أثار قرار شركة "إنتيكو" الروسية والتي تملكها "يلينا باتورنيا"، سيدة الأعمال الأولى في روسيا ،إنفاق أكثر من 325 مليون يورو لإقامة مشاريع ضخمة سياحية في المغرب، العديد من التساؤلات حول مستقبل علاقات الرباط و موسكو الاقتصادي و السياسي. "" وإذا كان البعض قد اعتبر أن اختيار السيدة الأكثر ثراء في روسيا المغرب كبلد لاستثمار أموالها، قرارا مفهوما و منتظرا، في بلد يشهد تطورا مشجعا لأسعار العقارات، فإن ذلك لا يمنع من القول بأن العلاقات الروسية المغربية عموما تمر بمسارات مختلفة وفتور يطبع العديد من المجالات . ومن أجل تقريب القراء من حجم العلاقات بين موسكو و الرباط، سنحاول تسليط الضوء على ماضي العلاقة التاريخية بين البلدين، لفهم الحاضر و المستقبل الذي يظل، حسب المراقبين، مفتوحا على أكثر من إجابة. الروس يكتشفون المغرب علاقة روسيا بالمغرب ارتبطت في البداية بحدث اكتشاف الروس لإفريقيا . فحسب الروايات التاريخية، تم هذا الإكتشاف في أواسط القرن السابع عشر في عهد أليكسي ميخايلوفيتش أب بيير الأول . لن العلاقة بين روسيا و المغرب كدولة مستقلة، بدأت في القرن الثامن عشر و بالضبط عام 1777 حين قام ممثل روسيا في ايطاليا بدور الوسيط في ربط خيوط التواصل بين سلطان المغرب و الحكومة الروسية، والرسائل التي تبادلاها البلدين و التي جمعت جزء منها الباحثة بودكورنوفا في كتابها القيم : "المغرب وروسيا : تاريخ علاقاتهما في زمن الإمبراطوريات 1916/1777 "، تؤكد هذا الأمر. و تقول هذه الباحثة، إن علاقة الصداقة التي تربط بين روسيا و المغرب تدخل في سياق الرغبة الأكيدة التي أبدتها الإمبراطورة الروسية في ايجاد منفد على البحر المتوسط و المحيط الأطلسي . ويقول الباحثون و المؤرخون بأن اهتمام روسيا بالمغرب يعود الى عدة عوامل كان من نتائجه فتح قنصلية روسية في طنجة. أما بداية اهتمام الروس بشمال افريقيا فحدث بعد انتصار روسيا في حربها ضد تركيا عام 1878/1877 ، لكن عمق العلاقات الروسية المغربية، يسجله حدث عرض سلطان المغرب محمد الثالث على الإمبراطورة الروسية كاترين الثانية إقامة العلاقات وتنظيم التبادل التجاري بين البلدين، كما عبر لها عن رغبة المغرب في إقامة علاقات سلام وصداقة. الوقائع و الوثائق التاريخية تؤكد أن العلاقة بين المغرب و روسيا تستحضر أساسا غياب الرغبة الإستعمارية لروسيا في منطقة شمال افريقيا، الشيء الذي شكل حسب الباحثة بودكورنوفا صورة ايجابية ظلت حاضرة في أذهان الأفارقة . لماذا ترددت روسيا في فتح قنصليتها في طنجة؟ يعد فتح قنصلية روسية في طنجة لاول مرة في 20 أكتوبر 1897 ، محطة أساسية في مسار تاريخ العلاقات الروسية المغربية . لكن قبل انشاء هذه القنصلية، مرت العلاقات الروسية المغربية بعدة مراحل لابد من ذكرها. ففي يوليو 1778، بعث السلطان محمد الثالث بميثاق إلى الإمبراطورة كاترين الثانية يعبر فيه عن رغبته في ابرام اتفاق حول السلام بين البلدين، لكن هذا الإتفاق لم يتم بالرغم من تأكيد السلطان على طلبه مرة ثانية . فحسب رأي الباحثة بودكورنوفا، لا توجد وثيقة قانونية تشير الى هذا النوع من الإتفاق الرسمي. والى حدود نهاية القرن 18 و القرن التاسع عشر، ظلت روسيا البلد الاوروبي الوحيد الذي لم يبرم علاقات دبلوماسية رسمية مع المغرب . البعض يعتبر أن ضعف الإمكانيات المادية الروسية آنذاك، هو الذي أخر فتح قنصلية روسية في طنجة ، اما البعض الآخر فيرى أن التاخر في تمثيل روسيا دبلوماسيا في المغرب راجع بالأساس إلى موقف بعض الساسة الروس الرافض لدخول البواخر الروسية إلى الموانئ المغربية. وأمام صراع ألمانيا و بريطانيا و اسبانيا على تقسيم المغرب و نتائج مؤتمر مدريد عام 1880 الذي كان ضدا على مصالح فرنسا الطامحة في امتيازات خاصة بالجالية الفرنسية في المغرب، عبرت روسيا على موقفها بالإنضمام الى معاهدة مدريد ما شكل تاكيدا ضمنيا على السيادة المغربية. فالمغرب اعتبر بناء على اتفاقيات مؤتمر مدريد، أن الجاليات الاجنبية لها نفس الحقوق على الأراضي المغربية. بعث الدبلوماسي الروسي كورتشاكوف برسالته الى وزير الخارجية الروسي، يقول فيها، إن القوى الأوروبية تتفادى خوض صراع مباشر في شمال افريقيا وأن هذه الطموح بات منتهيا، إضافة إلى عوامل أخرى محلية و دولية ،ساهمت في فتح قنصلية روسية في طنجة، حيث وصل فاسيلي رومانوفيتش، مندوب روسيا الدبلوماسي الأول إلى المغرب، وسلم في مارس عام 1899 أوراق اعتماده للسلطان. وكان دور فاسيلي حسب الروايات التاريخية، هو الحفاظ على علاقة الود و الصداقة مع السلطان و كسب ثقته و كذلك الدفاع عن مضيق جيل طارق . القرن 19 وبداية مرحلة جديدة في علاقات روسيا بالمغرب بداية القرن العشرين تعد محطة جديدة في علاقات روسيا بالمغرب . فقد بعث السلطان عام 1901 ببعثة يرأسها وزيره في الخارجية سيدي عبدالكريم بنسليمان، كان الغرض منها، هو تقديم الشكر للحكومة الروسية على فتحها قنصلية في المغرب . روسيا التي ترددت في فتح ممثلية لها في طنجة، ستدافع عن استقلال المغرب، أثناء مؤتمر الجزيرة الخضراء بعد أزمة عام 1905 و تكالب القوى الأوروبية للسيطرة على المغرب. القنصلية الروسية في طنجة ستتحول فيما بعد الى ممثلية دبلوماسية، لكن بعد تعيين السلطان مولاي عبدالحفيظ للحاج محمد المقري، كوزير للخارجية و المالية و الأشغال العمومية سينقلب الوضع القائم و هو الشيء الذي لم ينسجم مع مصالح روسيا في المنطقة. فهذا التعيين سيسبب حسب بعض الباحثين، في تراجع العلاقات الروسية المغربية، بدعوى أن الوزير الحاج محمد المقري كان متعاطفا مع فرنسا. و في ظل هذه الظروف و الشروط السياسية، سيتم عقد معاهدة فاس حول الحماية و سيغادر القنصل الروسي منصبه ليتم اغلاق الممثلية الروسية و تعويضها بوكالة دبلوماسية و قنصلية عامة عام 1913. علاقة روسيا بالمغرب ستتاثر سلبا بشكل أكبر بعد ثورة أكتوبر عام 1917، ووصول البلاشفة الى الحكم وموت القيصر، في ظرف سياسي واجتماعي محلي و دولي، فقد