بعد سنتين على الثورة المصرية، تفاقمت الأزمة الاقتصادية و ازداد ملايين المصريين فقرا و ازدادت أوضاعهم سوءا. و في المقابل عجزت الحكومة الجديدة المدعومة من الإخوان المسلمين عن إيجاد الحلول للمشاكل المتفشية في المجتمع المصري، بل فاقمتها أكثر بتدابيرها الأحادية، مما أدى إلى استيقاظ الثورة من جديد. و ردا على ذلك، تمادى الرئيس محمد مرسي في تعنته، بأن فرض حالة الطوارئ في ثلاث محافظات مصرية و فرض حظر التجول بها، و استصدر ترخيصا من الحكومة يسمح له بنشر الجيش عوض الشرطة، ثم دعا المعارضة إلى حوار وطني. هذا الحوار الذي رفضت المعارضة الاستجابة له ، مُطالبة بتشكيل حكومة إنقاذ وطني، و تشكيل لجنة لإعداد دستور جديد... أمام هذه الأزمة، خرج الجيش المصري عن صمته، محذرا من «انهيار الدولة» و داعيا «كافة الأطراف» إلى معالجة الأزمة السياسية بالبلاد مقدما نفسه بأنه «ضامن استقرار البلد». تفاقمت الأزمة السياسية التي تعصف بمصر تفاقما كبيرا بإعلان الرئيس محمد مرسي فرض حالة الطوارئ في ثلاث محافظات و بعد إعلان المعارضة رفضها دعوة الحوار الوطني التي أطلقها لأنها اعتبرتها «خالية من المعنى». فقد أعلنت جبهة الإنقاذ الوطني،التي تضم مجموع التنظيمات العلمانية الرئيسية التي شاركت في الثورة التي أدت إلى إسقاط نظام حسني مبارك في فبراير 2011 ، أول أمس الاثنين، رفض الحوار الذي دعا إليه الرئيس محمد مرسي، الأحد، لعدم وجود ضمانات لجدية المناقشات.. وفي مؤتمر صحفي عقدته الجبهة عصر الإثنين ، اعتبر البرادعي أن الحل الأمني الذي طرحه الرئيس المصري، بقراره فرض حالة الطوارئ وحظر التجوال في مدن قناة السويس، ?ليس حلاً للأزمة، ولكن يجب أن يكون الحل سياسي عن طريق مشاركة المصريين في التواصل من أجل إنقاذ مصر. و وصف الحوار الذي دعا إليه مرسي بأنه «حوار شكلي وليس موضوعي، وأن الجبهة مع كل حوار جاد له أجندة محددة، يستطيع أن يوصل البلاد لبر الأمان». وتابع: «لن نذهب إلى حوار نعلم أنه سينتهي إلى طريق مسدود». وجدد البرادعي مطالب الجبهة الأساسية لتي عرضتها من قبل، بدءاً ب»تشكيل حكومة إنقاذ وطني، وتشكيل لجنة لتعديل الدستور وإلغاء الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس مرسي نهاية العام الماضي وضمان استقلال القضاء». . وبشأن التحديات التي تواجهها مصر، قال البرادعي إن ?هناك الكثير من التحديات التي تواجهها البلاد منها التحديات في منطقة سيناء، وفي منطقة القناة، فضلاً عن التحديات بالنسبة لدستور توافقي لكل المصريين وتحديات الاقتصاد الذي ينهار، والأمن غير الموجود والذي لا يمكن لفصيل واحد ان يحله». و قد جاءت هذه المطالب في وقت زاد فيه الرئيس محمد مرسي من تعنته حيث أعلن حالة الطوارئ في ثلاث محافظات مصرية (بورسعيد و السويس و الإسماعيلية) و صادقت فيه الحكومة على قانون يرخص للرئيس بنشر الجيش في الشوارع عوض الشرطة، فيما لا زالت المواجهات قائمة بين رجال الأمن و المتظاهرين ، الذين يحتجون على «أخونة» المؤسسات و تغول الإخوان المسلمين و كذا ضد البطالة و تفاقم الفقر. و في ميدان التحرير، الساحة الشهيرة التي شهدت التظاهرات و الاعتصامات التي عصفت بحسني مبارك، رفع المتظاهرون أول أمس ، أثناء إلقاء مرسي لخطابه المتلفز، شعارات «إرحل، إرحل» و هو نفس الشعار الذي أطلقته الجماهير ضد حسني مبارك قبل سنتين من الآن. و على الصعيد الاقتصادي و بسبب الأزمة السياسية الحالية، فقد الجنيه المصري 7 بالمائة من قيمته منذ نهاية شهر دسمبر، و هو ما كان له تأثير سلبي على أسعار المواد