الفقرة الثامنة حل الظلام وعم السكون واسودت الدنيا، ومن أجل النسيان المؤقت، ذهبت لأقضي الليلة عند أحد الأصدقاء المغاربة يدعى «خالد» بحي جامعي آخر، كان الليل طويلا عرفت خلاله سلسلة من الأحلام المتقطعة، كنت أحيانا أزعق من الذعر فكان صديقي يأخذ بيدي ويهدأ من ذعري، فبدأت أحكي له عن أحلامي. قلت له: «كنت نائما نوما متقطعا وخفيفا وإذا بصوت ليس بغريب علي، ولكن لم أتمكن من التعرف على صاحبه يقول لي: إذا عدت إلى المغرب فاعتبر نفسك من عداد الموتى، فأنت هنا من أجل الدراسة وليس من أجل الحب». قلت له مذعورا: - « من أنت؟» قال: - «أنا علال». قلت: - «مرحبا بالسيد علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال ومؤسسه، شكرا لأنك أنقذتنا من الانحراف وعملت على تأطيرنا من خلال منظمة الكشفية المغربية والشبيبة الاستقلالية. في وقت تكالب فيه الكل على طفولتنا البريئة في زمن الضياع، شكرا مرة أخري». فقال بصوت عال: - «أصمت أيها الوغد، فأنا لست بعلال الفاسي، فأنا «علال الضب» فتى حي «المعاضيد» الذي يخافه ويهابه الكل، ينتج ويصدر العنف في كل زمان ومكان. عد إلى وعيك ولا تتخلى عن دراستك». سألني صديقي خالد عن قصة «علال الضب» فحكيت له قصته بالتفصيل، فقلت له: - «هذا الحلم يمثل بالنسبة لي صراعا داخليا بين العقل الباطني والعقل الظاهري، لأنني أعيش في ورطة حقيقية واختياراتي الآنية سيكون لها تأثير كبير على مساري الدراسي وعلى مستقبلي برمته». شكرا «علال الضب»، لقد أعدتني إلى وعيي فأنا هنا ليس من أجل التسلية واللهو والمتعة، بل من أجل البحث عن الذات وإعادة الاعتبار لها، بعد المعاناة التي عانيناها جميعا. ف «علال» وأمثاله لم يولدوا مجرمين ولا منحرفين، ولدوا طبيعيين كباقي البشر من أجل حياة كريمة وسعيدة، ولكن ?للأسف- وجدوا أمامهم المجرمين والمنحرفين الحقيقيين الذين حولوا حياتهم إلى جحيم ووقفوا أمام إنسانيتهم وكرامتهم وحكموا عليهم بالذل والقهر والخصاص. في اليوم الموالي توجهت إلى الجامعة فالتقيت بنائبة العميد السيدة «دوتسكوفا» فحكيت لها قصتي، فقالت مبتسمة: - «أنت محظوظ لأنك جربت شيئا اسمه الحب، أنت شاب وسيم ومازالت الأيام أمامك، ستتعرف على نساء أخريات فالوقت أمامك». فأضافت: - «لقد عشت قصة حب فريدة وأنا في سنك، لم تنته بالشكل الذي كنت أنتظره. لقد فقدت حبيبي في أحداث ربيع براغ، لم أعرف مصيره لحد الساعة، أهو حي أم ميت؟ فعشت الألم والمعاناة. بعد سنين عشت قصص حب أخرى لأنني توصلت إلى أن الحب علاج لكل أشكال البؤس. فالشخص المحبوب لن يكون أبدا بئيسا، ولهذا قررت أن أبحث عن قصص غرام أخرى تنسيني بؤسي ومعاناتي. فحذار بعد هذا العذاب الذي تعيشه، ربما سترغب في الانتقام، والغاية جعل حبيبتك تعيش البؤس والمعاناة التي عشتها، فلا تفعل، أترك الأمور كما هي وابحث عن شريكة أخرى وأسس لقصة حب جديدة لقهر اليأس والبؤس والعذاب». فسألتني بعد ذالك قائلة: - «كم من امتحان مازال في انتظارك؟» قلت