في ليلة السادس وصباح السابع من نونبر، تمتع رجل سياسة فرنس بحق اطلاعه على ما يجري. يتعلق الامر بليونيل جوسبان الذي خبر كثيرا الهادي بكوش، اول زعيم للحزب الاشتراكي الدستوري المنضوي تحت لواء الأممية الاشتراكية، كان على هذا الأخير ترؤس »مجلس الثورة« باعتباره المخطط الرئيسي للمؤامرة وواحدا من القلائل، ضمن المجموعة الجديدة، من يملك اتصالات على المستوى العالمي. في ليلة السابع من نونبر، غير ابن علي رأيه مخاطبا الهادي بكوش» »يجب الإسراع بالعمل، أنا من سيصدر الأوامر، ولن تكون رئيس الدولة إلا فيما بعد»«. بعد ذلك بإثنتي عشرة سنة، مازال سيء الحظ بكوش ينتظر... استفاق بورقيبة في الرابعة صباحا مندهشا مما يجري داخل قصر قرطاج، راحت ابنة اخته تتقصى الاخبار في حين أخبره الحرس الوطني بأن الأمر يتعلق بمحاولة انقلاب عسكري يقف وراءها الاسلاميون. بعد ساعتين وكعادته كل صباح، يستمع رئيس الدولة لنشرة أخبار السادسة صباحا. والحال أن راديو تونس بدأ بثه الاذاعي بالنشيد الوطني وتلاوة التونسيين، ذلك الصباح، أمداحا دينية تتغنى بانتصارات »المجاهد الأكبر« عندما أذيع خطاب ابن علي على أمواج الاذاعة، أسر بورقيبة بهدوء إلى ابنة أخته» »صديقك وراء كل هذا» صعقة كهربائية كان الخطاب الرئاسي الأول للعصر الجديد، والذي كتبه الهادي بكوش، صارما وحذرا. بعد احتفائه بسلفه و»تضحياته الكبرى«، أعلن زين ابن علي أن بوقيبة وانطلاقا من تقرير طبي، لا يستطيع مزاولة المهام المنوطة به كرئيس للجمهورية، ويتابع ابن علي »سنتكلف بعون من الله القدير، بمهمة رئاسة الجمهورية والقيادة العليا للقوات المسلحة. وبلهجة يعلوها الوقار، أكمل ابن علي» »إن العصر الذي نعيشه لا يسمح برئاسة مدى الحياة ولا بتوريث آلي يقصي إرادة الشعب»«. راح الزعيم الجديد يستعرض بكل نشاط الاصلاحات المزمع تحقيقها: اقامة دولة الحق، محاربة الرشوى، الترخيص للحريات العامة وتمتين التضامن الاسلامي، العربي، الافريقي والمتوسطي«. كان بورقيبة يعطي الأولوية »للتقدم« أما خلفه فهمه الوحيد هو »الديمقراطية. صك امتياز حقيقي للجمهورية الثانية الناشئة والذي اختتم بآية قرآنية كان للخطاب الأول وقع الصعقة الكهربائية، بدأت رياح التغيير تهب على تونس العاصمة. خرج الناس وعمت الفرحة الأزقة. تعالت الهتافات. »»عاش ابن علي«« كان الانقلاب مفاجأة للجميع في صباح السابع من نونبر نشرت» الصحافة» الجريدة اليومية الرسمية مقالا افتتاحيا على شرف بورقيبة.وفي الظهيرة من نفس اليوم،ظهر عدد خاص وافتتاحية اخرى على شرف المنقذ، ابن علي: »»وجها لوجه مع مصيره، عرف ابن علي كيف يقوم الاعوجاج وينقد البلاد من الانزلاق«« كان مدير اليومية انذاك هو صلاح الدين معاوي الذي يشغل اليوم منصب وزير السياحة،وهو منصب لم يتزحزح منه قط، كان الرجل يحرص أن يكون أنيقا في أدق التفاصيل، وقد أطلق عليه الشارع التونسي لقب »الرجل ذو الافتتاحيين«. في منتصف يوم السابع من نونبر، هاتف الوزير الأول الجديد هادي بكوش أحمد مستيري المؤسس الفعلي لحركة المعارضة اللائكية (حركة الديمقراطية الاشتراكيين) والذي دعا بدوره الأحد عشر عضوا بالمكتب السياسي من أجل إعداد بلاغ. وقد أخبره هادي بكوش: «»ان ابن علي يخصك بأول اتصال رسمي، انتظر قليلا، إنه يخرج من الحمام««. مفاجأة بالنسبة لمستيري. خاطبه ابن علي:» »لما كنت بصدد كتابة الخطاب، استحضرت مقترحاتكم حول ضرورة الخروج من النظام الأحادي«« لم يكن بلاغ حركة الديمقراطيين الاشتراكيين معاكسا للانقلاب. خلال إذاعة أخبار الصباح عن تشكيل الحكومة الجديدة، لم يرد اسم صامد كروي »رئيس« الحزب الاشتراكي الدستوري والذي كان في عهد بورقيبة يتمتع بمنصب وزاري دون حقيبة. رغم ذلك، ومنذ ليلة السابع من نونبر، استعاد المسؤول الأول عن الحزب الاشتراكي الدستوري موقعه البروتوكولي. مر هذا التحول اللبق دون أن يثير انتباه أحد، ولكن الدرس كان واضحاً: لقد خرج الحزب الحاكم، بعد السابع من نونبر، بأقل الخسائر وسيعرف كيف يعيد إخضاع كل المتمتعين بامتياز الانتماء إليه. كانت التعددية، ساعتها، مطلباً والديمقراطية أفقاً رسمياً أو مداً للفريق الجديد الذي يدير دفة الحكم. منذ التاسع من نونبر، أصبح الزعيم التاريخي للاتحاد العام للعمال التونسيين حراً في تحركاته. فقد طمأنه ابن علي عند استقباله بقصر قرطاج، قائلا»»يمكنكم التقدم لانتخابات المؤتمر القادم سنة «1989«. شلال من الاجراءات الليبرالية، ينساب على العاصمة تونس. بعد أسبوعين فقط من إقالة «»المجاهد الأكبر»«، عدل النواب نظام الحراسة النظرية الى أربعة أيام وانتشت الطبقات الوسطى التونسية، التي تعيش على النمط الفرنسي، بالعيش، أخيراً داخل دولة الحق. في هذا الصدد، قال موظف سام بالخطوط التونسية متبجحاً وهو الذي تعود السفر الى باريز» »يمكنكم المطالبة بالطبيب ساعة اعتقالكم، وهذا ما لا تتوفرون عليه في فرنسا»«. تم إلغاء محكمة أمن الدولة التي حاكمت الاسلاميين وتحددت مدة الحراسة النظرية في أربعة أيام، كما ألغيت حصص التعذيب وسُمح لفرع منظمة العفو الدولية بالتواجد بتونس العاصمة.