افتتح رئيس الحكومة، كما تقتضي التراتبية البروتوكولية في الجهاز التنفيذي، منحى الاستعارة من قاموس الحيوانات لاستنبات أسمائها في الحقل السياسي والبرلماني. إنه يفضل، ربما، البحث عن النوم برفقة كتاب الحيوان للجاحظ، بدل وجع الدماغ الذي قد يسببه له دو طوكفيل. انطلق المسلسل على لسانه حين استدعى «التماسيح» (معطوفة على العفاريت) إلى خطبه، ليسلك مسلكه رفاقه (عفوا على هذا الوصف ذي المرجعية اليسارية) في الحكومة والحزب. فتح الحبيب الشوباني فتحا مبينا حين أغنى المعجم السياسي بمفهومي «الضفادع الصماء» الذي وسم به زملاءه في الحكومة، و»الحلوف» الذي ألمح إلى أنه يتمتع بحصانة برلمانية. وبين «ذئاب» لحسن الداودي و»أفاعي» عبد العزيز الرباح، يعتقد المغربي نفسه يتابع وقائع شريط هوليودي أو فيلم وثائقي مصور في أدغال الغابات أو على ضفاف الأنهار، وليس في حضرة فاعلين سياسيين. ورغم الدفاع المستميت للوزير الحبيب الشوباني للاستعارات البلاغية لأصحابه، وإغنائها بالحمير والكلاب، والقول إن استعمالها «توصيف لظاهرة معقدة لأشخاص لديهم نفوذ يتحركون بطريقة غير خاضعة للضبط، والشعب يفهم هذه اللغة جيدا والرأي العام يدرك معانيها» (لا أقل ولا أكثر!)، فالواقعة في حاجة إلى مساءلة. كيف ولماذا حدث هذا؟ علامة استفهام عريضة واجهنا بها باحثين في السوسيولوجيا والعلوم السياسية، ننشر مقاربتهم لها ضمن هذا الملف. ما منظورية الكائنات الحيوانية التي غزت اللسان السياسي المغربي، كيف يراها المغاربة في متخيلهم وبماذا يفسرون اقتحامها، أحيانا، لأحلام نومهم؟ في هذا الملف إضاءات حول بعض جوانب الموضوع، علما أنه يحتاج إلى دراسات معمقة تمزج السوسيولوجي والسياسي والنفسي اللساني. التمساح: عدو مسلط ورجل كذاب! في مؤلفه «الأصفر» الموسوم ب»حياة الحيوان الكبرى»، الذي يلخص فيه بعض تجليات التمثل الشعبي للحيوانات، يكتب «الأستاذ العلامة والقدوة الفهامة: الشيخ كمال الدين الدميري نفعنا الله بعلومه» عن تمساح بن كيران أنه: »اسم مشترك بين الحيوان المعروف والرجل الكذاب. قال القزويني وهذا الحيوان على صورة الضب، وهو من أعجب حيوان الماء، له فم واسع وستون نابا في فكه الأعلى وأربعون في فكه الأسفل، وبين كل نابين سن صغيرة مربعة، ويدخل بعضها في بعض عند الانطباق، وله لسان طويل. وهذا الحيوان لا يكون إلا في نيل مصر خاصة، وزعم قوم أنه في بحر السند أيضاً. وهو شديد البطش في الماء ولا يُقتل إلا من إبطيه. ويعظم حتى يكون طوله عشرة أذرع في عرض ذراعين وأكثر«. وإذا كان التمساح يفترس الفرس، فإنه »إذا «أراد السفاد خرج هو والأنثى إلى البر فيلقي الأنثى على ظهرها ويستبطنها، فإذا فرغ قلبها لأنها لا تتمكن من الانقلاب لقصر يديها ورجليها ويبس ظهرها، وهو إذا تركها على تلك الحال، لم تزل كذلك حتى تقلب وتبيض في البر، فما وقع من ذلك في الماء صار تمساحاً، وما بقي صار سقنقوراً«. ويضيف «الأستاذ العلامة» في باب عجائب أمر التمساح «أنه ليس له مخرج، فإذا امتلأ جوفه بالطعام خرج إلى البر وفتح فاه، فيجيء طائر يقال له القطقاط فيلقط ذلك من فيه، وهو طائر أرقط صغير يأتي لطلب المطعم، فيكون في ذلك غذاء له وراحة للتمساح». وحسب ذات المصدر، فبعض الباحثين في طبائع الحيوان زعموا أن «للتمساح ستين سنا وستين عرقاً ويسفد ستين مرة، وتبيض الأنثى ستين بيضة، ويعيش ستين سنة». ويحيل صاحب «حياة