الملك يهنئ ترامب بمناسبة انتخابه مجددا رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية    إرهاصات "خيبة أمل" تحيط ب"غاز العرائش" بعد إعلان غير متوقع!!    مناظرة بطنجة تفرز رؤى جديدة لتسريع التنمية عبر استثمار الممتلكات الجماعية    وزارة القصور الملكية والتشريفات والأوسمة تصدر بلاغا جديداً    ترامب يتجه نحو رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية.. والحزب الجمهوري يسيطر على الكونغرس    أنشيلوتي بعد الخسارة أمام ميلان: "نشعر بالقلق.. والفريق لا يقدم نسخة جيدة على الإطلاق"    الأمن يوقف مروج "ريفوتريل" بمكناس    مديرية الأمن تعلن عن تدشين بنيات شرطية جديدة بالريف والصحراء    انطلاق الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي لسينما الذاكرة المشتركة بالناظور    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    حماس: فوز ترامب يختبر وعده بوقف الحرب خلال ساعات    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    مستشارون ينتقدون تدبير النفايات الخضراء بمدينة الرياط    اليماني يرد على وزيرة الإنتقال الطاقي بخصوص الطاقة الأحفورية    ابتسام بطمة ترد على شائعات العفو الملكي    أغناج ل" رسالة 24 ": نعيب على الحكومة ووزير العدل الاستقواء بالأغلبية الأتوماتيكية    "الاشتراكي الموحد": تطوير العلاقات مع فرنسا ينبغي أن لا يكون على حساب ثروات المغرب واستقلاليته    مكتب الفوسفاط و"إنجي" الفرنسية يتجهان لإنشاء مصنع ضخم للهيدروجين الأخضر في الصحراء    اتحاد طنجة يرفض طلب الوداد … !    بعد فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة..تراجع أسعار الذهب        بعد احتفاء ترامب بالفوز في الانتخابات .. صعود الدولار يخفض أسعار النفط    نتنياهو: ترامب يحقق "عودة تاريخية"    العرائش: تدشين مشاريع تنموية بإلإقليم بمناسبة تخليد ذكرى المسيرة الخضراء    الجديدة: جزارو مولاي يخرجون للاحتجاج أمام مقر الجماعة    "الشيوخ الجمهوريون" أغلبية في أمريكا    في خطاب النصر.. ترامب يتعهد بوقف الحروب وعودة العصر الذهبي لأمريكا    "مهرجان سينما الذاكرة" يناقش الدبلوماسية الموازية في زمن الذكاء الاصطناعي    برنامج يخلد المسيرة الخضراء بمونتريال    قطر تعلن إقرار التعديلات الدستورية    استئنافية البيضاء تحدد أولى جلسات محاكمة القاضية المتقاعدة    في آخر فرصة لهم.. وسيط المملكة يقترح على طلبة الطب حلين لإنهاء الأزمة    "فيفا" يلزم الوداد والأندية بالمشاركة بأقوى اللوائح في "موندياليتو 2025"    الرابطة البيضاوية تعزي في وفاة والدة هشام سهيل    بسبب تراجع مستواه … صابر بوغرين تتراجع قيمته السوقية    الجديدة : لقاء تواصلي حول برنامج GO SIYAHA بحضور فاعلين في مجال السياحة    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    لحماية القطيع.. وزير الفلاحة يمنع ذ بح الإناث القادرة على التكاثر    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا.. تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    أبطال أوروبا: هزيمة مفاجئة للريال في البيرنابيو وسيتي يسقط بالأربعة أمام سبورتينغ    ترامب: حققت فوزا تاريخيا وسنغلق الحدود أمام المجرمين    اختتام فعاليات الدورة التدريبية لحكام النخبة (أ)    كيوسك الأربعاء | مقترح جديد ينهي أزمة أطباء المستقبل    ذكرى المسيرة الخضراء.. الملحمة الخالدة        29 برلمانيا بمجلس المستشارين يصادقون على مشروع قانون إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار وثلاثة يمتنعون        مجموعة بريد المغرب تصدر طابعاً بريدياً تذكارياً بمناسبة الذكرى العاشرة لمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر    مرحلة ما بعد حسم القضية..!    تحقيقات جديدة تهز كرة القدم التشيلية    حقيقة انضمام نعية إلياس إلى الجزء الثالث من "بنات للا منانة    أطباء العيون مغاربة يبتكرون تقنية جراحية جديدة    الجينات سبب رئيسي لمرض النقرس (دراسة)    خلال أسبوع واحد.. تسجيل أزيد من 2700 حالة إصابة و34 وفاة بجدري القردة في إفريقيا    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كما النهر الذي يجري

كما النهر الذي يجري / محكيات 1998 ذ 2005 مجموعة نصوص قصيرة ( 101) نشرها باولو كويلهو ما بين 1998 و2005، وهو يفتح لنا من خلالها أبواب عوالمه ككاتب؛ إنها مقطوعات قصيرة جدا من الحياة اليومية ومن نصوص حكاها له آخرون، وأعطاها هو بُعد حكايات فلسفية أو بيداغوجية بالغة الأهمية لمن يرغبون في العيش في تناغم مع العالم المحيط بهم. ونحن نقترح ترجمة لبعض هذه النصوص، اعتمادا على الترجمة الفرنسية التي أجزتها فوانسواز مارشان سوفاغنارغ، ضمن منشورات فلاماريون، باريس، 2006.
