حيفا مدينة يشهد كل من زارها بأنها من أجمل مدن الدنيا ، كونها تقوم على سفح جبل يطلّ مباشرة على البحر الأبيض المتوسط دون أن يفصلهما سهل ساحلي ، بحيث تطلّ على البحر أينما كنت . في هذه المدينة ولد الدبلوماسي الإعلامي الكاتب واصف منصور ، وبعد أقلّ من ثلاث سنوات طرده الصهاينة رفقة أسرته وأكثر من نصف شعبه الفلسطيني ليصبحوا لاجئين . . أي مجموعة من البشر لا تملك مأكلا ولا ملبسا ولا مأوى . ويصمدوا لكل ذلك ويفجّروا أطول ثورة عرفها التاريخ . عاش واصف منصورحقبة اللجوء كاملة ، العيش في العراء ثم في الخيام ثم في بيوت أشبه بالقبور ، ويحدّثنا عنها بأدق التفاصيل . وعاش حقبة الثورة كمناضل سياسي وإعلامي وعسكري على مختلف الساحات ، ويحدّثنا عن دروبها ودهاليزها . وبما أن القدر ساقه إلى المغرب حيث قضى فيه ضعف ما قضى في فلسطين ، طالبا جامعيا ومدرّسا ومناضلا طاف كل نواحي المغرب مبشّرا بقضيته ، والتقى ورافق غالبية رجال ونساء السياسة والفكر والأدب والفن والإعلام المغاربة . في هذه الحلقات يحدّثنا فيما يشبه التقارير المفصلة عن حياة المغرب السياسية والإجتماعية والثقافية والإقتصادية على مدار سبع وأربعين سنة .. هذه الحلقات التي ستتحوّل لاحقا مع إضافات وتنقيحات إلى كتاب سيصدر قبل نهاية هذه السنة إن شاء الله . اجتاحت الأوساط الطلابية العالمية أواخر ستينات وسبعينات القرن العشرين موجة من الإضطرابات الفكرية والإجتماعية ، بفعل ظهور ما أطلق عليه إسم ( اليسار المتطرف أو اليسار الراديكالي أو اليسار الفوضوي أو اليسار الطفولي ) بحسب موقف الجهة التي أطلقت التسمية . ولا شك أن إشتداد الحرب الباردة بين حلفي وارسو والناتو ، وإندلاع الثورات التحررية في الأقطار المستعمرة في آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية وخاصة ثورة فيتنام كان وراء ظهور هذه الموجة أو الدافع الأساسي لظهورها . وكانت بؤرة انطلاقتها ومركز إشعاعها في أوروبا التي يتأثر بقية العالم بها هي فرنسا ، حيث كان يتزعمها اليهودي الفرنسي بانديت كوهين ، الأمر الذي وضع كثيرا من علامات الإستفهام عليها . وأذكر أن الأخ الشهيد محمود الهمشري ممثل حركة فتح في فرنسا وعموم أوروبا الغربية حضر إلى المغرب قبل استشهاده بأسابيع أواخر عام 1972 ، وأخذته بسيارتي في جولة للتعرف على مدينة الدارالبيضاء ، فشاهد الأحياء القصديرية ثم حي أنفا الراقي والباذخ جدا . وأثناء تجوالنا في شوارع أنفا رأينا عبر نافذة أحد القصور صورة كبيرة جدا معلقة في أحدى غرف القصر للمناضل الأممي تشي غيفارا . ولما لفتّ نظر الأخ الهمشري لذلك قال بما معناه أن الكثير من قيادات الحركة اليسارية الحالية في أوروبا من أبناء الطبقات البرجوازية والرأسمالية ، الذين يحصلون على كل ما يريدون فتصبح حياتهم مملّة فيحاولون أن يضيفوا لها بعض البهارات . وقد ابتدأت هذه الموجة عربيا بعد تبني الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الفكر اليساري المتطرف ، ثم توسع ذلك بتبني الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين هذا الفكر كشكل من أشكال المزايدة والمزاحمة على كسب الشباب اليساري أو المتياسر. ولما كانت الثورة الفلسطينية قد أصبحت نموذجا نضاليا عربيا بل أمميا ، وتحولت الكوفية التي يرتد يها المقاتل الفلسطيني وعرفها العالم عن طريق القائد ياسر عرفات ، تحولت إلى رمز لكل الشباب العربي . والمضحك في الأمر أن ألوان الكوفية كانت لدى هؤلاء الشباب لها دلالاتها الخاصة ، حيث كانوا يعتبرون الكوفية ذات الألوان الرمادي والأسود والأبيض كوفية حركة فتح التي يعتبرونها حركة وطنية يمينية محافظة ، أما ذات الألوان الأحمر والأبيض فإنها كوفية الجبهتين الديمقراطية والشعبية اليساريتين التقدميتين في نظر هؤلاء الشباب . وكانوا يطلقون على مناضلي حركة فتح لقب الأخ وعلى أبناء الجبهات اليسارية لقب الرفيق . ولما كنت مسؤولا عن الثقافة والإعلام لحركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية في المغرب ، فإنني عشت مخاضات الحركة الطلابية والشبابية المغربية في هذه الفترة وخاصة في المراكز الجامعية التي كانت منحصرة في ذلك الوقت في مدن الرباطوفاسوالدارالبيضاء وبعض المدارس والمعاهد العليا في مدن أخرى . وقد ابتدأ هذا الحراك اليساري أولا في كليتي الآداب والحقوق في مدينة فاس ومنها انتقل إلى باقي المدن . ورغم أن الساحة الطلابية في ذلك الوقت كان مسيطرا عليها من قبل طلاب حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية الذي حمل لاحقا اسم حزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية بعد حركة تصحيحية قادها المرحوم عبد الرحيم بوعبيد وكان أبرز رموزها المرحوم عمر بن جلون ، وطلاب حزب التقدم والإشتراكية . رغم ذلك فقد استطاع الطلاب اليساريون المنشقون عن الحزب الأول تأسيس ما أطلق عليه ( جبهة 23 مارس ) والطلبة المنشقون عن الحزب الثاني تأسيس ما أطلق عليه ( إلى الأمام ). وكان عموم الطلبة لا يفرّقون كثيرا بين التنظيمين ويسمونهما ( الجبهة ) . واستطاع الطلبة الجبهويون السيطرة على قيادة الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في مرحلة ما ، كانت مقدمة لتوقف أو توقيف هذه المنظمة الطلابية العريقة التي لعبت دورا هاما في تاريخ المغرب السياسي والنضالي . وهي صاحبة الفضل الأكبر في حصول إتحاد طلبة فلسطين على عضوية الإتحاد العالمي للطلاب . وبحكم طبيعة مسؤولياتي كان عليّ أن ألبّي الدعوات شبه اليومية من الكليات والمعاهد لإلقاء محاضرات أو المشاركة في ندوات داخل الكليات والأحياء الجامعية ودور الشباب . وكان أشهر هذه الأماكن هو الحي الجامعي ( ظهر المهراز ) في مدينة فاس . وكان التجمع عادة يبتدئ في المطعم الجامعي بعد انتهاء العشاء ، حيث يصفّون الكراسي بمواجهة طاولة صغيرة عليها كأسي ماء وأمامها كرسيان أحدهما لي والآخر لمن سيسيّر النقاش . وكانت التقاليد المتعارف عليها تقضي بإعطائي الكلام لمدة تتراوح بين ثلاثين وأربعين دقيقة ، ثم يبتدئ النقاش بفتح لائحة