عندما أنهى الاتحاد السوفييتي السابق احتلاله الكارثي لأفغانستان الذي قارب العقد من الزمن، فقد تم سحب القوات السوفييتية في مثل هذا الأسبوع قبل عشرين عاماً، تركت روسيا وراءها القائد الحربي الروسي، الجنرال 'محمود جارييف' لتقديم المشورة للنظام العميل حول سبل البقاء على قيد الحياة والاستمرار في السلطة، لكنه ما لبث أن فر بعد ثلاث سنوات عندما بدأت هجمات المتمردين الإسلاميين تدك أبواب كابول. واليوم يعتقد الجنرال 'جارييف' الذي يرأس حالياً الأكاديمية الروسية للعلوم العسكرية أن الأخطار المتصورة التي دفعت في الأصل الاتحاد السوفييتي إلى غزو أفغانستان ما زالت قائمة إلى غاية اليوم، فقد خشي الكرملين وقتها من انتقال ثورة إسلامية على الشاكلة الإيرانية إلى جمهوريات آسيا الوسطى التابعة للاتحاد السوفييتي وقتها، وهو الخطر الذي تنامى أكثر في الفترة السابقة، ويشك الجنرال الروسي أيضاً في نجاح المهمة الحالية لحلف شمال الأطلسي، أو في قدرتها على فرض استقرار بعيد المدى. ويوضح رأيه قائلاً: 'لا يمكن القيام بشيء في أفغانستان من خلال القوة العسكرية، وإذا استمر الأميركيون في انتهاج السياسة نفسها ستكون جهودهم بلا جدوى'. لكن المباحثات التي دارت مؤخراً بين المسؤولين الأميركيين ونظرائهم الروس فتحت نافذة من الأمل على تعاون محتمل بين البلدين بشأن إقامة ممر للنقل يمر عبر الأراضي السوفييتية السابقة لمد قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان بما تحتاجه من مؤن وسلاح. وقد ذهب وزير الخارجية الروسي 'سيرجي لافروف' إلى أكثر من ذلك عندما ألمح إلى أن الاتفاق حول خط إمدادات جديد ربما يؤشر إلى رجوع الدفء إلى العلاقات بين موسكو والتحالف الغربي التي جُمدت بسبب الحرب الروسية في جورجيا خلال فصل الصيف الماضي، ومع ذلك يبدي معظم الخبراء الروس البارزين، لاسيما الذين اكتووا بتجربتهم السابقة في أفغانستان، مثل الجنرال 'جارييف'، شكوكاً كبيرة حول آفاق النجاح الأميركي في المنطقة، ويخشون من تداعيات الفشل الأميركي على المصالح الروسية وعموم منطقة آسيا الوسطى. وفي هذا الإطار يقول 'فيودور لوكيانوف'، رئيس تحرير دورية 'روسيا في القضايا الدولية'، وهي إحدى المطبوعات الرائدة في موسكو: 'إن موضوع الإجماع الحاصل بين الخبراء الروس حالياً هو أنه لا وجود لاستراتيجية رابحة بالنسبة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أفغانستان'، مضيفاً: 'إن الكل يعتقد أن الدول المجاورة ستواجه، عاجلاً أم آجلاً، تحديات كبيرة جراء العودة المحتملة لطالبان، وذلك يعني أنه ينبغي التعاون مع الأميركيين وإيجاد مقاربات مشتركة، لكن علينا أيضاً أن نقوم باستعداداتنا الخاصة'. والحقيقة أن ما تخشاه روسيا هو عودة حركات التمرد المختلفة إلى المنطقة والتي تستمد قوتها من أفغانستان واقعة تحت حكم 'طالبان' بعدما سبق لها اجتياح جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة مثل طاجيكستان وأوزبكستان خلال