يعتبر القيادي الاستقلالي امحمد الخليفة أن تشكيل العدالة والتنمية لحكومته أمر ميسور وسهل، ويعلل ذلك بكون هذا الحزب حظي بالثقة الشعبية ولكون جلالة الملك سمى الأمين العام لهذا الحزب رئيسا للحكومة، ويرى أن العدالة والتنمية عبر كل المحطات التي خاضها بنى علاقات طيبة مع كل الأحزاب باستثناء الحزب ألأغلبي، وأن هذه الأحزاب لن تكون ضد إرادة الشعب وما أفرزته الصناديق، واعتبر الخليفة أنه إذا لم يتمكن حزب العدالة والتنمية من تشكيل حكومته فإن كل الفاعلين السياسيين والمحللين والمراقبين ومكونات المجتمع المدني بل والشعب كله سيعتبر أن اياديا لها مصالحها قادت انقلابا سياسيا ضد ما أفرزته صناديق الاقتراع، وأعرب عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال عن أمله ألا يحدث هذا السيناريو وألا يخطر على بال أحد على حد تعبيره. وأعرب الخليفة عن ثقته في تجربة العدالة والتنمية وقدرته إلى جانب حلفائه على تحقيق التطلعات التي رفعها الحراك الشعبي وقال الحليفة:» إذا كان ما أعلنته العدالة والتنمية على الدوام هو الذي سيقود خطواتها في ممارسة الحكم بدون مواربة وبدون تخوف من أي كان وباقتحام لمراكز الفساد بعقلانية وتريث وتخطيط وباستهداف الصالح العام قبل كل شيء وبالبرنامج المشترك لمن سوف يتحالفون معهم فإنها ستحقق نجاحا نوعيا في تاريخ المغرب». واعتبر الخليفة أن دعم الغرب ومباركته للانتخابات في المغرب يحمل إشارة قوية ودالة على أن العدالة والتنمية يدعمها الشعب المغربي بقوة لتحقيق انتظاراته، مشيرا إلى أن العالم يرقب أداء العدالة والتنمية من أجل إفراز مجتمعات ديمقراطية تتغيى الخير للشعب وتساهم في بناء العالم الجديد. ● كيف قرأتم فوز العدالة والتنمية في اقتراع 25 نونبر؟ ●● بالنسبة إلي، صعود العدالة والتنمية إلى الرتبة الأولى لم يأت مصادفة، بل جاء نتيجة عوامل متعددة أهمها المناخ الديمقراطي الذي عاشه المغرب بعد دستور 2011 وبعد خطاب 9 مارس، وكذلك جاء نتيجة الحراك الشعبي المغربي الذي عبر بمختلف التعبيرات وحتى قبل حركة 20 فبراير أنه يريد التغيير العميق في السياسات وفي الأهداف والسلوكات والاختيارات. وجاء أيضا نتيجة ما عرفته إحدى دول المغرب العربي – تونس- حيث صوت الشعب التونسي بكثافة على التيار الإسلامي، وجاء أيضا في نطاق التوجهات الاستراتيجة الجديدة للعالم الغربي بما فيه أوربا وأمريكا حيث اختار الغرب أن يتعامل في الدول العربية والإسلامية مع الشعوب وذلك بإجراء انتخابات نزيهة تفرز القوى التي تعبر عن إرادتها بدل أن يرهن الغرب نفسه بحماية حكام طغاة فاسدين، ولأن كثيرا من الأفكار المسبقة زالت عن مفكري الغرب واعتبروا أن الفكر الإسلامي ولاسيما في الميدان الاقتصادي والأبناك الإسلامية كان إضافة نوعية للإسهام في بناء نظام بنكي عادل ومتكامل. هذه الأشياء مجتمعة هي التي عبر عنها الشعب المغربي في تصويته. وليس من الغريب أن يقترن صعود حزب العدالة والتنمية بصعود حزب الاستقلال الذي كان يقود العمل الحكومي لأن حزب الاستقلال له مرجعيته الإسلامية التي لم يتخل عنها أبدا حتى في أقصى الظروف التي انتصر فيها الفكر الشيوعي حيث كان يقرن فيها الدين بالرجعية. ● كيف تقرؤون دلالة تعيين الملك للأمين العام للحزب العدالة والتنمية في الوقت الذي تتيح له صلاحياته الدستورية أن يختار من بين الحزب الفائز من يسميه رئيسا للحكومة؟ ●● أقرأ الأمر ببساطة. أعتبر بأن المنتصر الحقيقي هي الديمقراطية التي يريد ترسيخها جلالة الملك محمد السادس الذي أعطى تفسيرا عميقا لمعنى العرف الدستوري الذي يجب أن يسود في النص المكتوب، إذ بالرغم من أن الدستور لا يقيد من صلاحيات الملك بالنسبة إلى اختيار رئيس الحكومة من الحزب الذي جاء الأول، اختار صاحب الجلالة عن طواعية تنزيل ليس فقط حرفية الدستور ولكن المعنى العميق للنص الدستوري وذلك بتسمية الأمين العام للحزب الفائز رئيسا للحكومة. ● مباشرة بعد تسمية الأستاذ عبد الإله بنكيران رئيسا للحكومة أعلن أن الدائرة الأساسية لتحالفه ستكون هي الكتلة الديمقراطية وأن تصوره لمهام الحكومة المقبلة يتمثل في الديمقراطية والحكامة الجيدة، لكن لم يمض إلا وقت قصير عن هذا التصريح حتى فاجأ الاتحاد الاشتراكي الرأي العام بموقف الخروج إلى المعارضة، ما تحليلكم لهذه المواقف؟ ●● موقف السيد رئيس الحكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران كان هو الموقف الطبيعي، ولقد فهم الإشارة التي أعطاها الشعب المغربي. وبطبيعة الحال، فإن شخصا مثل السيد عبد الإله بنكيران لا يمكن أن يجعل عصب حكومته إلا من الكتلة الديمقراطية وهذا شيء كان واردا حتما انطلاقا من أن حزب العدالة والتنمية هو حزب نابع من وجدان الشعب المغربي ويمتلك الجرأة في اتخاذ قراراته ولا تملى عليه أية إشارات من خارج الحزب. وبالتالي، فإن موقف السيد عبد الإله بنكيران شخصيا لم يفاجئني، لكني تفاجأت بموقف الاتحاد الاشتراكي، وأعتبر بأنه كان مكانه الطبيعي أن يكون في التحالف الذي سيكون بين الكتلة الديمقراطية وبين العدالة والتنمية لتشكيل حكومة لأول مرة في تاريخ المغرب سيكون لها دلالة ومعنى وهو أن الشعب المغربي بوأ الأحزاب المنبثقة من الشعب وذات القرار المستقل المكانة التي تؤهلها لتؤسس حكومتها. لكن أتأسف لموقف الاتحاد الاشتراكي رغم أني أحترمه، فهم، بدون شك، اتخذوا قرارهم بمسؤولية، ولن يكون هذا القرار إلا لصالح المغرب ولصالح لهذه التجربة الجديدة وهذه القفزة الديمقراطية النوعية في البلاد، مع أنني شخصيا آسف لموقف مثل هذا. ● استند الاتحاد الاشتراكي على أربع مبررات لتسويغ موقفه منها وضعه التنظيمي الذي لا يتحمل الاستمرار في المشاركة، وحاجة الحزب إلى تقوية الذات الحزبية من خارج الحكومة، ومنها الحاجة إلى معارضة قوية وعدم تركها للشارع من غير تأطير سياسي ومنها أيضا نتائج الانتخابات، بالنسبة إليكم – كسياسي ومن منطلق خبرتكم وتجربتكم السياسية - إلى أي حد تعتبرون هذه المبررات مقنعة ودافعة لاتخاذ قرار الخروج من الحكومة؟ ●● لقد استمعت إلى بعض هذه المبررات قبل اتخاذ القرار رسميا من قبل الهيئة المقررة في الاتحاد الاشتراكي، واستمعت إلى شيء من هذا بعد اتخاذ القرار. بطبيعة الحال، ومرة أخرى، لا يمكن إلا أن أؤكد على أنني أحترم قرار الإخوة في الاتحاد الاشتراكي. ومع ذلك، فإن هذه التبريرات تناقش من الناحية السياسية. فحزب الاتحاد الاشتراكي، ونحن على أبواب استحقاقات انتخابية جديدة، ونحن ايضا على أبواب تنزيل مضامين الدستور، والمغرب لا تزال تنقصه مشاريع قوانين تنظيمية، ونحن أيضا على أبواب أن تضمن بلادنا بعد انتخابات 25 نوبر وبعد المصادقة على الدستور الجو الملائم والطبيعي والاستقرار لتنزيل الدستور، أن يتخذ الاتحاد الاشتراكي موقفا مثل هذا في ظل هذه الظروف، بالنسبة إلي، أعتبر أنه مهما تكن التبريرات، فإن إمعان الفكر في التحليل لن يؤدي بي إلا للقول بأن هذا شيء يؤسف له. ● انفراد الاتحاد الاشتراكي بهذا القرار في ظل حديث عن ضرورة توحيد مواقف الكتلة، وفي ظل مواقف أولية مبدئية من قبل حزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية بالمشاركة في حكومة السيد بنيكران، ألا ترون أن هذا الموقف يمكن أن تكون له تداعيات سلبية على الكتلة الديمقراطية؟ ●● بكل أسف، بعض المحللين يقولون بصريح العبارة بأن الاتحاد الاشتراكي أطلق الرصاصة على الكتلة الديمقراطية، وأن أرجو ألا تكون هذه الرصاصة لا حقيقية ولا رصاصة رحمة. أملي، أنا الذي كان لي شرف المساهمة في الإرهاصات الأولى لقيام الكتلة، من خلال عملنا في البرلمان مع الإخوان في فريق الاتحاد الاشتراكي، آمل أن يكون هذا الموقف لا يقتل الكتلة ولا يؤدي بها إلى الموت الذي انتظره لها الكثيرون والذين كان دأبهم أن يفرقوا بين الاستقلال والاتحاد الاشتراكي في جميع المراحل التي عرفها تاريخ المغرب السياسي. ولقد كان صوت العقل دائما ينجح وكنا نقول بأن أعداء الديمقراطية وأعداء الوطن والمستغلين والفاسدين لن يرتاح لهم بال إلا إذا استطاعوا أن يفرقوا بين حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، وأن يموت أي تنسيق ولا تبقى أية كتلة. بكل أسف، في تقاليد الكتلة كان العرف إذا كان هناك خلاف في اتخاذ أي موقف نتريث كثيرا وكثيرا جدا ونستعمل كل الأدوات بما فيها العلاقات الفردية بين أعضاء كل حزب من جهة ومدى انفتاح بعضهم على البعض الآخر، وبما فيها جلوس الأمناء العامين فيما بينهم، وأيضا من خلال تدبير الأمر بالاستدعاءات الحميمية في بيت أحدنا وقد يطول الأمر حتى نتدبر، كل ذلك من أجل تبقى صورة الكتلة صورة حقيقية. ولكن هذه المرة، بكل أسف، الاتحاد الاشتراكي – لا أقول أطلق رصاصة الرحمة ولا رصاصة أخرى كما يقول بعض المحللين، ولكنه فاجأ الجميع بموقف في زمن يستحيل فيه أن يكون مثل هذا الموقف يخدم آمال الشعب المغربي والذي أقول أنه ما أعطى لهذه الكتلة ولميثاقها التقدير اللازم. ● بعض المحللين يرون على عكس تحليلكم أن موقف الاتحاد الاشتراكي سيساهم في إضفاء الوضوح على المشهد السياسي وبناء تقاطبات على قاعدة إيديولوجية مذهبية وليس على قاعدة سياسية مثل الديمقراطية، كيف تقيمون مثل هذا التحليل؟ ●● سعى المرحوم أوفقير وسعى المرحوم كديرة أن تكون في المغرب قطبية سياسية، قطب يقوده حزب الاستقلال التي يعتمد المرجعية الإسلامية كحزب ينظر إليه على أساس أنه رجعي يميني، وحزب يقوده الاتحاد الاشتراكي كحزب يؤمن بقيم الاشتراكية والديمقراطية. وفي تفكير هذين العرابين، كانت تكمن كل فصائل الفساد والاستغلال والنهب والارتشاء والاستيلاء على مقدرات البلاد، لأنهم كانوا لا يعملون بالليل والنهار من أجل أن تكون هذه القطبية لأنهم يعرفون أنهم عندما يفترق الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال تسهل عليهم كل الأمور، وعندما يجتمعان تصعب عليهم كل الأمور. وبالتالي، كانت دائما مخيلتهم تبتكر مثل هذه الأفكار، وأذكر بأن المرحوم اكديرة كتب مقالا في مجلة جون أفريك في نهاية السبعينات أو بداية الثمانينات «l'alternance» يشرح فيها أن حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال يجب أن يفترقا، ولكن الإرادة الوطنية نجحت في إبقاء الصف الوطني الديمقراطي إلى الآن كتلة واحدة، وبالتالي بالكثير في هذه اللحظات الحاسمة في تاريخ المغرب، علينا أن نقوم بنقد ذاتي وأن نقيم ما يجب تقييمه وأن نحافظ لهذه الأمة على آمالها في بناء الأقطاب الحقيقية وليست الأقطاب التي لا يزال أذناب المستغلين والذين لا رأي لهم في مصلحة الوطن ، الذين يرفعون دائما فزاعات في وجه الأحزاب الحقيقية. ولذلك أقول، ينبغي أن نجري هذا النقد، وينبغي أن تنتصر إرادتنا في الإبقاء على وحدة الصف الوطني الديمقراطي. ● هناك من يقول بأن السيناريوهات المتبقية رئيس الحكومة لم تعد كثيرة، وأن أمامه سيناريو واحد قوي ينبغي أن يشتغل عليه، وأن يتحالف العدالة والتنمية وحزب الاستقلال والتقدم والاشتراكية والحركة الشعبية، من جانبكم كيف تنظرون إلى سيناريوهات تشكيل الحكومة؟ ●● أنا أنظر إلى الأستاذ عبد الإله بنكيران دائما نظرة الرجل الواضح. أعرف مساره وتتبعته، وأعرف أنه رجل وطني مخلص، وبأن هم الحكم لا يسكنه، وأنه إذا لم يستطيع، أو لم يرد لحكومته أن تشكل بالمعايير التي في عمقه وذهنه، فإنه سيتخلى عن الأمر بكل بساطة. أما أن يشكل حكومة كيفما كانت، ومن أي جهة كانت، فيجب أن ننزه المناضلين في حزب بنكيران عن هذا. وشخصيا أعتقد أن سيناريو فشل بنكيران في تشكيل حكومته شيء بعيد، لأنه لأول مرة في تاريخ المغرب، يعرف الشعب المغربي أن الحزب الذي سيفوز سيكون رئيس الحكومة منه، وبالتالي فإن الشعب هو الذي أفرز الحزب الذي يكون منه رئيس الحكومة. صاحب الجلالة أعطى التفسير المنتظر منه ، والبعد العميق للدستور عندما عين السيد بنكيران. وهكذا سقطت كل الطروحات التي كانت تنظر لكثير من الأسماء أو تنظر أحيانا حتى للتراجع ضدا على الدستور، بل إن بعض السيناريوهات تحدثت حتى عن الفشل في حالة رئيس الحكومة المعين وتحدثت في السيناريوهات المتبقية لتعيين رئيس حكومة آخر. ولكن بموقف صاحب الجلالة اتضح المشهد السياسي بصفة لا تقبل أدنى شك ولا أدنى ريب بأن محمد السادس يريد لهذه التجربة أن تنجح ويريدها لها بعمق، ويريد أن يقول للمغاربة بأنه لا فرق عندي بين أبناء هذا الشعب أينما كانوا وكيفما كانت ميولاتهم وتوجهاتهم ما داموا يؤمنون بقيم المغرب الخالدة. هذه هي الإشارة التي تلقيناها. وهذه الإشارة يجب أن يتلقاها كل من له قلب أو كبد على هذا الوطن في هذه الظروف