يبدو أن نجاح مسيرة «الكرامة أولا» قد أخرجت بعضهم عن صوابه؛ فليس وحده «بنكيران»من حاول أن يستصغر هذا النجاح بالسخرية والتهكم «البايخ»؛ بل حتى من خارج الحكومة، ومن خارج الحزب الأغلبي، هناك من لدغته حشرة الحقد الدفين، فخرج عن صمته أو كبته، مثل»كاري حنكو»، المدعو «إدريس بن علي»، الذي استشاط غيضا وغضبا، في عموده شبه الأسبوعي بجريدة «المساء» ليوم السبت 2 يونيو، مهاجما المسيرة، ومن خلالها الأحزاب التقدمية، وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي، الذين حجوا جميعهم إلى ساحة النصر بمدينة الدارالبيضاء يوم الأحد 27 ماي 2012، تلبية لدعوة المركزيتين النقابيتين الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والفدرالية الديمقراطية للشغل، مصدرا لهجومه بعنوان صب فيه كل حقده وتجنيه وافترائه. وهكذا، كتب «بن علي» الذي يوصف بأنه باحث وخبير ومحلل اقتصادي وسياسي، بأن مشاركة السياسيين والأحزاب السياسية في المسيرة، تطرح علامات استفهام، خصوصا و»قد سبق لهؤلاء المشاركين في المسيرة أن تولوا مسؤوليات حكومية طيلة سنوات عديدة، وكانت الفرصة متاحة لهم كي يبرهنوا للرأي العام عن قدرتهم عن الدفاع عن مصالح المواطنين وكرامتهم، لكنهم لم يفعلوا». وهذا، بالطبع، حكم بعيد كل البعد عن التحليل الرصين، سواء في شقه السياسي أو في شقه الاقتصادي، بل هو مهاترة لا تستقيم أمام التحليل والقراءة الموضوعية للأشياء، التي ترد الأمور إلى نصابها، وتعترف بالفضل لأصحابه، متى أصابوا، وتبرز الأخطاء دون تجريح ولا تحامل. لكن من أين ل»بن علي» بمثل هذا الخلق العلمي؟ فهو لا يفهم من النقد إلا الشتم والسباب، ولا يستقيم التحليل عنده إلا إذا كان مضللا وتضليليا...ولا تعني الخبرة عنده شيئا آخر سوى المزايدة والمغالطة وبخس الرجال عطاءهم وتضحياتهم. ورجوعا بنا إلى سبابه وحقده، لإرجاع «الرجل» إلى مكانه، نورد بالتدرج ما يلي: 1. يعيب هذا «المحلل» السياسي على السياسيين المشاركة في المسيرة العمالية، وكأني به يريد أن يعود بنا إلى شعار القيادة النقابية في الستينات التي نجحت في تعطيل نضال الطبقة العاملة بحجة أن ما يهم العمال هو الخبز وليس السياسة. وقد تمكنت هذه القيادة المنحرفة، بالفعل، من فصل الطبقة العاملة عن حلفائها الطبيعيين، مما جعل أوضاعها تتردى، بينما اغتنت القيادة البيروقراطية وراكمت الثروات، بعد أن انحازت إلى صف الدولة وأرباب العمل. ويعرف المؤرخون والمحللون الحقيقيون من ألهب نضال العمال والموظفين، من جديد، في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات والتسعينيات، وما صاحب ذلك من نضالات وتضحيات وما تحقق من مكتسبات، تجاوزت ما هو نقابي إلى ما هو سياسي ودستوري. ولو كان صاحبنا يمتلك قدرا من الموضوعية لأقر بأن ملتمس الرقابة في 91 ودستور 92 من القرن الماضي، إنما هما ثمرتان لنضالات الطبقة العاملة التي أعاد لها الاتحاد كامل بريقها وتوهجها في جدلية بين النقابي والسياسي لا ينكرها إلا جاحد مثلك. 2. يعرف الجميع من هي الأحزاب والحركات التي أعلنت عن مساندتها لمسيرة «الكرامة أولا» وقررت المشاركة فيها. فإلى جانب