بدأ تزايد أعداد اللاجئين الفارين من الجحيم السوري يقلق دول الجوار. وقد يؤدي على المدى المنظور إلى زعزعة استقرارها السياسي والاقتصادي، إذا ما استمرت الأوضاع على وتيرة التدهور الحالية، واستمر وصول اللاجئين بنفس الأعداد الكبيرة. خلال الأسبوع الماضي، زارت نائبة الأمين العام الأممي المكلفة بالشؤون الإنسانية فاليري آموس دمشق لإثارة موضوع »تدهور الوضعية الإنسانية«. فإلى جانب مليون مرحل داخل سوريا (من مجموع 22 مليون سوري)، غادر سوريا أزيد من 270 ألف مواطن البلد في اتجاه لبنان والأردن وتركيا والعراق، حسب تقديرات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، سجل منهم بشكل رسمي لدى الوكالة الأممية فقط 140 ألفا. وفي لبنان، التقت المسؤولة الأممية للاجئين السوريين والمنظمات الإنسانية العاملة والمسؤولين الحكوميين. وحسب تقديرات المفوضية، لجأ الى لبنان أزيد من 37 ألف سوري، فيما تتحدث العديد من منظمات الإغاثة الإنسانية عن وصول ثلاثة أضعاف هذا العدد، تدفق مهم في بلد صغير ومنقسم بشكل خطير بين مؤيدين ومعارضين للنظام السوري. ومنذ بداية الأزمة، يحاول رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أخذ مسافة تجاه الصراع، والحكومة تتكفل باللاجئين بشكل محتشم في وقت يواجه لبنان العديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، ناتجة بالأساس عن الوضعية المتأزمة في سوريا. ولمواجهة نقص الوسائل، تقدم عدة دول أوربية، وخاصة فرنسا مساعدات مالية. وفي يوليوز، أعلنت الحكومة اللبنانية أنها لن تتكفل بالجرحى السوريين الذين يعالجون في المستشفيات اللبنانية. وكون العديد من المعارضين الجرحى يتلقون العلاج على حساب الدولة اللبنانية أثار ضجة كبرى في صفوف حلفاء دمشق في لبنان. ووجود اللاجئين السوريين وأغلبهم من المنطقة الحدودية القريبة من حمص، في منطقة البقاع (شمال شرق لبنان) ومنطقة عقار (في الشمال) يطرح مشكلا في بلد مازالت ذكرى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي تحولت إلى معاقل مسلحة خلال الحرب الآهلية (1990-1975)، حية. ويؤكد أحد المقربين من الوزير الأول نجيب ميقاتي قائلا: »لبنان سيستقبل اللاجئين، لكن ليس واردا إقامة مخيمات، رأينا ما أدى إليه ذلك في الماضي«. وتتخوف السلطات اللبنانية من احتمال إقامة المعارضين لقواعد عسكرية بين اللاجئين ,وقد حذرت دمشق عدة مرات سلطات بيروت من تواجه المعارضين فوق أراضيها وقامت بعمليات داخل التراب اللبناني. وحسب مصادر عسكرية تم اعتقال عدد من اللاجئين وطردهم من لبنان, لكن عددهم بالضبط غير معروف. ويوم 1 غشت تم طرد 14 مواطنا سوريا نحو التراب السوري, مما أثار انتقادات قوية من طرف العديد من المنظمات الإنسانية، ووعدت بيروت بعد ذلك بوقف مثل عمليات الطرد هاته. ومن المشاكل الأخرى المثارة, هناك مشكل المساعدات التي توزع بانتقائية طائفية وسياسية، وهي تأتي أساسا من أوساط السنيين اللبنانيين المناهضين للأسد الذين يشكلون الأغلبية داخل المعارضة السورية. وهناك جمعيات خاصة مثل المصلحة الطبية للجماعة الإسلامية، الجناح اللبناني لجماعة الإخوان المسلمين، تنشط بكثافة في هذا المجال. ومنذ تفجر المعارك في دمشق في منتصف يوليوز الماضي، التحق العديد من اللاجئين الفارين من العاصمة بمن سبقوهم القادمين من حمص, وأغلب اللاجئين من دمشق من الطبقات المتوسطة أو الميسورة القادرة حتى الآن على التكفل بحاجياتها. وفي تركيا تجاوز عدد اللاجئين السوريين الذين دخلوا تركيا حتى منتصف غشت أزيد من 60 ألف شخص ، ويوجد في تركيا عدة آلاف من اللاجئين الذين لم يدخلوها بالطرق الرسمية، وقد اضطرت الحكومة التركية الى تسريع إقامة بنيات جديدة لاستقبال 100 ألف لاجئ، وتم بناء 4 مخيمات جديدة الى جانب 8 مخيمات مبنية بالخيام موجودة على طول الحدود التركية السورية، ومخيم آخر مجهز يأوي 12 ألف شخص قرب المركز الحدودي لمقاطعة كيليس. أما المنشقون من الجيش السوري وعائلاتهم فيتم تجميعهم في مخيم «ابيدون» الذي تحرسه القوات التركية بشكل صارم وراء أسوار محصنة ويضم حوالي 30 جنرالا وعشرات الضباط وضباط