اطلع المدير العام للاتصال السمعي البصري جمال الدين الناجي على خدمة الإعلام العمومي بكندا، وذلك خلال عدة لقاءات أجراها الأسبوع الماضي مع مسؤولي الشبكة الفدرالية لخدمات قطاع السمعي البصري العمومي (هيئة الإذاعة الكندية، وشركة الإذاعة الكندية) والكاتب العام لمجلس البث الإذاعي والاتصالات السلكية واللاسلكية الكندية، الذي أحدثه البرلمان الفدرالي لمراقبة وتقنين البث الإذاعي والاتصالات في البلاد. وأوضح الناجي أن هذه اللقاءات، التي جاءت في إطار مهمة استطلاع، تمت في أفق اللقاء المرتقب بين هذه المؤسسات ومستشاري وأطر الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، مبرزا أنها توخت تقييم المكتسبات التاريخية ورهانات التجربة الكندية في مجال السياسات التحريرية، وبرامج الخدمة العمومية، والتنظيم الداخلي للقطاع السمعي البصري. وأضاف أن هذه المهمة تندرج، أيضا، في إطار عملية المقارنة التي تعتمدها الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، وذلك من أجل تحديد أفضل المعايير والنماذج المنظمة لهذا القطاع، الذي بات يواجه، عبر العالم، تحديات التعددية والتنوع وحرية الخط التحريري، إلى جانب الرقمنة وبروز تلفزيون الإنترنت. يذكر أن البث التلفزيوني الكندي ينقل أزيد من 700 قناة (439 منها باللغة الإنجليزية، و101 باللغة الفرنسية) في حين يضم السوق الإذاعي أزيد من 1200 خدمة صوتية وإذاعية تغطي تسعة ملايين و984 و670 كلم وساكنة تقارب 34 مليون نسمة، ثلثها فرانكفونيين. وبالنسبة لآن ماري مانيولت، مديرة الشؤون القانونية والتنظيمية براديو كندا، فإن التجربة التنظيمية الكندية حققت تقدما في السنوات الأخيرة عندما قرر مجلس البث الإذاعي والتلفزيوني الكندي سن نوع من «التحرير» في مجال التنظيم، من خلال دفع الفاعلين في القطاع الخاص إلى إحداث سلطة مشتركة للتنظيم، (المجلس الكندي لمعايير البث الإذاعي والتلفزي) الذي يقوم بمهام التنظيم والمراقبة والزجر عند تسجيل إخلال في المضمون يتعلق بالجنس أو العنف أو اللغة أو التمثيل المنصف (للنساء والأقليات والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة). وقد تم هذا ال«تحرير»، الذي انتقل من تنظيم يضطلع به المجلس الكندي للبث الإذاعي والتلفزي والاتصالات، إلى تنظيم إرادي تقوم به القنوات التلفزية بنفسها، بشكل تدريجي استمر خمس سنوات (2006-2011) . ومن هذا المنطلق، وجه المجلس الكندي للبث الإذاعي والتلفزي والاتصالات الدعوة للفاعل الأول في القطاع العمومي من أجل احترام المعايير والتوصيات الصادرة عن المجلس الكندي لمعايير البث الإذاعي والتلفزي الذي يضم الخواص العاملين في هذا المجال، وذلك في ما يتعلق بالمحتوى التربوي والترفيهي، علما بأن هذا الفاعل يتوفر على آلية فاعلة وجيدة للتنظيم الداخلي، خاصة ما يتعلق بمحتوى المعلومات والمتطلبات المرتبطة عنها، (الحياد والتعددية والقيم والممارسات المهنية وأخلاقيات الصحافة واستقلال التحرير ...). وبدورهما، أكد بنوا ديكير مدير الإنتاج والعمليات والخدمات الإعلامية وغي كوريون، المدير الأول لعمليات التلفزيون (البرامج)، أن هذه الآلية تشكل مدونة للمعايير والممارسات الصحفية داخل هيئة الإذاعة الكندية وشركة الإذاعة الكندية، تنظم بالتفصيل محتويات الأخبار والنقاشات، انطلاقا من المتفرقات إلى معالجة المصادر، واختيار إعداد البرامج، وتمويلها وشكل بثها، مشيرين إلى أنه يتم إثراء هذه المدونة باستمرار على الموقع الإلكتروني لموقع هيئة الإذاعة، بتجارب صحفيي ومنتجي هذا القطب. ومن جهته، أوضح فرانسوا مسير، مدير الرياضة أنه «من النادر