب التي تتكلم لغة المستعمر-السيد وتسعى إلى إنتاج وإعادة -إنتاج قيمه الثقافية في سياق زماني ومكاني يختلف عن السياق الثقافي الذي أنتجها ولنا في نخب المجتمعات المغاربية والإفريقية وبعض بلدان آسيا.ذلك أن المدارس الاستعمارية الكبرى كونت أجيالا من النخب المحلية والأصلانية لكن هذه النخب،كما يرى إدوارد سعيدّ في كتابه «الثقافة والإمبريالية»،ظلت خاضعة لسلطة تقوم في مكان آخر غير حياتها.(ص283).
سيظل إدوارد سعيد طوال حياته الثقافية يقرأ ويعيد قراءة فرانز فانون وتحديدا كتابه « المعذبون في الأرض» ،لكن سعيد تسلح بمفاهيم ميشال فوكو خاصة ما تعلق بثنائية السلطة والمعرفة كما طرحتها كتبه فوكو «المراقبة والعقاب» و»تاريخ الجنسانية-ج1-إرادة المعرفة» و»الكلمات والأشياء»،و على خلاف من فوكو ،كما يؤكد على ذلك في مقدمة كتابه»الاستشراق»،الذي كان لا يولي الأهمية لذاتية النصوص والمؤلفين الأفراد،لأنه كان يفكر من داخل سياق ثقافي وتاريخي هو سياق السلطة والخارجية ،أي سياق الثقافة الاستعمارية،فإن إدوارد سعيد يؤمن بالأثر الذي يتركه الكتاب الأفراد على الجسد الاجتماعي(4)،فالمؤلفون كائنون في تاريخ مجتمعاتهم إلى حد بعيد في تاريخ مجتمعاتهم ويتشكلون بذلك التاريخ وبتجربتهم الاجتماعية بدرجات متفاوتة(5)،وبالتالي فادوارد سعيد منشغل بذاتيته ووضعيته كنتاج لصيرورة تاريخية منذ بدايات مشروعه الثقافي. ،وهذا إن دل على شيء إنما يدل على أن مثقف دول العالم الثالث أو المجتمعات المابعد -كولونيالية التي تعرف تأخرا ثقافيا وتاريخيا، محكوم بسياق ثقافي وتاريخي تتحكم في تشكيل صيرورته التاريخية وصيرورة ممكنه السياسي والتاريخي سلطتين معرفيتين سلطة الاستشراق والإمبريالية وسلطة النخب التي حكمته بعد الاستقلال.
ها نحن إذن ما ومرة ثانية أمام السياق التاريخي التي تتحكم في أطروحات النقد المابعد الكولونيالي في المغرب وعموم الدول العالمثالية.وهو سياق تاريخي ينقسم إلى ما قبل الاستعمار وما بعد الاستعمار.سعى مثقفو العالم الثالث إلى نقض الإرث الثقافي الاستعماري ، فمثقفو العالم الثالث»،كما يرى إدوارد سعيد في «الثقافة والإمبريالية»، يحملون نذوبا لجراح مذلة خلفتها سنوات الاستعمار واستغلال الإنسان الأبيض للإنسان المستعمر ،وبالتالي في نقدهم للاستعمار وسلطته المعرفية إنما يسعون «إلى مستقبل ما بعد استعماري مبني على تخليص الذات الثقافية للمجتمعات المابعد الكولونيالية من مخلفات ثقافة الإمبريالية وبالتالي ،وهذه هي المرحلة الثانية في النقد المابعد الكولونيالي ، يسعى هؤلاء المثقفون إلى نقد سلطة ومعرفة النخب الحاكمة في مرحلة ما بعد الاستعمار .
تحقق مشروع مقاومة الإمبريالية والتحرر من سطوتها الاستغلالية والاستعبادية في الزمان والمكان لكنه تحرر غير تام..لماذا؟ يجيبنا إدوارد سعيد قائلا:»بيد أن القومية* رغم كل نجاحاتها،بل في الواقع نجاحاتها-في تخليص أقاليم كثيرة من أسيادها الاستعماريين،ما تزال مشروعا إشكاليا بعمق،فقد أخرجت القومية الناس إلى الشوارع في مسيرات ضد السيد الأبيض في كثير من الحالات بقيادة محامين وأطباء وكتاب كانت القوة الاستعمارية هي التي شكلتهم جزئيا وأنتجتهم إلى حد ما،» فقد مالت الطبقوسطيات ونخبها المتخصصة التي تحدث عنها فرانز فانون بلغة منذرة متخوفة في الواقع الفعلي إلى استبدال القوة الاستعمارية بقوة جديدة طبقية المقومات ومستغلة في نهاية المطاف في إطار مصطلحات ومعطيات جديدة . تتمة دول عبر العالم الذي كان خاضعا للاستعمار بأسره أنتجت مرضيات القوة pathologies of power كما يسميها إقبال أحمد».