ثم انتهى الأمر بعزيزنا، المستقيم والمتفاني، مانويل، إلى الوفاة ذات يوم. ما سيحدث لكل مانويل، باولو، ماريا، مونيكا في الحياة. وأترك الكلمة هنا لهنري دريموند، في كتابه المتألق « الهبة السامية «، ليصف لنا ما يحدث فيما بعد.
طرحنا جميعا على أنفسنا، في لحظة من اللحظات، السؤال الذي طرحته كل الأجيال على نفسها:
ما هو الشيء الأكثر أهمية في وجودنا؟
نريد استغلال أيامنا أحسن ما يمكن، لأنه لا يوجد شخص آخر بإمكانه العيش لصالحنا. المطلوب، إذن، أن نعلم أين ينبغي أن نوجه مجهوداتنا، ما هو الهدف الأسمى الذي نتطلع إليه.
لقد تعودنا على سماع أن الكنز الأكثر أهمية في العالم الروحي هو الإيمان. وعلى هذا اللفظ البسيط ترتكز قرون من الدين.
هل نعتبر الإيمان أهم شيء في العالم؟ إننا نخطئ كلية.
في رسالته الموجهة إلى الكورنتينيين، الفصل الثاني، يقودنا القديس بولس إلى الأزمنة الأولى للمسيحية. ويقول في النهاية: « تظل هذه العناصر الثلاثة. الإيمان والترجي والحب، إلا أن الحب هو الأهم «.
لا يتعلق الأمر برأي سطحي ل ( القديس ) بولس، كاتب هذه الجمل. إنه يتحدث في نفس الرسالة وفي نهاية المطاف، عن إيمان أسمى: إذن توفر لي الإيمان الأكثر كلية، الإيمان الذي يُرحل الجبال؛ إذا كان ينقصني الحب، فإنني سأكون لا شيء ?.
لم يغير بولس الموضوع؛ بالعكس، فقد قارن الإيمان والحب، وخلُص إلى: (...) الحب هو الأهم؛ يقدم لنا ماتيو وصفا كلاسيكيا ليوم القيامة: « إن السيد المسيح [...] سيجلس على عرش نصره [...] سيفصل الناس بعضهم عن بعض، كما يفصل الراعي الشياه عن العنزات «.
آنذاك، لن يكون السؤال الأهم الذي يطرحه الكائن البشري: « كيف عشتُ؟ «
سيكون: « كيف أحببتُ» ?
سيكون الاختيار النهائي لأي بحث عن الخلاص هو الحب. لن يُؤخذ بعين الاعتبار ما فعلناه، معتقداتنا، نجاحاتنا.
لن نؤدي شيئا عن كل هذا. سنؤدي على الطريقة التي أحببنا بها قريبنا.
ستُنسى الأخطاء التي ارتكبناها. سنُحاكم على الخير الذي لم نفعله. إنه الدليل على أننا لم نعرفه أبدا، أنه أحبنا عبثا، أن ابنه مات بلا جدوى.
أُنقذ مانويل، في هذه القصة، لحظة وفاته لأنه كان قادرا - رغم كونه لم يعط أبدا معنى لحياته- على الحب، على الاعتناء بأسرته، وعلى أن يفعل ما كان يفعله بعزة نفس. مع ذلك، وحتى لو كانت النهاية سعيدة، فإن أيامه فوق الأرض كانت معقدة.
أستعير هنا جملة سمعتُ شمعون بيريس ينطقها في المنتدى الاقتصادي لدارفوس: ينتهي التفاؤل، كما التشاؤم إلى الموت. إلا أنهما معا استفادا من الحياة بطريقة مختلفة تمام الاختلاف?.
عازف البيان بالمركز التجاري
أتجول، وأنا في حالة سهو، بمركز تجاري، رفقة صديقة تمارس العزف على الكمان. وُلدت أورسولا في هنغاريا، وهي حاليا نجمة ضمن جوقين فيلارمونيين دوليين. أمسكت بساعدي فجأة:
« أصغ!»