الدقيقة، وأعني ما أقول، وبالتالي يجب على الجميع وعلى كل من استدعاه رئيس الحكومة لتشكيل الحكومة معه أن يساعده، وكل من استدعاه ليقول له بأنه سيتعاون وهو في المعارضة أن يستمع إليه. هكذا تكون الديمقراطية. ينبغي ألا يصدمنا لا موقف الشعب ولا تفسير جلالة الملك للدستور، بل بالعكس يجب أن يفرحنا، لأن المغرب لن ينتهي في خمس سنوات، وأن التقاليد الديمقراطية ترسخ لحظة بعد لحظة ويوما بعد يوم وولاية بعد ولاية. وهذا ما يعنيه تداول الحكم. ● هل يعني كلامكم أن تشكيل حكومة بنكيران سيكون أمرا ميسورا؟ ●● شخصيا، أعتبر بأن الحكومة الآن من العدالة والتنمية أمر سهل وميسور، وسيستطيع بنكيران أن يشكل حكومته من أربعة أحزاب في القريب العاجل، وستكون هذه الحكومة لأول مرة مقلصة الأحزاب ولربما مقلصة عدد المناصب الوزارية في نطاق الترشيد الذي يشير إليه السيد بنكيران. فإن الأمر يتعلق بتجربة جديدة لبناء مغرب جديد بدستور جديد في وضع جديد علينا أن نتجاوز فيه كل عوامل الإحباط وكل التحديات المطروحة على الساحة. تعليلي للأمر بسيط كما ذكرت، وأن أن الشعب أعطى ثقته الثقة للعدالة والتنمية ولأن جلالة الملك بصفته الحارس الأمين للدستور ولمقومات الشعب المغربي سمى رئيس هذا الحزب رئيسا للحكومة وبما أن العدالة والتنمية في كل المحطات التي رأينها كانت لها علاقة طيبة مع الأحزاب باستثناء الحزب الأغلبي اعتبر سهلا ميسورا من كل من يريد أن يخضع لمبادئ إرادة الشعب وصناديق الاقتراع. وعلى العكس من ذلك فإنه في أقصى سيناريوهات غير المحتملة أن العدالة والتنمية تعجز عن تأسيس الحكومة فإن كل الفعالين السياسيين والمحللين سيعتبرون أن هناك أيادي لها مصالحها قادت انقلابا سياسيا على إفرازات صناديق الاقتراع وإرادة الشعب وأملي لا يخطر هذا السيناريو على بال أحد. ● في نظركم ما هي المهام العاجلة المطروحة على حكومة بنكيران؟ ●● أساسا في كل الديمقراطيات العريقة، فإن كل حزب فائز يسعى خلال المائة اليوم الأولى أن يتخذ إجراءات جريئة تتجاوب مع ما يريده الشعب المغربي. من حسن حظ رئيس الحكومة الجديد أنه جاء في هذا الحراك الشعبي التي تعرفه شوارعنا كل يوم أحد في حركة 20 فبراير ويأتي تتويجا في مرحلة عرفها المغرب بكل زخمها من خطاب 9 مارس إلى تعيين رئيس لحكومة. من حسن حظ السيد بنكيران أن أفق المائة يوم واضحة وذلك بأن تتخذ حكومته ت إجراءات من أجل محاربة الفساد أو إسقاط الفساد كما يقال في الشارع، وهذا شيء متيسر . وإذا كانت الحركة الوطنية دعت دائما إلى إسقاط الفساد واتخذت الإجراءات في حكومة اليوسفي وحكومة عباس الفاسي، من أجل محاربته الفساد، فإن رئيس الحكومة الجديد عندما يقرر المضي بقوة في هذه الإجراءات سيكون متجاوبا مع الشارع المغربي وأعتقد أنه إذا كانت الحكومات السابقة تبحث عن 50 أو 60 إجراءا، ففي هذا الميدان وحده يمكن أن يجد رئيس الحكومة أكثر من 100 إرجراء، أما المهام الأساسية التي تحتاج إلى كثير من العناية فتتمثل في الملف الاجتماعي ، وبشكل خاص ملف البطالة وبطالة الخريجين وملف الصحة العمومية وملف تكافؤ الفرص وملفات عديدة في الملف