جاء بزوغ ظاهرة الإسلام السياسي مواكبا لتصاعد أنشطة التيارات الراديكالية في العديد من البلدان ذات الاغلبية السكانية الاسلامية, ولاسيما في منطقة آسيا الوسطى بما تمور به من مشاكل وتحولات سياسية واجتماعية.ولم تقتصر هذه الظاهرة على هذه البقاع، بل وتعدتها الى جمهوريات ومناطق القوقاز، والتي اتسمت في بعض مراحلها بطابع دموي كان مقدمة لانتشار التطرف والارهاب في اطار تنامي الحركات الانفصالية, مثلما حدث في الشيشان في تسعينيات القرن الماضي ,وهو ما كان في صدارة اسباب ادراج منظمة «الاخوان المسلمين» ضمن قائمة المنظمات الإرهابية المحظور نشاطها في روسيا وما يفرض الكثير من التحديات التي تتناثر على طريق تطور علاقات موسكو مع بلدان الربيع العربي . لم يكن غريبا مع بدايات الصحوة الاسلامية في الاتحاد السوفييتي السابق إبان أولى سنوات «البيريسترويكا»في منتصف الثمانينيات ان يجد مسلمو روسيا وبلدان اسيا الوسطى التي كانت تابعة للامبراطورية الروسية ثم السوفيتية، انفسهم امام حالة من الفراغ الفكري الذي زاد من حدته انتشار الأفكار المتطرفة والمشوًشَة التي كانت وراء الكثير من الاضطرابات الاثنية والعرقية, ما يطرح الكثير من التحديات التي يتوقف على نجاح الكرملين في مواجهتها الكثير من جوانب مستقبل روسيا وعلاقاتها مع بلدان المنطقة العربية .وقدعزا الكثيرون اتساع الهوة بين «الاسلام الرسمي» بما يعتريه من ضعف نظري،والاسلام «الوافد» عبر بعثات وارساليات المنظمات الاسلامية غير الحكومية،الى تدهور الاوضاع الاقتصادية وتفشي ظاهرة الفقر والبطالة التي سهلت مهمة الوافدين تجاه تغذية تيارات الفرقة بين سكان هذه المناطق لخدمة اهداف بعينها.من هذا المنظور تحديدا يمكن رصد نشأة الكثير من الاحزاب والمنظمات والجماعات الدينية على غرار حزبي «التحرير» و»الاخوان المسلمين» اللذان رفعا لواء «احياء الخلافة الاسلامية» والتصدي لحكم «الكفار» من سليلي الانظمة الشيوعية في بلدان الاتحاد السوفييتي السابق على حد قول مُنَظٍرِيهما.وكانت « المحكمة العليا» في روسيا أدرجت هاتين المنظمتين ضمن قائمة المنظمات والحركات الارهابية المحظور نشاطها داخل الاراضي الروسية في توقيت استثنت فيه من هذا الحظر منظمتي «حماس» و»حزب الله»نظرا وكما قالت المصادر الامنية والقانونية، لأن هاتين المنظمتين لم تنخرطا في أي نشاط تخريبي في الداخل الروسي.لكن وما ان تبدت بوادر احتمالات سيطرة الاخوان المسلمين على مقاليد الأمور في الساحة السياسية المصرية حتى سارعت موسكو الى محاولات خطب ود هؤلاء «الاخوان» الذين طالما ناصبتهم العداء على الصعيدين المحلي والدولي. ومع اندلاع ثورة يناير ، وفي الوقت الذي كانت فيه موسكو تتابع ما يجرى من اتصالات ولقاءات من وراء الكواليس بين قيادات الاخوان وواشنطن، كان ممثلو موسكو في القاهرة يقومون علانية بزيارة مقر الاخوان المسلمين واللقاء مع عدد من ابرز قياداتها ومنهم الدكتور محمد مرسي رئيس حزب»الحرية والعدالة» في سباق غير معلن مع العاصمة الامريكية التي كانت اعلنت صراحة عن تخليها عن عدائها السابق مع هذه القيادات. وكان سيرجى لافروف وزير الخارجية الروسية اعترف صراحة بانه التقى ممثلي جماعة الاخوان المسلمين خلال زيارته للقاهرة والتي قام بها في مارس 2011، مؤكدا أن بلاده «لا ترى ما يخيفها في صعود ممثلي التيارات الإسلامية وتزايد دورهم ووصولهم الى الحكم في بلدان»الربيع العربي» . وأضاف لافروف آن موسكو سبق وتعاملت مع ممثلي حركة»حماس» وكانت أول من استقبلهم موسكو فيما تستقبل ممثلي التيارات الإسلامية ضمن وفود المعارضة السورية التي تزور العاصمة الروسية.