ليونيد بريجنييف الذي ظل في الحكم منذ 1964؛ والذي أخذ في التلاشي بسبب وضع صحي سيء للغاية؛ دخل يوم السابع والعشرين من دجنبر 1979 في مجازفة كارثية بالنسبة لبلاده: التدخل العسكري في أفغانستان. الكارثة الأفغانية تدخل لفرض الشيوعي بابراك كارمل في السلطة في كابول ضدا على إرادة الشعب؛ ولكن مائة وعشرين ألف جندي سوفييتي لن يتمكنوا من إخماد الثورة التي اندلعت بسبب ذلك. الحرب ضد السوفييت اندلعت بقوة وشملت كل البلاد بسرعة، والروس عجزوا أمام بطولية المجاهدين عن السيطرة على أكثر من عشرين في المائة فقط من التراب الأفغاني. المجاهدون الذين دخلوا الحرب شبه عزل؛ تمكنوا خلال السنوات الأولى من أن يغنموا كل أسلحتهم تقريبا من أعدائهم الروس. والروس الذين زلزلتهم المفاجأة عندما وجدوا أنفسهم أمام حرب حقيقية بعد أن كانوا ينوون القيام بنزهة تدوم أياما ينصبون خلالها دميتهم كارمل ويعودون؛ لم يبق من تفوق لهم إلا عن طريق القصف الجوي العشوائي. بحيث صرح أحد القادة الأفغان بأن: السلاح الوحيد الذي لا نستطيع أن نغنمه منهم هو مضادات الطائرات لأنهم لا يحملونها معهم؛. ولكن بعد أن تأكد انهزام السوفييت؛ قررت الولاياتالمتحدةالأمريكية سنة 1986 تزويد المجاهدين ب صواريخ ستينغر المضادة للطائرات مما أفقد الروس مجال تفوقهم الوحيد. وعندما لم يعودوا يسطرون على المجال الجوي تلقى السوفييت على الأرض هزائم كبيرة. وفي ظل توالي الهزائم والخسائر كان على القادة الروس أن يحسموا: الانسحاب المذل أو الهزيمة المذلة. قرروا الانسحاب الذي أتموه سنة 1989 بأمر من غورباتشوف. وكان بريجنييف الذي كان أشبه بالميت منه بالحي قد توفي في سنة 1982 في الوقت الذي كانت فيه الإمبراطورية السوفيتية تتصدع من كل أطرافها: بولونيا؛ بدعم من البابا جون- بول الثاني وبفضل دينامية نقابة التضامن أخذت تبتعد رويدا رويدا عن المعسكر الشيوعي. بينما الجيوش السوفيتية تواجه جحيما حقيقيا في أفغانستان... في العاشر من نونبر 1982 كان رفاق بريجنييف وكوسيغين القدامى هم الذين يتولون الحكم عمليا: تيكونوف وتشيرينينكو وأوستينوف؛ هذا الأخير كان كذلك هو صاحب السلطة العليا في المركب العسكري- الصناعي الرهيب. علقت صحيفة ليبيراسيون على الوضع بعنوان ساخر: +ها هي روسيا تهديكم أحسن عجائزها!؛. غير أن رجلا سوف يترأسهم جميعا؛ إنه القائد الأسبق للكا. جي. بي. يوري آندروبوف؛ الرجل الذي تمكن من قمع ثورة ناجي في هنغاريا سنة 1954؛ ليس فيه أي شيء من اللين أو الرحمة إذن! واعٍ بنقائص النظام بتوليه منصب الكاتب الأول للحزب يوم الثاني عشر من نونبر ,1982 ثم بعد ذلك رئيس الدولة؛ بمعنى رئيس مجلس السوفييت الأعلى انطلاقا من يونيو 1983؛ أصبح آندروبوف القائد الحقيقي للبلاد. يوري آندروبوف؛ الذي كان عند توليه القيادة في الثامنة والستين من العمر؛ يعتبر واحدا من القلائل من بين الزعماء السوفييت الذي غادر بلاده لتولي مناصب في الخارج؛ والذي أتيحت له فرصة مشاهدة وملاحظة العالم الخارجي. إنه إذن على علم ووعي تامَّـين بحالة الانهيار الأخلاقي التي توجد فيها بلاده؛ والتي تفسر مثلا: العزوف واللامبالاة، والتعاطي للكحول، والانخفاظ الكبير في الإنجاب لدى الروسيين. هذا دون عد إخفاقات الاقتصاد السوفييتي المتجه أساسا نحو الصناعات الثقيلة؛ وهو ما تؤكده الطوابير الطويلة أمام متاجر المواد الغذائية، وتقـنـين حصص اللحم والزبدة لكل أسرة، والحالة المزرية للتجهيزات العمومية... ولكنه يعلم كذلك النقائص الكبيرة التي يعاني منها المركب العسكري- الصناعي... وعلى هذا الأساس حاول جهده محاربة الرشوة والفساد، وغياب الانضباط، وتحجر الجهاز الإداري. ثم إنه تصور بأنه حتى يمكن استدراك التأخر التكنولوجي للاتحاد السوفييتي أمام الولاياتالمتحدةالأمريكية الذي تكرس بعد حرب النجوم التي أطلقها ريغان؛ فإنه يكفي بعث روح دينامية وقدرة على الإبداع والمبادرة في المجتمع الروسي. عمل فكري جبار بالنسبة لجاسوس سابق! علما بأنه في مواجهته يوجد الرئيس الأمريكي رونالد ريغان الذي لا يمزح؛ فقد قرر بالفعل القضاء نهائيا على (إمبراطورية الشر) ! وعندما حاول آندروبوف تجربة ذلك بإقامته لصواريخه السس 20 في أوروبا الشرقية كان الرد سريعا جدا؛ فصواريخ من نوع بيرشينغ 2 جاءت بسرعة لتتموضع في ألمانيا وهولاندا... فاضطر السوفييتي إلى التراجع. الوريث ولكن آندروبوف كان مريضا: ولهذا أخذ يدفع نحو السلطة بتلميذه غورباتشوف؛ الرجل الذي يتقاسم معه تحليله للأوضاع. توفي يوري آندروبوف يوم التاسع من فبراير ,1984 دون أن يكون له الوقت الكافي لتنفيذ برنامجه. وبعد فاصل قصير دام شهرا واحدا فقط هو الفترة الرئاسية لمريض آخر كان في نهاية حياته، تشيرينينكو، تولى غورباتشوف السلطات العليا في الاتحاد السوفييتي. غلاسنوشت وبيريسترويكا؛ هذان هما الشعاران اللذان رفعهما غورباتشوف واللذان أوحى له بهما آندروبوف مباشرة. وهما يعنيان شفافية وإعادة بناء. غير أنه برغبته في إصلاح كل شيء مرة واحدة وبتسرعه الكبير؛ فإن الكاتب الأول للحزب تسبب في فوضى داخلية عارمة... فيليب فالود ترجمة: إبراهيم الخشباني