أثار خبر استبعاد رئيسة تحرير جريدة «أخبار الأدب»، الأسبوعية الثقافية المصرية، الكاتبة عبلة الرويني ، واستبدالها بصحفي يوصف بأنه مقرب من جماعة الاخوان المسلمين، موجة من استنكار عدد من المثقفين المغاربة، خصوصا وأن الجريدة الأسبوعية، مثلت بالنسبة للكثيرين منهم، ملجأ للأخبار، ومحطة للنشر والكتابة.. ضمن سياق ما تعيشه مجموعة من المنابر الصحفية المصرية، من أزمة حقيقية، منذ اعتلاء المرشح الاخواني كرسي رئاسة مصر، على الرغم من أن الجريدة وعبلة شخصيا، كانا من أشد المدافعين عن ثورة 25 يناير، ولم يفتر ذلك الحماس بعد الثورة في دفاعهم عن قيمها وشعاراتها . المبدعون المغاربة وأخبار الأدب- علاقة إدمان وتضامن: وأقر المسرحي والكاتب المغربي ادريس كسيكس، أنه لطالما كان أشد المدمنين على قراءة «أخبار الأدب»، وأن الخبر يشكل فرصة حقيقية لنقاش معنى الديمقراطية، والتأكيد على أنه ليس يقصد بها بشكل من الأشكال تسلط الأغلبية، وهو المعنى الذي لا تدركه المجتمعات التقليدانية، ما يجعلنا أمام وضع مضمونه أن الأصوات الحداثية القليلة، والتي تقاوم السلطوية بمختلف أشكالها، هي الآن مهددة، خصوصا مع أن الثورات في سياق «الربيع الديمقراطي» فتحت بابا ما كان مفتوحا من قبل، وهو باب مشاركة المجتمعات على نطاق واسع، في تحديد جزء من مصيرها، واذا حدث فعليا أن فقدت «أخبار الأدب» تعددية الأصوات فيها، فسنكون أمام خسارة لا تعوض. من جهتها قالت القاصة المغربية لطيفة باقا، -التي سبق لها أن شاركت بكتاباتها في الجريدة- أن «هذا الاستبعاد، قد يشكل مؤشرا على التراجع بشكل خطير عن المكتسبات التي حققها المثقفون في مصر، على مستوى حرية التعبير والرأي والصحافة والابداع، خصوصا مع الاستحقاقات الأخيرة التي جاءت بالتيار الأصولي متمثلا في الاخوان إلى الحكم». الأستاذ رئيس مجموعة البحث في القصة القصيرة، مصطفى الجباري، أكد على أن الثقافة لا يمكن أن تتطور داخل وبتحكم واملاء من ايديولوجية منغلقة لا علاقة لها بالثقافة، «هذه البداية فقط، وأتوقع أن تمتد الهجمة إلى حقول أدبية أخرى، بالنظر إلى ميزان القوى الجديد الذي بدأ يتشكل، ما يلزم المثقفين بالمساندة والتجند والتكاثف واسماع الصوت، من أجل ثقافة وابداع حرية، يعبران عن الأقلية أيضا ولا يضطهدها، فالثقافة وجب أن لا تخضع للعبة الجموع والتجبر». عن الثورة وعبلة ولم يكن ليتوقع المثقفون الأكثر تشاؤماً أن تكون ثورة 25 يناير التي دافعوا عنها، ستكون مقدمة لخسارة منابرهم التي تبنت قضاياهم وساندتهم في سنوات استبداد نظام مبارك، وفي مقدمة تلك المنابر جريدة «أخبار الأدب»، التي شكلت منبرا دائما للثقافة والمثقفين، وملجأ لأرائهم الحرة وأعمالهم الابداعية، منذ أسسها الروائي المصري جمال الغيطاني سنة 1993، بحيث اعتبرها الكثير من مثقفي مصر -والعالم العربي بحكم أنها كانت تسوق وتقرأ على طوله وعرضه- حائط صدٍّ لمواجهة قوى الظلام التي سعت في السابق للنيل من حرية الإبداع والتعبير، كما كانت فضاء للحوار والتواصل بين