أصبح الرئيس التونسي زين العابدين بن علي للمرة الرابعة رئيسا للبلاد خلفا لنفسه، بعد جولة انتخابية ليس فيها سوى الإسم وضعته أمام منافسة ثلاثة مرشحين، إثنان منهم دخلا تلك الجولة إكمالا لديكور المسرحية التي دأب الحزب الحاكم على إخراجها منذ الانقلاب الأبيض الذي قاده بن علي، الوزير الأول يومها، ضد زعيم الحزب الوحيد السابق الحبيب بورقيبة. وبخلاف الجولات الانتخابية السابقة، فقد أراد التجمع الدستوري الديمقراطي بزعامة بن علي نفسه، أن يمنح لأحزاب المعارضة حيزا أوسع في الدعاية الانتخابية في التلفزيون والإذاعة للمرة الأولى، بهدف دفع ديمقراطية الواجهة خطوة أخرى للأمام، بحيث أنه قنع بمنح نفسه أربع ساعات فقط مقابل 28 ساعة للمعارضة، مدركا بأن المعركة الحقيقية لا تحسمها وسائل الإعلام بقدر ما تحسم داخل أروقة السلطة التي يشرف بن علي وزوجته على كامل دواليبها. وكان الحزب الحاكم هذه المرة أيضا منطقيا بعض الشيء واكتفى بإعطاء نفسه نسبة 94,84 في المائة من الأصوات، عوض التسعات الأربع التي دأب على منحها لنفسه في الجولات الانتخابية الثلاث. السابقة وكانت حركة النهضة الإسلامية بزعامة الشيخ راشد الغنوشي الذي يوجد خارج تونس منذ عدة أعوام قد طالبت إلى جانب حزب العمال الشيوعي التونسي وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية التونسيين بعدم الانخراط في العملية الانتخابية التي اعتبروها محددة النتائج سلفا، ولن تؤدي المشاركة فيها إلا إلى مزيد من تجميل صورة النظام الحاكم. نتائج سوريالية نافس بن علي في الانتخابات الرئاسية الثامنة في تاريخ هذا البلد المغاربي الصغير ثلاثة مرشحين من المعارضة البرلمانية، الأول هو محمد بوشيحة عن حزب الوحدة الوطنية، والثاني منير البيجي عن الحزب الاجتماعي الليبرالي، أما الثالث الذي كان أقل حظوة وتعرض لمضايقات السلطة فهو محمد علي الحلواني عن حزب التجديد (الحزب الشيوعي سابقا). وقد صرح الإثنان الأوليان بأن مشاركتهما في الانتخابات الرئاسية هي فقط لمجرد دعمالديمقراطيةالتونسية، كما أبديا تأييدهما للسياسات التي ينهجها بن علي، وبذلك لم يكن دورهما سوى إضفاء مزيد من المساحيق على ديمقراطية الواجهة. أما المرشح الثالث فقد انتقد صراحةالحكم الشخصي المطلق لبن علي، وأعلن أن تقدمه للانتخابات الهدف منه كشف ديكتاتورية السلطة في البلاد وفضحها، فكان جزاؤه بعد هذه التصريحات التعرض لمضايقات السلطة في دعايته الانتخابية، الأمر الذي دفعه إلى نهج أساليب أخرى في التعريف ببرنامجه الانتخابي. أما الانتخابات التشريعية، فقد شارك فيها ستة أحزاب، تنافست جميعها على حصة 20 في المائة من مقاعد البرلمان البالغ عددها 189 كما قاطع حزبان ليس لهما تمثيل في البرلمان هذه الانتخابات، هما الحزب الديمقراطي التقدمي والمنتدى الديمقراطي للشغل والحريات. وفيما حصل بن علي على الغالبية الكبرى، حصل المرشحون الثلاثة الآخرون على أقل من نسبة 6 في المائة من الأصوات، كان حظ حزب التجديد منها 59,0 في المائة، حسب النتائج التي أعلنها وزير الداخلية هادي مهني مساء الأحد. وقد طعن حلواني في النتائج الخيالية، مهددا برفع دعوى أمام المجلس الدستوري. وأعلن رئيس المنتدى الديمقراطي للشغل والحريات مصطفى بن جعفر أن نتائج الانتخابات كانتسوريالية، مطالبا الأحزاب السياسية بالاتفاق على قواعد واضحةلقطع علاقاتها بالنظام الحاكم. محنة الديمقراطية بهذه الانتخابات كرس النظام التونسي نظاما مغلقا على الحياة السياسية شرع في بنائه درجة بعد أخرى منذ 17 عاما، عندما انقلب زين العابدين بن علي على الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في السابع من نوفمبر 1987 وطيلة هذه الأعوام الماضية عمل النظام التونسي على سحق المعارضة، بادئا بإسلاميي حزب النهضة الذين زج بالمئات منهم في السجون والمعتقلات حيث لقي عدد منهم حتفه، فيما تفرق البعض الآخر في المنافي هربا من بطش السلطة الذي طال البعض من هؤلاء حتى خارج تونس. واستطاع بن علي بناء قلعة محصنة ضد أي تحرك سياسي قد يؤثر على حكمه أو يشوش عليه، مستفيدا من خبرته الطويلة كمدير للمخابرات العسكرية التونسية ثم كوزير للداخلية في عهد بورقيبة، بحيث أحاط نفسه بجهاز المخابرات والجيش وحول البلاد إلى شبه محمية عسكرية لا تسمع فيها أي نغمة لا يريدها النظام. ويقول التونسيون بأن نظام بن علي هو الأسوأ مقارنة بمرحلة حكم بورقيبة، فهذا الأخير على الأقل كان يرمز في أعين التونسيين إلى حقبة نيل الاستقلال عن فرنسا، وتمكن من نحت مصطلحالمجاهد الأكبرلنفسه الذي شاع بين التونسيين، بينما لا يمتلك بن علي أي شرعية خارج العنف والقبضة الحديدية التي يقود بها البلاد. فقد صفى بن علي تونس من أي معارضة سياسية قوية ومؤثرة، وخلق إعلاما موجها يسيطر عليه خطاب السلطة، ووضع قوانين وتشريعات تحافظ على نفوذه وتحيطه بأسوار من التشريعات التي تضمن بقاءه، كما فعل عام 2002 عندما نظم استفتاء على تعديل الدستور للسماح بن علي بالترشيح لرئاسة الجمهورية دون حدود، ورفع الحد الأقصى للسن القانونية للترشيح لمنصب الرئاسة من 70 إلى 75 عاما، وكان الدستور التونسي قبل التعديل يقضي بألا تزيد مدة رئاسة الجمهورية عن ولايتين. وذهب النظام إلى أبعد الحدود في التطاول على حقوق الإنسان ومنع المواطن من حق الكلام، إذ يوجد في تونس أزيد من600 معتقلا سياسيا، وهي نسبة كبيرة مقارنة بعدد السكان ، حتى أن صحيفة جزائرية ذهبت يوم الأحد الماضي إلى حد الحديث عنطبيعةالمواطن التونسي الذي لا يشبه أي مواطن عربي آخر، من حيث ميله إلى الحلول السلمية وإيثاره السلامة على خوض المغامرة، وهي جرأة لا يسوغها سوى الركود الطويل للحياة السياسية التونسية في ظل النظام الواحد، رغم التعددية الظاهرة، منذ حصول البلاد على استقلالها عام 1956 وعدم وجود أية مبادرة للتحرك الجماهيري بسبب عسكرة المجتمع والحصار السياسي والأمني المفروض عليه. النفاق الغربي التساؤل الذي يزعج المراقبين، خاصة داخل تونس، هو عن سر الاستمرار في الصمت والتواطؤ لدى العواصمالغربية فيما يتعلق بالسجل الأسود لحقوق الإنسان في تونس وغياب أبسط الشروط الديمقراطية، وغض الطرف عن الانتهاكات التي يقوم بها النظام التونسي، بالرغم من الحديث الرائج في الغرب والولايات المتحدةالأمريكية عن ضرورة دمقرطة العالم العربي وتغيير الأنماط السياسية متبعة فيه. فالنموذج التونسي في اعتقاد الغربيين يعتبر نموذجاناجحا وأكثر قربا من التصور الذي يحملونه عن التغيير الديمقراطي في البلدان العربية، أي نظاما سياسيا خاليا من أي خطر إسلامي وقادر على لجم المعارضة، ولكن محاطا بديكور تعددي يصرخ لكنه لا يزعج. وقد لوحظ خلال زيارة الرئيس الفرنسي لتونس في العام الماضي أن جاك شيراك أغمض عينيه عما يحدث من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان هناك، ونوه بما اعتبره نجاحا اقتصاديا لتونس، فيما كان أعضاء حركة النهضة التونسية في الخارج يعلنون الإضراب عن الطعام لتنبيه الرئيس الفرنسي إلى ما يجري في البلاد، وكانت المنظمات الحقوقية الدولية تدق ناقوس الإنذار من الممارسات القمعية للنظام. ويرجع صمت الحكومات الغربية عن انتهاكات النظام التونسي إلى عاملين: الأول هو أن نظام بن علي يعتبر حليفا متعاونا معها على سحق الإسلاميين والقضاء عليهم، في وقت ترتفع فيها ألوية الخطر الإسلامي في الدوائر الغربية، أما العامل الثاني فهو ما يسميه البعض بالمعجزة التونسية في التنمية والرفاه الاقتصادي. لكن أيا من هاتين الحقيقتين غير مؤكدة، فضرب حركة النهضة التونسية المعتدلة قد لا يعفي البلاد مستقبلا من مجابهة معارضة متشددة كما وقع في الجزائر مثلا بعد ضرب الجبهة الإسلامية للإنقاذ، كما أن العنف الذي واجه به النظام التونسي الحركة وأحزاب المعارضة خلال السنوات الماضية قد دفع هذه التنظيمات إلى التنسيق بينها مما خلق عزلة كبيرة للنظام الحاكم. أما فيما يتعلق بالنجاح الاقتصادي، فيقول الخبراء إنه نجاح سريع الزوال لأنه مبني على قاعدة هشة ومؤقتة لا تأخذ بعين الاعتبار التحولات العالمية والإقليمية الكبرى التي تحيط بالمنطقة، ذلك أن قطاع النسيج الذي يعتبر عصب الاقتصاد التونسي سيواجه بداية العام القادم أخطر تحد بحسبغرفة التجارة والصناعة الفرنسية في باريس في آخر تقرير لها، حيث إن هذا القطاع الذي يشغل نحو 250 الفا من اليد العاملة في تونس سيكون أمام منافسة قوية لن يستطيع القطاع الصمود أمامها بسبب دخول الصناعات النسيجية الأوروبية، ويقول تقرير للبنك الدولي بأن أكثر من 100 ألفا من مناصب الشغل في هذا القطاع مهددة بالضياع، كما أن الاقتصاد التونسي مهدد بالمنافسة الأروبية بعد دخول اتفاق التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ بداية عام2007 إدريس الكنبوري