(The national bourgeoisies and their spécialized elites of wich Fanon speaks so ominously,in effect tendend to repleace the colonial force with a new class-based and ultimately exploitative one,which replaced the old colonial structures in new terms.There are states all cross the formerly colonized word that have bred pathologies of power as Eqbal ahmed has called them)(6)
وهي رؤية يتقاسمها عبدالله العروي مع إدوارد سعيد عندما يكتب قائلا، عن علاقة الفرد والسلطة في العالم العربي بعد الاسقلالات الوطنية للدولة العربية ،» هل غيرت التنظيمات المبنية على المنفعة كما تبينها العقل البشري نظرة الفرد العربي إلى السلطة؟ هل جعلته يرى فيها تجسيدا للإرادة العامة وتجسيدا للأخلاق كما يقول هيغل بعد ميكافيلي؟ بعبارة أخرى هل جرت في عهد التنظيمات* ظروف مواتية لنشأة نظرية الدولة، باعتبارها منبع الخلقية ومجال تربية النوع الإنساني حيث يرتفع من رق الشهوات إلى حرية العقل؟ الجواب عن السؤال هو النفي بالتأكيد..» (7).
لنلخص : النقد المابعد الكولونيالي رؤية نقدية مزدوجة تجاه الآخر-الاستشراقي وثقافته الإمبريالية وفي الآن ذاته نقد لسلطة النخب الحاكمة بعد الاستعمار و مظاهر التأخر الثقافي والاقتصادي السائدة في دول العالم الثالث.وهو بذلك نقد للأنساق المهيمنة قبل وبعد الاستعمار.
2-تجليات النقد المابعد الكولونيالي في كتاب «الرواية العربية وأسئلة ما بعد الاستعمار»
ينكتب كتاب إدريس الخضراوي ضمن التصور السالف الذكر.و يبرز ذلك من خلال النمذجة النصية التي اشتغل عليها الباحث وهي نمذجة تتخذ منحين معرفيين وتاريخيين: المنحى الأول ويتجلى من خلال النصوص التي سعت إلى التفكير من داخل النسق الثقافي الإمبريالي والاستشراقي في رؤيته الدونية والتحقيرية تجاه كل ما هو عربي شرقي،ومن تم سعت هذه النصوص إلى إنتاج سرد -مضاد للتصور الدوني الاستعماري ،أما المنحى الثاني فهو الذي يعكف على نقد السلطة وتمظهراتها على مستوى الفرد والجماعة بعد الاستقلالات الوطنية.
يمثل نص «الأمير» لواسيني الأعرج و»تغريبة أحمد الحجري»لعبدالله إبراهيم نموذجا للنمذجة النصية الأولى، يسعى النص الأول إلى نقد النسق الثقافي الكولونيالي ورؤيته التحقيرية تجاه العرب-الجزائريين-ومن عمق المواجهة القائمة بين الأمير عبد القادر والاستعمار الفرنسي تتجلى مظاهر التحقير تجاه الجزائريين والتي أبان عنها كلوزيل لحظة تفشي وباء الكوليرا. إلا أن ما يهم في هذا الإطار هو هذه المعادلة التاريخية والإنسانية التي يرسمها التمثيل -المضاد في رواية الأمير فإذا كان الأمير،وكما يرى إدريس الخضراوي،يرى»في انتصاره على الجنرال تريزر في المعركة التي دارت بين المقاومة وجيش الاحتلال رسالة لفرنسا الاستعمارية كي تكف عن نزوعها الإمبراطوري،حيث لم يتشف الأمير في عدوه، رغم انه كان قادرا على سحقه،ففضل عدم الاستجابة لمستشاريه، رغم أنه كان قادرا على سحقه ،ففضل عدم الانصياع لمستشاريه، مستجيبا لما يؤمن به من تسامح وفسح المجال للتواصل، رأى كلوزيل في الجزائريين الذين أصابهم الطاعون خطرا يتهدد جيشه، فلم يسارع إلى إنقادهم أو رحمتهم ، وإنما أغلق أبواب المدينة في وجوههم وتركهم يموتون عطشا وجوعا قبل أن يموتوا مرضا من شبع الموت منهم.»(ص114).إنها نظرة دونية تستمد ،يضيف إدريس الخضراوي،» مضمونها من أنساق التفاوت التي احتمت بها الإمبريالية الفرنسية،ورتبت من خلالها عدة فروض من أجل الحط من قيمة الآخر الأصلاني والعمل على سحقه ،ومن ثم السيطرة عليه والتحكم في أمره»(ص117).