حركة 20 فبراير وتيار من الاتحاد المغربي للشغل والنقابة الوطنية للتعليم العالي وجمعيات الشباب المعطل الحاصل على الديبلومات والشهادات الجامعية على اختلاف درجاتها، نجد الأحزاب التقدمية التالية: الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حزب المؤتمر الوطني الاتحادي، حزب اليسار الاشتراكي الموحد، حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، حزب النهج الديمقراطي، حزب اليسار الأخضر المغربي والحزب العمالي، بالإضافة إلى جناح محمد سعيد السعدي في حزب التقدم والاشتراكية. فإذا كان «بن علي» لا يفهم بأن الأحزاب التقدمية ترتبط ارتباطا عضويا بالحركة العمالية وتنخرط تلقائيا في نضالاتها، فإني أتساءل عن نوع التحليل السياسي الذي «اختص» فيه هذا الرجل، وعن الجهة التي يعمل لصالحها. 3. يركب محللنا «النحرير» صهوة المغالطة والخلط، حين يرمي كل السياسيين المشاركين في المسيرة بغياب الضمير (كذا) وافتقاد روح المسؤولية ونقص كبير في الشجاعة، في حين هو لا يعني بكلامه سوى حزب الاتحاد الاشتراكي الذي سبق له أن شارك في تدبير الشأن العام. فحين يتساءل، في فقرة تهم مشاركة الأحزاب السياسية في المسيرة:»كيف يمكن التماهي وإملاء الدروس في الشجاعة والجرأة عندما يصير العمود الفقري مقوسا من فرط الانحناء طيلة سنوات عديدة لوزير الداخلية المعلوم، ثم قبول المشاركة في حكومة (2002-2007) يرأسها تقنوقراطي بعيد تصدر الانتخابات التشريعية؟»، فهو، بداهة، لا يقصد سوى الاتحاد، لكنه، مثل ذلك الجبان الذي يخفي شجاعته/جبنه تحت الجلابة»، يقحم كل الأحزاب المشاركة في المسيرة. فهل هي عقدة الدونية النضالية والتاريخ الملتبس، إزاء وضوح ونضال حزب المهدي وعمر؟ 4. بالعودة إلى صورة القيادات السياسية والنقابة التي تتقدم المسيرة، يمكن أن نفهم بعض دواعي هذا التهجم الذي ينبعث منه كثير من الحقد والضغينة؛ فالصورة يتصدرها، إلى جانب الأمينين العامين للنقابتين، كل من شيخ المناضلين اليساريين السيد محمد أيت يدر(أطال الله في عمره) ونبيلة منيب ومحمد فارس وعبد السلام العزيز وفاطمة بالمودن وحبيب المالكي وفتح الله والعلو(...). وأعتقد أن وجود هذين الأخيرين في مقدمة المسيرة هو ما دفع «بن علي» إلى الخروج عن صوابه، ليس، كما يدعي، بسبب التدبير السلبي للحكومات السابقة، بل بسبب الضغينة والحقد على زميلين له في نفس التخصص ونفس الكلية، وبسبب نجاحهما علميا وسياسيا. ففي الوقت الذي تمكن الرجلان من فرض نفسهما كمنظرين في الاقتصاد، ليس فقط على الساحة الوطنية، بل وأيضا على الساحة الدولية، من خلال الجوائز المهمة المحصل عليها ومن خلال مواقعهم في مراكز البحث وكذا، من خلال مؤلفاتهما ومنشوراتهما العلمية الغزيرة والرصينة في مجال تخصصهما، رغم مسؤوليتهما السياسية، نجد أن السيد «بن علي» الذي استمرأ اسم باحث وخبير ومحلل، لم نعلم له ولو مقالة علمية واحدة تستحق الذكر. لذا، نرى أن العنوان الذي اختاره لمقاله التهجمي، يعبر عن كنهه الحقيقي، كونه دلوا فارغا يثير حوله كثيرا من الضجيج، تنحصر مهمته في «الهضرة» في وسائل الإعلام، «المستقلة» منها أو «المخزنية». 