1- الديمقراطية هي حكم الشعب بنفسه و تقرير مصيره بوعي و بحرية لاختيار النظام السياسي الذي يحقق له مصالحه السياسية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية. تاريخيا سيطرت الطبقة البرجوازية عفي النظام السياسي الليبرالي على السلطة السياسية و سخرت كل الثروات الطبيعية و البشرية لخدمة مصالحها الاقتصادية بضمان توسعها الرأسمالي و بسيطرتها الجييو-إستراتيجية على الثروات الاقتصادية في العالم لتنمية أرباحها عالميا... و كما نعرف فأن الانتخابات أنماط مختلفة ترتبط بنوع و مستوى الديمقراطية التي يعمل بها نظام ما. ديمقراطية مباشرة. ديمقراطية تمثيلية. ديمقراطية شكلية (مزيفة). ديمقراطية تشاركية. الانتخابات في المغرب ارتبطت بمطلب شعبي ظل و لازال مؤجلا، و هو مطلب الديمقراطية التي تجسد حق الشعب المغربي في حكم نفسه بنفسه. و ظل الالتفاف على هذا المطلب، مطلب الديمقراطية، مستمرا و يتم و تأجيله كلما حلت الانتخابات أو في المنعطفات السياسية، و نحن نعيش إحداها مع الدينامية النضالية الجماهيرية التي يعرفها المغرب، و تأجيل الانتقال إلى الديمقراطية له سببين: السبب الأول هو طبيعة النظام السياسي المغربي الذي يسيطر فيه النسق السياسي المخزني. و هو نسق سياسي لا يخضع فيه مسئولو السلطة المخزنية لسلطة الانتخاب و لا للمساءلة؛ و السبب الثاني يعود لانسياق جل النخب السياسية و انفصالها عن المطالب الديمقراطية للشعب، إذ أصبحت الانتخابات بالنسبة لجل هذه النخب السياسية وسيلة للارتقاء الاجتماعي و الاغتناء بالتقرب من مركز القرار السياسي و خدمة مصالح السلطات المخزنية. رغم أن القواعد الشعبية للقوى السياسية الديمقراطية، التي تنساق نخبها مع مصالح سياسية و مادية ضيقة، ظلت إلى هذا الحد أو ذاك وفية للنضال الديمقراطي. 2- نعرف أن تنظيم و الإشراف على الانتخابات في المغرب، منذ أول انتخابات جرت في المغرب سنة 1963 بعد اعتماد دستور 1962 إلى الآن، تتم تحت سلطة و وصاية المؤسسة المخزنية و جهازها التنفيذي وزارة الداخلية التي تصنع الخريطة السياسية عبر الانتخابات وفقا لخطة النظام السياسي و أهدافه السياسية و الاجتماعية. و استمرت وزارة الداخلية و أجهزتها الإدارية و الأمنية توجه أغلب الناخبين و الناخبات، بل وتكرههم، بشكل مباشر أو عبر نخبها الإدارية و السياسية، للتوجه لصناديق الاقتراع و التصويت لصالح النخب المخزنية باستعمال خطاب: "هذا المرشح هو الذي يريده الملك و المخزن". و كان آخر تدخل سافر للمؤسسة المخزنية في حقوق و حرية المواطنين و المواطنات خلال الاستفتاء على دستور 1 يوليوز 2011 بفرض التصويت ب"نعم" بكل الوسائل الإدارية و استغلال المساجد و تجنيد أجهزتها الأمنية. و أقرب مثال كذلك على تدخل المؤسسة المخزنية لضرب الحريات الفردية و الجماعية تدخلها السافر في بلورة "حزب الأصالة و المعاصرة" الذي تأسس بعد المقاطعة الواسعة للمواطنين و للمواطنات للانتخابات البرلمانية ل7شتنبر 2007 الذي تشكل في أغلبه من "برلمانيي" و برلمانيات الأحزاب الإدارية و شرذمة يساريين سابقين، محسوبين على رؤوس الأصابع، قلبوا المعطف و التحقوا بحزب فؤاد عالي الهمة و المنافع التي يوفرها. لم تعرف انتخابات 7 شتنبر 2007 تدخلا مكشوفا لوزارة الداخلية للضغط على المواطنين و المواطنات للمشاركة في الانتخابات. و رغم نداء الملك في خطاب 20 غشت 2007 الموجه للمواطنين و للمواطنات للمشاركة المكثفة في الانتخابات أحس المواطن و المواطنة أنه غير معني بهذه الانتخابات ما دامت لا تغير في واقعه المعيش شيئا، و بالتالي فقدت