وفي الكتابة المضادة التي يشنها واسيني الأعرج على الإمبريالية الفرنسية عبر المتخيل،يضيف الخضراوي يكلم واسيني الأعرج إمبريالية فرنسا وينطقها في لغة فجة ومبتذلة وعمياء في أنانيتها، ومن تم تقلب رواية الأمير ما يسميه ادوارد سعيد التموضع الاستراتيجي localisation stratégique Laللكتابة المضادة ، ذلك أن الدور ينقلب بحكم أن من يأخذ الكلمة هذه المرة هو المثقف العربي لأنه وعلى خلاف من المستشرق ومثقف الإمبريالية الغربية الذي كان خطابه مبني على»احتواء الشرق وتمثله والتحدث باسمه»(-الاستشراق -ت. ع -ص53)،فإن المثقف العربي هو الذي يتكلم عن الذات الجمعية وهويتها انطلاقا من معرفة- مضادة للمعرفة التي كان يكتب بها المستشرق تجاه هذا الذي يُكتب عنه الجزائري العربي، ومن تم وتجاوزا للانغلاق الثقافي لخطاب السيد الأبيض ?الفرنسي- ينفتح الخطاب على التعددية الثقافية التي تجعل الآخر «طرفا قابلا للاعتبار وجديرا بأن يتحدث إليه وما بين هذين الطرفين المتناقضين لا تعدم الرواية وجود مشاريع التقاء وتقاطع إيجابيين،تمثل جوهر الخلفية المتحكمة في نظرة المؤلف الاستعادية لهذا الماضي.فكأن التو ثر الحاصل بين الثقافات والهويات ، والذي لا يكف عن أن يتغذى من الأنانية الجامحة والرغبة في السيطرة ، لا يمكن أن يشكل عائقا أمام البشرية للحلم بممكن يتجاوز قتامة الماضي وبؤس الحاضر».(ص117).
وعلى هدي من رواية الأمير تأتي رواية «تغريبة أحمد الحجري» لتتوغل في تاريخ الاستشراق ومظاهر الصراع القائم بين الغرب الصليبي والعرب،ذلك أن الرواية تساءل تلك الحلقة البعيدة زمنيا من الحلقات المشكلة لصيرورة تاريخ الاستشراق والتي كما يرى ادوارد سعيد لا يمكن فهم الاستشراق دون فهما لأنها تشكل حلقة تاريخية من تلك الحلقات البعيدة التي تكشف عن الحقد التاريخي تجاه العربي المسلم. وهكذا شكل طرد العرب من المسلمين والتنكيل بهم من طرف محاكم التفتيش السيئة الذكر حلقة من تلك الحلقات البعيدة من تاريخ الاستشراق.وفي الحفر في تضاريس تلك المرحلة البعيدة تتبدى مأساة كنس التواجد العربي من الديار الاسبانية ليؤرخ المحكي عبر المتخيل لتك الحلقة التاريخية الكارثية من خلال حكاية أحمد الحجري وعائلته . ومن تم ينكتب نص «تغريبة احمد الحجري» ضمن تلك المدونة من النصوص التي عملت على نقد تلك الرؤية الاستشراقية الموروثة وتفكيك أصولها خاصة مع نصوص «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح والبعيدون لبهاء الدين الطود،و يسعى عبدالواحد إبراهيم إلى نقد أصول الاستشراق عبر وضع القارئ»في سياق الغربة التي كابدها الحجري وأسرته والمثقفون من جيله في الأندلس ،خاصة على يد المسيحيين الاسبان الذين نكلوا بهم..»(ص159). و من بؤرة الذاكرة التاريخية تؤسس الرواية تشخيصا مضادا للمعرفة الإمبريالية والاستشراقية تجاه العربي،وترى بأن هذه المعرفة التي تنتجها حول العربي هي معرفة سليلة قرون من الحقد والدونية تجاه كل ما هو عربي ومسلم.