وحول هذه التطورات والتناقضات قال ميخائيل بوجدانوف نائب وزير الخارجية الروسية في تصريحاته ل»الاهرام» ان مثل هذه التوجهات من جانب موسكو ليست جديدة ،وأعاد الى الأذهان انه قام بنفسه بمثل هذه الاتصالات إبان سنوات عمله سفيرا لبلاده في مصر . وقال ان الكرملين بادر بالاتصال مع قيادات هذه المنظمة في القاهرة، فيما بعث الرئيس فلاديمير بوتين برسالة تهنئة الى الدكتور مرسي بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية، اعقبها باتصال تليفوني قدم خلاله الدعوة لزيارة موسكو.ولمزيد من التفسير قال بوجدانوف:»انطلقنا من ان منظمة «الاخوان المسلمين» منظمة سياسية اجتماعية ذات شعبية واسعة تملك حاليا وشأنها في السابق، نفوذا كبيرا داخل المجتمع المصري وهو ما كنا نأخذه دوما في الاعتبار، وهي التي تهتم بالقضايا الاجتماعية من منظور ما تطرحه من برامج اجتماعية وخيرية. وقد انطلقنا في ذلك ايضا من ان الحظر الساري على نشاطها إبان سنوات حكم مبارك وقبل ذلك، كان مفروضا ليس لكونها منظمة ارهابية بل لانه كان بموجب بنود الدستور المصري الذي ينص على حظر قيام اية احزاب على اساس ديني. ولذا فقد بادرنا بالاتصالات مع «حزب الحرية والعدالة» فضلا عن الأخذ في الاعتبار ان هذه المنظمة كانت ممثلة بحكم الأمر الواقع في البرلمان المصري في دورة عام 2005بثمانية وثمانين نائبا». وكان الرئيس مرسي كشف عن ذلك في حديث ادلى به الى صحيفة «موسكوفسكيه نوفوستي» قبل ترشحه لمنصب الرئاسة حيث قال «انه يتفهم قرار السلطات الروسية حول ادراج منظمة «الاخوان المسلمون» ضمن القائمة السوداء» والذي عزاه الى «سوء فهم لما قيل حول دعمها للانفصاليين الشيشان». ونفى مرسي تقديم الإخوان المسلمين لاي دعم مادي للانفصاليين الشيشانيين وإن كشف صراحة عن تعاطفهم معهم وتأييد مقاومتهم لكل صنوف الاستبداد والاضطهاد حسبما قالت الصحيفة الروسية . واعرب مرسي آنذاك عن رغبته في السفر الى روسيا» لتوضيح مواقف الاخوان واقامة علاقات متوازنة مع روسيا والولايات المتحدة». وقال انه التقى بالقائم بأعمال سفارة روسيا في القاهرة الذي كان زارهم للاطلاع على توجهاتهم وانهم صارحوه برغبتهم في اللقاء مع البرلمانيين الروس في موسكو شأن رغبتهم في لقاء ممثلي الكونجرس الامريكي رغم يقينهم مما قدموه من دعم للرئيس السابق حسني مبارك». وكان بوجدانوف كشف في حديثه الى»الاهرام» عن «ان موسكو كانت ولا تزال تتابع ما يجرى في مصر منذ قيام ثورة 25 يناير، وانها مهتمة بتوطيد اواصر العلاقات مع القيادة المصرية، مشيرا الى برقية التهنئة التي بعث بها الرئيس بوتين الى الرئيس مرسي والتي قال «انه لم يكتف بها بل وقام بالاتصال به تليفونيا وقدم له الدعوة لزيارة موسكو في الوقت الذي يراه مناسبا وهو ما تأمل موسكو في تحقيقه في القريب العاجل».اكد بوجدانوف احترام موسكو لإرادة الشعب المصري من منطلق المقررات الديمواقراطية ونتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية وعلى استعدادها لاقامة علاقات وثيقة مع هذه القيادة في نفس الوقت الذي اعرب فيه يفجيني بريماكوف رئيس الوزراء الاسبق واحد اهم خبراء موسكو لشؤون الشرق الاوسط عن مخاوفه من تحالف الاخوان مع السلفيين حسب تصريحاته لصحيفة «روسيسكايا جازيتا» الرسمية. على ان موسكو ورغم كل تحفظاتها ومخاوفها السابقة فقد عادت واعربت عن ترحيبها بالخطوات الاولى من جانب الرئيس مرسي وهو ما كشف عنه بوجدانوف :»ان موسكو تعتبر زيارات الرئيس مرسي الخارجية وخاصة بكين، وكذلك مشاركة مصر في مؤتمر عدم الانحياز في طهران، تاكيداعلى توجهات القيادة المصرية الجديدة نحو انتهاج سياسة مستقلة في الشؤون الخارجية،وهو ما نرحب به ونأمل في ان يتبع ذلك بزيارة لموسكو في الوقت الذي يكون مناسبا للطرفين».