مؤسسات الدولة مصداقيتها و أصبح الشعب لا يؤمن بها و بالانتخابات التي تفرزها. و بالتالي شكلت مقاطعة انتخابات 7 شتنبر 2007 من طرف عموم المواطنين و المواطنات منعطفا سياسيا خلخل سياسة النظام السياسي و نخبه الحزبية الموالية. لقد أصبح الشعب في عمومه غير مكترث بالانتخابات ما دامت نتائجها و ما تفرزه من نخب خادمة للدولة المخزنية لا تغير شيئا من وضعهم المعيشي المتدهور بفعل الغلاء المعيشة و البطالة و تدهور الخدمات العمومية التعليمية و الصحية و السكنية. و أصبحت الانتخابات البرلمانية عملية تقنية موجهة لإلهاء الرأي العام الداخلي و للاستهلاك الخارجي و إظهار المغرب كأنه متوفر على نظام سياسي "مستقر" تتداول فيه النخب السياسية تدبير الشأن العام السياسي. لكن الواقع الفعلي يناقض هذه الصورة المزيفة. فالدولة و الانتخابات و المؤسسات المنبثقة عنها، منذ عقود طويلة، ظلت عاجزة على إيجاد حلول ناجعة للتفقير والبطالة و للسكن الغير اللائق و للأوضاع الصحية المزرية التي تعانيها فئات عريضة كادحة و محرومة من الشعب المغربي لدرجة أن برامج "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية" و "برامج مدن بدون سكن صفيحي" لم تستطع على مدى سنوات من التقدم في حل معضلات و عوامل و مظاهر التخلف الاجتماعي السائد في الأوساط الشعبية. لقد ظلت إرادة الناخبين تزور في فترة سنوات الرصاص، كما مورست الضغوط على الأحزاب السياسية والنقابات من أجل تدجينها عند كل استحقاقات انتخابية حتى تعودت مع الزمن على الامتثال سواء في سلوكها أو في برامجها لإرادة الحكم الفردي المخزني المنبثقة عن الدستور الممنوح، فحتى وإن لم تزور اليوم الانتخابات فإن الأحزاب السياسية التي أصبحت مدجنة تتسابق على الأصوات وتقول ما يقوله عباس الفاسي وهي "أن برامجها هي برامج الملك". فأي معنى يبقى للانتخابات و للديمقراطية في هذه الحالة بحيث تصبح مجرد آلية مزيفة للاستهلاك في واجهة الصراع السياسي و على المستوى الدولي. بعد مقاطعة المواطنين و المواطنات الكثيفة لانتخابات 2007 البرلمانية و مقاطعتهم الوازنة لانتخابات 2009 الجماعية بدأت مؤشرات مهمة، خصوصا مع انطلاق حركة 20 فبراير، تؤكد أن الحقوق السياسية و المدنية للشعب و الحريات العامة و الفردية و الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية للمواطنين و للمواطنات تشكل عاملا أساسيا في قناعة المشاركة في الانتخابات أو مقاطعتها. 3- ستجري الانتخابات البرلمانية المقبلة في واقع أصبحت فيه برامج الأحزاب متشابهة وشكلية لأنها غير منبثقة عن تصور واضع لمشروع مجتمعي ديمقراطي. كما أن البرامج الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية ظلت و لا زالت من صلاحيات المؤسسة الملكية و مشاريعها، و جاء دستور 1 يوليوز ليرسخ هذه الصلاحيات. و هو ما يؤكده الفصل 49 : "يتداول المجلس الوزاري في القضايا والنصوص التالية : - التوجهات الإستراتيجية لسياسة الدولة - مشاريع مراجعة الدستور- مشاريع القوانين التنظيمية - التوجهات العامة لمشروع قانون المالية - مشاريع القوانين - الإطار المشار إليها في الفصل 71 (الفقرة الثانية) من هذا الدستور - مشروع قانون العفو العام - مشاريع النصوص المتعلقة بالمجال العسكري - إعلان حالة الحصار- إشهار الحرب - مشروع المرسوم المشار إليه في الفصل 104 من هذا الدستور - التعيين باقتراح من رئيس الحكومة، و بمبادرة من الوزير المعني، في الوظائف المدنية لوالي بنك المغرب والسفراء والولاة والعمال و المسئولين عن الإدارات المكلفة بالأمن الداخلي ; والمسئولين عن المؤسسات والمقاولات العمومية الإستراتيجية. وتحدد بقانون تنظيمي لائحة هذه المؤسسات والمقاولات الإستراتيجية". إضافة إلى الفصول الأخرى التي تحدد الصلاحيات الواسعة للملك (من الفصل 41 إلى الفصي 59). عدة عوامل تميز هذه المرحلة السياسية التي ستجري فيها الانتخابات المقبلة. و هي مرحلة النضال الديمقراطي الذي تخوضه حركة 20 فبراير و القوى اليسارية و الديمقراطية المشاركة و الملتزمة بنضالها من أجل الانتقال إلى الديمقراطية الشاملة. و قد بلورت حركة 20 فبراير شعارات سياسية رئيسية لنضالها الديمقراطي، و المتمثلة في "إسقاط المخزن" و "إسقاط الفساد" (الفساد السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي) و إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين. و هذه الشعارات تهدف إلى تفكيك مؤسسات و أجهزة المخزن و بلورة مؤسسات و أجهزة دولتية ديمقراطية تمكن الشعب المغربي من تجسيد حريته و كرامته و مواطنته عبر انتخابات تجسد نزاهة و مسئولية الشعب المغربي و هو يختار ممثليه وفقا لمصالحه و حقوقه الديمقراطية السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية. و ما دامت الديمقراطية، كنظام سياسي، مؤجلة في المغرب، ستجري الانتخابات المقبلة في وضع سياسي يتسم بالتوتر السياسي و الاجتماعي و باستمرار واقع سياسي و اجتماعي يعاني عجزا ديمقراطيا بنيويا يتناقض مع شروط النزاهة و الشفافية و حرية و كرامة المواطنين و المواطنات. و سمات هذا الواقع السياسي تتمثل في: - استمرار "حركة 20 فبراير..." في نضالها و نزولها إلى الشارع في عدد كبير من المدن و القرى و بأعداد كثيفة رغم تراجع الزخم النضالي و التعتيم السافر الذي تواجه به من طرف وسائل الإعلام الرسمية الغير رسمية و لمعظم المنابر الصحفية التي تعتم على نضالات حركة 20 فبراير و النضالات الجماهيرية العمالية و الشعبية. - لا زالت حالت التوتر و المواجهة بين السلطات و القوات المخزنية و الاحتجاجات الاجتماعية للمواطنين و للمواطنات في خريبكة و آسفي و بوعرفة و تنغير ...و في مناجم الحمامات... حيث تمت اعتقالات على خلفية قمع القوات المخزنية لهذه الاحتجاج الجماهيرية و إقامة محاكمات لمناضلي و مناضلات حركة 20 فبراير في عدد من المدن بوعرفة (الصديق كبوري و رفاقه)، خريبكة، آسفي، مراكش و مناطق أخرى و لعمال و مواطني منطقة الحمامات. و لازالت الاعتقالات و المحاكمات تطال شباب حركة 20 فبراير و مناضلي الحركة الجماهيرية. - لا زال أغلب المسئولون عن جرائم الاختطاف و التعذيب و عن الجرائم الاقتصادية و المالية يتمتعون بسياسة الإفلات من العقاب، مع تسجيل فتح محاكمة الموظفين الكبار المتورطين في سرقة الأموال العمومية في ملف الضمان الاجتماعي، وفي ظل دستور 1 غشت الممنوح الذي لا زال يعطي للملك صلاحيات واسعة سياسية و اقتصادية و اجتماعية تسمو فوق سلطات الحكومة و البرلمان. - لا زالت وزارة الداخلية هي المشرفة على الانتخابات و تفاصيلها. - لا زالت السلطة السياسية ترفض وضع لوائح جديدة للناخبين على أساس البطاقة الوطنية و ترفض توفير شروط فعلية لمراقبة العملية الانتخابية من طرف الهيئات الحقوقية و المدنية المستقلة الوطنية و الدولية و التي تتوفر على كفاءة ودراية بمختلف عمليات التزوير. - لا زالت أغلب قوى و رموز الفساد الانتخابي متمترسين في الإدارة الترابية و الجماعات المحلية و البرلمان. ستبقى الانتخابات بالتالي، رغم الالتزامات المتكررة، و التوافقات المصنوعة خاضعة لواقع و لوعي سياسي اجتماعي معاق بالبنيات المجتمعية و