لها: - «أربعة امتحانات». فقالت لي مبتسمة: - «نحن الآن على أبواب نهاية الدورة الأولى، سافر وعد بعد العطلة فأنت طالب ذكي ولك كل الإمكانيات لتجاوز هذه العقبة». شكرتها على مساعدتي وودعتها، لم أنس تلك السيدة الملاك، كيف تعاملت معي بمستوى عال من النضج والمسؤولية، كم نحن محتاجون في جامعاتنا إلى مثل هؤلاء الأشخاص لرعم الطلبة في أزماتهم والعمل على مساعدتهم وتقديم العون لهم، فالطلبة في بداية مشوارهم الدراسي -كما يعرف الجميع- يفتقدون إلى التجربة والخبرة ويظلون معرضين للأخطاء في أي لحظة. سافرت بعدها إلى ألمانيا لأزور أختي لتنسيني ضربة المرحومة وألم فراقها. حكيت لها قصتي مع «كاطارينا» كاملة فتأثرت وطلبت مني أن أنساها وأبدأ مرحلة جديدة، بعد أسبوعين عدت إلى مدينة «براتيسلافا» اجتزت بتفوق كل امتحاناتي وطويت الصفحة. لقد صدقت فعلا السيدة «دوتسكوفا» نائبة عميد الجامعة. مرت الأيام والشهور تعرفت خلالها على مجموعة من الطالبات، لم يكن الحب حاضرا كما كان، كانت فقط الصداقة والشهوة. أنهيت دراستي بتفوق فأصبح الحلم حقيقة. لم يبق على موعد حفل التخرج إلا أسبوعا، كنت كالعادة في كل مساء مع بعض الأصدقاء نجلس بالمقهى قرب الحي الجامعي، كان الجو حارا، أتذكر كان هذا في بداية شهر يونيو من سنة 1993، كانت الشمس قريبة إلى الغروب، هب خلال هذه اللحظة نسيم عذب برائحة الزهور والورود التي كانت محيطة بالمكان، ربما سيقع شيء لابد منه. كانت الساعة السابعة مساء، ماذا أرى؟ إنها شلة «المرحومة»، بعد لحظات اقتربت الشلة تتوسطها «كاطارينا»، نعم إنها هي بشحمها ولحمها... تفاجأت كما تفاجأ أصدقائي. بعد التحية اقتربت «كاطارينا» مني قائلة: - «مساء الخير مصطفى كيف حالك؟» لم أجبها، كنت أنظر إليها مندهشا، لم أتوقع زيارتها، في تلك اللحظة عدت إلى ذكريات الماضي القريب بكل أحداثه الجميلة وبكل معاناته وعذاباته. كان الأصدقاء بما فيهم شلة «كاطارينا» ينظرون إلي بكثير من الشفقة وينتظرون ردة فعلي. التزمت الصمت حينها، أصبحت أخرص أبكم، اقتربت مني وجلست بجانبي تكلمني بصوت خافت: - «كيف حالك؟ أمازلت تتذكرني؟» أجبتها بهدوء ونبرة كانت غريبة عنها: - «وهل أنسى ما ذقته من عذاب فراقك المفاجئ؟ لماذا هربت؟ لماذا رحلت بدون سابق إنذار في الوقت الذي كنت فيه في أمس الحاجة إليك؟ لماذا قتلت كل شيء جميل كان بيننا وحكمت عليه بالعدم؟ لقد أذقتني العذاب والألم؟ وأدخلتني في بحر المعاناة والتيه والعزلة». فقالت وعيناها لا تقوى على النظر في اتجاه عيناي: - «أعتذر عما حصل، لم أكن في وعيي حين اتخذت القرار، كنت في مرحلة انتقالية صعبة، حاولت أن أتحول وأتغير متماشية مع حركية المجتمع، غيرت الأصدقاء وتغيرت علاقتي بالعائلة، هجرت موطني إلى عالم جديد كنت أظنه سيمنحني السعادة والكرامة، جنيت المال وضيعت الكثير في المقابل، جئت لأعتذر رغم أنني أعرف أن اعتذاري لا جدوى منه ولكن على الأقل أتمنى أن نعيد بعض اللحظات الجميلة التي