وإذا كان نص «الأمير» و»تغريبة أحمد الحجري» يشخصان على مستوى القول السردي نموذج النصوص التي سعت إلى التفكير من داخل النسق الثقافي الاستعماري والاستشراقي لتفكيك مقولاته القيمية فإن المنحى الثاني والذي كتب عنه إدوارد سعيد في كتابه «الثقافة والامبريالية» سعى إلى التفكير من داخل النسق السياسي المهيمن في المجتمعات العربية و تحويل استراتيجيته السردية والخطابية ،كما يرى إدريس الخضراوي،من»نقد الآخر إلى نقد الذات» (ص162).وتمثل نصوص»الربيع والخريف»لحنا مينة و»تل اللحم «لنجم والي و»ذاكرة الجسد» لأحلام مستغنامي و»الآخرون «لحسونة المصباحي نمدجة نصية للمنحى الثاني،و ما يلاحظ على هذا المنحى انه يتوسل في نقده للذات باستراتيجيتين سرديتين و خطابتين،تتعلق الاستراتيجية الأولى بالمسألة الحضارية،أي أن أبطال هذه الروايات»يعكسون من خلال مواقفهم أو تصوراتهم للعالم ،نمطا من النقد الحاد للثقافة العربية والأوضاع التي يعيشها الإنسان العربي مقارنة بالآخر الغربي.وفي المقابل نجدهم لا يكفون عن الدفاع عن رؤية إيجابية بصدد الآخر،ينوهون فيها بكل قيم الحداثة التي يتمتع بها،سواء تعلق الأمر بثقافة العمل، أم باحترام الإنسان وحقوقه السياسية والمدنية،تلك القيم التي تتبلور في شكل من التنمية الداخلية يبدو تأثيرها جليا على الفرد والمجتمع».(ص163).وتمثل رواية الربيع والخريف» نموذجا لهذا النمط من النصوص التي تحتكم إلى المسألة الحضارية لإبراز تجليات الاختلاف الحضاري على مستوى حرية الفرد والمجتمع وترسيخ كرامة الإنسان وأهميته في صناعة التاريخ في الزمان والمكان، هذا فيما يتعلق بالنمط الأول أما النمط الثاني فيتجه مباشرة إلى نقد الأنساق السياسية والثقافية المهيمنة على المجتمعات العربية ونقد قيم التخلف الاقتصادي والإنساني المهيمنة على روح هذه المجتمعات والتي تعيق نمو سؤال الممكن فيها ،فالذات العربية على مستوى الفرد والجماعة لا تستطيع أن تنتقل من حالة الإمكان إلى حالة التحقق لأنها كلما أرادت أن تنتقل إلى حالة الفعل إلا واصطدمت بعوائق يتدخل فيها ما هو داخلي يرتبط بالسلطوي والانتروبولوجي والنفسي،وما هو خارجي لأن القوى الاقتصادية الكبرى لا يمكن أن تترك العرب يفكرون ويحققون ما يرغبون في تحقيقه.
ومهما يكن فإن سؤال السلطة يعتبر بمثابة اللعنة التاريخية التي تلامس ذاكرة السرد العربي خاصة بعد هزيمة 1967 وهذا ما يجعل البطل العربي يعيش اغترابا وجوديا ترمز إليه تلك القطيعة الكأداء بين الذات والزمان والمكان مما يجعلها تعيش نوعا من الفراغ الدلالي الوجودي Désémantisation existentielle،أو ليس هذا ما يريد خالد في رواية»ذاكرة الجسد» لأحلام مستغنامي
التعبير عنه عندما يقول:»هاهو الوطن الذي استبدلته بأمي يوما كنت اعتقد أنه وحده قادر على شفائي من عقدة الطفولة،من يتمي ومن ذلي.اليوم بعد كل هذا العمر،بعد أكثر من صدمة وأكثر من جرح أدري أن هناك يتم الأوطان أيضا.هناك مذلة الأوطان ظلمها وقسوتها، هناك جبروتها وأنانيتها.هناك أوطان لا أمومة لها.أوطان شبيهة بالآباء».