5. ولفرط «حبه» لزميليه ولحزبهما، راح يخلط بين الأشخاص والحزب، متشفيا وشامتا، تارة، ومتوعدا، تارة أخرى، باسم الشعب وباسم التاريخ؛ وكأن الشعب فوض له الحق في الكلام باسمه، وأن التاريخ استأمنه على صيرورة العمل السياسي ببلادنا. وبما أنه كتب ما كتب من ترهات، تحت تأثير الحقد والغضب، فقد نسي نفسه وبدأ يخاطب، بصيغة الجمع، الاتحاديين الذين حملهم، على طريقة العدميين، كل المصائب التي يتخبط فيها المغرب، متنكرا لتضحيات الاتحاد في مواجهة الاستبداد (وتقارير هيئة الإنصاف والمصالحة خير دليل على ما نقول)، وللمنجزات الكبرى التي تحققت في عهد حكومة التناوب برئاسة المجاهد عبد الرحمان اليوسفي، سواء ما تعلق منها بالجانب الاقتصادي والاجتماعي، أو ما تعلق بالعمل على ترسيخ الديمقراطية وتكريس حقوق الإنسان، ونافيا دور الشبيبة الاتحادية في حركة 20 فبراير... مدعيا أن الحزب قد أدار ظهره لهذه الحركة، مستعملا صيغة المخاطب في الجمع:» قد أدرتم ظهركم لهذه الحركة أملا في التموقع وجني ثمار الخضوع»، ناسيا أو متناسيا أن الذي أدار ظهره لهذه الحركة، بل وحاربها، هو السيد «بنكيران» الذي يدافع عنه «بن علي» اليوم، طمعا في الحصول على بعض الفتات. ففي الوقت الذي يسألنا، في صيغة إنكارية، عما قمنا به من أجل تكريس حقوق الإنسان (نحيله على ملفات جبر الضرر الفردي في عهد حكومة اليوسفي وما تلا ذلك من خطوات جبارة في هذا المجال)، يبلع لسانه ويسكت عن تردي أوضاع حقوق الإنسان في عهد الحكومة الجديدة. 6. وإذا كنا قد فهمنا بعض دواعي هجومه على مسيرة الدارالبيضاء، الذي لم يكن سوى ذريعة، لتفجير العقدة التي يعاني منها تجاه الاتحاد الاشتراكي وأطره الكفؤة، فإن تملقه لحزب العدالة والتنمية الذي أصبح يقود الحكومة، يثير التساؤل. فأن يصل به الأمر إلى حد توعد الاتحاد على تجرؤه على انتقاد الحكومة، بحيث يقول:»إن انتقاد الحكومة الحالية، ولا سيما العدالة والتنمية، يبدو مكلفا اليوم»، فإن ذلك مدعاة للسخرية والشفقة معا. فهل يرد الجميل على تلك الخدمة الصغيرة التي أسديت له، وقد جعله حزب «بنكيران»على رأس لجنة الدعم السينمائي؟ فيا له من ثمن بخس، بيعت به النفس!... وهكذا، يتحامل على أناس خدموا الوطن بكل ما أوتوا من قوة دون ضجيج ودون المن على العباد، متهما إياهم بخدمة مصلحتهم الخاصة، ومتمنيا كنسهم من الساحة السياسية، ليخلو الجو للتافهين أمثاله. 7. إن «بن علي»، الذي لا يكف عن انتقاد «المخزن» بمناسبة وبدون مناسبة، في لغة شعبوية لا تخفى على أحد، لم يتردد في «اغتنام» أول فرصة أتيحت له في إحدى مؤسساته. وهكذا، سعد صاحبنا كثيرا بلجنة الدعم السينمائي، رغم أنه لا يربطه بالفن والسينما إلا الخير والإحسان. ولو كان يحترم نفسه ويؤمن بما يدعيه، لاعتذر عن هذه المهمة وتركها لأصحاب الاختصاص. 8. لقد ادعى بأن الشعب لفظنا لأننا خدعناه «بالخطب الرنانة والتصريحات الشعبوية» وأن الانتخابات حولتنا إلى حزب من الدرجة الثانية. فأين هو التحليل في هذا الكلام؟ ألا يقر هو نفسه، في نفس المقال، بأن الناخبين منحونا سنة 2002 الأغلبية في البرلمان؟ أليس ذلك اعترافا منهم بتدبيرنا الجيد، وليس السيئ كما يدعي؟ فلو كان محللا حقا، لأدرك أن التنكر للمنهجية الديمقراطية هو ما جعل أغلبية المواطنين يتخاصمون مع صناديق الاقتراع، الذي ضحيته الأول والأخير هو حزب الاتحاد الاشتراكي لارتباطه التاريخي بالمعمق الجماهيري... هي حقيقة أخرى لا يمكن لحاقد مثلك إلا أن ينكرها. 9. أما عن دورنا في ترسيخ الديمقراطية، الذي تتساءل عنه باستفهام إنكاري، فإني أحيلك على تفاعلات «الربيع العربي» الذي لولا التربية على الاحتجاج كأسلوب حضاري لانتزاع الحقوق، التي لعب فيها الاتحاد دورا رياديا، لكان وضع البلاد غير ما هو عليه اليوم؛ دون أن ننسى أن دستور فاتح يوليو 2011، هو في جزء كبير منه استجابة لمطالب حزب القوات الشعبية الذي ما فتئ ينادي بالإصلاحات السياسية والدستورية لما فيه صالح المواطن ودمقرطة المؤسسات؛ وهذا ليس اليوم فقط، وإنما يوم كان المطلب قد يؤدي بصاحبه إلى المقصلة، أي يوم كان أمثالك في جحورهم لا ينبسون ببنت شفة. 10. إنني، وأنا أقرأ ما كتبه «بن علي» بجريدة «المساء»، تملكني نوع من الإشفاق على هذا الرجل الذي بدأ يهذي، رغم قناعتي بأن كلامه سيصادف هوى عند أمثاله من مرضى النفوس، بحيث تراه تارة يتحدث باسم المغرب، وتارة باسم الشعب، وأخرى باسم المغاربة، في نبرة شعبوية وعدمية واضحة، حيث يقول:» لا يريد المغرب اليوم أن يرى رجالا من زمن مضى يؤثثون مشهده السياسي...الشعب يريد [كم أصبحت رنانة هذه الكلمة]طي صفحة الماضي والسير قدما نحو الأمام؛ كما أن المغاربة اليوم ليسوا في حاجة إلى سماع أصوات زارعي الأوهام الذين قادوه إلى النفق المسدود»، ثم يزيد قائلا: «لا زال يتذكر الجميع تجربة حكومة التناوب التوافقي المخيبة للآمال». وقبل تسفيه هذه التراهات، نسأله إن كان يريد منا، نحن الذين شاركنا في مسيرة الكرامة، أن نتنكر لماضينا ولمواقفنا ولمبادئنا، بحجة أننا ساهمنا في التدبير في المراحل السابقة، أو لكوننا نمارس السياسة؟ هل يريد، مثل «بنكيران» أن تبقى الحكومة بدون معارضة؟ هل يريد لهذه الأخيرة أن تتخلى عن دورها؟ ثم، هل موقفه هذا نابع من كون الحزب الذي انتمى إليه من سنة 79 إلى 81 من القرن الماضي يشارك في الحكومة الحالية، أم لكونه أصبح يكره أن يتشبث الناس بمبادئهم، بعدما اعتنق هو العدمية وتبنى الخطاب الشعبوي، فأصبح مثل ذلك الأعمى الذي لا يكل من ترديد دعائه المفضل: «الله يقادها»؟... «فالرجل» استفزته بالفعل مسيرة الدارالبيضاء، وأخرجته عن صوابه. ونحن لا نريد سوى فهم نفسيته والخلفية التي تحركه. إن «بن علي» يتهمنا بقيادة المغاربة إلى النفق المسدود، بينما يعلم الجميع أن الاتحاد الاشتراكي وحلفائه أنقذوا المغرب من السكتة القلبية، بعد النداء الشهير للملك الراحل الحسن. فالاتحاد الاشتراكي، المخاطب الرئيسي، في هذا الموضوع لم يتعامل مع الوضع بمنطق الربح والخسارة، بل وضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، فلم يساوم، ولم يتراجع أمام حجم المشاكل وصعوبتها، ولم يراهن على الاستفادة السياسوية من مشاركته في تدبير الشأن العام، بل شمر على ساعد الجد ونكران الذات من أجل إنقاذ البلاد. ولو كان المعني محللا اقتصاديا