عشناها وخاصة وأنت على عتبة الرحيل». قلت لها وأنا أتنهد: - «وهل يعود الميت إلينا بعد موته؟» قالت: - «لكن حبنا قدر محتوما لن يموت أبدا». فاستسلمت للبكاء، سلمت لها منديلا فعم الصمت. غربت الشمس وبزغ القمر وبدأت الظلمة في الانتشار واسودت الدنيا وعم الهدوء والسكينة. بعد نقاش هادئ بين الأصدقاء وشلة المرحومة حول الدراسة، حول مستقبل الثورة، حول حركية المجتمع وأشياء أخرى قرر الجميع متابعة السهرة بإحدى الملاهي الليلية، لم أكن متحمسا للفكرة وقلت في نفسي: «ياترى لما تخطط له «كاطارينا» وشلتها؟» لم أجد من بد، قبلت بالفكرة واتجهنا إلى مكان اعتدنا ارتياده بوسط المدينة. بعد ساعات من الرقص والنقاش والموسيقى، أخذتني «كاطارينا» لمكان بعيد عن الشلة وضمتني إلى صدرها بشكل قوي وبدأت تقبلني ثم قالت: - «أريدك أن تنسى ما فعلته بك على الأقل في هذه اللحظة لقد عشت معك براءة الحب وعذريته، أريدك أن تأخذني من هذا المكان إلى مكان آخر لنكون وحدنا». قلت حائرا: - «لما لا على الأقل لأبتعد عن هذا المكان الممل». أخذتها بوجه السرعة عبر سيارة الأجرة إلى مكان هادئ اعتدنا ارتياده بضواحي المدينة. بعد وصولنا المكان حجزنا الطاولة وأصبحنا وجها لوجه من جديد. عزمتها على مشروبها المفضل «دجين» وعزمت نفسي بطبيعة الحال على مشروب «بيرا». بعد لحظة، أخذت تكلمني عن عالمها الجديد «بفيينا»، كانت تقول والحسرة والقلق باديين على وجهها الشاحب الميال للصفرة: - «كنت أظن أن العمل والمال والعلاقات الجديدة ستأخذني إلى الأحسن، لكن لم تسر الأمور كما أردت. أصبحت أجني الكثير من المال وأصبحت أعيش في مدينة كبيرة بماضيها وتاريخها وثقافتها وعظمتها، كانت عاصمة الإمبراطورية النمساوية المجرية التي كان يهابها الجميع، ورغم ذلك لم أكن سعيدة، أصبحت لقيطة على مجتمع جديد، قطعت مع كل شيء جميل في بلدي فأصبحت تائهة وضائعة». قلت لها: - «هذا اختيارك، عليك أن تتحملي مسؤوليتك». بعد وقت وجيز، وبعد أن ظهر التعب على وجهها، طلبت مني أن آخذها إلى الحي الجامعي لتستريح قليلا، أخذتها بدون تردد، بعد نصف ساعة وجدنا نفسنا وجها لوجه بالغرفة وحيدين. قلت في نفسي: «ماذا عساني فعله في هذه الورطة؟» طلبت مني كاطارينا حينها السماح لها بأخذ حمام ساخن لإزالة التعب، فلم أمانع. بعد لحظة خرجت من الغرفة لأتفقد حالة صديقي سعيد الذي يسكن بجواري، كان على فراش المرض. بعد الاطمئنان عليه، وبعد أن دردشنا قليلا، ودعته وعدت إلى غرفتي. طرقت الباب ودخلت، وجدت كاطارينا ممتدة على السرير بقميصها الأحمر وشعرها المبلل الذهبي، إنها شبه عارية. كانت تدخن سيجارتها المعهودة بهدوء ونشوة، متتبعة دخانها المتطاير. لم أتمالك نفسي، بدأت أنظر إليها وبدأت تنظر إلي نظرة تذكرني بالماضي القريب وبلقائنا الأول. طلبت مني أن أحضر لها نبيذا، أحضرته بعد لحظة. ومباشرة سالت الخمرة في الأقداح. فتحنا كتاب الذكريات مرة أخرى وبدأنا ننبش فيه وقالت وهي في عز النشوة بعد أن