منذ ذلك، اصبح الطريق سالكا. خلال صيف 1987 ، خص يومية ليبيراسيون بحوار مشهور لم يعرف طريقه للنشر يعلن ابن علي : »ان القوة العقلية لرئيس الدولة اصبحت جد محدودة: فجوات في المخيلة، حالات غضب مفاجئة وقوة استيعاب تعادل مستوى الأطفال«. ما يتبقى الآن هو زعزعة الأسد الهرم الذي تتولى حمايته مجموعة من المقربين بقصر قرطاج. في الأول من غشت أمر بورقيبة بإصدار ثلاثين حكما بالاعدام في حق تسعين إسلاميا اتهموا بارتكاب جرائم مختلفة: التعاون مع دولة أجنبية، محاولة قلب النظام، المناداة بالعصيان والتطاول على رئيس الجمهورية، أما راشد الغنوشي، فقد تم ترحيله من مقر وزارة الداخلية إلى السجن المركزي بتونس العاصمة، تحت حراسة أربعة شرطيين مسلحين على مدار الساعة. ارتفعت حدة الضغط خلال الصيف انفجرت أربع قنبلات يدوية الصنع داخل أربعة فنادق بنواحي موناستير مسقط رأس رئيس الدولة. ومازاد الطين بلة أن المتعاطفين مع حركة التوجه الاسلامي داخل الجيش يهيئون لانقلاب عسكري حدد موعده في 8 نونبر الموالي. لقد تم تبني هذا القرار من طرف المكتب السياسي للحركة، رغم معارضه نصف عدد أفراده. كان استحضار هذا المشروع الانقلابي ولمدة طويلة أداة دعاية لابن علي من أجل تدبير انتفاضه على الحكم الخطر حقيقي إذن. يؤكد صلاح كركر في هذا الصدد: »لم يكن لدينا مخرج آخر، فقد أعلن النظام الحرب علينا«. غادر كركر تونس بمساعدة بعض المتواطئين، متخفيا في زي عقيد على ظهر سفينة بعد أن حجزت . كان الحصول على الضوء الأخضر من الاخوان المسلمين المصريين والسوريين وبعض الأوساط الجزائرية من أجل القيام بالانقلاب. هل تسرب خبر هذا الخطر إلى الشرطة التونسية؟ هل سرع الخطر الأصولي من وتيرة مشاريع ابن علي؟ كثيرة هي الأسئلة التي تصعب الاجابة عنها اليوم. »سيخبرنا المؤرخون بالحقيقة« يقول كركر لكن، خلافا لما تبنته الدعاية الرسمية شارك وزير الداخلية زين بن علي بورقيبة تشدده أمام »الملتحين« .يجب الحفاظ على ثقة »المجاهد الأكبر«. أياما قليلة قبل المحاكمة، كان هناك اجتماع للحزب الاشتراكي الدستوري / الحاكم بمقر المكتب السياسي. بعضهم اقترح ان تقول العدالة كلمتها، حينها انتفض ابن علي قائلا: »هناك أدلة تثبت إدانتهم ومن ثم وجب إعدامهم« في السادس والعشرين من شهر شتنبر، نطقت المحكمة بثلاث أصوات مقابل اثنين، بحكم الاعدام في حق الغنوشي، في الوقت الذي كان يتطلب الأمر أربعة أصوات كي يصبح الحكم ساريا في المقابل، صدر حكم بالإعدام غيابا في حق صلاح كركر. في اليوم الموالي للنطق بالأحكام، بدا بورقيبة الذي ظل حبيس القصر، واهنا وشارد الذهن يجرفه إحساس بأن السلطة تفلت من يديه، إذ ذاك عاودته موجة الغضب كما لو أن بطل التحرير يرفض شبح نهايته الخاصة. في الثاني من أكتوبر 1987، عين ابن علي وزيرا أول. إنه، في نظره الرجل الحازم الذي لا يضعف. بعد شهر من ذلك، سيوجه الجنرال ضربته القاضية نسيم الحرية كما الشأن بالنسبة للملك لير، لم يتبق لبورقيبة إلا ظل ماضيه بما تبقى له من تيقظ، ارتاب »العجوز« في ولاء الجنيرال ابن علي الذي تمت ترقيته مؤخرا. عند الظهيرة من 6 نونبر 1987، أسر بورقيبة إلى ابن أخته سعيدة بأنه قرر أن يغير الوزير الأول ويعين محمد مصباح أحد المخلصين له. كان حاضرا إذ ذاك بالمكتب الرئاسي وزير الاعلام عبد الوهاب عبد الله، الذي كان يأتي كل ظهيرة ليقرأ الجرائد لرئيس الدولة الذي أصبح مريضا مزمنا. لقد كان كل المسار المهني لهذا الوزير الشاب، المزداد بموناستير، تحت جلباب بورقيبة. هل هو من خان، ذاك اليوم، ولي نعمته، قبل أن يصير واحدا من الرجال الأقوياء للنظام الجديد؟ أم سعيدة السامي ابنة أخت بورقيبة، هي التي باحت بالسر للجنيرال ابن علي الذي كان مقربا إليها. شيء واحد لا يمكن الشك فيه، هو ان خطط بورقيبة قد تسربت لابن علي انقلاب شرعي حالما توصل المتآمرون، بالخبر، بدأوا في التسابق مع الزمن وتسريع الاحداث. لم يكن هناك مجال لتدخل الجيش ولا ان تأخذ اقالة بورقيبة طابع انقلاب، فقد عهد للمصفحات الزرقاءا لتابعة للدرك بمراقبة مقر الحكومة والحزب والتلفزة. اما حيب عمار رئيس الحرس الوطني والمكلف بتوفير الحماية اللصيقة لبورقيبة وباعتباره رفيق ابن علي ايام الخرج من الدفعة العسكرية، فقد حاصر قصر قرطاج الذي قطعت خطوطه الهاتفية مع الخارج تحت ذريعة خطر اسلامي محدق بعد ذلك، هاتف حبيب صديقه زلين العابدين:»كل شيء على ما يرام، تعاني، سيدي الرئيس«. تم استدعاء وزير الدفاع صلاح الدين بالي الى مقر وزارة الداخلية، وبعدما اخبر بالمخطط، طلب منه، رسميا، ان ينتقل الخبر الى رؤساء القيادة العليا في صباح الغد، استدعى ابن علي جميع الجنيرالات، تكلف سكرتيره المخلص وحارس امن سابقا العربي عيسى بمرافقتهم الى مكتب الجنيرال كانت التعليمات التي اعطيت للحراس بسيطة: رنة جرس واحدة، يقدم احد العمال القوة. رنتان يعتقل على اثرهما الزائر. وحده الجنيرال بوزكارو، رئيس الهيألة العامة لسلاح الجو وحفيد بورقيبة ابدى اعتراضه واعتقل على التو. بالاضافة الى كل هذا، كان يحب عزل بورقيبة بشكل يتطابق مع مقتضيات الدستور وان كل معوقمات ممارسة الرئيس لمهامه يجب ان تكنو بمباركة الوكيل العام هاشمي زمال. هذا الاخير غادر فراشه على عجل يرتدي برنسا وهو بين اليقظة والنوم. ثم استدعاء سبعة اطباءمن ضمنهم عسكريين، ليلا، ليس من اجل اسعاف مريض بل الي مقر وزارة الداخيلة. كان من بينهم ايضا، الجنيرال والاختصاص في امراض لاقلب محمد كديش الذي سيصبح فيما بعد الطبيب الخاص لابن علي، هذا الأخير، انذر ممثلي كلية الطب بتحرير شهادة طبية تثبت حالة العجز لدى الرئيس. احتج احد الاطباء قائلا: «انا لم ار الرئيس منذ سنتين » امره الجنيرال بحزم: هذا لا يهم، وقع كان علي رجالات الحرب ان يحملوا اقلامهم الذهبية ويحرروا بصدق شهادة مزورة: «نحنا لموقعين، نشهد اننا مطالبون بامر من الوكيل العام للجمهورية، من اجل اعطاء وجهة نظر طبية حول التطور الحالي للوضع الصحي الجسدي منه والعقلي لرئيس الجمهورية الحبيب بورقيبة، بعد المشاورة والتقييم، تبدئ لنا ان وضعه الصحي لا يسمح له بمزاولة المهام المنوطة به باحساس علي بالمهانة، امر الاطباء عاثري الحظ بالعودة الى منازلهم. على اثر ذلك قال انجبهم: »اذا فشل الانقلاب فلن نصلح لشيء سوى للمعضلة« واحد منهم اغمي عليه بعد سماع ذلك. ياله من مشهد! في نفس الليلة، استدعى الهادي بكوش ممثل تونس في الجزائر، والذي سيصبح الوزير الاول لابن علي، السفير الجزائري سعود ايت شعلان كي يطلعه على مجريات الامور. لقد كان الجزائريون اول من اخبروا رسميا باقالة بورقيبة، في الصباح البكر من 7 نونبر، اتصل وزير الخارجية الجزائري الطالب الابراهيمي هاتفيا بالوزير الاول انذاك جاك شيراك وقال له ناصحا: »لقد تمت اللعبة، اتركوا الامور على حالها. في الواقع، كانت الجزائر علي علم منذ شهرين: فخلال شهر شتنبر 1987 طالب الامن العسكري الجزائري بمزيد من المعلومات حول التحرك الاسلامي عند الجار التونسي. في هذا الاطار، ثم ارسال مخبرين سريين الى قفصةوتونس العاصمة وسوسة والذين تلفقوا اخبار حول التحضير للانقلاب.