الصف وكذا قائد الجيش السوري الحر رياض الاسعد. ووجود السوريين في تركيا يبقى مؤقتا, بحيث لم يمنح لهم وضع لاجئين ويعتبرون كضيوف وليست لهم امكانية طلب اللجوء السياسي او الاتصال بالمفوضية العليا للاجئين. وتدبير هذه المخيمات موكول الى الصليب الاحمر التركي وادارة الكوارث الطبيعية وحالات الطوارئ تحت الاشراف المباشر للحكومة. ويسمح فقط للمنظمات الانسانية التركية الاسلامية والقريبة من الحكومة بتقديم المساعدات. وقد تم تجهيز المخيمات بمدارس ومساجد ومصالح طبية وفضاءات ترفيهية للاطفال, لكن الدروس تعطى بالتركية وتوجد المخيمات على طول الحدود على مرمى نيران الجيش السوري وهو ما يطرح مشاكل امنية حقيقية. وقد ظهرت عدة توترات عرقية كذلك داخل المخيمات عندما تم استقبال 1500لاجئ تركماني من منطقة حلب. والتعايش مع باقي الاثنيات السورية واغلبهم من الصرب لا يتم دون مشاكل و الجوار مع القرى التركية ,سواء كنت سنية أو علوية يثير أيضا عدة مشاكل. أما في الاردن البلد الاكثر تضررا في المنطقة بتواجد حوالي 150 ألف لاجئ سوري, فإن الشرطة الاردنية المكلفة بمكافحة الشغب اضطرت الاسبوع الماضي الى التدخل لتفريق مجموعة من المتظاهرين الغاضبين في مخيم اللاجئين الزعتري الذي فتح مؤخرا. ويريدون العودة الى مدينة الرمثة قرب الحدود, بل ان مواجهات مسلحة وقعت يوم 10 غشت الماضي بين عناصر من القوات المسلحة الاردنية والقوات النظامية السورية على الحدود بين البلدين، دون ان تخلف ضحايا وهذا الحادث هو الاخطر بين البلدين منذ اندلاع الثورة السورية قبل 17شهرا. وحسب شهود عيان, فإن المواجهة تمت بالمصفحات في منطقة تل شهاب طرة على بعد حوالي 80 كلم شمال عمان في الوقت الذي كان لاجئون سوريون يحاولون الفرار في اتجاه الحدود الاردنية. بل هناك بلدان بعيدة مثل الجزائر اصبحت تقلقها اعداد السوريين اللاجئين, حيث اعلنت الخطوط الجزائرية عن تقليص عدد رحلاتها من دمشق بهدف وقف موجة اللاجئين الذين يقدر عددهم بحوالي 12 الف لاجئ. وكلما زاد سوء الاوضاع في سوريا، يزداد عدد السوريين الفارين من المعارك. ففي منطقة كردستان العراق كان مخيم دوميز حتى بداية ماي الماضي صغيرا. لكنه اليوم يأوي ازيد من 8000لاجئ كلهم من الاكراد، تضاعف حجم المخيم خلال الشهر الماضي وتحولت وثيرة الوصول الى حوالي 1000 لاجئ في الاسبوع. المخيم يوجد على بعد حوالي 30 كلم من مدينة دهوك في اتجاه الحدود مع سوريا، بعيدا عن الطريق الرئيسي, وقد سبق لهذا المكان ان استقبل مئات اللاجئين الاكراد ضحايا القمع السوري لمظاهرات الاكراد سنة 2004. اللاجئون الاوائل سكنوا البيوت المبنية غير ان وثيرة البناء لاتساير عدد الوافدين واغلبهم يتم استقباله تحت خيام كبيرة نصبتها المفوضية العليا للاجئين ويعيشون تحت شمس حارقة، ويتم حاليا تزويد الملاجئ بالكهرباء والماء الصالح للشرب, الا ان ظروف الحياة تبقى جد صعبة، وعموما يعامل اللاجئون الاكراد في مخيم دوميز بشكل حسن من طرف حكومة كردستان العراق المستقلة. وذلك ليس حال السوريين الاخرين غير الاكراد الذين يحاولون دخول العراق, خاصة قرب مركز الحدود ابو كمال الذي اغلقته السلطات العراقية في منتصف يوليوز. والحكومة المركزية العراقية بقيادة نوري المالكي تبقى موالية لنظام بشار الاسد الذي آوى المالكي خلال سنوات منفاه. ويتم طرد اللاجئين العرب السوريين نحو بلدهم. اما في منطقة كردستان العراق, فإن رئيس الحكومة مسعود البارزاني يقدم نفسه كراع للاكراد السوريين وبذل مجهودات كبيرة لتوحيد فصائلهم السياسية المتعددة وينقسم اللاجئون في مخيم دوميز الى صنفين: المنشقون وعائلاتهم والاكراد الفقراء الذين لا يستطيعون العيش في الفوضى السورية. وتشير عدة تقارير إلى ان بضع مئات من الشباب الاكراد السوريين يتلقون تدريبات عسكرية على ايدي البشمركة العراقيين، وعاد عدد منهم الى مناطق كردستان السورية من اجل السيطرة على المدن التي انسحبت منها القوات السورية. وبالنظر الى الخلافات العميقة بين مختلف الفصائل الكردية, فإن العديد من المراقبين يتخوفون من اندلاع حرب اهلية بين الاكراد بعد سقوط النظام السوري.