كانت الانقلابات العسكرية فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى أقرب الطرق إلى الوصول إلى السلطة حينما تقرر جماعة العسكر ذلك. وفى مصر بعد اغتيال الرئيس السادات فى أحداث المنصة عام 1981 اعتقد الكثير, بل صار ذلك من مسلّمات الواقع المصرى, أنه لا مكان ولا مجال للانقلابات العسكرية الكلاسيكية، فأقصى ما يتمناه كبار الضباط وظيفة دبلوماسية أو ملحقة عسكرية فى أى بلد ما يكون بها حسن الختام. تكشف «المصريون» فى هذه الحلقة من الدولة البوليسية عن أن الأمر لم يكن كذلك ولم يسر على منوال مسلمات الواقع, فهناك انقلابات وتنظيمات خرجت للإطاحة بنظام مبارك ولم يعرف عنها الرأى العام شيئًا لأنها حينما تم كشفها لدى الجهات المسؤولة لم تقدمها للرأى العام بل إن بعضها تم محاكمته سريًا وداخل الغرف المغلقة كما هى طبيعة النظام البائد وهو ما تكشفه «المصريون» عن هذا الانقلاب الذى عرف بتنظيم 19، والذى كان من العمليات التى قامت بها الجماعة الإسلامية للإطاحة بنظام مبارك. يقول على شحاتة من «تنظيم 19»: إنه تم عمل إحصائية ما بين عامى 1990 وحتى عام 1993 فقد تم قتل 128 من الإسلاميين وتم الحكم على 31 بالإعدام، كما تم اعتقال 9500 إسلامى، 245 محاولة اقتحام للمساجد،7200 محاولة ضم المساجد للأوقاف. كما حدث أيضًا مشروع مد ماء النيل لليهود، ووجد تعامل بين 71 شركة تقوم بالتعامل مع اليهود، وبلغ ذروة ذلك بالتصفية الجسدية لأعضاء الجماعة الإسلامية، خاصة مع الدكتور علاء محيى الدين فبدأت حلقة من الصدام المسلح والذى كان مخططًا له لجرّ الإسلاميين إلى حلبة السلاح ولم يتوقف ذلك إلا بعد مبادرة وقف العنف التى قامت بها الجماعة الإسلامية. بداية القصة مع أعضاء الانقلاب مهندس العملية: «هشام أحمد طه سليم»، خريج هندسة شبرا، قسم عمارة، التحق بالأكاديمية العسكرية لمدة 6 أشهر، وبعد ذلك كان فى سلاح المهندسين كتيبة 19، ببنى يوسف بالهرم، عكف على دراسة ثورة يوليو وكل ما يتعلق بها، توصل بعدها إلى قناعة حدوث انقلاب دون إراقة دماء وكانت الفكرة تكرار لسيناريو انقلاب يوليو 195، كان يتمتع بسيرة حسنة فى الجيش فرشح ليكون فى قوات حفظ السلام فى البوسنة والهرسك، وكان مرشحًا لفرقة مفرقعات بالولايات المتحدة، التحق بالكتيبة برتبة نقيب وارتقى إلى رتبة رائد (قائد كتيبة) فى حينها يكون قادرًا على إصدار أوامر لتحريك الكتيبة. كان والده من المتطوعين فى حرب تحرير فلسطين عام 1948 وأصيب فى ذراعه تركت له عاهة مستديمة. محمد حمودة: سبق أن تم القبض عليه فى أحداث 81 وبقى فى السجن لمدة عامين وتم الإفراج عنه، وتكرر اعتقاله بعد ذلك 6 مرات حتى عام 1989 ثم غادر البلاد إلى السعودية ومنها إلى أفغانستان لمقاومة السوفيت، ثم عاد إلى مصر عام 1992، وقبض عليه فى 18-5-1993 بمنطقة عبود، وهو قائد المجموعة وكان على صلة بقيادات الجناح العسكرى للجماعة الإسلامية. أحمد عطية مهندس اتصالات وكانت مهمته إنشاء شبكة اتصالات لاسلكية لتسهيل مهمة الاتصالات بين أعضاء التنظيم، وتم الحكم عليه 10 سنوات ولم يخرج إلا بعد 14 سنة. على شحاتة كان حلقة الوصل بين مهندس الانقلاب هشام