قضت المحكمة الابتدائية بالرباط بسجن ثلاثة ضباط أمن مزيفين بعد إدانتهم بتهم أبرزها النصب والاحتيال وانتحال صفة ينظمها القانون. وقد استندت المحكمة في حكمها لأقوال المتهمين ، حيث أقروا بارتكاب أفعال نصب واحتيال على شخصيات ديبلوماسية ورجال أعمال بحي السويسي بالرباط بعد ادعاء صفة ضباط وتأكيدهم القدرة على حل بعض الإشكالات والتدخل لقضاء خدمات مختلفة . أتساءل ، والسؤال حق مشروع، ولو كان سيزعج البعض؛ كيف يتابع القضاء شخصا ما بالنصب والاحتيال؟ و ماهي النصوص القانونية التي تبين لنا بأن هناك نصبا واحتيالا بالفعل في هذه القضية أو تلك ؟ النصوص القانونية واضحة ولا غبار عليها واحترامها يبقى دائما أمرا نسبيا ، لكن السؤال المنطقي الذي يجب طرحه هنا؛ هو من شجع هؤلاء على انتحال صفة ينظمها القانون ؟ من أوعز إليهم بانتحال صفة ضباط؟ الجواب بسيط للغاية؛ من شجع هؤلاء وآخرين على ذلك هو التساهل في التعامل مع الوسطاء مهما علا شأنهم؛ التساهل مع السماسرة مهما كان وضعهم الاعتباري في مؤسسات الدولة. فمتى يتم الإبلاغ عن حالات الاحتيال والنصب؟ بالطبع عندما لا تقضى المصلحة التي توسط فيها هذا المسؤول أو ذاك ، أكان مزيفا أو حقيقيا؛ عندما يعجز عن الوفاء بالتزاماته ولو كانت غير قانونية ، فصفته أو علاقاته تفتح له أبواب التلاعب بالقانون وتبيح له ضرب التنظيمات والقوانين عرض الحائط. هذا التساهل القانوني في التعامل مع غير المزيفين من المسؤولين الوسطاء؛ هذا التعامل الانتقائي مع من يتدخل هنا أو هناك لقضاء مصالح أناس منافية للقانون هو الذي يفرز لنا هذه الشريحة من المنتحلين للصفات التي ينظمها القانون، هو الذي يراكم ملفات انتحال الصفة في محاكمنا ؛ هو الذي يفتح باب السمسرة على مصراعيه. الأمثلة على ذلك كثيرة ، وسأكتفي هنا بمثال واحد فقط لملف ما كان ليثار لولا أن عنصرا قيل عنه بأنه حارس شخصي لجلالة الملك قبل أن يتم اكتشاف أنه عنصر ينتمي الى التشريفات والأوسمة في القصر الملكي؛ ولأنه كذلك فلا القوانين ولا الأعراف ولا المائة وخمسون محاميا ونقيبا من الذين يدافعون عن دولة الحق والقانون ولا المبادئ الكونية ستقف في وجهه، فبحكم اعتباره المهني أبيح المحظور بمدينة السعيدية ، وتطاولت الجرافات على حديقة عمرت عشرات السنين وتحول الممنوع بالأمس إلى المستباح؛ تحرك بين المحافظة العقارية والوكالة الحضرية وصندوق الإيداع والتدبير والمصالح البلدية والعمالة والولاية، واستطاع بصفته أن ينال ما عجز سابقه في الطلب عن نيله. انتهت مهمته وتمت الصفقة بتحويل الملكية إلى صاحب الفكرة في البداية وتحولت حديقة سوكاتور إلى بناء عشوائي ضدا على السكان والقانون وجمعيات المجتمع المدني المهتمة بالبيئة. لم يتحرك أي أحد من المسؤولين للجهر بالحق ؛ سجلت الدعاوى وصيغت المذكرات لكن لكون هناك من لا يريد أن تجد العدالة طريقها الصحيح، فقد تحركت الأقلام و الأظرفة والاتصالات ولسان حال السماسرة يقول لصاحب الشأن و الحظوة «غير يوصل الملف عندي وكون هاني»! فعن أي عدل وقضاء يمكننا الحديث ؟ وعن أي احترام للقوانين والضوابط المتعارف عليها يمكننا الوثوق بها؟ لو أن الإدارات والمصالح المختصة لم تعر اعتبارا لصفة ذلك الشخص المنتمي للتشريفات والأوسمة؛ لو أنه تم اعتماد القانون والمنطق، لو أن المصلحة العليا احتُرمت لما كنا الآن أمام وضع وأمام إحراج لهيئة القضاء، حيث أن التلاعب واضح وضوح الشمس ، ومع ذلك يباشر السماسرة تحركاتهم لطمس الحقائق والالتفاف على القانون لطمس معالم الجريمة والتي تشهد عليها أطلال البناء غير القانوني والمشيد فوق الحديقة الموؤودة. مثل هذه الوساطات ، مثل هذه التدخلات ..هي التي تشجع الفساد وانتحال الصفات؛ فمادام بعض المقربين من دوائر النفوذ يعتبرون أنهم يملكون مفاتيح كل شيء و بإمكانهم إباحة المحظورات؛ ومادام بعض المتربعين على كراسي المسؤولية يعتبرون أنفسهم فوق القانون وبمنأى عن العقاب وبإمكانهم التدخل لخرق القانون،و فلاحرج في أن تُبرّأ ساحة هؤلاء الذين انتحلوا صفتهم !