الحيوان الكبرى» على أبي حامد الأندلسي أنه قال في وصف التمساح: »عظمه متصل بصدره، وليس له دبر وله فرج يتسل منه، وهو سُر من كل سبع في الماء، ومن شأنه أن يغيب في باطن الماء أربعة أشهر، مدة الشتاء كله، ولا يظهر«. وصية لبن كيران للقضاء على التماسيح للقضاء على التماسيح التي تؤرق رئيس الحكومة ومن معه، لابد من الاستعانة بكلب الماء أو ابن عرس. يكتب كمال الدين الدميري أن التمساح »»إذا نام فتح فاه، فيطرح كلب الماء نفسه في الطين ويتجفف، ثم يأتيه مفاجأة، فيدخل فاه ويدخل أمعاءه ويخرج من مراق بطنه بعد أن يقتله. وكذلك يفعل معه ابن عرس أيضاً«. وإذا كان أكل لحم التمساح حراما نظراً ل«الخبث والضرر» و«لكونه مما يتقوى بنابه»، فإن له مع ذلك منافع للناس (!) منها: «عينه تشد على صاحب الرمد فيسكن وجعه في الحال». العين اليمنى ليمنى المريض واليسرى ليسراه. «إذا عجن شحمه بشمع وجعله فتيلة وأسرج في نهر، لم تصح ضفادعه«. «»إذا قطر شحمه في الأذن الوجعة شفاها، وإذا أدمن تقطيره في الأذن نفع الصمم«. » »مرارته يكتحل بها للبياض الذي في العين، فيذهب«. «»إذا علق شيء من أسنانه التي في الجانب الأيمن على الرجل، زاد جماعه«. «»أول سن من أسنانه من الجانب الأيسر يشد على صاحب القشعريرة، يذهبها«. «»كبده يبخر به صاحب الصرع، يزول صرعه«. «»قطعة من جلده تشد على جبهة الكبش، يغلب الكباش«. «»زبله الذي يوجد في بطنه يزيل البياض الحديث والقديم اكتحالا«. «رائحته كرائحة المسك، وتقول القبط إنه المسك إلا أن فيه سهوكة». الحلوف: فاسد الدين خبيث المكسب، وأنثاه «امرأة كافرة»! أما الخنزير البري (الحلوف)، الذي دعا الوزير الإسلامي الحبيب الشوباني إلى »»إسقاط الحصانة«« عنه، وهو «»يخطب»« تحت قبة البرلمان، فيطلق عليه »»أبو جهم، وأبو زرعة، وأبو دلف، وأبو عتبة، وأبو علية وأبو قادم«. ورد في «»حياة الحيوان الكبرى»« أن الخنزير »»يشترك بين البهيمية والسبعية، فالذي فيه من السبع الناب وأكل الجيف، والذي فيه من البهيمة الظلف وأكل العشب والعلف. وهذا النوع يوصف بالشبق، حتى أن الأنثى منه يركبها الذكر وهي ترتع، فربما قطعت أميالا وهو على ظهرها. ويُرى أثرستة أرجل، فمن لا يعرف ذلك يظن أنه في الدواب ما له ستة أرجل. والذكر من هذا النوع يطرد الذكور عن الإناث، وربما قتل أحدها صاحبه، وربم هلكت جميعا. وإذا كان زمان هيجان الخنازير طأطأت رؤوسها، وحركت أذنابها وتغيرت أصواتها. وتضع الخنزيرة عشرين خنوصا، وتحمل من نزوة واحدة. والذكر ينزو إذا تمت له ثمانية أشهر، والأنثى تضع إذا مضى لها ستة أشهر، وفي بعض البلاد ينزو الخنزير إذا تمت له أربعة أشهر، والأنثى تحمل جراءها وتربيها إذا تمت لها ستة أشهر أو سبعة، وإذا بلغت الأنثي خمس عشرة سنة لا تلد«« ولسوء حظ السيد الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، ان جنس الخنزير «أنسل الحيوان»، مما يجعل القضاء عليه، أو على الأقل على »»حصانته»« أمرا صعب المنال. ويشرح الدميري أن ذكر الخنزير «»أقوى الفحول على السفاد، وأطولها مكثا فيه. يقال إنه ليس لشيء من ذوات الأنياب والأذيال ما للخنزير من القوة في نابه، حتى إنه يضرب بنابه صاحب السيف والرمح، فيقطع كل ما لاقي من جسده من عظم وعصب، وربما طال ناباه فيلتقيان فيموت عند ذلك جوعا لأنهما يمنعانه من الأكل. وهو متى عض كلبا سقط شعر الكلب، وهو إذا كان وحشيا ثم تأهل