طه ومحمد حمودة، ومن الناحية القانونية أن التنظيم تم إنشاؤه فى شهر 8 1992 ومع ذلك تم إدراجه فى القضية على الرغم أنه تم القبض عليه فى 24-6- 1992،وحوكم بالأشغال الشاقة لمدة 15 سنة، لكنه لم يخرج من السجن إلا بعد 17 سنة. يقول أحمد عطية عن فكرة الانقلاب: كان هناك فرقتان عسكريتان تنزلان إلى القاهرة لتأمينها فى حالة اندلاع المظاهرات تحت خطة إرادة 1، وإرادة 2، فكان النقيب هشام مسئول فى عمليات كتيبة تأمين منطقة القصر العينى وما حولها أثناء بداية عمله. وأضاف على شحاتة: إن الكتيبة كانت مكونة من حوالى 40 مدرعة كانت ستتوجه من بنى يوسف بالهرم إلى ماسبيرو والمنشآت الحيوية بالقصر العينى والقصر الجمهورى ومنطقة سجون طره لإخراج المعتقلين السياسيين، والخطة بدأت فى عام 1992 وكان سيتم تنفيذها بالتدرج حتى عام 1997. وهذه هى الكتيبة التى نزلت فى أحداث الأمن المركزى فى عام 1986، ومهمتها تأمين المنشآت الحيوية. وعن فكرة الضفادع البشرية، يقول على شحاتة: حصل مهندس العملية من بعض المصادر على الرسم الهندسى لقصر العروبة (إحدى التصميمات) فتولدت لديه فكرة اقتحام القصر من خلال أنابيب الصرف الصحى عن طريق الضفادع البشرية واجتياز الحراسات والتعامل مع مبارك مباشرة، عرض هذه الفكرة على محمد حمودة -أمير الجماعة الإسلامية بشبرا- فرحب بالفكرة وأخذ عليها بعد ذلك حكم بالإعدام شنقًا. وأشار إلى أن مهندس العملية كان من أعضاء التنظيم السرى للجماعة الإسلامية وكان على اتصال دائم بمحمد حمودة حتى تأتى الفرصة المواتية لإتمام الانقلاب بطريقة منظمة، على أن يوفر مهندس العملية الآلة العسكرية فى مقابل أن يوفر محمد حمودة الأفراد القادرين على إتمام مهمة الانقلاب. وكانت نسبة النجاح للانقلاب نسبة كبيرة، خاصة أنه لا يكون فيه تصعيد بل سيأتى مفاجأة للجميع دون إراقة دماء، وكان الهدف من ذلك الإطاحة بمبارك. كشف الانقلاب يقول أحمد عطية: بداية الخيط أنه تم القبض على أحد الأفراد فى قضية رفعت المحجوب واسمه(ع.م) من قنا وتحت بطش التعذيب اعترف على أجهزة لاسلكلى كانت موجودة فى منطقة شبرا فتمت المساومة معه على أن يطلق سراحه فى مقابل تسليم هذه الأجهزة. وأضاف أن الفترة التى تم القبض فيها على محمد حمودة كانت فترة إعداد وتجهيز لا ترقى إلى أكثر من الاتفاق الجنائى الذى تم إلغاؤه بعد ذلك، وقد تم القبض عليه عن طريق مكالمة تليفونية، ثم استدراجه إلى كمين بمنطقة عبود. أما مهندس العملية فتم التعرّف عليه عن طريق رقم تليفونه الذى وجد مع محمد حمودة، فقامت المخابرات الحربية بإلقاء القبض عليه وأثناء التحقيق كانت تهزأ به وتقول «أنت هاتعمل فيها عبد الناصر»، وظل 70 يومًا فى المخابرات الحربية مرّ فيها بأصناف التعذيب. يذكر أنه فى فترة الإعداد قام مهندس الانقلاب بإعداد خرائط ورسومات للقاهرة والإسكندرية، وكذلك أسماء القادة الذين سيتم استوقافهم حال الانقلاب، وكذلك قام بعمل أختام وتخزين أسلحة سوف يتم استخدامها أثناء الانقلاب فى ساعة الصفر. أثناء التحقيق يقول على شحاتة أكثر شىء كان يضايقهم من مهندس العملية أنه قام بعمل بديل لكل خطة من المحتمل أن تفشل، وكذلك وضع