أسفر تزايد اهتمام الأسواق الأجنبية والسياح بالمنتجات المستخلصة من الأركان عن ارتفاع أسعار الزيت من أقل من 100 درهم للتر إلى أزيد من 400 درهم للتر، وبذل أن ينعكس حرمان الفئات المغربية المحدودة الدخل من الحق في استهلاك زيت الأركان على تحسين مستوى عيش ذوي الحقوق ومن يتخذون من جني وتثمين المنتوج، فإن ما راج في الدورة الرابعة لمعرض الجنوب للماعز والمنتوجات المحلية بالصويرة أبان عن تعرض غابة الأركان إلى مخاطر التدهور والاندثار وفرض البحث بجدية عن حلول موضوعية للمشاكل البيئية القابلة لتفريخ كوارث اجتماعية. في إقليمالصويرة تنتشر شجرة الأركان على مساحة 136430 هكتارا أي ما يعادل نصف المساحة الغابوية بالإقليم، لكن سوء التعامل معها صار يقلص هذه المساحة بمعدلات قدرها ذووا الحقوق بحوالي 60 هكتارا في السنة، ومع أن نسبة هامة ممن ترتبط مصالحهم بإنتاج الزيت يتخذون من الماعز المتهم الرئيسي في إلحاق الضرر بالغابة، إلا أن أطراف أخرى تبرئ ذمة الماعز وتحمل المسؤولية للعنصر البشري. هذه الإشكالية المعقدة خصصت لها المديرية الإقليمية للفلاحة بالصويرة مكانة متميزة في أشغال الدورة الرابعة لمعرض الجنوب، وبذلك تحولت عدة مواقع من الصويرة، طيلة الفترة الممتدة من 29 نونبر إلى 2 دجنبر 2012، إلى ورشة لمعالجة العلاقة بين الماعز والأركان وللبحث عن بلوغ التوازن بينهما وعن تطوير المنتجات المحلية وتثمينها، وبعد أن لقيت المبادرة تجاوبا كبيرا من طرف الفاعلين، بما في ذلك ذوو الحقوق الذين يعتبرون المالكين الحقيقيين للغلة التي تنتجها الغابة، والمنخرطون في تعاونيات تثمين زيت الأركان، والكسابة، فضلا عن ممثلي الوزارة والسلطات المحلية، ونخبة من الأساتذة الباحثين، فإن تعدد الأنشطة المبرمجة في الدورة انعكس على العروض التي تابعها المشاركون الوافدون من فضاء شاسع يمتد من واد أم الربيع إلى وادي الذهب, مصالح متضاربة على مدى أكثر من 4 ساعات استمع الحاضرون إلى حوالي 20 عرضا، ومن خلال المناقشة تبين أن ذوي الحقوق تبنوا موقفا يقوم على أساس أن التوجه الحكومي نحو تثمين منتجات الأركان وترميز لحوم جدي الأركان يعرض الغابة لضغط يهددها بالانقراض، وبالنسبة إليهم فإن ارتفاع أسعار زيوت الأركان انعكس سلبا على ذوي الحقوق إذ أن نسبة كبيرة منهم لم تعد تحصل على أي دخل، وإذا ما نجح مشروع بناء مجزرة عصرية متخصصة في ذبح وتسويق لحوم جدي الأركان فإن تكثيف إنتاج الماعز سيكون على حساب الغابة، وبالتالي على حساب ما تبقى من مستحقات ذوي الحقوق الذين يتخذون مت مداخيل الغابة موردا أساسيا لعيشهم، إن الحل يكمن بالنسبة إليهم في تخصيص الغابة لإنتاج الزيت بدل تعريضها لمخاطر الرعي المكثف. على عكس ذوي الحقوق فإن مربي الماعز يعتبرون أن الغابة تعايشت باستمرار مع الماعز، والرعي لم يكن في يوم من الأيام عائقا أمام نمو الغابة وإنما مكونا أساسيا من مكونات تلقيح النظام الذي يمكن للإخلال به أن يحرم الشجرة نفسها من القدرة على الصمود وعلى الاستمرار في اٌلإنتاج. إن الكسابة يفتخرون بكونهم طوروا طريقة تربيتهم للماعز، ويثمنون عاليا المجهودات التي بذلتها المديرية الإقليمية للفلاحة بالصويرة، لكنهم يطرحون عدة تساؤلات حول إمكانية استفادتهم من تثمين المنتوج ويطالبون بأحقيتهم في الاستفادة من دعم الدولة لتحسين النسل، بل إنهم ينطلقون من حالة الدعم المقدم لتحسين نسل الغنم والذي يصل إلى 750 درهما و 850 