لا يقبل التأديب، ويأكل الحيات أكلا ذريعا ولا تؤثر فيه سمومها، وهو أروغ من الثعلب. وإذا جاع ثلاثة أيام ثم أكل سمن، وهكذ تفعل النصارى بالخنازير في الروم يجيعونها ثلاثة أيام، ثم يطعمونها يومين لتسمن، وإذا مرض أكل السرطان فيزول مرضه» وإذا كانت »»غزارة نسل»« تجعل محاربته عسيرة، فهناك وصفتان لتصفيته نهائيا، ضمهما كتاب «حياة الحيوان الكبرى» إذا ربط «الحلوف» على حمار ربطا محكما ثم بال الحمار، مات الخنزير. إذا قلعت إحدى عينيه، مات سريعا. النبي عيسى يقول لخنزير: اذهب بسلام! يروي المغاربة، والله أعلم، أن النبي عيسى بن مريم صادف أحد الخنازير في طريقه، فقال له»»اذهب بسلام» تولد العجب (العجاب) لدى اصحاب النبي جراء ما قاله للحيوان، فسألوه» »أتقول هذا لخنزير؟ «ليجيبهم مفسرا» «إني أخاف أن أعود لساني النطق بالسوء». ووفق رواية أخرى (علما أن راوي الكفرليس بكافر)، فإن جماعة من اليهود التقوا ذات النبي وشرعوا في شتمه هو ووالدته مريم العذراء، واصفين إياه ب »الساحر ابن الساحرة»« وحين سمع النبي عيسى قذفهم البذيء، دعا عليهم ولعنهم فمسخهم الله .. خنازير. وإذا كان اكل «»الحلوف»« محظورا دينيا على المغاربة، فالخرازة به غير ممنوعة، كما أن وصفات شعبية توظف أجزاء منه رغم أنه »»رجس«« «إذا أكلت أو سقيت كبده لإنسان، نفعت من نهش الهوام، خصوصا الحيات» «إن جففت (كبده) وسقيت لمن به ريح الفالج والقولنج، بريء من وقته». «إذا قطرت مرارته في انف رجل مربوط في كل جانب من أنفه ثلاث قطرات انطلق وبريء». «إذا أحرق عظمه وسحق وشربه من به البواسير، فإنها تهدأ وتبرأ» «عظمه يعلق على من به حمى الربع، تذهب عنه». «زبله إذا أمسك به من هو فواق دائم، أبرأه، وإذا شرب فتت الحصاة، وأجوده زبل البري، وإن عجن بخل وطلي به الرأس نفع من سائر الجراحات والجروح التي تظهر به، وإذا طلي به أصل شجرة الرمان الحامض أبدله حلوا». «عرقوبه إذا أحرق وسحق وعجن بعسل وسقي لمن به مغص ونفخ في معدته وأمعائه وزن مثقال، فإنه ينفع نفعا عظيما». وصفتان للشوباني لحجب زملائه في الحكومة عن الأبصار وإصابة المعارضة بالأمراض! ضفادع الحبيب الشوباني حاضرة بقوة في المعتقدات والوصفات السحرية المغربية. ومنها وصفتان أوردهم إدمون دوطي في «السحر والدين في إفريقيا الشمالية»، الأولى تصلح للاختفاء عن الأنظار أو ما يسمى «حجاب الأبصار»، والثانية لإصابة «خصم» بمرض: - حجاب الأبصار: «خذ رقم الطاء من الضفادع في شهر الاغديال وقت الزوال واذبحهم بسكين لن تستعمل قط من اسمه محجوب، تقرأ سورة القدر ثم تدبغ جلودهم بالكحل الاصفهاني والملح. فاذا ذبحت الجلود فاصنع منها قلنسوة على رأسك. وخيطها بحرير اسود واكتب على كل جلدة مثلث الغزالي. وتدور حول الشكل واحدة من هذه الايات التسع. فتكتب على الاول قوله تعالى في سورة الانعام: «ومنهم من يستمع اليك... الى الاولين»، وعلى الثانية «اولئك الذين طبع الله على قلوبهم... الى الغافلون»، وعلى الرابعة «فاذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالاخرة. الاية» وعلى الخامسة «أفحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم الايات»، وعلى السادسة وجعلنا من بين ايديهم سدا، الايات»، وعلى السابعة «يا معشر الجن والانس.. الى فانفذوا»، وعلى الثامنة «لا تخافا انني معكما اسمع وأرى» وعلى التاسعة «والله من ورائهم محيط»، ثم تقرأ العزيمة