في تصريح للعلم يقول الدكتور عباللطيف البحراوي رئيس جمعية الصداقة المغربية الروسية ، إن أليكساندر توكوفنين سفير روسيا الفدرالية بالمغرب ، يعتبر رمزا من رموز الدبلوماسية الروسية، التي تأسست بين بلدينا حسب الوثائق التاريخية منذ أواخر القرن التاسع عشر. وهو معروف بالأخلاق المثالية والتواضع الصادق والثقافة الواسعة، والاتقان المحكم للغة العربية واللغة الفرنسية والإنجليزية، ويتمتع بخصال حميدة ومناقب ناذرة ، تجعله فعلا بطل من أبطال المدارس العتيقة الروسية المعروفة بالتربية الخلاقة والتكوين الرفيع. وقد تخرج الشاب أليكساندر توكوفنين سنة 1978 من معهد العلاقات الدولية بموسكو، وكان أول منصب اشتغل فيه الموظف الشاب خارج روسيا هو سفارة الاتحاد السوفييتي بأديس أبيبا إلى غاية 1983. ثم عاد إلى وزارة الخارجية بموسكو واشتغل بقسم شؤون الشرق الأوسط . ومن جديد غادر موسكو عام 1986 إلى دمشق حيث اشتغل بسفارة الاتحاد السوفييتي طيلة 6 سنوات إلى غاية 1993 ، أي بعد تفكك الاتحاد وتحول النظام الاشتراكي السابق، إلى نظام ليبرالي. و شغل منصب وزير مفوض بسفارة روسيا الاتحادية بالقاهرة من 1996 إلى غاية 2001. ومنذ سنة 2004 اختارت وزارة الخارجية الروسية هذا الدبلوماسي المحنك سفيرا في بلادنا حيث احتضنته سماء المغرب المضياف بكل دفء ومودة ومحبة، حيث كانت الفترة التي قضاها بيننا بردا وسلاما على العلاقات المغربية الروسية، التي أضاف إليها لمساته الساحرة ، وأليكساندر توكوفنين، أب لثلاثة أولاد، عقيلته السيدة نينا بافلوفنا توكوفيننا، عرفت هي الأخرى بتواضعها وذكائها الثاقب وثقافتها الواسعة وربة أسرة قادرة وبارعة، تقف وراء زوجها خلال مشواره الدبلوماسي المليء بالعطاءات. وبخصوص طبيعة العلاقات الروسية المغربية ، يقول الدكتور البحراوي إن العلاقات الرسمية بين المغرب وروسيا عرفت عدة محطات تاريخية ، حيث إن العلاقات الأولى، تعود إلى نهاية القرن الثامن عشر، عندما قرر السلطان سيدي محمد بن عبد الله، انطلاقا من سياسته الانفتاحية القائمة على السلم والتعاون مع جميع الدول، اتخاذ الخطوات للتقارب من روسيا، حيث أدرج اسمها عام 1777 في قائمة الدول المسموح لسفنها بالدخول الحر إلى الموانئ المغربية، والاستفادة فيها من جميع الامتيازات الممنوحة للشعوب الأخرى. وفي السنة الموالية جرى أول لقاء في ليفورنا بإيطاليا بين باشا طنجة محمد بن عبد الملك ( ممثلا للسلطان) وكوز لإينوف المقدم البحري الذي كان يترأس عمارة السفن الروسية في البحر الأبيض المتوسط. وبعد هذا اللقاء الرسمي بين المبعوثين، جرت مراسلات عديدة بين السلطان محمد بن عبد الله والقيصرة إيكاترينا الثانية، حيث توجد حاليا في أرشيف وزارة الخارجية الروسية، رسالة السلطان سيدي محمد بن عبد الله المؤرخة في 22 تموز / يوليوز 1782، التي أكد فيها للقيصرة إيكاترينا الثانية محافظته الثابتة «على السلم الصادق والصداقة المعقودة بيننا وبين جلالتكم الإمبراطورية». وقد قدرت الإمبراطورة في رسالتها الجوابية المؤرخة في 8 أيار/مايو/1788 تقديرا عاليا رسالة السلطان وما فيها من مساعي الصداقة، كما قدرت عاليا تعليماته إلى رؤساء الموانئ المغربية بتزويد السفن الروسية بكل ما يلزمها، وكذا الهدايا المبعوثة إليها عبر النمسا. وفي 20 أكتوبر 1897 قرر مجلس الدولة الروسي إقامة قنصلية روسية عامة في طنجة، وإعطاء القنصل مرتبة وزير