درهما حسب الجنس ويطالبون بدعم أكبر اعتبارا لحجم القطيع ولخصوصيات تربية الماعز التي تختلف كثيرا عن تربية الأغنام. حول هذا الموضوع أكد ممثل وزارة الفلاحة أن مرسوم الدعم المخصص لتحسين سلالة الماعز سيصدر قريبا، ومع انه لم يحدد تاريخ الصدور وقيمة الدعم إلا أنه أوضح أن المغرب يتوفر على302 ألف فلاح يكسبون ما مجموعه 5.5 مليون رأس من الماعز ويعتبرون مصدر إنتاج 23 ألف طن في السنة من اللحوم الحمراء, وكان المدير الجهوي للفلاحة بجهة تانسيفت الحوز محمد الهراس قد أوضح في الجلسة الافتتاحية أن إقليمالصويرة الذي انطلقت فيه أشغال تحويل نظام السقي الحالي بحوض الكريمات على مساحة 450 هكتار إلى نظام موضعي، سيستفيد من برامج الإعداد الهيدروفلاحي إذ أن الدراسة التي توجد في طور الإنجاز تهم 1000 هكتار بحوض لقصوب انطلاقا من سد زرار كما تهم 500 هكتار انطلاقا من سد سيدي محمد بنسليمان الجزولي وبخصوص قطاع تربية الماعز، أوضح المدير الجهوي أنه يدخل ضمن الفلاحة التضامنية التي تعتبر الدعامة الثانية لمخطط المغرب الأخضر، وبعد أن ذكر بأن الدراسات التي أنجزت تؤكد الأهمية الغذائية والصحية التي تمتاز بها لحوم جدي الأركان، أعلن أن الميزانية المخصصة للمشروع بلغت خلال السنة الجارية 2,7 مليون درهم ومن المقرر أن تصل إلى 16,5 مليون درهم في حدود سنة 2016 كما أعلن أن المديرية الإقليمية للفلاحة نظمت خلال المعرض مسابقة بشراكة مع الجمعية الوطنية للاستشارة الفلاحية، وقد رصدت لها مبلغ 300000 درهم لتشجيع تربية الماشية والعمل التعاوني في مجال المنتجات المحلية. مصالح متضاربة إلى جانب المهنيين كان للبحث العلمي حضور قوي في الندوة، وقد ساعد تعدد منطلقات الأبحاث التي أنجزت على بلورة صورة واضحة عن طبيعة الإشكالية المطروحة وعن التوجهات العامة التي يجب اعتمادها للحفاظ على المنظومة الإيكولوجية لغابة الأركان، وفي هذا السياق أكد محمد قرو الأستاذ الباحث بالمدرسة الوطنية الغابوية للمهندسين بسلا أن الماعز عنصر هام في الحفاظ على منظومة الأركان، وبعد أن سجل أن الغابة ليست مهددة في الوضع الراهن توقف عند ما أسماه بالعناصر المنبئة بالتحول في اتجاه الانقراض، وخص منها بالذكر الشق البيئي الذي يحتد أثره وفق مستوى حدة حالة الجفاف، ثم الشق الاقتصادي والاجتماعي الناتج عن الهجرة من القرى إلى المدن، إذ لم يعد بمقدور العجزة أن يتولوا بأنفسهم جني ثمرة الأركان والتنقل بعيدا مع قطعانهم بحثا عن الكلأ، كما أن مداخيل هذه الأنشطة لا تسمح بالاستعانة باستئجار عمال ينوبون عنهم في إنجاز مهام الجني والرعي، ولتفادي هذه المعضلة دعا الباحث إلى التفكير في إمكانية دعم خلق فرص الشغل بالوسط الغابوي، في نفس السياق عالج سعيد شطيبي الباحث بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة موضوع تأثير الماعز على شجرة أركان وتأثير النشاط الرعوي على المنظومة البيئية، فذكر في البداية أن أنشطة إنتاج الزيت وتربية الماعز كانت على مر العصور مرتبطة بغابة الأركان، وسجل أن الرعي يعتبر من أهم الأنشطة التي يزاولها سكان حاحا بإقليمالصويرة، كما ذكر بالسمعة التي اكتسبها جدي الأركان ونبه إلى أن «الترميز» يعتبر أحد السبل المساعدة على تطوير تربية الماعز, بالنسبة للمساطر التي اتبعت من أجل الحصول على شارة الجودة ذكر الباحث بأن الانخراط في هذا المشروع انطلق سنة 2005 وأن ملف الترميز وضع سنة 2010 ولكنه لم