«إن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس»: الفقيد عبد الرحيم بوعبيد الرسالة الأولى إلى مناضلات ومناضلي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إلى كل الاتحاديات والاتحاديين، إلى الغاضبين منهم، والمنشقين، والمجمدين لعضويتهم، والصامتين، والمتذمرين، والمنسحبين، و»المعتكفين» في منازلهم، والمنتظرين، والمتشككين، والرافضين، والمتعاطفين، إلى كل من كان ولا يزال يعتبر نفسه ينتمي، إن تنظيميا أو وجدانيا أو فكريا أو عاطفيا، إلى هذا التنظيم المغربي الأصيل. تحية مغربية صادقة، يستعد حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لعقد مؤتمره الوطني التاسع، في غضون الأسابيع القليلة المقبلة، والأمل معقود أن تكون هذه المحطة مناسبة لتجديد قيادته وأجهزته، ومشروعه المجتمعي، ولاشك أن كل الغيورين على مستقبل الحزب، وكل الوطنيين والديمقراطيين، بمختلف حساسياتهم السياسية، يأملون أن يشكل هذا المؤتمر محطة للتأمل والنقد والمراجعة والمحاسبة والمكاشفة، بكثير من الجرأة والشجاعة والنقد الذاتي والحكمة والتعقل، وبقليل من الأنانية والذاتية والطموحات الشخصية. ولربما كان المغاربة، مع انطلاق ما يسمى «الربيع العربي»، ينتظرون «المؤتمر الاستثنائي» للحزب. مؤتمر «الربيع العربي»، مؤتمر «الزمان المغربي» الجديد، مؤتمر مواكبة التحولات و التغيرات السياسية العربية. وقد شهد العالم والمنطقة العربية والمغرب، ما بين المؤتمر الوطني الثامن والمؤتمر المرتقب، تحولات ومنعطفات سياسية كبرى، لم تكن لتخطر على بال «الخبراء» والمحللين السياسيين و المفكرين والمثقفين و»أصحاب» التوقعات، فرادى كانوا أو مؤسسات أو أحزاب، مما يجعل من مهام مؤتمركم الأولية والمستعجلة، ليس فقط انتخاب قيادة جديدة على رأس الحزب، وإنما وبالأساس، الانكباب على مراجعة فكرية وسياسية عميقة وجريئة لأطروحاته، قصد الإجابة عن الإشكاليات والأسئلة الجديدة التي جاءت بها هذه التحولات، وكذا «استيعاب» اللحظة السياسية العربية ? المغربية، بتفاصيلها وتعقيداتها وتشعباتها وتجلياتها وانعكاساتها وأفقها المستقبلي. مؤتمر الوحدة، لا شك أن كل الوطنيين والديمقراطيين يتطلعون إلى أن يجعل الاتحاديات والاتحاديون من هذا المؤتمر، مؤتمرا تاريخيا ومنعطفا كبيرا في تاريخ حزبهم، بالنظر إلى المهام والتحديات التي تنتظرهم. وأولى هذه التحديات هي قضية الوحدة، وحدة الحركة الاتحادية التي أضحت ضرورية وحتمية، لا تقبل التأجيل، وأنتم واعون، أكثر من أي كان، ما آلت إليه الحركة الاتحادية، وما تسببت فيه «البلقنة الاتحادية» من إضعاف الحزب وتشتيته. إن وحدة الحركة الاتحادية تظل هي المدخل الأساسي والرئيسي لإصلاح الحزب وتقويته. فالمغرب بحاجة إلى أحزاب كبيرة وقوية لتحصين انتقاله الديمقراطي، وعلى هذا الأساس يتحتم على مناضلي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، بجميع حساسياته السياسية، وعلى اختلاف منطلقاتها الفكرية وقراءتها السياسية للمرحلة، أن يلجوا فضاء مؤتمرهم وهم يستحضرون ضرورة وحدة الحزب، ليس فقط حاضرا وإنما في المحطات السياسية الكبرى المقبلة عليها بلادنا مستقبلا. وليس بعسير على مناضلي الاتحاد الاشتراكي أن يؤسسوا لصيغة / وصفة لتعايش جميع الحساسيات والتعبيرات في فضاء من الاحترام والاختلاف، يضمن لكل «تيار» شرعيته ومكانته واعتباره. مؤتمر الديمقراطية، «يا قادة الاتحاد الاشتراكي، ألهذا الحد تخيفكم الديمقراطية الداخلية؟. إن اعتماد منهجية الديمقراطية الداخلية، لتجديد القيادة وأجهزة الحزب، وكذا لاتخاذ القرارات السياسية الحاسمة، باتت مسألة حتمية وضرورية وحيوية، لحزب يراهن على الحداثة و الديمقراطية، وذلك تجنبا لمزيد من الصراعات والتطاحن