الإدارية الدولتية المخزنية و بالتالي سيشكل ذلك واقعا مهيئا لسماسرة الانتخابات المتحكمين في أغلبية أصوات الناخبين و الناخبات المسجلين في اللوائح الانتخابية. ينضاف ذلك إلى الواقع السياسي المعاق ببنيات دولتية و مجتمعية مخزنية متخلفة ستجعل أعداد كبيرة من مواطنين و مواطنات يفوق عددهم 4 ملايين مستمرين في رفض التسجيل في اللوائح الانتخابية و رفض تزكية هذا الواقع، واقع التوافق الذي بنته وزارة الداخلية مع نخب الأحزاب المخزنية التي قالت "نعم" للدستور الممنوح. و لن تغير القوانين الانتخابية و العملية الانتخابية و "ميثاق شرف" وزارة الداخلية شيئا من واقع تخلف الانتخابات عن دورها في التعبير عن مواطنة نوعية تراقب و تحاسب النخب السياسية و السلطة السياسية و فاعلة في القرار و العمل السياسي و الحزبي في المغرب. 4- الانتخابات، لأية ديمقراطية؟ في ظل هذه الشروط يستمر الشعب المغربي مغيبا كفاعل سياسي بعد لحظة الانتخابات لينتظر خمس سنوات كي يطلب منه الذهاب لصناديق التصويت كشكل وحيد متاح له لممارسة حقه في محاسبة السياسات الاجتماعية و الاقتصادية و الثقافية السائدة محليا و وطنيا. و تحضرنا هنا تجربة ما سمي ب"التناوب التوافقي"، إثر انتخابات مخدومة كي يتمكن الاتحاد الاشتراكي و كاتبه الأول الأذ عبد الرحمان اليوسفي من منصب وزير أول في حكومة ائتلفت فيها أحزاب الكتلة الديمقراطية مع أحزاب صنعتها وزارة الداخلية. كانت خطة الاتحاد الاشتراكي بقبوله هذه الصيغة هي الانتقال من ما سمي ب"التناوب التوافقي" إلى تناوب ديمقراطي و تحقيق الانتقال الديمقراطي. غير أن التجربة كانت حاملة معها أعطابا دستورية و سياسية لم يحسب حسابها السياسي عبد الرحمان اليوسفي و النخبة القائدة للاتحاد الاشتراكي. لقد كشفت جماهير الشعب الكادح و المحروم و الفئات الاجتماعية المتوسطة المتعلمة بحسها الطبقي هذا الزيف الديمقراطي عندما قاطعت الانتخابات البرلمانية في 7 شتنبر 2007. ورغم ذلك لم تستخلص أحزاب "اليسار" المعتدل دروس موافقتها على دستور شتنبر 1996 و مشاركتها بدون شروط في حكومة ما سمي "تناوب توافقي" رغم التقييم السلبي لهذه التجربة من طرف عبد الرحمان اليوسفي الذي اختار الانسحاب و عدم تحمل مسئولياته مع أنه أحد صانعي "نعم" للدستور و حكومة التناوب الممنوح. كما أن القوى اليسارية لا تقوم بعمل سياسي منظم و مستمر وسط الطبقات و الفئات الاجتماعية الكادحة و المحرومة و الفقيرة لفضح المضمون الطبقي للبرلمان و الجماعات المحلية و المصالح التي يجنيها التحالف البرجوازي الكمبرادوري السائد من برلمان "الديمقراطية" المزيفة و المجالس المحلية. لا تكمن مصلحة النظام السياسي المخزني التبعي السائد في تجديد نخبه، بل في المصالح الاقتصادية و المالية، داخليا و خارجيا. مصالح يرسخها هذا التحالف الطبقي البرجوازي الكمبرادوري الحاكم بإجرائه الانتخابات و احترام دوريتها. و بالتالي فإن الانتخابات في المغرب و مؤسساتها لم تكن قط وسيلة من وسائل خدمة المصالح الديمقراطية الشعبية بل يحتاجها حكام البلد ليس لتجديد نخبه فقط بل لشرعنة نظامهم السياسي و مؤسساته بما يضمن مصالح تحالفهم الطبقي. إن هدف اليسار المناضل و الممانع من مقاطعة الانتخابات هو من جهة كشف طبيعة النظام السياسي الغير ديمقراطية الطبقي البرجوازي و الطابع الريعي المتخلف و الفاسد للانتخابات و للمؤسسات المنبثقة عنها من جهة و من جهة أخرى بلورة هذا اليسار الديمقراطي المناضل و الممانع لممارسة سياسية نضالية مرتبطة بنضال الجماهير الشعبية التي لبت نداءات حركة 20 فبراير من