أنه يسائلنا المجلس الكندي للبث الإذاعي والتلفزي والاتصالات أو المجلس الكندي لمعايير البث الإذاعي والتلفزي، على اعتبار أن مدونتنا تؤطر بشكل جيد ممارساتنا»، مبرزا أن هذه المدونة، التي يسهر على احترامها أمبودسمان معين من قبل المدير العام، تضمن تنظيما ذاتيا مستمرا، وتعزز التنظيم المشترك الذي يسهر عليه المجلسان، اللذان باتا سلطة عليا يتم اللجوء إليها في حال خلاف بين هيئات التنظيم والتنظيم الذاتي. من جهة أخرى، وبالمقر الفدرالي للمجلس الكندي للبث الإذاعي والتلفزي والاتصالات بأوطاوا أجرى الناجي، يوم الجمعة الماضي، مباحثات مع جون ترافرسي الكاتب العام للمجلس التي يعود تاريخ تأسيسه إلى سنة 1950، والذي يعمل منذ سنة 1968 على تقنين الإذاعة والتلفزة والاتصالات. وقال ترافرسي إن تولي المجلس تنظيم هذين المجالين الشاسعين أمر مريح جدا سواء بالنسبة لهيئات التنظيم المطالبة بتحقيق التوافق، أو بالنسبة للفاعلين الذين يقدمون، أكثر فأكثر خدمات في القطاعين بكلفة أقل. يذكر أن السوق الكندي لصناعات الراديو والتلفزة والاتصالات (أزيد من سبعة ملايير دولار، ونحو 33 ألف منصب شغل) منظم بشكل تلقائي عبر اتفاقيات بين الفاعلين في نفس القطاع كالمجلس الكندي لمعايير البث الإذاعي والتلفزي، التي يفوق عدد المنخرطين فيه 700 قناة، فيما تعود عملية تنظيم القنوات الإذاعية مباشرة للمجلس الكندي للبث الإذاعي والتلفزي والاتصالات. وتنشط في هذه السوق أربعة أنواع من المتعهدين: خدمات بث الخدمة العمومية، متعهدو الهاتف وأنترنيت، موزعو الكابل وشركتان للبث الفضائي يوفران بشكل متقاطع كل أنواع الخدمات هذه. وعليه تكون كندا قد اختارت «الاندماج العمودي» (البث الإذاعي والتلفزي، الاتصالات السلكية واللاسلكية وانترنيت) في سوق سمعية بصرية تهيمين عليها بالخصوص القنوات المتخصصة (أسفار، تلفزة تحت الطلب، ألعاب، الطقس، الرياضة). إلا أن المجلس المتكون من 13 عضوا يعينهم الوزير الأول (يمثلون الولايات العشر والمقاطعات الثلاث في هذا البلد/القارة) لولاية من خمس سنوات، أوقف حماية بعض المجالات مثل الأخبار والثقافة اللتين ليستا مفتوحتين في وجه المنافسة، بمعنى الحصول على ترخيص من طرف كل صاحب مشروع، على عكس الرياضة التي تبقى مجالا مفتوحا تماما في وجه المنافسة. من جهة أخرى، تتشكل ميزانية مجلس البث الإذاعي والاتصالات السلكية واللاسلكية كوكالة إدارية مستقلة يقول ترافيرسي، من إتاوات التراخيص، لكن بعض برامجه مثل محاربة «الرسائل الإلكترونية غير المرغوب فيها على الانترنيت» أو «محاربة التحرش التجاري للتسويق التيليماتيكي»، تبقى ممولة من طرف وزارة التراث (ما يعادل وزارة الثقافة والاتصال). في ما يتعلق بانترنيت، اختار المجلس منذ سنة 2008 بصفة نهائية أن تكون مضامين انترنيت غير خاضعة لمهمة المراقبة والتقنين المنوطة به. لأن تنظيم هذه المضامين يشرح الكاتب العام للمجلس، يجب أن يتم بقوانين أخرى غير القوانين المؤطرة لقطاعي الاتصال السمعي البصري والاتصالات السلكية واللاسلكية. وأخيرا، وفي بلد فدرالي لعبت المجموعات الإثنوثقافية دورا محوريا في بنائه، ويتمتع بحساسية كبيرة اتجاه حقوق الأقليات، يدعم المجلس ماليا وفي نسبة دنيا، وسائل الإعلام المجتمعاتية أو الجمعوية بفضل برامج مدعمة من طرف الوزارة الفيدرالية للتراث. كما يسهر أيضا على تقنينها استئنافيا بعد مسطرة التقنين الذاتي التي يتكلف بها المتعهدون أنفسهم استنادا لمواثيق أخلاقيات تلزمهم جماعيا وفرديا حسب القطاع أو حسب الولاية وعلى مستوى الجمعية العالمية لخدمات البث المجتمعاتية التي يوجد مقرها بمونريال.