وسائل لتلاشى المعوقّات لإنجاح الانقلاب. وكانت المخابرات الحربية تقول له «أنت خلّيت شوية عيال – يقصدون أمن الدولة– يدخلوا فى شغلنا»، وبعد هذه القضية تفحّل جهاز أمن الدولة لأنه هو الذى قام بكشف أعضاء التنظيم، ولم يتم تسليمه إلى أمن الدولة فى ذلك الوقت، وتم إيداعه فى سجن شديد الحراسة (العقرب) ليلة 10-9-1993 ثم ترحيله إلى سجن الحضرة بالإسكندرية للعرض على المحكمة العسكرية بمحكمة ثروت العسكرية بمنطقة رشدى. وأشار أحمد عطية إلى أنه أثناء التحقيق عرف أنه سيأخذ إعدامًا، وذلك حينما طلب من المدعى العسكرى عمل توكيل لصرف مرتبه لدفع أقساط السلع المعمرة التى أخذها من الجيش فقال له المدعى «ما تخفش سوف تسقط من عليك» وهذا معروف ومفهوم فى العرف العسكرى أنها لا تسقط إلا بالموت، وبعدها تم تحويله إلى وظيفة مدنية بشركة الكراكات المصرية بأبى زعبل على الورق فقط، حتى يحاكم كشخص مدنى ليس له علاقة بالجيش وتم إعدامه شنقًا بدلاً من الرمى بالرصاص. المحاكمة وتنفيذ الحكم يقول على شحاتة تم تحويلنا إلى قضية أمن دولة عليا برقم 312/1993، وتم تحويلها من القضاء المدنى إلى القضاء العسكرى بقرار من رئيس الجمهورية المخلوع تحت رقم 20/1993 ح.ع، برئاسة اللواء أحمد عبد الله وعضو يمين العميد فيصل هبة وعضو يسار العقيد شامل. واستغرقت المحكمة من 11-9-1993 إلى 14-10-1993 أى شهر واحد فقط،وكانت الجلسات يوم ويوم، وكانت سرية، كما تم تنفيذ الحكم بعد النطق بالحكم بشهر ورفضت المحكمة كل الالتماسات، وفى جلسة فض الأحراز لم يوجد أى حرز من الموجودة فى الأوراق، وبسؤال المحامين للقضاة عن إثبات ذلك، فرد القضاة مفيش أحراز وهذا ليس فى مصلحة المتهمين، ومع ذلك كانت الأحكام بالإعدام والأشغال الشاقة. وتابع أحمد عطية أن محمد حمودة طلب أن يقوم بالدفاع عن نفسه لكنه أثناء المرافعة تم الاعتداء عليه من قوات الأمن وقطعوا الأوراق التى أعدّها ووضعوه داخل قفص الاتهام وهو مقيد بالسلاسل. وتم تنفيذ حكم الإعدام فى سجن طنطا، وإخطار أسر المحكوم عليهم بالإعدام عن طريق قسم الشرابية. يقول حمدى حمودة - شقيق محمد حمودة-: كنت مع أخى فى زيارة قبل ليلة الإعدام وعند خروجى من سجن الحضرة فى اليوم نفسه فوجئت بوجود قوات وعربيات ترحيلات على غير المعتاد، فانتظرت أمام السجن حتى خرج أخى وقمت بالحديث معه فقال لى نحن ذاهبون إلى سجن الاستئناف، هو اعتقد ذلك لأنه كان السجن المعتاد فيه تنفيذ أحكام الإعدام، وفى الصباح ذهبت إلى سجن الاستئناف وسجن استقبال طره فلم أجد أى تنفيذ أحكام هناك، وفى الرابعة مساءً من اليوم نفسه علمت عن طريق إذاعة الb.b.c اللندنية أنه تم تنفيذ حكم الإعدام فى سجن طنطا العمومى، وفى اليوم التالى تم استلام بلاغ من قسم الشرابية حيث تقيم الأسرة للذهاب إلى مشرحة مستشفى طنطا لاستلام الجثة وتم تنفيذ إجراءات الدفن اللازمة فى مقابر الأسرة بقرية ميت ناجى مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، وتم اصطحاب الجثة وسط إجراءات أمنية مشددة، وتم إخلاء الطريق تمامًا حتى تم الوصول إلى محافظة الدقهلية حيث تم تغيير القوة المصاحبة من أمن الدقهلية حتى