أجل تغيير جذري للدستور و لمؤسسات النظام السياسي و بناء دستور و مؤسسات نظام سياسي ديمقراطي، أي النضال للتعجيل بوضع نهاية لدستور و لانتخابات و لبرلمان الديمقراطية المزيفة. الانتخابات في المغرب لن تؤدي بالتالي إلى تغيير ديمقراطي جذري حتى و لو فاز بها اليسار الليبرالي وحده، الاتحاد الاشتراكي، و التقدم و الاشتراكية و حزب العمال و حزب اليسار الأخضر و جبهة القوى الديمقراطية. لأن أحزاب هذا اليسار الليبرالي لا تطرح مشروعا مجتمعيا ديمقراطيا بديلا ل"ديمقراطية" الرأسمالية التبعية المخزنية و لطبيعة نظامها السياسي، و من ثمة فهي خاضعة بمنطوق الدستور للبنيات و للمؤسسات المخزنية و للنمط الرأسمالي و المبادرة الاقتصادية الخاصة. لقد شهدت الساحة السياسية المغربية، منذ 20 فبراير، دينامية نضالية ديمقراطية جماهيرية بلورها شباب "حركة 20 فبراير..."، على خلفية الثورة التونسية و المصرية... و هي دينامية فتحت الأمل لجماهير الشعب المغربي للمساهمة النضالية الديمقراطية في بناء جديد لنظام سياسي ديمقراطي بدستور ديمقراطي شعبي شكلا و مضمونا كي يستطيع المغرب رفع تحديات وضع حد للفساد السياسي و الاقتصادي و المالي و وضع نهاية للاعتقال السياسي و لضرب حرية التعبير و صيانة كرامة و حرية إنسانية المواطنين و المواطنات و ضمان العدالة الاجتماعية و القضائية لهم... لكن السلطة السياسية السائدة و نظامها السياسي واجه النضال الحضاري الديمقراطي و السلمي ل"حركة 20 فبراير..." و للقوى السياسية الديمقراطية اليسارية المشاركة فيها بالقمع و المحاكمات و الإشاعات الرخيصة و بتعبئة عناصر "البلطجة" المخزنية لضرب و إضعاف "حركة 20 فبراير ..." و مشروعها الديمقراطي الجماهيري. و لم تتوان النخب الحزبية الموالية و المتحالفة مع السلطة السياسية المخزنية في مواجهة "حركة 20 فبراير..." و نضالها الديمقراطي. و بالتالي نعتبر أن الانتخابات في المغرب و في الشروط الدستورية و القانونية و السياسية و الاجتماعية التي تجرى فيها لن تغير أو تطور طبيعة النظام الغير ديمقراطية و الرأسمالية التبعية المخزنية وفقا لتصور اليسار الليبرالي المغربي الذي يطرح تغيير هذا النظام السياسي من داخله بمنهجية التدرج و الخطوة خطوة. إن هذا التصور و هذه المنهجية هما اللذان سادا في اختيارات و مواقف اليسار الليبرالي منذ منتصف السبعينات على الأقل، و بين الواقع السياسي و مساره أنه مجرد وهم. 6- لذلك فاليسار الديمقراطي المناضل المرتبط بالمصالح الثقافية والسياسية و الاقتصادية و الاجتماعية للطبقات و الفئات الاجتماعية الكادحة و المحرومة لا يتوهمون أن المشاركة في الانتخابات و البرلمان و الجماعات المحلية في الشروط السياسية و الدستورية و القانونية السائدة ستغير جوهر النظام السياسي و علاقات الانتاج ليصبحا في صالح الطبقات و الفئات الاجتماعية الكادحة. إن السؤال الجوهري الذي مفروض أن يطرحه اليسار الديمقراطي المناضل و الممانع على نفسه هو: ما هي الأهداف الديمقراطية المرتبطة بالمصالح السياسية والثقافية و الاقتصادية و الاجتماعية للطبقات و الفئات الكادحة و المحرومة، المناقضة و المناهضة و البديلة لأهداف التحالف البرجوازي الكمبرادوري السائد (برجوازية اقتصاد الريع)، التي يجب تحقيقها من مقاطعة الانتخابات و البرلمان و الجماعات المحلية؟ لقد شكلت الطريقة التي تمت بها صياغة التعديلات الدستورية تساؤلات كبيرة بدءً من: لماذا تشكيل"لجنة استشارية للتعديلات الدستورية" التي لا تعبر سوى على موقف ملكية دستورية تحكم و تسود بدل انفتاحها على شخصيات و كفاءات ديمقراطية تدافع مثلا على "ملكية برلمانية أو على نظام سياسي ديمقراطي؟ و ألم يكن هدف تشكيل "الآلية الحزبية الموازية" التي لم تكن لها صلاحيات التقرير في جوهر التعديلات التي تبلورها "اللجنة الاستشارية لتعديل الدستور" توريط الأحزاب الديمقراطية على الأقل و لجمها سياسيا بالتعديلات التي تخرج بها "اللجة الاستشارية لتعديل الدستور؟ لماذا رفض النظام السياسي إخضاع مشروع الدستور لنقاش عمومي حر عبر وسائل الإعلام السمعية البصرية و تمكين حركة 20 فبراير و القوى الديمقراطية اليسارية الرافضة لمشروع الدستور من حقها في التعبير عن مواقفها و تصوراتها الديمقراطية. لماذا انفردت وزارة الداخلية بالإشراف و بالتحضير للاستفتاء بدل هيئة مستقلة و نزيهة؟ لماذا دعا خطاب الملك، عشية الاستفتاء الدستوري، للتصويت ب"نعم" لصالح دستور 1 يوليوز 2011؟ و لماذا لم تلتزم الدولة و إداراتها بالحياد بدل الدعاية و التدخل المكشوفين من أجل حمل المستفتين للتصويت ب"نعم"؟ لماذا مرت عملية الاستفتاء في شروط غير سليمة و تم تغاضي القضاء و الأحزاب السياسية عن ذلك؟ و هي تساؤلات ستبقى مطروحة ما دام الدستور "الجديد" و النظام السياسي السائد لن يوفرا شروط انتخابات ديمقراطية تجسد حرية و نزاهة الإرادة الشعبية الواعية. 7- نعتبر أن الانتخابات في المغرب ستبقى بدون مضمون سياسي و اجتماعي و اقتصادي ديمقراطي. و لا زالت المطالب الأساسية للتغيير الديمقراطي الجذري الذي بلورها شباب "حركة 20 فبراير" و القوى السياسية و الاجتماعية و المدنية المنخرطة في هذه الحركة مطروحة و تتطلب من هذا الشباب و من القوى السياسية و الاجتماعية و المدنية الوعي بضرورة التوحد حول مشروع مجتمعي ديمقراطي و برنامج سياسي أهم عناصره كالتالي: - وضع دستور ديمقراطي شكلا و مضمونا يجسد الإرادة الشعبية عبر انتخاب هيئة تأسيسية. و مناقشة مشروع الدستور مناقشة عمومية في وسائل الإعلام و غيرها بمساهمة جميع القوى و الفعاليات الديمقراطية. - إطلاق سراح المعتقلين السياسيين و معتقلي "حركة 20 فبراير..." و معتقلي حرية الصحافة. - إطلاق سراح المختطفين الذين لا يزالون على قيد الحياة، وتسليم رفات المتوفين و تصحيح مقاربة هيئة الإنصاف و المصالحة في هذا الشأن و الكشف عن جميع حقائق الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. - مساءلة و محاكمة المسئولين عن مختلف الجرائم السياسية و الاقتصادية على أساس مبدأ عدم الإفلات من العقاب و حل جميع الأجهزة المتورطة في هذه الجرائم - فتح مفاوضات رسمية وعلنية مع المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، الذي يمثل الضحايا، حول الإجراءات والحلول التي يطرحها في الملفات العالقة و تحمل المنتدى المغربي للحقيقة و الإنصاف لمسئوليته كاملة. - إلغاء جميع الصيغ و القوانين في الدستور و في القوانين المغربية التي تتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. - تشكيل حكومة مؤقتة من شخصيات سياسية مغربية مشهود لها بنزاهتها و كفاءتها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية. و تشرف هذه الحكومة على تدبير الشأن العام و تواكب وضع الدستور الجديد و بتطبيق برنامج سياسي اجتماعي و اقتصادي و ثقافي يلبي المصالح الوطنية في اقتصاد منتج و محاربة الفساد و وضع خطة لحل المعضلات الاجتماعية (بطالة الخرجين، أزمة التعليم، أزمة السكن الغير اللائق، أزمة الخدمات الصحية...) خطة لتلبية الطموحات الاجتماعية الشعبية و صون كرامة الشعب و تأمين الحريات العامة و الفردية و حقوق الإنسان.