أولى للمتدخلين ، يعطونني فرصة الرد على ماقيل ، ثم تفتح لائحة ثانية وثالثة وربما رابعة . وكان للمتدخل الحق في قول كل ما يريد دون أن يقاطعه أحد ولمدة كانت في الأيام الأولى غير محدودة ، ثم أصبحوا يحددونها بما لا يزيد عن خمس دقائق ، مما يعني أن عليك أن تستمع للعديد من المحاضرات مهما كان محتواها . كان الطلبة يتعشّون ، ويجلسون على كراسيهم ومع واحدهم علبة من السجائر الشعبية وكأس كبير من القهوة أو الأتاي المغربي إستعدادا لسهرة تستمر حتى الصباح . وكثيرا ما كنت أحضر قبل التجمع بدقائق بسبب إنشغالاتي الإعتيادية بالرباط ، مما يعني أنني مرهق من العمل والسفر وبدون عشاء ومعي بقايا علبة سجائر أحرص على أن لا تكون من النوع الفاخر لكيلا أتعرض لهجومات قاسية بأنني( برجوازي يميني متعفّن ) . وهنا أتذكّر أنني في أحد المرات بقيت أحاضر وأناقش من التاسعة مساء وحتى الرابعة صباحا ، ولما طلبت إنهاء التجمع لأنني تعبت وجعت وانتهت سجائري وأن القاعة قد فرغت تقريبا من الحضور، وقف أحد الطلبة وصرخ في وجهي ( هذا هروب من النقاش ) فرددت عليه بهدوء إذا كنت تعتبرأنني بعد سبع ساعات من النقاش أهرب ، فلك أن تواصل نقاشك منفردا ، أما أنا فإنني مضطر لسياقة سيارتي هذه الساعة للعودة إلى الرباط لأستأنف عملي صباح الغد عندما ستكون أنت تغطّ في نوم عميق . أما في المدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط ، فقد ذهبت مع الأخ محمود عرسان رئيس إتحاد طلبة فلسطين / فرع المغرب ، بعد أن سجّلنا كل الإستشهادات التي يستعملها الرفاق في مداخلاتهم من أقوال ماركس ولينين وماو تسي تونغ وجيفارا، وضبطنا نصوصها وصفحات ورودها في المؤلفات . وبدأنا التجمع بعرض تبعه نقاش ، ووقف المتدخلون وتلوا النصوص المعتادة . وهنا انبريت والأخ محمود لنرد عليهم موضحين مغالطات ما قاله بعضهم ، حيث أنه لا وجود لبعضه من حيث الأصل أو أنه مجتزأ وأنه لفلان وليس لفلان وأنه في هذا المؤلف وليس في ذاك . فأسقط في يدهم وانتهى اللقاء بانسحابهم ، وبدأوا بعدها يشيعون بين الطلبة بأن واصف ومحمود يمثلان ( يسار فتح ) وأن ما يقولانه هو رأيهما الشخصي وليس رأي فتح . أما في المدرسة الفلاحية بمدينة مكناس التي كان الجبهويون يسيطرون عليها سيطرة شبه تامة ، فقد ذهبت والأخ سالم العطاونة الذي كان مسؤولا عن العمل الفلسطيني في منطقة مكناس ذات ليلة إلى هذه المدرسة وألقيت عرضا مفصلا . وقبل أن يبتدئ النقاش أصرّ مسيّر التجمع على إعطاء الفرصة لشاعر شاب لإلقاء إحدى قصائده . لم أبد أية ممانعة في سماعها ، ولكنني عندما سمعتها وقفت وقلت للحضور بأنني لست مستعدا لمواصلة الحضور والنقاش إذا لم يتم الإعتذار عن الشعر الذي قيل ، حيث أنه كان كله سباّ في الذات الإلهية من قبيل ( أن الرب رأسمالي يملك السماوات والأرض ) وغيرها من الأوصاف التي لا يمكن لإنسان سويّ أن يتقبلها ، فما عساك بإنسان مسلم حتى ولو لم يكن متديّنا . وقلت لهم : إن هذا الفكر المتشنّج لا يمكن أن يلقى قبولا في