اخترق النبيذ خلاياها العصبية: - «نعم مصطفى، كنت صادقا في حبك لي وعشنا لحظات حميمية لا أعتقد أن التاريخ سيجود علينا بها مرة أخرى، لقد أخطأت فسامحني». بقينا على هذا الحال و بدون أن ألمسها حتى بزغ الفجر وانجلى سواد الليل. تأثرت بحالها، فقلت لها: - «معذرة، سأذهب إلى المرحاض لقضاء حاجتي». لم أذهب إلى المرحاض من أجل قضاء حاجتي، بل ذهبت للتحاور مع نفسي واستفسار ما يقع وطرحت السؤال: «هل أستسلم مرة أخرى لكاطارينا؟» فتذكرت نصيحة صديقي «بيتر» عندما قال لي يوما: - «إذا قررت أن تستسلم لامرأة، فاستسلم. لكن بجوف فارغ للقطع مع كل الأحاسيس والعواطف». بعد لحظات عدت إليها ورميت كل أسلحتي وأصبحت مرة أخرى أعزل ولكنني بجوف فارغ. كان مصباح الغرفة يلوح بضوء أحمر خافت، وكانت إذاعة براتيسلافا تبث عبر الأثير موسيقى هادئة، كانت الأغنية المبثة حينها لمجموعة «سكوربيون» وكان موضوعها حول ريح التغيير بموسكو، أغنية كان يرددها الكل في عز ثورات أوربا الشرقية. بمجرد بثها قامت كاطارينا وقالت: - «اسمع مصطفى إنها أغنيتنا المفضلة». ارتمت علي حينها وعانقتي وقبلتي وبدأنا نرقص على ذبذبات الموسيقى. بعد لحظات ليست ككل اللحظات وجدنا نفسنا متعانقين على السرير فبدأت رحلة العشق. أحسست خلالها بالدوار من شدة الإثارة، كما أحسست بغيوم الخصام التي كانت بيننا قد تبددت، ولكن صدقوني أنني خلال المضاجعة لم أشعر بأية متعة. لقد عملت بنصيحة بيتر ودخلت المعركة بجوف فارغ، لا إحساس فيه ولا عواطف. أثناء المضاجعة انتابت كاطارينا نوبة من البكاء، كنت أتابع وجهها البوهيمي وهي تترنح باحثة عن اللذة والمتعة. بعد لحظة وصلت إلى غايتها وعم الصمت وعادت أجسامنا وأرواحنا إلى واقعها المعهود. بعدها وفي عز النور ودعنا بعضنا من أجل أن نلتقي مجددا في حفل تخرجي في الأسبوع المقبل. عند الوداع كان وجهها كئيبا وحزينا كأنه يخفي شيئا ما. حل موعد حفل التخرج، كانت القاعة مملوءة على آخرها، كان الآباء والأصدقاء يحملون الورود والأزهار والهدايا لتقديمها للطلبة المتفوقين، كان أغلب أصدقائي وصديقاتي حاضرين بما فيهم شلة المرحومة. أما كاطارينا فكانت غائبة، بعد لحظة التخرج التاريخية، احتفلنا معا حتى ساعة متأخرة من الليل. طويت حينها صفحة عالم الدراسة وصفحة كاطارينا. ولكن في نفس الوقت طرحت أكثر من سؤال: - لماذا عادت كاطارينا في نهاية مشواري الدراسي؟ - لماذا طلبت مني مضاجعتها، بل أصرت أكثر من مرة رغم رفضي لها في الوهلة الأولى؟ - لماذا لم تحضر في حفلة التخرج؟ وأنا أطرح هذه التساؤلات تذكرت «كاطارينا» في بداية مشوارنا الغرامي تقول لي: « أحبك مصطفى كم سأكون سعيدة إذا أنجبت منك طفلا يشبهك». ربما جاءت لتحتفظ بذاكرتي في أحشائها. ربما عادت لترغمني على البقاء معها لكن بشكل آخر. حل موعد السفر والعودة إلى المغرب، عدت ولكن بدون أن أودع كاطارينا. مرت حولي 20 سنة على تلك اللحظة، توقفت أخبارها عني. هل فعلا حققت «كاطارينا» ما كانت تسعى إليه؟ هل كان لقائنا الأخير مدبرا بالفعل؟ لا أعرف، ربما علي الرحيل مرة أخرى لبلاد البوهيمية لاكتشاف الحقيقة ولمقارنة بوهيمية الأمس مع بوهيمية اليوم. نعود إلى الثورة «التشيكوسلوفاكية» التي كانت في بدايتها، بعد شهور ارتفع إيقاعها وأصبح نساؤها ورجالها يطالبون برحيل الرئيس «غوسطاف هوساك» ونظامه الشمولي الجائر، بل ومحاكمته كما حدث في رومانيا لرئيسها «تشاوسيسكو» وزوجته «إلينا». كان كل يوم من أيام الثورة الشعبية عبارة عن مفاوضات ولقاءات وبيانات، كل هذا كان يدخل في حرب الأعصاب بين النخبة الوطنية التي كانت تمثل الثوار، وبين بقايا النظام الشيوعي الهرم. كان الثوار يتزعمهم الكاتب المسرحي «فاتسلاف هافل» الذي سيصبح بعد نجاح الثورة أول رئيس لتشيكوسلوفاكيا منتخب ديمقراطيا، هذه النخبة السياسية المحنكة كانت بالإضافة إلى نضالاتها الوطنية تحمل مشروعا مجتمعيا متكاملا يتماشى والتحولات السوسيو اقتصادية والسياسية التي يعرفها العالم وشرق أوربا خصوصا، وكان حولهم أفراد المجتمع «السلافي» المؤطرون، والمكونون، والواعون بخطورة المرحلة التاريخية التي تعيشها بلادهم. كل هذا الحراك كان يسير ببلاد البوهيميا إلى طريق الديمقراطية والحرية والكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان من غير رجعة. وبدورنا كطلبة أجانب، كنا نتحاور ونتفاوض من أجل مستقبلنا الدراسي في إطار ما يسمى بالشبيبة الشيوعية قبل الثورة والاتحاد الطلابي بعدها، فكانت أغلب اللقاءات مطمئنة للغاية. نجحت الثورة وسقط حائط برلين وسقطت معه كل الإيديولوجيات التي كانت تؤسس للحرب الباردة، حينها أصبح العالم يعيش على إيقاعات عصر التغييرات الكبرى، والتغيير هو أقدم رغبة عند الإنسانية، لأن الأشياء عندما تتكرر تفقد في كل مرة شيئا من معناها، وتفقد بالتالي شيئا فشيئا من قوتها الحيوية التي تضفي عليها وهم المعنى. لقد كسرت الحدود بكل أبعادها الممكنة، والحدود في حد ذاتها هي جرعة التكرار القصوى المسموح بها. إذا أين تبدأ وتنتهي حدود الأدلوجة الجديدة؟ وماذا سيحدث إذا تجاوزناها؟ وماذا يقع إذا كان التجاوز أبعد؟ بعد أشهر، انتخبت أول حكومة بعد الثورة يترأسها «فاتسلاف كلاوس» الرئيس الحالي للدولة التشيكية، كما انتخب الكاتب المسرحي الذي افتقدناه أخيرا «فاتسلاف هافل» رئيسا للدولة التشيكوسلوفاكية. بعد سنتين تقريبا، أمام اندهاش الجميع، انفصل الإخوة الثوار بدعوى عدم القدرة على التعايش جنبا إلى جنب، وتأسست دولتين جديدتين: دولة «تشيكيا» ودولة «سلوفاكيا»، أصبح رئيس الدولة السلوفاكية الرمز والكاريزما « ألكسندر دوبتشيك»، بينما أصبح رئيس حكومتها «متشيار»، أما القيادة التشيكية فبقيت على حالها،»فاتسلاف هافل» رئيسا للدولة التشيكية، و»فاتسلاف كلاوس» رئيسا لحكومتها، فاختلط ضحك الملائكة بضحك الشياطين كما جاء في رواية» الضحك والنسيان» لكاتبها التشيكي «ميلان كونديرا»، فانتهت هذه المسرحية الدرامية وعمها الضياع والنسيان.