الغذائية التي يتم استيراد معظمها من الخارج. فيما انخفض احتياطي الصرف إلى 15 مليار دولار، و هو ما يغطي تكاليف ثلاثة أشهر تقريبا من الواردات لا غير. و لهذا الغرض تجري الحكومة المصرية منذ عدة شهور، مفاوضات مع صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض بقيمة 4,8 مليار دولار، مقابل إصلاحات عسيرة، على غرار رفع الدعم عن المواد الغذائية الأولية، و هو التدبير القاسي الذي من شأنه إذا ما تم، أن يؤدي في هذا السياق الاقتصادي و الاجتماعي الهش و الملتهب إلى مظاهرات جوع لا تعرف عواقبها. و حول هذا الموضوع بالذات، ذكرت الصحف المصرية أمس أن السيدة «كريستين لاغارد» مديرة صندوق النقد الدولي، أبلغت رئيس الحكومة المصرية هشام قنديل، الموجود بدافوس أنها تفضل التريث في منح هذا القرض إلى ما بعد الانتخابات التشريعية المقررة بعد أربعة شهور, و هي الانتخابات التي تعتزم المعارضة مقاطعتها. و في انتظار ذلك ينتظر أن يحل الرئيس المصري محمد مرسي يوم غد الجمعة بباريس لمناقشة هذا الملف و كذا موضوعي مالي (التي أعرب عن معارضة التدخل الفرنسي فيها) و سوريا. و من جهته، حذر الجيش المصري من «انهيار الدولة» إذا ما تواصلت الأزمة الحالية الخطيرة التي تمر بها البلاد، و التي أودت بحياة أكثر من خمسين شخصا حتى الآن. فقد دعا وزير الدفاع المصري اللواء عبد الفتاح السيسي أمس الثلاثاء «كافة الاطراف» الى معالجة الأزمة السياسية في البلاد تجنبا ل»عواقب وخيمة تؤثر على استقرار الوطن» و قد تؤدي الى «انهيار الدولة». وفي أول تصريحات يدلي بها منذ اندلاع الازمة السياسية الجديدة وأعمال العنف في البلاد الجمعة الماضي، حذر السيسي من ان «استمرار صراع مختلف القوى السياسية واختلافها حول إدارة شؤون البلاد قد يؤدى الى انهيار الدولة ويهدد مستقبل الأجيال القادمة». واضاف السيسي في تصريحات خلال لقاء مع طلبة الكلية الحربية نقلها الموقع الرسمي للمتحدث العسكري على شبكة فيسبوك، أن «التحديات والإشكاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية التى تواجه مصر حاليا تمثل تهديدا حقيقيا لأمن مصر وتماسك الدولة المصرية وأن استمرار هذا المشهد دون معالجة من كافة الأطراف يؤدى الى عواقب وخيمة تؤثر على ثبات واستقرار الوطن». وتابع ان «محاولة التأثير على استقرار مؤسسات الدولة هو أمر خطير يضر بالأمن القومى المصري ومستقبل الدولة إلا أن الجيش المصرى سيظل هو الكتلة الصلبة المتماسكة والعمود القوى الذى ترتكز عليه أركان الدولة المصرية، وهو جيش كل المصريين بجميع طوائفهم وانتماءاتهم». واكد أن «نزول الجيش فى محافظتي بورسعيد والسويس يهدف الى حماية الأهداف الحيوية والاستراتيجية بالدولة وعلى رأسها مرفق قناة السويس الحيوي والذى لن نسمح بالمساس به ولمعاونة وزارة الداخلية التى تؤدى دورها بكل شجاعة وشرف». وشدد على ان «القوات المسلحة تواجه إشكالية خطيرة تتمثل فى كيفية المزج بين عدم مواجهة المواطنين المصريين وحقهم فى التظاهر وبين حماية وتأمين الأهداف والمنشآت الحيوية والتى تؤثر على الأمن القومي المصري وهذا ما يتطلب الحفاظ على سلمية التظاهرات ودرء المخاطر الناجمة عن العنف أثناءها». و يعتبر هذا أول تدخل للمؤسسة العسكرية، التي بات تأثيرها أقل ظهورا في الساحة المصرية ،منذ أن قام الرئيس محمد مرسي المنتخب في يونيه الماضي، بإزاحة وزير الدفاع السابق و خصمه المشير حسين طنطاوي في غشت المنصرم. و كان الجيش قد عبر عن موقفه في دسمبر للدعوة للحوار و للتذكير بدوره كضامن لاستقرار البلاد.