مقيم (وهي مرتبة متوسطة بين السفير والقائم بالأعمال). وفي ديسمبر 1897 عين في هذا المنصب فاسيلي باخيراخت، وأصبح رئيس «الممثلية الدبلوماسية» لروسيا لدى المغرب. واعتبارا من ذلك التاريخ يمكن أن نتحدث عن إقامة العلاقات الدبلوماسية بين روسيا والمغرب. ولقد استقبل السلطان المولى عبد العزيز في مراكش في 11 من أبريل 1899 الممثل الروسي وخاطبه قائلا: «نأمل أن يكون القنصل الروسي في طنجة وسيطا بين حكومة السلطان والممثلين الأجانب، وأن يعمل لصيانة وحماية حقوق المغرب المشروعة. وكانت الحياة اللاحقة في كل من المغرب وروسيا مرتبطة بأحداث نوعية جديدة في تطورهما التاريخي. فكانت، بالنسبة للمغرب، معاهدة فاس عام 1912 التي امتد عمرها 44 سنة، وكانت نظاما من الحماية الاستعمارية بكل المقاييس. وأما بالنسبة لروسيا فكانت هذه الأحداث ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى عام 1917. وانطلاقا من تمسكه بنهجه المبدئي، رحب الاتحاد السوفييتي ترحيبا حارا بنيل المغرب لاستقلاله عام 1956، ووجه رئيس هيئة رئاسة مجلس السوفييت الأعلى للاتحاد السوفييتي كليمنت فوروشيلوف برقية تهنئة إلى السلطان محمد بن يوسف جاء فيها: «إن مجلس السوفييت الأعلى لإتحاد الجمهوريات السوفييتية، يتمنى لشعب المغرب أكبر النجاحات في قضية بعث البلاد الوطني، ويعبر عن أمله بتطور علاقات صداقة وتعاون بين بلدينا» . ويبرز البحراوي أن حدثا مهما كان له أكبر الأثر في تعزيز العلاقات الودية بين الاتحاد السوفييتي والمغرب، وهو الزيارة التي قام بها إلى موسكو ولينيغراد المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني في أكتوبر عام 1966، بدعوة من هيئة رئاسة مجلس السوفييت الأعلى للإتحاد السوفييتي ومجلس وزراء الاتحاد السوفييتي. وتوالت الأيام والأحداث الإقليمية والدولية، والتحولات السياسية الكبرى، واستقلت روسيا عن باقي جمهوريات الاتحاد السوفييتي، وشكلت الصداقة الروسية المغربية أهمية كبرى أيضا من وجهة نظر تقارب شعوب يعيشون في ظل أنظمة اجتماعية مختلفة وثقافات وتقاليد مختلفة أيضا. ويذكر البحراوي أن الزيارات المتبادلة الأخيرة بين قيادي البلدين بعثت روحا جديدة في العلاقات الثنائية، حيث قال جلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطابه بمناسبة زيارته الميمونة لفدرالية روسيا في شهر أكتوبر 2002 : «وإني لأستشعر في هذه اللحظة المتميزة ما يجمع بلدينا من علاقات مثمرة وعريقة، ظلت تترسخ منذ مبادرة جدي المنعم، السلطان سيدي محمد بن عبد الله لدى الإمبراطورة إيكاتيرينا الثانية، سنة 1778 باقتراح إبرام معاهدة صداقة وسلم بين البلدين، مستحضرا ما تراكم بعدها من رصيد تاريخي مفعم بالسلم والثقة والاحترام المتبادل من أجل تجديد وتوثيق العهد معكم، على إعطاء دينامية جديدة وقوية لعلاقاتنا». وفي كلمته الجوابية، قال فخامة الرئيس فلاديمير بوتين : «لقد مرت 36 سنة على القمة الروسية المغربية السابقة، التي قام بها والدكم المنعم جلالة المغفور له الحسن الثاني بموسكو سنة 1966. هذا الرجل السياسي الفذ، أرسى الدعائم على أكثر من صعيد، وأشاع جوا من المحبة والاحترام، وذلك بالذات هو ما تتصف به العلاقات الروسية المغربية». ويختتم البحراوي بالقول إن العلاقات المغربية الروسية ترتدي طابعا دائما ثابتا، وهي علاقات ودية متبادلة النفع، تقوم على التفاهم والاحترام والتكافؤ.