المجتمع المغربي والعربي عموما ، فشارب الخمر عندنا عندما يقدّمون له كأسا من الحمريقول بشكل عفوي قبل شربه ( بسم الله ) ، والمومس قبل أن تدخل الدار المأخوذة إليها تدخل برجلها اليمنى قائلة ( بسم الله ) . وأذكر أنني ذهبت مع الأخ صالح أبو جزر لتقديم عرض في كلية الآداب بالرباط ، ولما فتح باب النقاش وقف أحدهم ليقول : أنتما فتحاويان تمثلان اليمين الفلسطيني ( البرجوازي المتعفّن ) . وكان الأخ صالح خفيف الظل وصاحب نكتة ودعابة ، فرد عليه قائلا : والله يا أخي ? عفوا يا رفيقي ? إن البرجوازيين يتعطّرون بأفخر العطور لأنهم قادرون على شراء أفخرها ، وإننا نحن البروليتاريين متعفنّون لأننا لا نملك ثمن أرخص العطور . فأثار ذلك عاصفة من الضحك ، اضطرت السائل إلى مغادرة القاعة . وفي هذا التجمع قال الأخ صالح جملة أصبحت مثلا وحكمة وشعارا عندما قال: عجيب أمر أنظمتنا، فهي تريدنا أن نكون سوريين وعراقيين ومصريين وليبيين. . الخ ولا يقبلون منّا أبدا أن نكون فلسطينيين. أرى من الواجب عليّ قبل أن أختم حديثي عن الطلبة « الجبهويين « أن أسجّل أن غالبيتهم كانوا يؤمنون بما يقولون ، وكثير منهم دفعوا ثمن إيمانهم سنوات من السجن ، ولازلت التقي بعضهم في مختلف المدن المغربية وهم أقلّ حدة وتشنّجا ، يعانقونني ويتحسرون على « أيام زمان « ولازالوا على حبهم لفلسطين . وعندما تأسست منظمة العمل الديمقراطي ? أصبح اسمها لاحقا الحزب الإشتراكي الموحد - والحزب الإشتراكي الديمقراطي المنشق عنها ، كان لهما مواقف متقدمة في القضية الفلسطينية . هذا دون أن أنسى حادثة عشتها في جامعة محمد الأول بمدينة وجدة، حيث استدعيت لإلقاء محاضرة في تدشين كلية الحقوق أقيمت في ساحة الكلية لأن القاعة لم تتسع للحضور. وبعد أن أنهيت محاضرتي وقف أحد الطلبة ليشن هجوما فظيعا على النظام المغربي ، فالتفتت لرئيس تعاضدية الكلية وسألته عن هذا الطالب فقال لي أنه من الطلبة الجبهاويين وهو عضو في التعاضدية ، فقلت له أنه إما معتوه أو يعمل مع المخابرات . وبعد أيام وقعت إصطدامات في الكلية تدخل الأمن على إثرها واعتقل جميع أعضاء التعاضدية باستثناء إثنين ، أحدهما كان متواجدا يومها في الرباط ، التقاني وقال لي : صدق ما قلته بخصوص ذلك الطالب ، حيث أنه لم يعتقل ويتجول الآن بحريّة في المدينة . دعيت ذات ليلة من ليالي رمضان الكريم في عام 1972 من قبل الإتحاد العام لطلبة المغرب لإحياء أمسية شعرية في مقر الإتحاد بحي أكدال بالرباط عندما كان الأخ محمد الوفا السفير والوزير لاحقا يتولى رئاسة الإتحاد ، وفوجئت عندما ذهبت إلى المقر بوجود الأستاذ علال الفاسي رئيس حزب الإستقلال . ونظرا لما أعرفه عن الأستاذ علال الفاسي كعالم فقيه وشاعر كبير ، سألت الأخ محمد الوفا هل سيحضر الأستاذ علال الأمسية وهل سيشارك فيها ؟ فعندما أجابني بالإيجاب قلت له بأنني أعتذر عن المشاركة لأنني أخجل من إلقاء الشعر بجانب شاعر بقامة الشاعر علال الفاسي . ذهب الأخ محمد الوفا وأخبر الأستاذ علال بما قلت ، فنادى الأستاذ علال عليّ واستفسرني عما سمعه ، وعندما أكدت له ذلك قال لي بأنه حضر خصيصا ليسمعني ، وأنه سيشاركني بالقاء بعض أشعاره وأنه سيقوم هو شخصيا بتقديمي في الأمسية ، فلم يكن أمامي سوى الرضوخ لرغبته . بدأت الأمسية بقصيدة للآستاذ علال عن هبّة شعبية وقعت في منطقة فلاحية تسمى (أولاد خليفة) ضد الإقطاع تحدث فيها عن مبدأ «الأرض لمن يحرثها» ، ثم قدمني بكلمات رقيقة كشاعر سمع عنه ويريد أن يستمتع بشعره . فقرأت بعض قصائدي التي كانت كلها حديث عن بطولات الفدائيين وشهادة الشهداء مفعمة بالحماس والتفاؤل ، وهي في غالبيتها تغطي حماستها على سبكها الشعري واللغوي . ولما أردت أن أختم الأمسية ، فوجئت بالأستاذ علال يقول لي : لقد علمت بأن لك قصيدة مشهورة يطلبها الطلبة في كل أمسياتك وأرغب في سماعها لو أردت . أسقط في يدي وتهيّبت من الموقف ، ذلك أن القصيدة المذكورة في نظري وكما يراها الطلاب تحتوي على شيء مما يدخل في باب الكفر ، فكيف يمكن أن القيها في حضور الأستاذ علال الفاسي ؟ ولكنني وأمام إلحاحه ألقيت القصيدة التي أقول فيها يا ابن البتول إلى متى نبقى نقول وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرّه ؟ أين السلام على خيام النازحين ؟ أين المسّرة في قلوب اللاجئين ؟ رب ماذا رب ماذا هل نسيت اللاجئين ؟ رب ماذا رب ماذا هل سنبقى لاجئين ؟ قد سئمنا العري قد سئمنا الجوع والفقراللعين قد سئمنا من كلام الناس لاجئين إن كنت ترضى أن نذل فلن ترى منا صلاة أو صيام.. . الخ فوجئت بعد إنتهائي من إلقاء القصيدة بالأستاذ علال يصفق للقصيدة ويقول لي : من قال لك بأن في هذه القصيدة كفر ؟ إنها دليل على إيمانك ، فأنت مؤمن تتمنى على الله سبحانه وتعالى أن يغيّر أحوال وطنك وشعبك ، وأنك من يأسك تقول بأنك إذا لم تتغير هذه الأوضاع ستفعل كذا وكذا . وبما أن الله لابد وأن ينصركم كمجاهدين مظلومين ، فإنك لن تفعل شيئا مما ذكرت في القصيدة . وتأكيدا لهذا الرأي فقد جمعتني الظروف بالناقد الفلسطيني الكبير الأستاذ إحسان عباس وحكيت له ما حدث لي مع الأستاذ علال فقال : إنه علال الفاسي العالم الشاعر الناقد المتميز. لقد كان علال الفاسي أمة وحده ، فإلى جانب علمه وقدراته العقلية والسياسية وحدسه الصائب ونظره الثاقب واستشرافه للمستقبل ، يتمتع بتواضع جمّ وباستعداد للاستماع والحوار والتعلم من أي كان ، وكان يقول ( يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر) ، ويثق بالشباب ويعتمد عليهم . وكان واسع الصدر لا يغضب إلا إذا انتهكت الحرمات . وأذكر أنني حضرت إحدى دروسه في كلية الحقوق رغم أنني لم أكن من طلابه ، وقد طرح قضية للنقاش ، تحدث فيها أحد الطلاب بعلم وحسن عرض ، فسأله الأستاذ علال : هل أنت من فاس ؟ ولما قال الطالب بأنه من تطوان قال الآستاذ ( تطوان ابنة فاس ) وهنا قال أحد الطلبة المراكشيين واسمه أحمد بلقاضي بنوع من الفكاهة ( إذا كانت فاس أم تطوان فإن مراكش أبوها ) ضحك الأستاذ كما ضحك الطلبة ولم ينفعل ، وأكمل محاضرته.