موضوعيا، لاعترف بمنجزات زميله الذي تحمل مسؤولية وزارة المالية، في وقت كانت ميزانية الدولة تئن تحت وطأة الدين الخارجي والداخلي، وتعاني من العجز التجاري وكانت نسبة النمو ضعيفة جدا، والوضعية الاجتماعية متردية بشكل كبير. لكن، هيهات! هيهات! فالحقد والحسد يعميان صاحبهما. فهذا الحسود لم ير التخفيض في الدين الخارجي من 26 مليار إلى 9 مليار دولار، وتخفيض الدين الداخلي إلى أدنى مستوياته، حيث أدت حكومة التناوب مستحقات الشركات التي كانت في ذمة الدولة، كما رصدت مبالغ مالية هامة لمحاربة آثار الجفاف على العالم القروي؛ كل ذلك، في تواز مع فتح أوراش كبرى، تعد مفخرة للاقتصاد الوطني؛ كما أن صاحبنا نسي أو تناسى احترام هذه الحكومة لالتزامات سابقتها فيما يخص اتفاق فاتح غشت 96 (وليس كما يفعل اليوم «بنكيران» مع اتفاق 20 يوليوز المتعلق بحاملي الشهادات العليا)؛ كما نسي أو تناسى تسوية وضعية ضحايا الانتهاكات الجسيمة في عهد الحسن الثاني: إلى غير ذلك من المنجزات التي سجلها التاريخ بمداد الفخر الاعتزاز؛ لكن من يضع على عينيه نظارة سوداء حين يتعلق الأمر بالحزب الذي يرى فيه بعض مرضى النفوس الشوكة التي تقف في الحلق، لا يمكن أن تكون عينه إلا كليلة. 11. حتى لا نتهم بأننا نتحامل على الباحث والخبير والمحلل الاقتصادي والسياسي، وكأننا نرفض النقد والانتقاد، نورد بعض التعابير، إلى جانب تلك التي سبق أن استشهدنا بها في الفقرات السابقة، لمن لم يطلع على المقال الذي نحن بصدده ، لنبرز غياب الموضوعية في كتابة هذا الرجل الذي يحمل في قلبه (كان الله في عونه) أطنانا من الحقد والضغينة والحسد والشماتة وما إلى ذلك من الأحاسيس غير النبيلة، مع الرجاء الانتباه إلى صيغة المخاطب: «نقص كبير في الشجاعة»(نطلب منه أن يمدنا بما فضل عنده منها)، «الشعب لفظكم» (نحن نقبل بحكم الشعب لأننا من الشعب وإلى الشعب، لكن نحن الآن بصدد حكم «بن علي» الزين )، «حولتكم الانتخابات إلى...»(الانتخابات، مثلها مثل مباراة في كرة القدم: يمكن أن تنتصر، أو تتعادل أو تنهزم؛ لكن خسران معركة، لا يعني خسران الحرب)، «ادعاء العذرية السياسية»(نحن فخورون بماضينا السياسي، سواء حين واجه حزبنا الاستبداد والحكم الفردي أيام كانت المعارضة مكلفة، أو حين قررنا مشاركة حزبنا في تدبير الشأن العام، فقدم ما استطاع، في تواضع ودون جعجعة، من خدمات لهذا الوطن الذي نحبه ولهذا الشعب الذي نعزه)، «الأوهام التي زرعتموها وخيبات الآمال التي تسببتم فيها» (هذا لا يوجد إلا في المخيلات المريضة)، «حرابى تغير جلدها بسرعة»(هل سألت نفسك، وأنت تتهم الآخرين، كم تغيرت مواقفك منذ أن كنت «مناضلا» في صفوف الاتحاد الوطني لطلبة المغرب بفرنسا، إلى انخراطك في أحد الأحزاب اليسارية لمدة ثلاث سنوات، إلى اعتناقك العدمية والشعبوية اللتين هما، على كل حال، وجهان لعملة واحدة؟)؛ وقد توعدنا بأن يتم كنسنا من المشهد السياسي بالمكنسة (سوف لن يتحقق لك هذا الحلم، وستخيب آمالك وآمال أمثالك، لأن الاتحاد حزب له مشروع مجتمعي مبني على التحليل الملموس للواقع الملموس، حزب نبع من المجتمع وليس من قرار فوقي). وما هذا إلا غض من فيض.