الدهروشية، وانت واقف في الشمس، فداوم العزيمة حتى يخفى ظلك. وعزيمتها هي: برهيته كرير طوران... الى اخرها، وخالف في الايات التسع بايات، وكل واحد يذكر المنهج الذي سلك. وذكر الامام الغزالي العزيمة متابعا في اللفظ والمعنى لغيرها. وكلام الفريقين صحيح لان كل إمام يقتدى بمذهبه» - لجعل احدهم مريضا:اذا اردت ان تصيب رجلا او امرأة بمرض، خذ ورقة حمراء واكتب علي ويمكرون...» الاية. يا خدام هذه الاية اصيبوا بالمرض فلانا من فلانة». وبخروا بالسنوج، والكبريت الورقة ثم ضعوها في فم ضفدعة خضراء، واحزم فمها بخيط حرير أحمر واربط ايضا قدمها الايسر بخيط وعلقاه في الماء الجاري. ثم اقرأ فوقها الاية السابقة واحدا وعشرين مرة. فالشخص الذي يعمل له السحر سيقع مرياض حتى يكاد يهلك.. واذا أردت ان توقف عمل السحر فافتح فم الضفدعة وانزع منه الطلسم، فيعافى الشخص الذي جعلته مريضا ان شاء الله، وهذه وصفة محققة ومجربة اخبرنا بها يقاش من مدينة البليدة بالجزائر. بعض تفسيرات الحلم بحيوانات القاموس السياسي الجديد يعتقد المغاربة، استنادا إلى «تفسير الأحلام» لابن سيرين، أن الخنزير حين يتسلل إلى الحلم فإنما يدل على: «رجل ضخم موسر فاسد الدين خبيث المكسب، قذر ذو يد، كافر أو نصراني شديد الشوكة، دنيء ولحمه وشحمه وشعره وبطنه وجلده مال حرام دنيء، والأهلي منها رجل مخصب خبيث المكسب والدين، ومن رعى الخنازير ولي على قوم كذلك، ومن ملكها أو أحرزها في موضع أو أوثقها أصاب مالا حراما، وأولادها وألبانها مصيبة في مال من يشربها أو في عقله، ومن ركب خنزيرا أصاب سلطانا أو ظفر بعدو». أن يرى الإنسان في نومه نفسه وهو «يمشي كما يمشي الخنزير» فمعناه أنه سينال «قرة عين»، أما رؤية لحم الخنزير مطبوخا ومشويا فدليل على «كسب مال حرام عاجل»، بينما يعني الحلم بخنزيرة في الفراش أن صاحب الحلم «يطأ امرأة كافرة». ومن جانبه، يدل التمساح على «شرطي لأنه أشر ما في البحر، لا يأمنه عدو ولا صديق، وهو لص خائن بمنزلة السبع، «كما يدل أيضا على» التاجر الظالم الخائن». ووفق ابن سيرين، «فمن رأى أن تمساحا جره إلى الماء وقتله فيه فإنه يقع في يد شرطي يأخذ ماله ويقتله، فإن سلم (في الحلم طبعا) فإنه يسلم». وإذا كان الضفدع يحيل على «رجل عابد مجتهد في طاعة الله»، فإن «الضفادع الكثيرة في بلدة أو محلة» تعني أن الحالم بها مهدد بالعذاب. أما من رأى أنه أكل لحم ضفدعة أو رأى أن ضفدعا كلمه فليطمئن، لأن الرؤية الأولى تشير إلى أنه سيصيب «منفعة من بعض أصحابه»، والثانية أنه سيصيب ملكا. ويرى الشيخ كمال الدين الدميري أن «التمساح في المنام عدو مسلط وهو نظير الأسد، وقيل التمساح لص مكابر ذو مكر وغدر وخديعة». وتشير إحدى الوصفات السحرية الشعبية إلى ان كشف هوية السارق يستلزم وضع لسان ضفدع في خبز وتقديم للمشكوك فيه، وبمجرد تناوله للخبز المعني يسارع إلى الاعتراف بالسرقة. وتقضي وصفة أخرى بخلط الساحرة لماء اغتسال من ترغب في جلب حبيب ببول ضفدعة وتقديمه للضحية الذي يغرم بالمرأة بمجرد احتساءه للمزيج. ولأصوات الحيوانات دلالات أيضا في المنام دائما، حين يتأثث الحلم بأصوات الحيوانات التي احتلت مشهدنا السياسي، فلذلك دلالات كما يقول شيخنا ابن سيرين في تفسيره للأحلام. فصياح الخنزير مؤشر على «ظفر بأعداء جهال وأموالهم»، ونقيق الضفدع نبوءة ب «دخول في عمل بعض الرؤساء والسلاطين أو العلماء».