تحول برنامج ملفات ساخنة الذي يعده ويقدمه باقتدار مهني كبيرالزميل أحمد بن أعيوش على أمواج إذاعة «إم. إف. إم»، إلى موعد حاسم يصعب تفاديه بالنسبة للمتتبعين الذين يرغبون في فهم وكشف خفايا ما يصنع واقعهم الذي يتصرف في مصائر الناس ومع ذلك يفلت في حالات كثيرة من إمكانيات إدراكهم. هذا الموعد أضحى لحظة قوية في مسار المجهود المتكامل الذي يبذله طاقم مراكش بهذه الإذاعة الذي يضم إضافة إلى الزميل بن أعيوش مجموعة متألقة في أدائها الإذاعي اليومي ترصعها أسماء لها ثقلها المهني وسمعتها وقوتها كالإعلامي والشاعر المبدع مصطفى غلمان الذي يتحرك برصيد مهم راكمه في الصحافة المكتوبة والمسموعة قبل أن يحط ب«إم. إف. إم» وزميله هشام لمغاري الذي يضيف إلى مساره كإعلامي مغامرته الإبداعية، والزميلة نجاة بناني التي لا يخفى على أحد تاريخها المهني الكبير والزميل المحجوب التايكي بتجربته وحنكته .. ومنذ الحلقة الأولى لبرنامج «ملفات ساخنة» الذي يخرجه محمد الغالي أعجان، أظهر أحمد بن أعيوش طاقة قوية في مجال جنس التحقيق الصعب، مصرفا إمكانيات كبيرة على مستوى التقاط المواضيع الحساسة بعين ثاقبة وثقافة عميقة تمكنه من التقدير الجيد لوجاهة وجدوى اختيار هذا الموضوع دون سواه . لكن زميلنا المذكور الذي ألف الجمهور صوته في نشرات الأخبار ب«إم. إف. إم»، يصنع امتياز برنامجه أولا من ابتعاده عن الاختيارات التي تحكمها الإثارة المبتذلة التي تروم التملق للانفعلات الفجة، ليولي كامل عنايته إلى القضايا التي يُمَكّن طرحها وتحليلها والتنقيب في خفاياها من إحداث نقلة نوعية في مستوى الوعي الاجتماعي العام المساهم في ترسيخ شروط المواطنة الحقة التي يشكل الاهتمام الإيجابي بالشأن العام أحد مقوماتها. بصيغة أخرى فبرنامج «ملفات ساخنة» يخوض في الجوهري و العميق و الحيوي الذي يستلزم فهمه الابتعاد عن التبسيط والتسطيح الذي أضحى مع الأسف ثقافة مهيمنة على المنتوج الإعلامي ببلادنا تغذيه نزعة شعبوية تغلف جموحا تجاريا يُسلّع كل شيء: الرأي والمعلومة وحتى الجمهور. لا يستسلم أحمد بن أعيوش في برنامجه الذي يشكل قيمة مضافة ينبغي الاعتراف له بها، لغواية الاستسهال الذي يحوّل المجال الإعلامي إلى آلة لإنتاج الغباء المعمم. لذلك فمن ينصت لحلقاته يدرك أنها نتيجة لعمل كبير أساسه البحث المتأني والعميق في مختلف جوانب الموضوع الذي يعالجه برؤية تسندها ثقافة متكاملة تبتعد به عن أن يكون مجرد عرض لتفاصيل مجزأة لكل واحدة إثارتها الخاصة، وإنما تركيب لسؤال معقد له بنيته الممتدة في مستويات اجتماعية تُعلن عن نفسها في ظواهر تتجمع تحت الموضوع الذي يشكل تيمة الحلقة. إنه يظهر أن الموضوع قضية، وأن القضية سؤال، وأن السؤال وعي بالعالم. نلمس ذلك بجلاء قوي في مختلف المواضيع التي عالجها برنامج «ملفات ساخنة»، ابتداء من التحقيق في المأساة التي يخفيها العالم الفرجوي لساحة جامع الفنا، والمتمثلة في الوضعية المزرية لنجومها، وكذا في ملف «إبادة المحمية الطبيعية بمراكش» و«معتقل بويا عمر»و«ظاهرة سيدي شمهروش» و«قضية زرع القوقعة الصناعية للأطفال المحرومين من نعنة السمع» و«الفنانين المتسولين» وغيرهم. والتي أظهر فيها الزميل أحمد بن أعيوش قدرة فائقة وتمكن مهني كبير من فن التحقيق الصحفي، متسلحا في ذلك بحذر ديونتولجي يزيد في احترام مجهوده الإعلامي. كشف أحمد أعيوش في ملفاته الساخنة حقائق مؤلمة تتحرك في قلب ما ألفته عيوننا، وحفر في عمق القضايا التي أثارها أفقا لسؤال جدي، وألقى بالضوء على تفاصيل خفية، ليُظهر المعنى الحاد لظواهر يعانيها الناس لكنهم لا يستطيعون رؤيتها. إنه يمنح لجمهوره الفرصة لتملك جزء مما يفلت من إدراكه، بقطاع واسع من الواقع الذي يصوغ معنى حياته وآلامه وإحباطاته وتدمره و شقائه .. «ملفات ساخنة» نقطة ضوء أخرى مشعة في فضائنا الإعلامي، ونموذج لرؤية مهنية لا يملك أي إعلامي إلا أن يصفق لها بحرارة المنتصر لكل ماهو جدي وممتع ومفيد.