المدافن، وقد أخبرنا الأهالى أن قوات الأمن ما زالت داخل القرية والمدافن لمدة 16 يومًا كنوع من الإرهاب والتخويف من ردود الأفعال. وتابع حمودة: إنه بعد الحكم أصيب الوالد بذبحة صدرية وتوفى بعده بسنة، والأم فقدت بصرها وما زالت تكابد وتعانى من مشاق الحكم حتى الآن، وقد كان واقع الحكم عليها أشد لأننا لم نخبرها منذ أن حكم على أخى أنه قد أخذ حكمًا بالإعدام. وقد رزق أخى بولد قبل تنفيذ حكم الإعدام بأسبوعين وسماه «هيثم»، وقد رآه قبل قبل تنفيذ الإعدام مرة أو مرتين، وعمره الآن 19 سنة. وعن المهندس هشام يقول على شحاتة إنه بعد تنفيذ حكم الإعدام أشاعوا عنه أنه قد أخذ حكمًا بالإعدام لأنه قام باغتصاب فتاة، والتى قامت باستلام جثته أخته وحينما أخبرها الأهالى بذلك أصابتها هيستريا، لكنها تماسكت وأخبرت الأهالى أنهم أعدموه من أجل محاولة الانقلاب العسكرى. وقد تقدمت أخته لاستلام جثته نتيجة ما لحق الأسرة من الأضرار الجسيمة حيث أخروج زوج أخته مبكرًا إلى التقاعد بعد استبعاده إلى السلوم، والذى كان يشغل رتبة مقدم فى الجيش، أما أخوه الآخر فكان مهندسًا ولم يستطع النزول حتى فى تشييع الجنازة تخوفًا من بطش الدولة البوليسية. وأضاف شحاتة أنه قبل تنفيذ حكم الإعدام قام كل من هشام طه ومحمد حمودة بكتابة كتيب من داخل السجن ذكروا فيه أسباب القبض عليهم، وكان بعنوان «لماذا أعدمونا؟» وتم تسليمه للمحامى الشهير «منتصر الزيات» أثناء زيارته لهم، لكى يقوم بنشره، ولا ندرى ماذا فعل به حتى الآن!! موقف إنسانى: وأضاف أحمد عطية أنه بعد الحكم بالإعدام على أعضاء الانقلاب رفض اللواء «وحيد القرش» مدير منطقة سجون وجه بحرى إصلاح غرفة الإعدام بسجن الحضرة حتى لا يتم تنفيذ حكم الإعدام لعلاقته الطيبة بمحمد حمودة، وذلك لما رآه عليه من سمت وصلاح داخل السجن. وأثناء المحاكمة كانوا يهتفون فى عربية الترحيلات وهى تجوب بهم شوارع الإسكندرية «شعب مصر يا مسكين.. مبارك ذبح المصريين»، كما كانوا يرددون «قولوا لمبارك لا» كان ذلك أثناء مبايعة المخلوع للفترة الثالثة فى شهر 10- 1993. أهوال السجون.. يقول على شحاتة أشد موقف مرّ على كان داخل «ليمان أبو زعبل» حيث توفى أحد الإسلاميين داخل الليمان واسمه حسن محمد إبراهيم عيد، وذلك بعد ضربه بطريقة وحشية، وحينما جاء وكيل النيابة لمعاينة الواقعة من باب الديكور القانونى فى ذلك الوقت فى عام 1997، كان هناك جاويش يدعى «رمضان السيد على» قال للضابط «يا باشا إحنا هانلّف الولد فى بطانية جديدة»، فقال له الضابط «هى خسارة فيه بس كله بثوابه». وأضاف أحمد عطية أن مدير مصلحة السجون فى ذلك الوقت «سامى عبد الجواد» دخل عنبر 3 بليمان أبو زعبل قسم ثالث، وكان يوجد 17 معتقلاً إسلاميًا بالعنبر وصلت درجة حرارتهم 40 درجة مئوية، فاستدعى الممرضين وطلب تحسين المعاملة ثم قال «أى نعم هم كفار صحيح بس إحنا هانعملهم معاملة إنسانية». أما عن الثورة فقد أكد أحمد عطية والذى كان مرابطًا بميدان التحرير أنه لم يشعر أنه خرج من السجن إلا بعد أن سمعت قرار التنحى وأنا بالميدان، أما على شحاتة فقد بكى من شدة فرحته بالثورة. الشاعر عبد الصبور صاوى سيد