من خلال الأفلام السينمائية التي أتيح لي مشاهدتها، بمناسبة الدورة الرابع عشرة لمهرجان الفيلم الوطني بطنجة، يزداد المتتبّع اقتناعا بأنّ واحدة من الأزمات التي تعرفها الأفلام المغربية، طويلة وقصيرة وتلفزيونية، تكمنُ أساسا في غياب نصوص حقيقية. فلا شيء يبرّر في بعض الأحيان ضعف مستوى الفيلم سوى ضعف السيناريو. ذلك أنّ عددا من الأفلام السينمائية المشاركة، تولّى إخراجها مخرجون مرموقون ومعروفون في الساحة السينمائية، وشارك في تشخيص بعْض من أدوارها ممثّلون من العيار الثقيل، من طينة محمد خيي ومحمد الشوبي ومحمد بسْطاوي وثريا العلوي والرّوخ على سبيل التمثيل لا الحصْر، يُضاف إلى هؤلاء ممثّلون من الجيل الجديد أبانوا على مواهب هامة خلال الأفلام المتبارية في المهرجان الأخير. ومع ذلك تكون النتيجة مخيّبة للآمال والانتظارات. وعلى الرّغم من أنّ بعض المنتجين والمخرجين، على وجْه الخصوص، يرفضون سماع مثل هذا الكلام، إلا أنّ رفضهم ينبع، في غالب الأحيان، من اعتبارات ذاتية ونظرة ضيّقة وأحيانا ازدرائية لأهمية الكتابة وقيمتها الحقيقية في تحقيق نسبة كبيرة من نجاح الفيلم من عدمه. إنّ السينما المغربية تعيش في حقيقة الأمْر أزمة سيناريو وأزمة كتابة فيلمية، علاوة على أنّ تراجع الاهتمام بالسيناريو أدى إلى فشل الأفلام المغربية من حيث المحتوى والأداء. وبالتالي فمن الخطأ الفادح استغناء الكثير من المخرجين عن السيناريو الروائي والقصصي وتعويضه بسيناريوهات غير احترافية. ولعلّ هذا الأمر يعود، في جانب كبير منه، إلى التهافُت على الإنتاج الكمي والسريع للأفلام، وطغيان الطابع الرّبحي بلْ والتجاري في عملية إنتاجها، وهو الذي جعلها تتحول إلى عقبة في وجه تطور السينما المغربية. ومن خلال حصص مناقشة الأفلام، خلال مهرجان الفيلم الوطني، تبيّن بالملموس هذا الخلل، حيث أنّ مخرجيْن اثنين تشنّجا وانفعلا بدون مبرّر لا لشيء إلا لأن بعض المتدخّلين أشاروا إلى مشكل الكتابة في الفيلميْن، وهل السيناريو تخييلي أمْ وثائقي؟ هذا فضْلا عن طبيعة التيمات التي يختارها المخرج، والتي تكاد تكون تيمات وموضوعات غرائبية وغيْر منسجمة. ولعلّ ظاهرة التخلي عن البناء النصي الجادّ والسيناريو وتولّي تأليف مضامين سطحية، بات ينْعكس سلبيا على المرْدود السينمائي، وعلى ونوعية مثل هذه الأفلام التي لمْ يعدْ يقتنع بها الجمهور في الكثير من الحالات. بطبيعة الحال هذه الظاهرة السلبية تنتشر في العالم العربي الذي يزخر بثروة هائلة من الأدب الروائي والقصصي والذي يعتبر مادة خام لإنتاج أعمال سينمائية راقية كمّا وكيفا لأن السيناريو هو الأساس بالنسبة لإنتاج أي فيلم ونجاح انطلاقه الانطلاقة التي ينتظرها. فالسينما الحقيقية، التخييلية أو الوثائقية، إنما تنجح من خلال تركيز الجهود من أجل الاستثمار في الروايات والقصص والإبداع فيها في إطار الأعمال السينمائية. من هنا ضرورة أنْ يفكّر المركز السينمائي المغربي، باعتباره هيئة وصية، في إدراج شروط إضافية لتقديم الدّعم السينمائي، فضْلا عنْ تفعيل لجان قراءة السيناريو، ودورها في توْجيه وترشيد الأعمال السينمائية وتعزيز المستشارين الفنيين لدور إنتاج الأفلام وتكوين المكلفين بهذه المهام. غير أن هذه الدعوة لا تعني أننا نتوفّر على كتّاب سيناريو محترفين، مثلما هو الشأن في العديد من البلدان التي تزدهر فيها الصناعة السينمائية. فكتّاب السيناريو في بلادنا، حتى أكثرهم شهرة، لم يتلقّوا تكوينا مختصا في تقنيات وطرق كتابة السيناريو، رغم أنّ منهم من يكتب نصوصا روائية وقصصية جيّدة. المشكل الحقيقي إذن، والذي يتعيّن الانكباب عليه، هو البحث عن آليات حقيقية لربط العلاقة بين الكتابات السردية في بلادنا وبين «أفلمتها» على يد كتّاب متخصصين تُصرف لهم تعويضات مشجّعة، حتى نبتعد عن الخطاب التبريري الذي يردّده البعض والمتمثّل في «هاذْ الشّي اللّي عطا الله». ورغم أنني لستُ متخصصا في السينما، إلا أنني أستطيع كمشاهد الجزْم بأن الفيلم الحقيقي والناجح ليس هو الفيلم الذي يكتفي بإنجاز تصوير جيّد أو موسيقى جيّدة، ولا هو الذي يقتصر على جلب «وجوه» سينمائية مكرّسة. هذه أمور تقنية ربّما من السهولة القيام بها في حال توفّر تقنيين وفنيين ماهرين من خارج المغرب، كما حصل في بعض الأفلام، لكن الذي يعطي للفيلم هويته ومضمونه الحقيقي وانسجامه السردي والوصفي هو الكتابة الجيدة التي هي أساس كلّ إبداع سينمائي جيّد.