مصر ومحيطها العربي، كما أشار إلى ذلك بيان وقعته مجموعة من المثقفين صدر عن منتدى »ورشة الزيتون« الثقافي، اعترض على ما سماه »الإزاحة الفاشية التي لحقت بالرويني، وإحلال من لا يملك كفاءتها أو مهنيتها، لكنه أحد أتباع السلطة الجديدة«، ما يدل - وفق البيان - على استئثار هذه السلطة السياسية بالسلطة الصحافية، وتأميمها لحسابها. وقد أثار استبعاد الكاتبة الصحفية عبلة الرويني من رئاسة تحرير أسبوعية »أخبار الأدب« وتعيين مجدي العفيفي رئيساً لتحرير الصحيفة، الكثير من السخط، خصوصا أنها كانت قد اختيرت رئيسة لتحريرها، بعد إضراب مفتوح عن العمل خاضه محرروها لعدة أسابيع، اعتراضاً على سياسات رئيس التحرير السابق الصحفي مصطفى عبد الله الذي خلف الكاتب جمال الغيطاني. ويوضح الكاتب والخبير الإعلامي توماس جورجسسيان أن »مشكلة السلطة الجديدة مع »أخبار الأدب« يأتي من ماضيها، فهي كانت جريئة ومناضلة ومؤثرة ومزعجة، واستمرار صدورها ليس الهدف منه الاحتفاء أو الاهتمام بما هو آتٍ وجديد بمقدار ما هو رغبة في التخلص مما هو قائم والانتصار عليه ليكون درساً وعبرة للآخرين، فلا يفكر أحد أو يجرؤ على السير في الطريق نفسه«. ويلفت جورجسسيان كذلك إلى أن أولي الأمر الجدد أزعجهم وجود الرويني ككاتبة علمانية، ومن ثم كان الهدف الأكبر واضحاً وهو إسكات تلك الأصوات التي تسعى إلى دولة مدنية تليق بالشعب المصري وثورته المطالبة بالحريات والكرامة الإنسانية. وهو ما تتفق معه الرويني، معتبرة أن استبعادها كان متوقعاً، لأن خطها الفكري ككاتبة يتناقض كلياً مع مشروع »الإخوان«، مثله في ذلك مثل خط الصحيفة، بينما يسعى مشروع القوى الإخوانية الصاعد في مصر إلى ترسيخ دولة دينية، وهو خط كان يستحيل أن تنسجم معه، مشيرة إلى أن صانعي القرار أدركوا هذه الاستحالة، فبادروا إلى استبعادها. وتعتبر الرويني التي كانت أول رئيس تحرير يتولى هذا الموقع بالانتخاب بعد ثورة 25 يناير، استبعادها أمراً متوقعاً، لكنه حلقة في مسلسل يبدو حافلاً بالمشاهد القاتمة التي تلخص وضع الثورة المصرية الآن، وهو أمر تنبغي مواجهته، ليس فقط لإنقاذ الصحيفة ولكن لحماية العقل المصري وإرثه التنويري. المقاومة لا تكل وتشير الرويني إلى سلسلة من المبادرات أطلقها مثقفون مصريون لتأسيس صحيفة بديلة، تستكمل خط »أخبار الأدب« وتقوم على اشتراكات مدفوعة مسبقاً، وهو أمر يصعب التأكد من نجاحه نظراً إلى خبرات سلبية في هذا الصدد. لكن اجتماعات بدأها بعضهم على أثر ما جرى في »أخبار الأدب« تسعى إلى البحث عن حل، ومنها اجتماع شهده مقهى »ريش« في وسط القاهرة الثلثاء الماضي شاركت فيه نخبة ضمت صبري حافظ ومحمد عبلة وميسون صقر ومحمد بدوي وأحمد الشهاوي وفاطمة قنديل وشيرين أبو النجا وغادة نبيل وغيرهم، انتهى إلى تأسيس مبادرة بعنوان »حماية العقل المصري« طالبت السلطة المصرية في شكلها الأخير بإثبات حسن نياتها تجاه احترام استقلالية المؤسسات، وعدم تسييسها لمصلحة تيار أو جماعة، واعتماد معيار الكفاءة في الاختيار