أصغيت، سمعت أصوات أناس بالغين، ضجيج أطفال، أصوات تلفزات مشغلة بمتاجر الأدوات المنزلية الكهربائية، أكعاب تضرب على البلاط، وتلك الموسيقى الذائعة الصيت والمطلقة الحضور بكل المراكز التجارية في العالم.
« طيب، أليس رائعا؟»
أجبت بأنني لم أسمع أي شيء رائع ولا غير معتاد.
« البيان! قالت، وهي توجه إلي نظرة خائبة. عازف البيان رائع!
- قد يكون تسجيلا.
- لا تنطق حماقة.
إذا سمعنا بانتباه أكثر، فبديهي أنها موسيقى مباشرة. يؤدي عازف البيان الآن سوناتة لشوبان، وقد أمكنني التركيز، أصبح يبدو أن الأنغام تغطي على الضجيج المحيط بنا. أخذنا نسير في الأروقة الممتلئة بالزوار، بالمتاجر، بالعروض، بأشياء يقول الإشهار بأن الجميع يمتلكها ? إلا أنا وأنت. وصلنا المكان المخصص للتغذية: أناس يأكلون، يتحدثون، يتناقشون، يقرؤون الجرائد؛ إنه واحد من عوامل الجذب التي يجتهد كل مركز تجاري في توفيرها لزبنائه.
إنه بيان ورجل يعزف عليه هذه المرة.
يواصل عزف سوناتات لشوبان ثم شوبرت وموزار. يبدو أنه في الثلاثين من عمره. توضح لوحة صغيرة وُضعت قرب المنصة الصغيرة أنه عازف مشهور بجورجيا، إحدى الجمهوريات السوفياتية سابقا. قد يكون بحث عن عمل، كانت الأبواب موصدة، فقد الأمل فخضع، وهو الآن هنا.
إلا أنني لست متأكدا أنه هنا فعلا: عيناه تحدقان في العالم السحري حيث تم تأليف تلك المقاطع، يزرع بيديه، بكل ما لديه من حب، يعزف بروحه وبحميته أفضل ما لديه، سنوات دراسته، سنوات تركيزه، سنوات انضباطه.
الشيء الوحيد الذي يبدو لي أنه لم يفهمه: لا أحد، لا أحد على الإطلاق، جاء إلى هنا لأجل الاستماع إليه، جاؤوا ليقتنوا، ليتسلوا، ليشاهدوا واجهات المتاجر، للقاء بعض الأصدقاء. يتوقف رجل وامرأة بالقرب منا، يتكلمان بصوت مرتفع، ثم يبتعدان فورا، لم يشاهد عازف البيان شيئا ? لا يزال في نقاش مع ملائكة موزار. لم ير عازف البيان أيضا أن له جمهورا يتكون من شخصين، وان بينهما عازفة كمان موهوبة، تنصت إليه بحساسية مفرطة.
أتذكر مصلى، دخلته مرة بالصدفة، ووجدت شابة تعزف لأجل الرب، إلا أنني كنت بمصلى وكان لذلك معنى. هنا، لا أحد يسمع، ربما الرب نفسه لا يسمع.
كذب. الرب يسمع. الرب موجود في روح هذا الشخص وفي يديه، لأنه يعطي أفضل ما لديه، بغض النظر عن أي اعتراف، أو عن النقود التي يتوصل بها. إنه يعزف كما لو أنه كان بلاسكالا ميلانو أو أوبيرا باريس. يعزف لأنه مصيره، فرحه وعلة وجوده.
تملكني إحساس بالإجلال العميق. باحترام شخص يذكرني، الآن، بدرس بالغ الأهمية: لديك سيرة شخصية عليك إتمامها، انتهى الأمر. لا يهم إذا دعم الآخرون، إذا انتقدوا، إذا تجاهلوا، إذا غفروا ? إنك تفعل ذلك لأنه قدرك فوق الأرض، ومصدر فرحك.
أنهى عازف البيان قطعة أخرى لموزار، فلاحظ وجودنا للمرة الأولى. حيّانا بإشارة مهذبة ومتكتمة برأسه، حييناه بالطريقة نفسها. إلا أنه عاد إلى فردوسه بسرعة، ومن الأحسن أن ندعه هنا، فلا شيء في هذا العالم يعنيه، حتى تصفيقاتنا المحتشمة لا تؤثر فيه. إنه قدوة لنا جميعا. وعلينا، كلما اعتقدنا أن لا أحد يُعير اهتماما لما نفعله، أن نفكر في عازف البيان هذا: كان يُحاور الرب من خلال عمله، ولم تكن للباقي أية أهمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.