فيه المغرب حرية التحكم على أراضيه لصالح فرنسيا و اسبانيا. ربط الماضي بالحاضر و المستقبل بعد الحربين العالميتين الأولى و الثانية، سيتم إقامة علاقات دبلوماسية بين الاتحاد السوفيتي والمغرب في الأول من سبتمبر عام 1958 ، قبل أن تتحول روسيا وريثة شرعية للاتحاد السوفيتي عام 1991. وبين المحطتين تظل العلاقات الروسية المغربية بين المد و الجزر لأسباب جيو سياسية و تاريخية . فالعديد من المراقبين، يؤكدون على بداية تطور الحوار السياسي الروسي المغربي توج عام 2002 بزيارة الملك محمد السادس الرسمية الأولى لموسكو، بعدما دخلت العلاقات بين الرباط و موسكو مرحلة من التراجع. وقد توجت محادثات الملك محمد السادس مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بتوقيع وثيقة إعلان الشراكة الإستراتيجية بين روسيا الاتحادية والمغرب. وتم التوقيع في هذا الإطار، على عدد من الإتفاقيات في مجالات مختلفة. هذه الزيارة تلها زيارات مماثلة لوزيري الخارجية المغربي و الروسي، وبدء أعمال اللجنة المشتركة المغربية الروسية للتعاون في الرباط. الاهتمام الروسي بالمغرب يندرج في سياق تعزيز مكانة روسيا دوليا. فبعدما دخل الرئيس بوتين المغرب، بدأت روسيا حسب بعض المحللين المناورة بالأسلحة والغاز لانتزاع موقع في شمال أفريقيا. فالعودة الروسية إلى المنطقة لم يعد يقتصر، على حد رأي المراقبين، على علاقات جيدة مع الجارة الجزائر وإنما باتت تشمل أيضاً إقامة تعاون وثيق مع المغرب، فالروس لم يعودوا يهتمون بصفقات التسلح فقط وإنما يهتمون أيضاً بالمجال الغازي وتزويد بلدان المنطقة بالتكنولوجيا النووية وتعزيز التعاون الأمني في مكافحة الإرهاب وتكثيف المبادلات التجارية. لكن التقارب الذي قامت به روسيا مع الجزائر في مجال التسلح، شكل حسب العديد من التأويلات السياسية، هاجسا موقظا للمغرب، إذ ظلت الرباط تنظر لهذا التطور المطرد لهذه العلاقات بكثير من الحذر. وفي عهد الرئيس بوتين، بدأت روسيا تتخلى في تعاملها مع شمال أفريقيا عن الاعتبارات الإيديولوجية وأخذت في الاعتبار المصالح الاقتصادية بالدرجة الأولى متخلية بذلك عن مرحلة الماضي التي كانت تقسم فيها المناطق إلى «تقدميين» و «رجعيين». ويعتبر بعض الملاحظين، أنه لو كان نيكيتا خروتشوف أو ليونيد بريجنيف محل فلاديمير بوتين، الذي زار المغرب العربي عام 2006 (وهو أول رئيس روسي وطأت قدماه المنطقة منذ أكثر من ربع قرن)، لكانت الوضعية ستكون بشكل مغاير. ومن الواضح، أن برودة العلاقات بين روسيا و كل من موريطانيا و تونس منذ أكثر من نصف قرن جعلت المخططين للسياسة الروسية، يوظفون ورقة علاقة موسكوبالرباط و لو أنهم يدركون، أن المغرب يمثل حلبة مُنافسة أميركية - فرنسية لا مكان فيها للاعب كبير ثالث. ووفقا لهذه الرؤية ، يمكن أن نفهم الحرص الروسي للمحافظة على التوازن في علاقة موسكوبالرباط و الجزائر، خصوصاً بعد انهيار الحواجز العقائدية السابقة. http://falsafa.maktoobblog.com