يحظ بموافقة كل الأطراف المكونة للجنة المصادقة وقد برر المعارضون موقفهم بكون الماعز يعتبر العدو الأساسي لشجرة الأركان، ومن شأن التصديق على ملف الترميز أن يتزايد الإقبال على تربية الماعز وأن تتعرض الغابة لمخاطر الإفراط في الرعي، هذا المبرر دحضه المنطق العلمي الذي أبان، حسب نفس البحث على أن رعي الماعز في غابة الأركان ينفعها ولا يضرها، وقد تم تبرير ذلك بكون الدورة الغذائية اليومية للماعز تنقسم إلى فترات زمنية محدودة، منها ما هو مخصص لرعي الأوراق السفلية للشجرة ومنها ما هو مخصص لتسلق الشجرة ورعي أوراقها العلوية، ومنها كذلك ما هو مخصص لرعي النباتات والأعشاب المحيطة بالشجرة، وإذا كان من المسلم به أن رعي الأعشاب والأوراق السفلية يساعد على نمو الشجرة، فإن الباحث تابع عن قرب حالة التسلق فخلص إلى أن الماعز الذي يملك القدرة على التسلق هو الذي يكون في ريعان شبابه ويكون وزنه يسمح له بالتسلق، وحتى هذه الفئة تمتنع عن التسلق كلما تعرضت للسقوط المؤلم، أما بالنسبة للفئة التي تتسلق الشجرة فإن رعيها يقتصر على أوراق الأغصان الصلبة القريبة من جدع الشجرة، ولا تصل إلى أطراف الأغصان الغنية بالزهور والفاكهة لأن ذلك يعرضها للسقوط وتكسير الأغصان. أما بالنسبة لجودة لحم جدي الأركان فإنالباحث شطيبي بتعاون مع باحثين فرنسيين من المعهد الوطني للبحث الزراعي بفرنسا نظم بالمعهد المتخصص للفندقة والسياحة بالصويرة مباراة في طبخ وتذوق لحم جدي الأركان، وهي المباراة التي حققت عدة أهداف في آن واحد، غذ فضلا عن إبراز مهارات الطباخات المغربيات وإبداعهن في مجال إعداد أطباق شهية من لحم الماعز فإنها، كما جاء على لسان رشيد زنوال مدير المعهد شكلت محطة من محطات الانفتاح على المجتمع المدني وصيغة جديدة من صيغ التعاون مع المديرية الإقليمية للفلاحة لتسخير مهارات وخبرات خيرة الطباخين في المنطقة في نشر ثقافة الطبخ المعتمد على المواد المحلية المكننة تهدد التعاونيات أثناء التجول عبر أروقة معرض المنتجات المحلية توقفنا عند رواق تعاونية البركة النسوية، ومن خلال الحوار الذي أجريناه مع السيدة عائشة تبين أن بيع لتر من زيت الأركان ب 400 درهم لا يعني أن هامش الربح مرتفع، وإنما يعكس وضعا صعبا ناتجا عن ارتفاع سعر «أفياش» الذي يعتبر المادة الأولية لزيت أركان إلى حوالي 2.5 درهم للكيلوغرام، ذلك أن الحصول على لتر واحد من الزيت يتطلب تكسير ما بين 34 و 36 كيلوغرام من افياش، وهذه العملية هي التي توفر أكبر عدد من مناصب الشغل، غير أن العاملات في هذا المجال يواجهن وضعية صعبة لأن يوم العمل الذي يبتدئ من الساعة الثامنة صباحا إلى الساعة السادسة مساء لا يوفر لهن إلا حوالي 35 درهم إن كن متمرنات على مهمة الكسر وقادرات على 800 غرام من أزنين، وبالنسبة للطحن فإن استخراج لتر واحد من الزيت يتطلب طحن 2.5 كيلوغرام من أزنين والتعويضات المعمول بها في المنطقة غالبا ما تكون في حدود 20 درهما للتر. التخوف من ارتفاع الكلفة لا يضاهيه عند المتعاونات إلا التخوف من المكننة لأن تطويرها سيحرم المنطقة من أيام الشغل التي توفرها غابة الأركان، أما بالنسبة للماعز فيعتبرن أنه لا يشكل أي خطر عليهن، ففضلا عن كونه لا يشكل أي خطر على الغابة فإن الزيت المستخرج من الثمار التي تدخل إلى جوفه تكون أقل جودة، ويمكن التعرف عليها عن طريق الشم حيث يمكن التعرف على رائحة الماعز. بالنسبة لزيوت الأركان التي تعرض