شاء مكر الصدف التي يتقنها التاريخ، حتى حين يصوغ الراهن صفحاته، أن تصنف مجلة «أرابيان بيزنس « الباحثة والكاتبة التونسية رجاء بن سلامة ضمن أقوى 100 امرأة عربية لعام 2013، وأن ينشر التصنيف يوم 5 مارس الجاري، أي شهرا بالضبط قبل مثول الباحثة أمام المحكمة. أجل، صاحبة « نقد التوابث: آراء في العنف والتمييز والمصادرة» الذي لا يخلو من جرأة قل مثيلها في «الخريف الإسلامي» الجاري، تمثل يوم 5 أبريل القادم أمام قاضي التحقيق في المحكمة الابتدائية في العاصمة التونسية، في قضية رفعها ضدها رئيس لجنة صياغة الدستور العضو في حركة »النهضة« الإسلامية الحبيب خضر، على خلفية انتقادات وجهتها له، بعد تأجيل استنطاقها الذي كان مقررا يوم الخميس 28 فبراير المنصرم. وليست هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها بن سلامة للتضييق بسبب تعبيرها عن آرائها وانخراطها النشيط من أجل الحرية والاختلاف، فقد وصل الأمر بالسلفيين ، في العام الماضي، إلى حد هدر دمها والمطالبة بشنقها، بل عينوا مكان تنفيذ «فتواهم»، وهو ساحة «الباساج» في قلب العاصمة تونس! وتعود مجريات التضييق الإسلامي الجديد على الكاتبة، عبر متابعتها قضائيا بتهمة طويلة وعريضة هي «نسب أمور غير قانونية إلى موظف عمومي متعلقة بوظيفته عن طريق وسيلة إشهارية من دون الإدلاء بما يثبت ذلك»(!)، تعود إلى تصريح تلفزيوني كانت «المتهمة» قد أدلت به ، مقارنة ضمنه بين نسختي الفصل 26 من مشروع الدستور الجديد التي يهيؤه المجلس الوطني الاستشاري، وهو الفصل المتعلق بحرية الرأي والتعبير والإبداع، النسختان الأولية والنهائية. النسخة الأولية من الفصل 62 من مسودة الدستور أقرتها اللجنة الفرعية للمجلس التأسيسي المكلفة بالحقوق والحريات، لكنها تعرضت للتحريف، حسب الكاتبة، لتعتمد بصيغة مغايرة حين وصولها إلى مكتب المقرر العام للدستور، النائب الحبيب خضر، وهو ما انتقدته الدكتورة علانية في إحدى القنوات التلفزية واصفة القيادي بحركة النهضة الإسلامية ب»المقرّر الذي يقرّر من رأسه وخان الأمانة». وشرحت الكاتبة، في هذا السياق، أنها انتقدت موقف المقرر العام الذي سمح لنفسه بتعديل الفصل، وذلك بعد أن تم تبنيه من قبل لجنة الحقوق و الحريات ب11 صوتا مقابل 10 اصوات، وبينت أ ن خضر قام بتحوير مضمونه ليفرغه من محتواه، مشيرة إلى أن نقدها كان مدعما بردود فعل عدد من أعضاء اللجنة الذين احتجوا على التغييرات التي طالت في النسخة الأولى من الفصل. لم يرضَ الحبيب خضر بمضمون التصريح، فسارع إلى المحكمة الابتدائية في تونس العاصمة لتقديم شكوى، مدعيا أن الكاتبة «نعتته بنعوت مست من شخصه». وبناء على هذه الشكاية، استدعيت للمثول أمام قاضي التحقيق يوم 28 فبراير، قبل أن يقرر هذا الأخير، في ذات اليوم، تأجيل الاستماع إليها. وإذا كانت الأستاذة الجامعية مهددة بسنتين سجنا، فإن عددا من زملائها وبعض نواب المجلس الوطني التأسيسي نظموا، تزامنا مع مثولها المؤجل أمام قاضي التحقيق،، وقفة احتجاجية أمام قصر العدالة بالعاصمة التونسية تعبيرا عن مساندتهم لها وللدفاع عن «حرية التعبير وعن الفكر الحر والتصدي للديكتاتورية الناشئة». جمعيات المجتمع المدني التونسية والنقابات التعليمية لم تقف مكتوفة الأيدي وبادرت إلى إصدار بيانات تضامنية مع «المتهمة»، تطالب ب»الكف عن الزجّ بالقضاء في النقاشات الفكرية والدينية والفلسفية والسياسية، وإلى مقارعة الحجة بالحجة في إطار حوارات هادئة». وقد استندت هذه المواقف على الحق في حرية الرأي والتعبير باعتبارها «أحد أهم مكاسب ثورة 14 جانفيي/يناير»، مؤكدة «أبرز مقتضيات المواطنة هي المشاركة في الشأن العام بإبداء رأي نقدي في السياسات العمومية وفي النصوص القانونية وفي مشاريعها». لكنّ القوى التكفيرية، تضيف البيانات، تمتلك مهارة الترهيب بقدر امتلاكها لمهارة تحريف مسار الثورة التي ما فتئت مكتسباتها تتراجع مع تولّي «النهضة» شؤون البلاد، بعد تعديات كثيرة على مثقفي تونس آخرهم رجاء بن سلامة. وطالبت البلاغات المعبرة عن هذه المواقف التضامنية ب»وضع حدّ لازدواجية المعايير» في القضاء، داعية إلى «احترام المثقفات والمثقفين بإيلائهم المكانة التي يستحقونها في المجتمع». أما رجاء بن سلامة، فقد اعتبرت أن مثولها أمام قاضي التحقيق أتى على خلفية نقدها لأداء المقرر العام للدستور ولجان صياغة الدستور على أساس كونهم لا يحترمون نتيجة التصويت على الفصل 26 المتعلق بالحق في التعبير والإبداع، مضيفة أنهم اختاروا صياغة تغتال الحرية التي أصبحت مقيدة بالقيم الأخلاقية العامة . وأضافت أنه من المؤسف أن من يشغل مسؤولية مقرر عام للدستور شخص لا يميز بين النقد الموجه لشخصه والنقد الموجه لوظيفته، وأصبح التعرض له بالنقد نميمة، قائلة «كأن المجلس التأسيسي أصبح أسرته وبيته». وأكدت الجامعية أن قضيتها قضية رأي، وأن عجز الشاكي عن مواجهتها بالحجج والبراهين في المنابر الإعلامية الضامنة لحق الرد، هو ما أدى به إلى «اللجوء إلى القضاء قصد تكميم الأفواه وتخويف المثقفين والنخبة». مثلما أشارت إلى أن الحكومة لا تحترم استقلالية القضاء، مؤكدة أنها تثق في القضاء التونسي لأن هناك قضاة شرفاء ونزهاء. من جهته، قال النائب بالمجلس الوطني التأسيسي عن حركة الشعب، مراد العمدوني، إن هناك محاولة لضرب وقمع الحريات الفردية والجماعية وخاصة حرية التعبير والإبداع، كاشفا أن «هذا الأمر تجلى في نقاشات الجلسات العامة للمجلس التأسيسي من قبل كتلة حركة النهضة»، ومعتبرا أن «محاربة الكلمة الحرة والفكر النقدي محاولة لضرب مقومات المجتمع المدني والتفكير والإبداع». أما عميد كلية منوبة، حيث تدرس رجاء بن سلامة، الحبيب القزدغلي، فأفاد أن محاكمة أن محاكمة زميلته محاولة أخرى لإقحام القضاء وتوظيفه لخنق حرية التعبير الموجهة ضد المثقفين من جامعين وأساتذة وصحافيين . وأشار العميد إلى أن هناك مؤشرا لوجود ديكتاتورية ناشئة، مؤكدا أن الجامعيين، مثلما تصدوا لاستبداد النظام السابق، سيتصدون لكل المشاريع الجديدة للاستبداد. علاقات متميزة مع المغرب الحقوقي والثقافي ومن بين العلاقات الفكرية التي ربطتها الكاتبة رجاء بن سلامة مع المغرب، نذكر على سبيل المثال مشاركتها في «المناظرة الوطنية للحركة النسائية بالمغرب» التي احتضنتها الدارالبيضاء في 20 و21 أبريل 2012 ونظمتها الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق النساء، وقد ساهمت بن سلامة في فعاليات اللقاء بمداخلة في موضوع «معركة المساواة بعد 14 جانفيي/ يناير». كما أن دار النشر توبقال سبق أن نشرت، سنة 1987، الترجمة التي أنجزتها ، بمعية شكري المبخوت، لكتاب «الشعرية» لتزيفان تودوروف. ونذكر من مؤلفاتها الأخرى: «الموت وطقوسه من خلال ضحيحي لبخاري ومسلم»، «العشق والكتابة»، نقد التوابث: آراء في العنف والتمييز والمصادرة»، «بنيان الفحولة: أبحاث في المذكر والمؤنث»، «في نقد إنسان الجموع»، كما أن لها ترجمات وكتب جماعية باللغة الفرنسية. ومن أحد مقالات رجاء بن سلامة في «الأوان»، الموقع الفكري والثقافي الذي ترأس تحريره، وهو مقال منشور يوم 7 نونبر 2011 تحت عنوان «في مفهوم الدولة المدنية»، نقتطف الفقرات التالية: «وبالنّظر إلى أنّ هذا المفهوم أصبح يدلّ على صفة للدّولة التي يطالب بها إسلاميّون يقبلون اللّعبة الدّيمقراطيّة، ويقبلون الدّخول في انتخابات، يمكن أن نطرح الأسئلة التّالية: «هل هذا المفهوم نتاج لتحوّلات في فكر الإسلام السّياسيّ أم نتاج لعمليّة عسيرة تتمثّل في بناء المشترك السّياسيّ؟ أم هو حصيلة عمليّة ترجمة للعلمانيّة إلى عبارة أخرى؟ وبماذا تؤثّث سائر الأطراف الفاعلة سياسيّا هذا المفهوم؟ وهل تختلف الخطابات عن «الدّولة المدنيّة» بعد هذا النّوع من الاتّفاق الضّمنيّ حول الحدّ الأدنى المشترك؟ «وما الذي حصل لمفهوم «العلمانيّة» في ديارنا؟ هل أصبح غير محتمل، بعد أن تمّت شيطنته وتمّت عمليّة إقصائه ورفضه؟ هل هي عودة المكبوت العلمانيّ؟ مع العلم بأنّ المكبوت هو ما نرفض التّفكير فيه؟ أم هل هو قبول بالعلمانيّة بعد إخضاعها لمتطلّبات موجة التّديّن والمحافظة الأخلاقيّة التي تكتسح العالم، والعالم العربيّ أساسا؟»