كشفت واقعة إصدار أحكام الإعدام في حق 21 مدانا بتنفيذ جرائم القتل بملعب بورسعيد، نهاية الأسبوع المنصرم، عن هشاشة الوضع الأمني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي بمصر، حيث أدت إلى انقسام الشارع المصري وتحدي المئات لقرار الرئيس مرسي وفرض حالة حظر التجول في ثلاثة من أهم المدن المصرية، ورفض المعارضة الجلوس على طاولة الحوار... فهل سيصمد الرئيس مرسي أمام وضع أقل ما يقال عنه أنه صعب وخارج عن السيطرة؟ تزامنا مع تطورات الأوضاع التي تشهدها مصر، اختارت المؤسسة العسكرية بعث رسالة قوية، مفادها أن أكبر مؤسسة في مصر، والتي لها دور اقتصادي وأمني كبير، وتتلقى مساعدات كبيرة ومباشرة من الولاياتالمتحدة، تشعر بالقلق على مصير البلاد بعد خمسة أيام من الاضطرابات في المدن الكبرى، حيث قال وزير الدفاع المصر ي الفريق أول، عبد الفتاح السيسي، إن الصراع السياسي في البلاد يدفع البلاد باتجاه حافة الانهيار، في تحذير شديد من المؤسسة التي أدارت البلاد حتى منتصف العام الماضي ومجيء رئيس منتخب يكافح من أجل احتواء أعمال عنف دامية في الشوارع. وأضاف السيسي، الذي عينه الرئيس محمد مرسي العام الماضي وزيرا للدفاع وقائدا عاما للقوات المسلحة، في بيان أصدره يوم أمس الثلاثاء، أن أحد الأسباب الرئيسية لانتشار قوات الجيش في مدن القناة التي هزتها أعمال عنف هو حماية قناة السويس، التي يلعب ما تدره من مداخيل مالية دورا حيويا في الاقتصاد المصري، ولها أهمية كبيرة أيضا في لتجارة الدولية. وتابع في تصريحات نشرت على الصفحة الرسمية للمتحدث العسكري باسم القوات المسلحة بأن "استمرار صراع مختلف القوى السياسية واختلافها حول إدارة شؤون البلاد قد يؤدي إلى انهيار الدولة". وتحدى محتجون مصريون مناوئون للحكومة الحظر الليلي في مدن القناة المفروض بعد الساعة التاسعة مساء، وهاجموا مقرات الشرطة بعد أن أعلن الرئيس الإسلامي محمد مرسي حالة الطوارئ، في محاولة لإنهاء موجة من الاضطراب خلفت 52 قتيلا على الأقل. ورفض معارضون سياسيون دعوة مرسي للحوار، أول أمس الاثنين، في مسعى لإنهاء العنف. وبدلا من ذلك، نزلت حشود كبيرة من المحتجين إلى شوارع القاهرة والإسكندرية وأيضا بورسعيد والسويسوالإسماعيلية. كما أدت تطورات الأوضاع المتسارعة بمصر إلى دخول البلاد في أزمة حقيقية منذ إصدار محكمة بورسعيد لحكمها القاضي بإعدام 21 شخصا، ثبت تورطهم في أعمال القتل التي شهدها ملعب كرة القدم بنفس المدينة مساء الأربعاء فاتح فبراير 2012، والتي راح ضحيتها أكثر من 73 قتيلا وسقوط مئات الجرحى والمصابين. وفور إصدار منطوق الحكم وإرسال ملفات المدانين إلى مفتي جمهورية مصر، كإجراء أخير قبل تنفيذ عقوبة الإعدام في حقهم، انقسم الشارع المصري بين مؤيد للحكم ورافض له، مما أدى إلى اندلاع اشتباكات أمام سجن بورسعيد حين حاول أقارب للمحكوم عليهم ومشجعون للنادي المصري لكرة القدم اقتحام السجن، فيما بدا أنها محاولة لإطلاق سراح محكوم عليهم وآخرين ينتظرون جلسة النطق بالحكم، التي حددت لها المحكمة التاسع من مارس القادم. الاحتجاجات خلال نفس اليوم الذي تم فيه إصدار الحكم بالإعدام، شهدت مدينة بورسعيد مواجهات عديدة بين المحتجين وعناصر الشرطة والأمن، وكشفت مصادر أمنية وطبية عن وفاة أكثر من ثلاثين شخصا في أعمال العنف التي شهدتها هذه المدينة الساحلية المصرية. وأدين المحكوم عليهم في قضية مقتل أكثر من 73 من مشجعي النادي الأهلي من القاهرة، بعد مباراة في كرة القدم بملعب بورسعيد مع مضيفه