على بعد ما يزيد عن سنة و نصف من الحراك الشعبي ببلادنا، يعود سؤال التغيير الديمقراطي ومهام القوى اليسارية وعموم الديمقراطيين، ليطرح نفسه من جديد على ضوء المتغيرات السياسية التي أفرزتها مرحلة ما بعد حركة 20 فبراير, و التي كرست حضورا قويا لمطالب التغيير الديمقراطي .و قد كان مطلب الحزب الاشتراكي الموحد و حلفائه المتمثل في إقرار نظام الملكية البرلمانية بكل امتداداته الدستورية و السياسية و المؤسساتية حاضرا في العديد من المبادرات و الديناميات التي انطلقت مع حركة 20 فبراير و على رأسها المناظرة الوطنية التي نظمت في ماي 2011 و التي انبثق عنها ائتلاف مغربي يطالب بالملكية البرلمانية الآن . بالتأكيد أن الحراك الشعبي الذي انطلق مع بداية سنة 2011 قد وفر فرصة قوية للانتقال ببلادنا إلى نظام الملكية البرلمانية, بيد أن هذا الطموح ظل محاصرا وسط حقل سياسي تطبعه ثلاثة مسارات: الأول يرتبط بتخطيط النظام المخزني لبسط هيمنة متجددة على دواليب الحكم و تقوية تحالفاته و تنويعها من خلال تمرير دستور 2011،الذي حافظ على الثوابت المخزنية، و تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها; الثاني يتعلق باستغلال الأزمة الإقتصادية-الاجتماعية، و استغلال الدين من قبل القوى الأصولية و المحافظة و نشاطها المتصاعد من أجل انتشار واسع داخل المجتمع ; الثالث له صلة بضعف الفعل السياسي للقوى اليسارية و الديمقراطية و ارتباكها في بلورة تيار ديمقراطي يجمع حوله فئات مجتمعية واسعة. في ظل هذا الوضع, فإن سؤال التغيير الديمقراطي ومهام القوى اليسارية وعموم الديمقراطيين يبدو من الأسئلة الملحة للمرحلة، لاعتبارات عديدة منها: * تحديد مقومات الإصلاح السياسي و المؤسساتي بعد دستور 2011 ، الانتخابات التشريعية ل 25 نونبر و تشكيل الحكومة الجديدة . * طرح البرنامج الاقتصادي والاجتماعي للانتقال الديمقراطي انطلاقاً من شعار إجلاء الطابع المخزني عن السياسات العامة الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والسياسية والثقافية. و بلورة المشروع البديل القادر على الحد من الآثار السلبية الناجمة عن الاختلالات البنيوية و الهيكلية للعولمة المتوحشة، و فتح أفاق تحقيق العدالة الاجتماعية و التوزيع العادل للثروة. * ضبط الآليات الناجعة التي من شأنها لحم المكونات اليسارية و الديمقراطية و مختلف الديناميات ببعضها وصهرها للمساهمة في بلورة مشروع يتأسس على حقوق الإنسان و يعتمد فكر وممارسة بناء الديمقراطية، ويحترم التزاماتها الكبرى، ويشخصها في صياغة برنامج واضح يتمحور حول أهداف استراتيجية و رؤيا متجددة لإعادة البناء و التأسيس. * تقوية طبيعة التحالفات و مرتكزاتها ووسائلها للنهوض بفعل سياسي يؤطر الحركات و الديناميات المجتمعية المطالبة بالتغيير و استقطاب الفئات المتنورة و إنضاج مشروع ديمقراطي حداثي مستقل في أهدافه عن الأصولية المخزنية و الأصولية الإسلامية. * توضيح المقومات و الركائز الضرورية لنهضة جديدة لحركة 20 فبراير ميدانيا و سياسيا على مستوى الحضور المجتمعي و على مستوى الشعارات المؤطرة لجعلها قوة حاملة للمشروع الديمقراطي ومنخرطة في إطار أوسع. من هنا تنبع حاجة بلادنا لحركة يسارية و ديمقراطية متجددة و مبادرة و ممسكة بروح المرحلة، قادرة على إنتاج أطروحة سياسية تجيب عن تعقيدات الوضع السياسي و على التعبئة الواسعة و الانخراط للتأثير الفعال في الميدان. إن الجامعة التي ينظمها الحزب تمثل دورة جديدة من النقاش السياسي المفتوح وتتوخى ملامسة القضايا الجوهرية التي لا يكفي زمن اللقاءات العادية بمناقشتها بكل وضوح و صرامة منهجية في التحليل، ونتمنى أن تشكل هذه الجامعة لبنة إضافية في الوضوح السياسي على قاعدة المستجدات الجارية و المرتقبة، ومحطة للارتقاء بالأداء السياسي الديمقراطي عموما في علاقة بالمهام التي تستدعيها المرحلة الراهنة والاستحقاقات السياسية المنظورة . بالتأكيد أن هذه الجامعة لا يمكنها الإجابة عن كل التساؤلات التي تعتمل داخل الحركة اليسارية و الديمقراطية, ولكن يمكنها أن تفتح مداخل لتطوير الأداء