كما النهر الذي يجري / محكيات 1998 ذ 2005 مجموعة نصوص قصيرة ( 101) نشرها باولو كويلهو ما بين 1998 و2005، وهو يفتح لنا من خلالها أبواب عوالمه ككاتب؛ إنها مقطوعات قصيرة جدا من الحياة اليومية ومن نصوص حكاها له آخرون، وأعطاها هو بُعد حكايات فلسفية أو بيداغوجية بالغة الأهمية لمن يرغبون في العيش في تناغم مع العالم المحيط بهم. ونحن نقترح ترجمة لبعض هذه النصوص، اعتمادا على الترجمة الفرنسية التي أجزتها فوانسواز مارشان سوفاغنارغ، ضمن منشورات فلاماريون، باريس، 2006. تمطر اليوم كثيرا، والحرارة تقارب ثلاث درجات. قررت المشي , أعتقد أنه يتعذر علي العمل بشكل جيد، إذا لم أتمش يوميا , لكن البرد أيضا كان قويا ، ما جعلني أرجع إلى السيارة بعد عشر دقائق. أخذت الجريدة من صندوقة الرسائل. إنها لا تحمل شيئا مهما , ما عدا الأشياء التي قرر الصحافيون أن علينا معرفتها، تتبعها، اتخاذ قرار بشأنها. أتجه لقراءة الرسائل الالكترونية على الحاسوب. ليس هناك شيء جديد، قرارات علي اتخاذها، إلا أن كل ذلك تم بسرعة. حاولت ممارسة رياضة القوس والسهم، إلا أن ذلك كان مستحيلا، بما أن البرد كان يواصل هبوبه بشدة. لقد أنهيت كتابي نصف السنوي « الزهير «، ولا تزال أمامي بضعة أسابيع قبل نشره. حررت الأعمدة التي أنشرها على الأنترنيت. أنجزت نشرتي على صفحة الويب. طلبت أن يُجرى لي فحص طبي على المعدة، ولحسن الحظ أنهم لم يكشفوا أي شيء غير عادي ( كان بعض الناس قد أقلقوني بمسألة الأنبوب الذي يتم إدخاله عن طريق الفم، إلا أن الأمر لم يكن فظيعا ). زرت طبيب الأسنان. تذاكر السفر المقبل بالطائرة وصلت عن طريق البريد السريع، بعدما كانت تأخرت. هناك أمور علي القيام بها غدا، أمور أنهيتها أمس، واليوم... اليوم، ليس لدي أي شيء يمكن أن أركز عليه انتباهي. يصيبني الرعب: أليس علي إنجاز أمر ما اليوم, طيب، إذا رغبت في ابتكار عمل ما، فليس ذلك بالأمر الصعب , لدينا دائما مشاريع يمكن تطويرها، مصابيح ينبغي تغييرها، أوراق ميتة ينبغي كنسها، تصفيف الكتب، ترتيب أرشيف الحاسوب، إلخ. لكن، لماذا لا نتصور الفراغ المطلق؟ وضعت طاقية على رأسي، ارتديت ملابس دافئة، معطفا لا يتسرب منه الماء , هكذا يمكنني مقاومة البرد خلال الأربع أو الخمس ساعات القادمة ثم خرجت إلى الحديقة. جلست على العشب المبلل، وأخذت أعد ذهنيا لائحة ما يخطر ببالي: 1 أنا غير مجد. كل الناس منشغلون الآن، يعملون بشكل شاق. الرد: أنا أيضا أشتغل بشكل شاق، أعمل أحيانا اثنتي أو ثلاثة عشر ساعة يوميا. واليوم، فبالصدفة، ليس لدي ما أفعله. 2 ليس لي أصدقاء. أنا الذي أعتبر واحدا من أشهر كتاب العالم، وحيد هنا، والهاتف لا يرن. الرد: لي أصدقاء بالتأكيد. إلا أنهم يعرفون كيف يحترمون حاجتي للعزلة حين أكون بمطحنتي القديمة في سان مارتان، بفرنسا. 3 علي أن أخرج لاقتناء لصاق. نعم، تذكرت أنه كان ينقص لصاق بالأمس، لماذا لا آخذ السيارة وأنطلق إلى أقرب مدينة, ثم توقفت عند هذه الفكرة. لماذا يصعب إلى هذا الحد أن أظل كما أنا الآن، أن لا أفعل شيئا. خطرت ببالي سلسلة من الأفكار. هناك أصدقاء تقلقهم أشياء لم تحدث بعد، معارف يعرفون كيف يشغلون كل دقيقة من حياتهم بمهام تبدو لي عبثية، مناقشات بلا معنى، مكالمات هاتفية طويلة لا تقول شيئا مهما، رؤساء يبتكرون عملا لتبرير وظيفتهم، موظفون خائفون لأنه لم يتم تكليفهم اليوم بأي شيء مهم وهذا يعني أنهم أصبحوا بلا جدوى، أمهات تعذبن أنفسهن لأن الأطفال خرجوا، طلبة يعذبون أنفسهم لأجل دراستهم، فروضهم، امتحاناتهم. أخوض حربا طويلة وصعبة ضد نفسي لأنني لم أنهض وأذهب حتى الوراقة لاقتناء اللصاق الناقص. أصبح القلق كبيرا، لكنني قررت أن أظل هنا، دون فعل أي شيء، لبضع ساعات على الأقل. تدريجيا، ترك القلق مكانه للتأمل، وشرعت في الاستماع لروحي. كانت لديها رغبة مجنونة في التحدث معي، إلا أنني كنت منشغلا طوال الوقت. واصل البرد هبوبه قويا جدا، أعرف أن الجو بارد، أن السماء تمطر، وأنه ربما يكون علي أن أشتري اللصاق غدا. لا أفعل أي شيء، وأفعل الشيء الأكثر أهمية في حياة الإنسان: أستمع لما كنت في حاجة لسماعه مني.