والعزل. وأهاب هؤلاء بمسؤولي البلاد في بيان، أن يضعوا الثقافة كفكر وفن في مقدمة خطتهم للنهوض. واستنكر البيان الذي صدر عن تلك المبادرة عدم تمثيل الكتاب والفنانين والشعراء والمثقفين في لجنة إعداد الدستور. ودعا المشاركون إلى الخروج في مسيرة الخميس المقبل إلى دار الأوبرا المصرية، لتأكيد أن هذه المطالب هي جزء أصيل من حياتهم اليومية. ويتوقع بعض المثقفين أن تواجه »أخبار الأدب« مصيراً مجهولاً بعد اعتذار عدد من أبرز كتابها عن عدم التعاون مع رئيس التحرير الجديد، كما أوضح المؤرخ خالد فهمي الذي كان يكتب زاوية في الصحيفة، مشيراً إلى أن العفيفي »لا يؤمن أصلاً برسالة الجريدة«. ويخشى آخرون من بينهم الصحافي محمد شعير مدير تحرير »أخبار الأدب«، من أن تكون هذه التغييرات خطوة في اتجاه إغلاق الصحيفة أو تحويلها إلى موقع إلكتروني بزعم خفض النفقات. لكن شعير يؤكد أن فريق التحرير في الصحيفة سيواصل إثبات جدارته والحفاظ على »ثوابت تحريرية«، مشيراً إلى بيان أصدره المحررون عقب أول اجتماع مع رئيس التحرير الجديد والمجهول تماماً في الأوساط الثقافية المصرية، أكدوا فيه أنه نفى صلته ب »الإخوان«، كما لا يسعى إلى فرض رؤى أو تصورات الجماعة أو غيرها في الجريدة التي يفترض أنها صوت المثقفين. وقال إن أول مقالاته في الجريدة سيؤكد تلك الثوابت. ودعا محررو الصحيفة في بيان إلى »الانتظار إثباتاً لحسن النيات«، ما أثار لغطاً في الأوساط الثقافية، إذ اعتبره بعض منهم »مهادناً«، وهو اتهام نفاه شعير، مؤكداً أن »أي رئيس تحرير سيتنازل عن هذه الثوابت، أو سيعمل لحساب تيار سياسي معين، لن نتعامل معه«. إعلاء الصوت وينظم مثقفون مصريون وقفة احتجاجية مساء الخميس المقبل في ميدان طلعت حرب في وسط القاهرة، تعبيراً عن قلقهم من »محاولات تغيير هوية الدولة، ومن الدستور الذي يتم صوغه حالياً، خصوصاً في ما يتعلق بالحريات العامة والخاصة«، وفق بيان وقَّعه عدد كبير منهم. وأضاف البيان أنه سيتم خلال الوقفة »التنديد بالهجمة الشرسة التي تتعرض لها الثقافة، ومحاولات تكميم الأفواه التي تمثلت في مصادرة بعض الصحف ومنع كُتاب وصحافيين من الكتابة والاعتداء على الإعلاميين«. ومن المقرر أن يحمل المشاركون في الوقفة الاحتجاجية لافتات تندد بقمع الحريات، وصوراً لرواد التنوير المصري في مئتي عام. ويتبع الوقفة نشاط بمشاركة عاملين في مجالات الثقافة والإبداع والإعلام والحقوق إضافة إلى مهتمين من الجمهور باعتبار الثقافة هي »حائط الصد الأخير في معركة أخونة الدولة. لزوم الثورة الثانية وعبر المسرحي والكاتب ادريس كسيكس عن أن في حالة ضياع أخبار الأدب فالأمر سيكون شبيها بضياع التجربة الحداثية الأخرى مجلة الناقد اللندنية، العلمانية العربية، التي كانت قد وقفت بدعوى نقص الموارد بعد أن تم توقيف الدعم عنها، ليضيف: «الأمر وجب أن لا يجرنا نحو الظن بأنه انتكاسة، بل علينا التأهب جميعا، في أفق ثورة ثانية، ثقافية هذه المرة، هي ثورة ضد السلطوية المقنعة والتجبر باسم الدين».