تعيد حادثة شخص اتهم بانتحال صفة محافظ القصر الملكي بالدارالبيضاء إلى الواجهة مجموعة من الأسئلة المنطقية التي يجب طرحها هنا؛ منها : من شجع مثل هؤلاء على انتحال صفة ينظمها القانون ؟ ومن أوعز إليهم بانتحال صفة ضباط أمن أو وكلاء ملك أو قضاة أو شخصيات لها نفوذها في هرم السلطة ببلادنا ؟ الجواب بسيط للغاية؛ من شجع هؤلاء وآخرين على ذلك هو التساهل في التعامل مع الوسطاء مهما علا شأنهم؛ التساهل مع السماسرة أو من يعطي التوصيات حتى ولو كانت ضد القانون مهما كان وضعهم الاعتباري في مؤسسات الدولة. حكاية «المبعوث المزيف» لمحافظ القصر الملكي بالدار البيضاء، تتلخص في أنه اتصل مباشرة بالكتابة الخاصة لرئيس المحكمة الإبتدائية متقمصا صفة محافظ القصر مخبرا إياهم بأنه سيوفد من سيقوم مقامه لتمكين صديق له من استرجاع رخصة سياقة، سحبت منه نتيجة متابعته من أجل جنحة القتل الخطأ بعد ارتكابه حادثة سير. وكيل الملك الذي زاره المبعوث المزيف طلب من هذا الأخير تسليمه الرقم الخاص بالمحافظ للتأكد من صحة ما يدعيه، فحاول المراوغة بالادعاء أنه لا يتوفر على رقم الهاتف وعندما قام وكيل الملك بمصادرة رقائق هاتف المبعوث المزيف وتشغيلها تبين له أنه هو من اتصل بالكتابة الخاصة لرئيس المحكمة الابتدائية، مؤكدا أنه تقمص صفة الكاتبة الخاصة لمحافظ القصر الملكي. أتساءل هنا إن كان السيد الموقوف مبعوثا بالفعل من قبل محافظ القصر، فكيف سيتم التعامل معه من طرف السيد وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية الزجرية بالبيضاء؟ فهل كان سيقوم بتسهيل مأمورية مبعوث السيد المحافظ أم أنه سيتمسك بتطبيق القانون والتحجج بكون المغاربة جميعهم سواسية أمام القانون؟ أستحضر هنا واقعة مختلفة في شكلها لكنها لاتخرج عن نطاق انتحال الصفة والوساطة في تسهيل عملية قضاء المصالح. فقد قضت المحكمة الابتدائية بالرباط قبل سنوات بسجن ثلاثة ضباط أمن مزيفين بعد إدانتهم بتهم أبرزها النصب والاحتيال وانتحال صفة ينظمها القانون. وقد استندت المحكمة في حكمها لأقوال المتهمين ، حيث أقروا بارتكاب أفعال نصب واحتيال على شخصيات ديبلوماسية ورجال أعمال بالرباط بعد ادعاء صفة ضباط وتأكيدهم القدرة على حل بعض الإشكالات والتدخل لقضاء خدمات مختلفة . فكيف يتابع القضاء شخصا ما بالنصب والاحتيال؟ ومتى يتم الإبلاغ عن حالات الاحتيال والنصب؟ بالطبع عندما لا تقضى المصلحة التي توسط فيها هذا المسؤول أو ذاك ، أكان مزيفا أو حقيقيا؛ عندما يعجز عن الوفاء بالتزاماته ولو كانت غير قانونية ، فصفته أو علاقاته تفتح له أبواب التلاعب بالقانون وتبيح له ضرب التنظيمات والقوانين عرض الحائط. هذا التساهل القانوني في التعامل مع غير المزيفين من المسؤولين الوسطاء؛ هذا التعامل الانتقائي مع من يتدخل هنا أو هناك لقضاء مصالح أناس منافية للقانون، هو الذي يفرز لنا هذه الشريحة من المنتحلين للصفات التي ينظمها القانون، هو الذي يراكم ملفات انتحال الصفة في محاكمنا ؛ هو الذي يفتح باب السمسرة على مصراعيه. مثل هذه الوساطات ، مثل هذه التدخلات هي التي تشجع الفساد وانتحال الصفات؛ فمادام بعض المقربين من دوائر النفوذ يعتبرون أنهم يملكون مفاتيح كل شيء و بإمكانهم إباحة المحظورات؛ ومادام بعض المتربعين على كراسي المسؤولية يعتبرون أنفسهم فوق القانون وبمنأى عن العقاب وبإمكانهم التدخل لخرق القانون، فلاحرج في أن تُبرّأ ساحة هؤلاء الذين انتحلوا صفتهم !