والتمزق والانشقاقات، وكذا الاستفراد بالقرارات ضدا على إرادة الاتحاديات والاتحاديين في مختلف الفروع والأقاليم والجهات. لم يعد أمام حزب الاتحاد الاشتراكي من خيار سوى القطع مع أسلوب التوافقات والتحالفات وترضية «الخواطر». إن الرهان الثاني الذي ينتظر مؤتمركم، أيها الديمقراطيون، هو القطع مع هذا الأسلوب، ونهج طريق الديمقراطية الداخلية، حفاظا على مناعة الحزب ووحدته وقوته. مؤتمر المصالحة مع الشعب، إن الحركة الوطنية الديمقراطية لعبت أدوارا أساسية وطلائعية من أجل استقلال المغرب، وبناء الدولة الوطنية الحديثة، وتركيز أسس الديمقراطية، وقد كان حزب القوات الشعبية ليس فقط حاضرا في المحطات السياسية الحاسمة والكبيرة لبلادنا، وإنما كان من صانعي ومؤسسي هذه المحطات. وما قيادة حزب الاتحاد الاشتراكي لمرحلة «التناوب التوافقي»، بقيادة المجاهد عبد الرحمن اليوسفي، إلا دليل على موقع الحزب السياسي ومكانته داخل الدولة والمجتمع. إن التحدي الثالث الذي يواجه مؤتمركم هو إعادة بناء الحزب، على أسس متينة وصلبة، قوامها الوضوح والديمقراطية الداخلية، واحترام الرأي الآخر، حتى يستعيد قوته وموقعه وشعبيته ومكانته الاعتبارية وقاعدته المجتمعية، وهذه المهمة ليست باليسيرة، بالنظر لما تكبده الحزب من تداعيات و»خسائر» خلال مرحلة تحمل المسؤوليات الحكومية، انعكست سلبا على جماهيريته وشعبيته. إن المصالحة مع الشعب واسترجاع ثقته هو خيار لا رجعة فيه، ولن يتم ذلك إلا بالمكاشفة والنقد الذاتي، ومصارحة الشعب بالأخطاء والهفوات، وكذا العراقيل والصعوبات التي برزت خلال مرحلة التناوب التوافقي. مؤتمر المستقبل، إن الاتحاديات والاتحاديين، مطالبون قبل ولوج فضاء مؤتمرهم، أن يستحضروا كلمة الفقيد عبد الرحيم بوعبيد عندما قال «إن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس»، وكم لهذه العبارة من مصداقية ومعنى، اليوم أكثر من أي وقت مضى، خصوصا ونحن نتأمل المرحلة السياسية الجديدة التي دخلتها بلادنا، سياسيا ومؤسساتيا ومجتمعيا. إن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مطالب اليوم، باستلهام هذه العبارة الصغيرة والعميقة، كما هو مطالب باعتماد مقاربة واقعية ومستقبلية في ممارسته السياسية، عوض الاستمرار و»المبالغة» في تمجيد ماضي الحزب وتاريخه. إن حزب القوات الشعبية، بمواقفه النضالية البطولية، وبتضحيات مناضليه، دخل تاريخ المغرب السياسي المعاصر من بابه الواسع، أما اليوم، وهو على أبواب مؤتمر حاسم، فإن الاتحاد مطالب بتجديد وتشبيب قادته وأجهزته، وإعادة النظر في مشروعه المجتمعي، بما يستجيب والقضايا الحيوية للشعب المغربي، وتطلعاته، وبما يستجيب للأسئلة الكثيرة والشائكة التي جاء بها «الربيع العربي - المغربي»، سياسيا وفكريا. إن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في هذه اللحظة السياسية من مسيرته، يوجد في مفترق الطرق، فإما أن يكون أو لا يكون، إما أن يكون حزبا قويا، موحدا، ديمقراطيا، عقلانيا، مبادرا، ومنفتحا، وإما أن لا يكون، وهذا هو التحدي الرابع الذي يواجه الحزب اليوم. إن حجم المشاكل والتحديات التي تواجه المغرب، حاضرا ومستقبلا، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وأمنيا، لهي أكبر وأعمق مما يتصور البعض، وواهم من يعتقد أن حلها ممكن خلال ولاية الحكومة الحالية أو حتى ولاية أخرى، مهما كانت الإرادة السياسية للحكومة، ومهما «أنزلت» وفعلت من مقتضيات الدستور الجديد، و سنت من قوانين تنظيمية. إن بلادنا توجد ضمن محيط إقليمي وعربي وجهوي، تتهدده الأزمات المالية والاقتصادية، والإرهاب، والتطرف، مما يحتم تضافر كل الجهود والطاقات الوطنية المخلصة، بعيدا عن النزعة السياسوية الانتخابية.