وتوضيح آفاق العمل السياسي ، لهذا فإن التساؤلات التي تطرحها هذه الورقة تبتغي أساسا استحضار مجمل ما يعتمل داخل الحقل السياسي بمختلف مستوياته وفي علاقته بفعل القوى اليسارية والديمقراطية عموما و في هذا السياق تروم أشغال الجامعة معالجة المحاور التالية: المحور الأول:المستوى السياسي استحضارا للسياق السياسي العام للجامعة، و المتمثل خصوصا في مرحلة ما بعد 20 فبراير وتداعياتها، و ما وصلت إليه و ما تطرحه من إشكالية مزدوجة : منها الأسئلة التكتيكية الاستباقية التي تتطلب أجوبة أولية على المدى القريب، ومنها الاسئلة ذات الطابع الإستراتيجي التي تقتضي مجهودا جماعيا متواصلا على المدى المتوسط . من هنا تطرح ثلاثة مداخل أساسية و مترابطة و هي : * طبيعة و سمات المرحلة السياسية الراهنة و آفاقها و المهام السياسية المطروحة على قوى اليسار و القوى الديمقراطية عموما، أي مشروع بديل للإجابة عن الإشكالات الكبرى و رفع التحديات. * أفاق حركة 20 فبراير و متطلبات النضال الديمقراطي. * دستور الملكية البرلمانية.. الأسس و المقومات المحور الثاني: المحور الاقتصادي و الاجتماعي هناك ارتباط قوي بين النضال السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي ، ومن تم يطرح سؤال الدور المتوقع لحركية النضال الاجتماعي المنظم و غير المنظم، وضمنه دور القوى اليسارية و الديمقراطية و الاجتماعية خصوصا في مواضيع محاربة الفساد و استغلال النفوذ و البطالة، التعليم والصحة في ترابط مع الديناميات الاجتماعية الاحتجاجية المتنامية. حيث يتطلب هذا الوضع مجهودا فكريا يروم صياغة رؤية متجددة للمسألة الاقتصادية والاجتماعية من خلال صياغة أجوبة لإشكالية الجمع بين السلطة السياسية ومجال المال و الأعمال والنضال ضد الاحتكار واقتصاد الريع وبنيات المخزن الاقتصادية على ضوء التحولات التي يعرفها العالم بما يمكن من المساهمة في ترتيب الأولويات في هذا المجال و التوزيع العادل للثروة الوطنية. لأجل هذه الغاية تتناول الجامعة الموضوعات التالية: 1. تحديات الاقتصاد المغربي على ضوء ما يجري في العالم من تسابق محموم لتسييد العولمة المتوحشة، 2. اقتصاد الريع وبنيات المخزن الاقتصادية و أثارها على الحقوق الاجتماعية، 3. دور النقابات و الديناميات الاجتماعية الاحتجاجية في حماية الحقوق الاجتماعية و الحد من الفقر. المحور الثالث : حقوق الإنسان و الحريات و المساواة. تتقاطع في هذا المحور العديد من القضايا منها ما يهم الجانب المتعلق بإصلاح القضاء و تحقيق العدالة و ضمان الحريات الفردية و الجماعية ( الحق في إبداء الرأي, الحق في التظاهر, الحق في المعلومة، الحق في التنظيم....) التي من أجلها ناضل الشعب المغربي و قواه الحية من أجل إقرارها كما هو متعارف عليها دوليا. و منها ما يهم الجانب المرتبط بإقرار المساواة بين النساء و الرجال في كافة الحقوق. و منها ما يتصل بهوية الشعب المغربي المتنوعة عربية امازيغية، إسلامية ،يهودية المتأصلة في التاريخ. ومنها ما يهم منظومة القيم المتصلة بالحداثة و الانفتاح الذي راكمته الإنسانية عبر نضالها الطويل من اجل بناء مجتمعات التعايش السلمي و احترام الاختلاف و ضمان كل حقوق الإنسان للجميع. في هذا السياق يروم هذا المحور معالجة القضايا التالية: 1. حقوق النساء بين المرجعية الدستورية الحالية و المواثيق الدولية لحقوق الإنسان 2. الديمقراطية و مكونات الهوية المغربية 3. رؤية نقدية لمنظومة القيم في الخطاب السياسي المغربي. إن الجامعة التي ينظمها الحزب الاشتراكي الموحد تطرح القضايا المذكورة ، بهدف تقريب وجهات النظر و المساهمة في توضيح متطلبات المرحلة السياسية وضرورة الاستمرار في تمتين أواصر التعاون و فتح قنوات للحوار وطنياً ومحلياً مع تيارات ومناضلين في الأحزاب الديمقراطية واليسارية، ممن حصلت لديهم القناعة بضرورة العمل من أجل إعطاء مدلول سياسي ملموس لمستلزمات المرحلة وبلورة رؤية استراتيجية للنضال الديمقراطي و توفير شروط استنهاض معركة التغيير و البناء الديمقراطي. أرضية الجامعة السياسية للحزب الاشتراكي الموحد