تسعينيات القرن الماضي، ويُحمل الكرملين أيضاً مسؤولية التمرد في الشيشان للمسلحين الذين تدربوا في أفغانستان وحولوا المنطقة الروسية إلى معقل للإرهابيين لا يبعد كثيراً عن موسكو. ويرى 'رودولف بيكويا'، المؤرخ في الأكاديمية الروسية التي تشرف على تدريب موظفي الكرملين أنه 'بالرجوع إلى قرار إقحام القوات السوفييتية في أفغانستان عام 1979 فإن الأمر لم يكن مجرد نزوة سوفييتية، بل كانت الأحداث في أفغانستان، بالإضافة إلى الثورة الإيرانية مؤشراً على بداية الثورة الإسلامية العالمية، واليوم ما زلنا نرى الأخطار نفسها'. وأكثر من ذلك يقول الخبراء الروس إنه حتى بوجود قوات حلف شمال الأطلسي تنامت تجارة المخدرات إلى مستويات غير مسبوقة، كما ازدهرت الجريمة المنظمة وتفشى الفساد على طول خط الأنابيب الممتد من آسيا الوسطى وروسيا إلى الأسواق الأوروبية، وأسوأ من ذلك كله يحذر الخبراء الروس من تحالف محتمل بين تجار المخدرات بأموالهم الهائلة والراديكاليين الإسلاميين المتعطشين للسلطة، ويشير 'جاراييف' في هذا السياق إلى أن 'المخدرات تصب في روسيا ولا يبدو أن الأميركيين يقومون بما يلزم لوقف ذلك، وهو ما يمثل خطراً كبيراً بالنسبة لنا'. وفي ظل هذا الوضع المعقد في المنطقة بدأت روسيا تتحرك لإعادة فرض نفوذها في آسيا الوسطى بحماس ملحوظ في الوقت الذي يغوص فيه حلف شمال الأطلسي أكثر في المستنقع الأفغاني. فقد أمر الرئيس القيرغيزي، في الأسبوع الماضي، القوات الأميركية بإخلاء قاعدة 'ماناس' وفي ذات الأسبوع دفعت روسيا تحالفها الإقليمي المعروف باسم 'منظمة معاهدة الدفاع المشترك' الذي يضم ستة أعضاء إلى رفع عدد قواته إلى عشرة آلاف رجل بهدف مكافحة الإرهاب وملاحقة تجار المخدرات. واستكمالاً لنفس الجهود ستعقد منظمة شنجهاي للتعاون، وهي تحالف إقليمي بين روسيا والصين، مؤتمراً خاصاً حول أفغانستان لبحث سبل تعزيز علاقات المنظمة مع كابول التي قد تشمل صفقات للأسلحة وتقديم المشورة العسكرية وذلك للمرة الأولى منذ انسحاب الاتحاد السوفييتي. ويبدو أن إغلاق قاعدة 'ماناس' في وجه الأميركيين وجّه ضربة ضد الجهود التي يبذلها الرئيس باراك أوباما لمضاعفة عدد القوات الأميركية في أفغانستان وتزامن ذلك مع التهديدات التي تتعرض لها خطوط الإمدادات القادمة من باكستان بسبب الهجمات التخريبية لعناصر 'طالبان'، لكن موسكو من جانبها لا ترى في ضغطها الرامي إلى التقليص من النشاط الأميركي في المناطق السوفييتية السابقة أنه يناقض رغبتها في مساعدة حلف شمال الأطلسي في مهمته بأفغانستان، وهو ما يعبر عنه 'أندري كيلموف' نائب مدير لجنة العلاقات الدولية التابعة لمجلس 'الدوما' الروسي قائلاً: 'في رأينا أن جميع تلك القواعد الأميركية مثل ماناس هي فقط مصدر للمشاكل، ونعتقد أنه عندما نتعاون بشكل مباشر مع الولاياتالمتحدة يكون ذلك أفضل، لكن عندما يرغب الأميركيون في تولي الأمور بعيداً عن مشاركتنا، فلاشك أن ذلك يثير شكوكنا'. عن: كريستيان ساينس مونيتور