في الأسواق بأسعار في حدود 150 درهم دعت السيدة عائشة الأجهزة المختصة بالمراقبة إلى القيام بدورها في محاربة كل أشكال الغش، فالمجهودات التي بذلت حتى الآن تمكنت من تطوير جودة الزيت، سواء منها الموجهة للاستهلاك أو للتجميل، وتبعا لذلك نالت ثقة الأجانب الذين يمثلون الأغلبية الساحقة من زبناء التعاونيات، ومن غير العار أن يفقد المغرب سمعته في هذا الميدان لمجرد أن المراقبين قصروا في مهامهم. البحث عن تثمين المنتوج شكل أحد المحاور التي تمحورت حولها أشغال الجمع العام العادي للجمعية المهنية المغربية لشركات إنتاج أركان، ومن بين ما ركز عليه المتدخلون أن الاستثمار في الكفاءات والموارد البشرية، المغربية منها والأجنبية، يمكن أن يضاعف هامش الربح والمردودية بعشرات المرات، كما أن غياب المراقبة يمكن أن يؤثر سلبا على الإنتاج العالي الجودة، أما الكلمة التي ألقاها عبد الحفيظ الكرماعي المدير الإقليمي للفلاحة بهذه المناسبة فانطلقت من كون الجمع العام تزامن مع معرض الجنوب للماعز والمنتوجات المحلية ، ومع تأسيس تجمع الماعز، وبخصوص الأركان ركزت الكلمة على أن إشكاليته مطروحة وهي تهم كل المراحل انطلاقا من الشجرة ووصولا إلى التسويق، ولذلك تم تخصيص 18 مليون درهم لإعادة هيكلة التعاونيات النسوية، وهناك رغبة ملحة لتطوير التعاون مع ذوي الحقوق ومع القطاع الخاص الذي يمكنه أن يساهم في إنجاز مهام التجميع. الدورة الرابعة لمعرض الجنوب للماعز والمنتوجات المحلية أغنت برنامجا بتنظيم لقاء خاص بالتوعية والتحسيس بأهمية الانخراط في برنامج ترميز لحم جدي الأركان، وضمن هذا السياق ذكر الدكتور الشوهبي المصطفى رئيس المصلحة البيطرية بإقليمالصويرة بالمجهودات المبذولة للقضاء على أمراض الماعز ودعا مختلف الكسابة إلى الانخراط في حملات الوقاية والعلاج لتأمين القضاء النهائي على الأمراض، كما تحدث عن تثمين المنتوج من خلال بناء مجزرة في سميمو ذات مواصفة الجودة العالية ، وهي المجزرة التي ستنجزها الجمعية الوطنية للأغنام والأبقار بتعاون مع المديرية الإقليمية للفلاحة بالصويرة ومن المقرر أن تصل طاقتها الإنتاجية إلى حوالي 100 رأس من الماعز في اليوم، وأن يتم تسويق اللحوم العالية الجودة في شروط صحية جيدة، وكل هذا يقتضي تضافر الجهود من أجل الحصول على «تسمية المنشأ المراقب». ومن جانبه تناول الدكتور الدرقاوي لحسن الباحث بالمعهد العالي للزراعة والبيطرة بالرباط موضوع التناسل والتكاثر فبين أن المعزة تخضع لدورة سنوية يكون فيها للوسط البيئي والمناخ تأثير على مواعيد استعدادها للتزاوج، أما بالنسبة للذكور فنبه إلى مخاطر عزلها عن الإناث بهدف تسمينها، وعلل هذا التنبيه بكون العزلة يمكن أن يترتب عنها فقدان الرغبة في التزاوج مع الإناث، وحتى بالنسبة للتزاوج نصح بجلب الفحل من قطيع آخر وعلل ذلك بكون التزاوج مع الأمهات والأخوات والبنات، تترتب عنه ولادات مشوهة أكثر ترددا وحدة من تلك التي تنطبق على الإنسان في حالة التزاوج بين أفراد من نفس الأسرة وفي انتظار الدورة الخامسة فإن ذوي الحقوق والكسابة والمتعاونين وباقي الفاعلين في القطاع يراهنون على أن تتكاثف الجهود من أجل تسريع معالجة كل الملفات وإخراجها على حيز الوجود وقي مقدمتها حماية الغابة من غزو العمران وتطوير برامج توسيع مساحة غابة الأركان ودعم ماعز الأركان بما يزيد عن الدعم المخصص للغنم والبالغ 750 درهما للإناث و 850 درهما للذكور.