فريق النادي المصري قبل حوالي عام. كما قام المحتجون بإحراق قسم شرطة بالمدينة، وحاولوا اقتحام عدد من أقسام الشرطة في المدينة، لكن القوات العاملة بها تحصنت داخلها وأطلقت الرصاص وقنابل الغاز المسيل للدموع على المحتجين. وقالت مصادر طبية إن أكثر من 200 شخص لحقت بهم إصابات مختلفة في الاشتباكات التي راح ضحية لها كذلك عنصران من الأمن المصري، حسب تصريح أصدرته وزارة الداخلية على صفحتها على موقع "فيسبوك"، قالت فيه إن شرطيين قتلا في محاولة اقتحام السجن، هما ضابط برتبة نقيب وأمين شرطة. وكانت رابطة مشجعي الأهلي قد هددت بالتصعيد والخروج إلى الشارع، للضغط من أجل إصدار حكم مشدد في القضية، لكنها اعتبرت أحكام الإعدام ال 21 ليست كافية واعتبرت قرار المحكمة مجرد "بداية القصاص وليس القصاص الكامل..."، كما كتبت الرابطة على صفحتها على موقع "فيسبوك". ولا يزال 52 متهما ينتظرون جلسة النطق بالحكم، من بينهم تسعة من رجال الشرطة وثلاثة من موظفي النادي المصري ببورسعيد. تطورات الأوضاع المتسارعة وتصاعد حدة المواجهات وسقوط العديد من القتلى، دفعت الرئيس المصري محمد مرسي إلى إصدار قرار حظر التجول بمدن بورسعيد والإسماعيليةوالسويس يوم الأحد المنصرم. لكن، وخلال اليوم الموالي، نزل مئات المحتجين المناوئين للحكومة إلى الشوارع في مدن القناة بعد الساعة التاسعة مساء، في تحد لقرار الرئيس محمد مرسي بفرض حظر التجول بعد الساعة التاسعة ليلا في المدن الثلاث (بورسعيد والإسماعيليةوالسويس). وهتف المحتجون في الإسماعيلية: "يسقط يسقط محمد مرسي" و"تسقط تسقط الطوارئ" وترددت هتافات مماثلة في كل من بورسعيد والسويس. فرض حالة الطوارئ في المدن الثلاث، جاء بعدما قضى نحو 50 مصريا في الاضطرابات التي كانت المدن الثلاث مسرحا لها، إلا أن معظم القتلى سقطوا ببورسعيد خلال احتجاجات على قرارات حكومة مرسي، في وقت قال فيه حلفاء الرئيس المصري إن الاحتجاجات التي تعيش على وقعها المدن المصرية الثلاث تستهدف الإطاحة بمرسي. تهدئة الأوضاع خلال يوم الاثنين المنصرم، قتل بالرصاص في بورسعيد سبعة أشخاص وأصيب المئات أثناء تشييع جنازة 33 شخصا قتلوا خلال اليوم السابق، حين غضب سكان المدينة من أحكام الإعدام التي أصدرتها المحكمة، وامتدت الاحتجاجات المناهضة للحكومة لتشمل جل أنحاء مصر. وكحصيلة أولية، سقط أكثر من 50 قتيلا في أعمال العنف منذ يوم الخميس الماضي، ودعا معارضو الرئيس مرسي إلى تنظيم المزيد من الاحتجاجات يوم الاثنين المنصرم، متهمين في الآن نفسه جماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي إليها الرئيس، بخيانة مبادئ الثورة التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك وراح ضحية لها المئات من الشهداء المصريين. توقيت هذه الاحتجاجات والمواجهات بين عناصر الشرطة والمحتجين تأتي في وقت يسعى فيه مرسي، الذي انتخب في يونيو الماضي، إلى إصلاح اقتصاد البلاد المتعثر وتهدئة الأوضاع قبل الانتخابات البرلمانية التي ستجرى خلال الأشهر القليلة القادمة، والتي من المفترض أن ترسخ انتقال مصر إلى الديمقراطية. كما أثر اندلاع الاضطرابات المتكرر بشدة على أداء العملة المصرية في الخارج، ودفع البنك الدولي إلى إعادة النظر في إمكانية منح قرض لمصر للتخفيف من حدة الأزمة المالية والاقتصادية. ولأجل نزع فتيل الأزمة، قام الرئيس المصري بإلقاء كلمة استمرت بضع دقائق، حاول خلالها شرح دواعي فرض حالة الطوارئ بمدن القناة، وقال خلالها الرئيس المصري إن "ما شهدناه في