قلت أستسلم لعواطف المناضل، البسيط، العادي، الذي يحمل صدره عاريا لكل الجراح، وقلت أدخل إلى نفسي، وحيدا مع أخطاء حتى ولو لم تكن لي، وأترك خارج الزمن، مكانا آخر للتفكير«بمسؤولية» . قلت ما الذي حدث في طنجة؟ وما الذي حدث في مراكش؟ وأجبتني لو كان لك قريب مريضا، أو كنت مريصا بمرض لا يقال، هل كنت ستقوله أم تتركه للتخمين الإرادي واللاإرادي للمناضلين والمواطنين؟ قلت القول كل هذه السكاكين التي تقطع فؤادي في الداخل، قلت سأقول كل هذه السيوف التي تنشر ما في داخلي وأجهش بما تبقى في القلب من مداد: ترى هل أنا أحتضر بدون أن أدرك أنني أحتضر؟ وفي أي حرب أصبت يا ترى؟ أحرب داخلية أم حرب قادها سكان من كواكب أخرى؟ وإذا كنت قد مت، فهل سيفرج موتي عن هزيمة أم عن احتضار جديد؟ قلت: في كل انتخابات يكون هناك منهزم وهناك منتصر؟ لكني لماذا يا ترى أقرأ الصحف ولم أجد إلى حد الآن إن كنت منهزما أم كنت منتصرا؟ قلت هذا، وأنا أقرأ الصحف أول أمس السبت: هنا استفتاء ناجح في دائرتين، على حكم ذاتي للصحافي متع به رئيس الحكومة، وهناك هزيمة يتحملها أصحابها، لكن أنا أين ياترى، أقريب من التفاحة أم قريب من السكين أم أنا في الثالث المرفوع، في المنزلة بين المنزلتين، اقتلوني، اصلبوني، أم أنني شبهت لهم ورفعني الرب إلى مرتبة لا أكون فيها منهزما ولا منتصرا.. من أنا بعد انتخابات جزئية قيل عنها أنها استفتاء، وقيل عنها أنها قلصت من وزن الحكومة في رئيسها؟ لقد قال بنكيران إن الانتخابات امتداد للتوجه الذي أفرزته 25 نونبر، وهو على كل، على حق ..فيما يخص معركة قادها، وقد شمر عن ساعده الحزبي وأذرعه الدعوية، وقال إلياس إنها هزيمة مستحقة لحزبه وأنه مسؤول.. وكلاهما كان يكرس الآخر خصما، ومحاورا وعدوا ومرآة في الاقتراع الشعبي. لكن ماذا قلت أنا؟ يبدو أنني تكلمت مع نفسي في المنام، ورأيت أنني في المنزلة بين المنزلتين: لا أنا منهزم تماما ولا أنا منتصر تماما أم أنا.. لا شيء، ناضا، ماكاينش، باح، والنوتينغ...انييت، كيف أسمي ما يحصل لي؟ هل وقع ما وقع لأنني صبيحة ذلك اليوم لم أقرأ المعوذتين؟ هل حدث لأن تسريحة شعري لم تعجب الناخبين؟ هل خرجت بكفن بعد أن أطلق إخوتي علي شهوات الموت فيهم، ثم غاروا وثاروا، ورموني في الجب؟ كما الذي حصل مساء يوم 4 في الانتخابات الجزئية؟ لا أحد يرد.. الصدى وحده «يحاشيها » ..لي. يبدو أن الجميع ذهبوا في الجنازة، والتي نسيت الميت، أنا في قرارة نفسه. نسوني في قرارة نفسي، لأنني لا أملك جوابا عما حصل لي. أنا الآن في الصفحة 20 من كتاب الموتى أو في الصفحة 24 من رواية المسخ لكافكا.. أنا في الصفحتين، كما كان أبو العلاء في سجونه. علي أن أكون ميتا لكي يستقيم التحليل الماكرو فيزيائي للهزيمة، وأن أكون في كافكا كي يستقيم التحليل الماكرو متافيزيقي للنصر. ولا يمكن أن أتكلم لغة واضحة تقول ما الذي حصل حتى أنني نمت بلا أحلام جديدة. مثل، دلو أنا في النهاية أتأرجح، وذلك ما يحصل عادة عندما لا ننتبه إلى أننا نسير، بعيون مفتوحة نحو انتحار جماعي. هل قلت جماعيا؟ لا أنا أتحدث هنا عن المناضل البسيط، الذي يتخلى عن كل مفاهيم التحليل ويستسلم لما في القلب من صفصاف تهزه الرياح العاتية. من أنا، أسأل: لكي أقول لكم ما أقوله لكم. وأكتشف في الجواب أنني أقل من لاعب النرد في أغنية درويش. «أنا لاعب النرد، أربح حينا وأخسر حينا». قال الشاعر، ويقول، عبد الحميد جماهري، المستمع الآن لما في القصيدة من وجيب الدم: أنا، لا أنا خاسر ولا أنا رابح، أنا فوق التصنيف. أنا الآن خارج المعادلة، وخارج الجراح، أنا بكل بساطة خارج الصناديق. أفكر في المناضلين الذين خرجوا إلى حرب كانوا ينتظرون فيها أوديسة جديدة، فعادوا برؤوس إخوانهم في حرب البسوس التي لا تنتهي. أفكر في الذين انتظروا 8 أشهر لعل لهم حلما ليرادوه، فلم يراودهم، ولعل لهم ما يستحقون. أفكر في الذين مثلي تماما، يقفون على شفا صرخة خانقة: من تراه يعطينا نصف هزيمة، أو يعطينا ربع نصر، سنرده له، كما يحدث للأمهات عند اقتراض الزيت في أول مناسبة عائلية؟ من يمنحنا وصفا أو نعتا لكي نكون في معادلة السابق؟ لا أحد، لا شيء.. يبدو أن الجنازة في آخر المطاف ما هي سوى تمرين الحدس على احتمال اليأس في نهاية المعركة!! وربما قد تكون تأجيل الشعور بالألم إلى حين ينفض المعزين، ويعود القراء إلى كتبهم، لعلهم يجدون في أدبيات بعيدة ما يشبه الهزيمة عندي. ويرسلون رسائل قصيرة تقرأ بسرعة، ليست كرسائل الناخبين في تجمعين كبيرين من الناخبين، هما الشمال .. والجنوب .. وعلي، في كل تحليل، أن «أحرك الخطوات بالميزان». وأن أدافع عن الغلط.. حتى يكون لكلامي شبيه في الصحف وفي الإذاعات.. إلى ذلك، ليس لي من تعبير سوى صمتي. وسوى الروم خلف ظهرك روم فعلى أي جانبيك تميل!