إنها حالة وجودية تشي بأن البطل (المثقف) في الرواية العربية المابعد الكولونيالية العربية يتيم في وطنه،واليتيم يظل يتيما تاريخا كما يرى عبدالله العروي ،لأنه محكوم بجدلية النفي والاثبات في علاقته بذاته وبواقعه .إذ كلما أراد أن يثبت ذاته وجده نفسه منفيا ويتيما في الزمان والمكان ما عليه إذن سوى أن يعيش اغترابه الخاص ،صحيح أن بطل رواية «الآخرون» وجد في ترحاله عبر عواصم أوروبا الأمكنة المحكومة بشفراتها الثقافية والتاريخية الخاصة ،ما «يجعله يتذوق معنى الحرية التي افتقدها منذ زمان»(ص265). لكنه عندما يعود على الشرق سيجد أن الموت التاريخي والثقافي هو ما يميز المكان.وهو ما يؤكده حسونة المصباحي على لسان أحد أبطاله حينما يقول»:إن هذا الشرق يا عزيزي مقبرة للأحياء».(ص52).
.كل الإبطال العرب ابتداء من «عصفور من الشرق «لتوفيق الحكيم و»أديب» لطه حسين و»موسم الهجرة إلى الشمال» و»البعيدون» لبهاء الدين الطود والآخرون لحسونة المصباحي يذهبون ويعودون من حيث انطلقوا.يذهبون إلى أوروبا و يقضون مدة زمنية قد تطول وقد تقصر تم يعودون إلى أوطانهم لكن عودتهم هي عودة نحو الموت التاريخي والوجودي،وإلا بماذا نفسر موت أبطال كل هذه الروايات؟ و موت مصطفى سعيد بطل «موسم الهجرة إلى الشمال» وبطل رواية «البعيدون لبهاء الدين الطود، خير مثال على هذا الموت الذاتي والتاريخي في تاريخ الرواية العربية المابعد-الكولونيالية.ثم إنه موت يتحكم في الرواية العربية على العموم .
كثر هم أبطال الرواية العربية الذين يموتون.فالكتابة في الرواية العربية المابعد الكولونيالية هي كتابة في الآن ذاته عن الموت التاريخي للفرد والجماعة في الزمان والمكان وكتابة أيضا ضد هذا الموت التاريخي أملا في «بعث» تاريخي ووجودي آخر بدأت معالمه تتشكل مع الانتفاضات العربية ضد الديكتاتوريات العربية والموت التاريخي الذي يعاني منه العرب في صيرورة التاريخ الكوني.موت دفع علي حرب إلى القول في كتابه»أوهام النخب أو نقد المثقف» أن النموذج الحضاري العربي» فقد فاعليته ومصداقيته ،أي قدرته على الخلق والإنتاج بدليل أننا لم نقدم بعد إلى العالم في هذا العصر،ما نفرض به أنفسنا أكان ذلك فكرة أم صيغة ،أم سلطة أم مادة».
*إدريس الخضراوي،»الرواية العربية وأسئلة ما بعد الاستعمار»،رؤية للنشر والتوزيع،ط1،2012. جميع الاستشهادات الواردة بين قوسين مأخوذة من الكتاب.
1-Abderrahim EL MASLOUHI- Culture de sujétion et patronage autoritaire au Maroc. Sur une anthropologie de » la servitude volontaire.in . » Lectures critiques «, Revue française de science politique 4/2006 (Vol. 56), p. 711-743
2-Edward w said-Lorientalisme ?lorient cré&e par loccident-Traduit de laméricain par Catherine Malmoud-Seuil-2003- Préfca de tzvetan todorrov.p332
3- أنظر مقدمة كتابه ،»نزعة الأنسنة في الفكر العربي-جيل مسكويه والتوحيدي»، ترجمة هاشم صالح، ط 2، 2006 دار الساقي.
4-ادوارد سعيد-الاستشراق،المؤسسة العربية للدراسات والنشر،ط2،199-ص65. نقله الى العربية كمال أبوديب.
5-- -ادوارد سعيد.»الثقافة والامبريالية»،ترجمة كمال أبوديب،ط2- 1998 ،ص66.
6-إدوارد سعيد،الثقافة والإمبريالية...م. م (ص278).
Edward.w.said-Culture and Imperialism.Vintage Books A division of Randon House inc-New york-1994-p21
7-عبد الله العروي: مفهوم الدولة، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي 1981، ص138.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.