الأيام الماضية من أعمال عنف واعتداء ... وترويع المواطنين وقطع الطرق وإيقاف المواصلات العامة واستخدام السلاح"، هو الذي دفعه إلى إصدار قرار فرض حالة حظر التجول ليلا. وأضاف أن مثل هذه الأعمال "لا يمكن تصنيفها إلا خروجا عن القانون وخروجا عن الثورة"، التي أطاحت بسلفه في انتفاضة شعبية اندلعت قبل عامين. ومباشرة بعد الإعلان عن فرض حالة الطوارئ، خرج المئات يحتجون في مدن الإسماعيليةوالسويس وبورسعيد، وتعهد ناشطون في المدن الثلاث بتحدي حظر التجول، احتجاجا على القرار الرئاسي. وقال السياسي البارز وعضو مجلس الشعب السابق عن بورسعيد، البدري فرغلى: "لن نرضى بقانون الطوارئ جملة وتفصيلا ولن تتحول بورسعيد إلى سجن كبير... هذا اعتداء على حريتنا." المعارضة دعا مرسي في خطابه، أيضا، القوى السياسية إلى إجراء حوار يوم الإثنين المنصرم، وقال في كلمته يوم الأحد: "قررت دعوة قادة ورموز القوى السياسية للحوار غدا حول الموقف الراهن". وفي وقت لاحق، قال بيان للرئاسة إنها تدعو الحلفاء الإسلاميين والقوى الليبرالية وغيرها من جماعات المعارضة، بالإضافة إلى عدد من السياسيين البارزين مثل الزعيم اليساري حمدين صباحي والأمين العام السابق للجامعة العربية عمرو موسى، إلى الدخول في حوار مباشر. وكشفت أعمال العنف انقساما حادا في البلاد؛ إذ يتهم الليبراليون وبعض القوى المعارضة الرئيس الإسلامي بالفشل في الوفاء بالوعود الاقتصادية التي قطعها على نفسه، ويقولون أيضا إنه لم يف بوعده بأن يكون رئيسا لكل المصريين. أما أنصار الرئيس مرسي فيقولون إن المعارضة تسعى إلى إسقاط أول رئيس مصري يصل لهذا المنصب بعد إجراء انتخابات حرة وشفافة. لكن معارضي الرئيس مرسي يقولون إن سبب الاحتجاجات يكمن في كون حكومة مرسي، التي انتخبت في يونيو، لا تطبق سياسات تهدف إلى تحقيق أهداف الثورة التي لخصها الشعار البارز "عيش (خبز) .. حرية .. عدالة اجتماعية .. كرامة إنسانية". ويقول سياسيون إن مرسي ينفذ بدل ذلك سياسات تجعل جماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي إليها، تستأثر بالسلطة بمصر، أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان، والتي عانت من استبداد مبارك 30 عاما. ونأت جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة بنفسها عن أعمال العنف الأخيرة، وقالت إنه كان على مرسي أن يتحرك بشكل أسرع لفرض إجراءات أمن إضافية لإنهاء أعمال العنف. وقال متحدث باسم جبهة الإنقاذ الوطني، التي تمثل المعارضة الرئيسية في مصر، إن خطوات مرسي لإعادة الأمن يوم الأحد المنصرم جاءت متأخرة، وأنه يريد مزيدا من التفاصيل بشأن دعوة الحوار التي وجهها مرسي إلى القوى السياسية. وقال خالد داوود، المتحدث باسم الجبهة، إن دعوة الرئيس إلى تطبيق قانون الطوارئ خطوة "متأخرة جدا لأنه كان يتعين عليه تطبيق مثل هذه الإجراءات منذ بدء أعمال العنف وكان يجب تطبيق إجراءات أمنية أكثر صرامة قبل صدور حكم المحكمة، والذي كان متوقعا أن يثير أعمال عنف." إلى ذلك، جدد التيار الشعبي المصري المعارض دعوته إلى كل المصريين بالتزام التوجه السلمي منهجا لثورتهم وأكد "أن كل أحداث العنف والاعتداء على الأرواح أو الممتلكات تخرج عن قيم ثورة يناير"، كما عبر أيضا عن تنديده بالاستخدام المفرط للعنف من قبل الشرطة والذي أودى بحياة شهداء جدد، مؤكدا بأن المعركة "ليست ضد الشرطة وإنما ضد سياسات لا تحقق للمصريين أهداف ثورتهم وتعجز عن الوفاء بتطلعاتهم المشروعة إلى الحرية والعدالة الاجتماعية."