الاجتماعي. لا أريد أن أتحدث عن الميدان الاقتصادي والمالي، أريد أن أتحدث عن أمور ملحة اليوم، والحكومات السابقة اشتغلت على بعض منها، وهي اليوم في طور الإنضاج، وأصبحت تتطلب اليوم أن تخرج عاجلا إلى حيز الوجود، وأعتقد أنه من خلال التجاوب الشعبي، لدي قناعة كاملة أنه خلال هذه المائة يوم سيكون السيد بنكيران وفريقه، بحكم احتكاكهم بالواقع الشعبي المغربي، وبحكم التزامهم العميق بوطنيتهم الصادقة، قادرين على أن يعطوا للمغرب آمال المغرب قوية جدا وأن بداية الطريق مقنعة من اجل أن نبدأ نسج كل خيوط الآمال التي تغطي المغرب من أقصاه إلى أقصاه. أنا واثق من أن العدالة والتنمية إذا كانت تصريحاتها وما أعلنت عنه على الدوام هو الذي سيقود خطواتها في ممارسة الحكم بدون مواربة وبدون تخوف من أي كان وباقتحام لمراكز الفساد بعقلانية وتريث وتخطيط وباستهداف الصلح العام قبل كل شيء وبالبرنامج المشترك لمن سوف يتحالفون معهم فإن العدالة والتنمية ستحقق نجاحا نوعيا في تاريخ المغرب إذ لم تكن تنقص الأحزاب التي مارست لحكم البرامج ولا الأفكار التي تصب في خدمة الشعب المغربي ولكنه أحيانا افتقد القادة تلك الجرعة الأساسية من الجرأة السياسية. ● لكن أيضا تواجه حكومة بنكيران تحديات وإكراهات كثيرة وفي مقدمتها استمرار الحراك الشعبي واحتمال تفجر احتجاجات ذات طبيعة مطلبية اجتماعية. في نظركم كيف يمكن لحكومة بنكيران أن تجيب عن هذا التحديات؟ ●● الاحتجاجات التي تنظم اليوم أمام البرلمان وأمام مقرات بعض الأحزاب التي تشارك في الحكومة أو أمام النقابات أصبحت اعتيادية وطبيعية منذ حكومة عبد الرحمان اليوسفي، والكل اليوم يعبر عن مطالبه في الشارع بنفس الطريقة التي نجدها في الحديقة العليا في لندن. وأنا أعتقد أن وجود هذه الاحتجاجات أصبح يعطي للمغرب مظهرا حضاريا. هذا شيء يجب التعامل معه على حدة، ويجب أيضا الإنصات واتخاذ القرارات ليس فقط تحت ضغط الشارع ولكن ينبغي القرارات التي تنفع هؤلاء الشباب أولا، وتنفع المغرب تبعا لذلك. أما فيما يخص حركة 20 فبراير، فإن وجود السيد بنكيران بما جبل عليه من صراحة وضوح وجرأة سيدفعه إلى اقتحام هذا المجال. شخصيا وقبل أن تخرج 20 فبراير إلى الشارع عبرت بجملة وقلت: لا ينبغي أن ينتقص من أهمية هذه الحركة وفي نفس الوقت لا يجب أن نعطيها أكثر من حجمها. وقلت إن ثورة المغرب لن يقودها الشارع كما وقع شعوب أخرى، ثورة المغرب يقودها الملك محمد السادس وبالفعل، استجاب القدر فكان خطاب 9 مارس. السيد رئيس الحكومة صرح بأنه سيفتح الحوار مع 20 فبراير، وهذا شيء مهم، وأعتقد أن هذا الحوار سيكون سهلا، فحركة 20 فبراير التي خرجت من أول يوم ليست هي 20 فبراير، فأقطابها اليوم واضحة، هناك العدل والإحسان، التي أقدر أن الحركة الإسلامية في شخص حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح ستكون الأقدر على محاورتها وإقناعها إلى المشاركة في العملية السياسية. فهذه الجماعة إذا كانت تتغيى المصلحة العليا للبلاد فإنها ينبغي أن تعرف أن المغرب دخل في عهد جديد. وشخصيا دافعت دائما عن مرشد الجماعة الأخ عبد السلام الحاحي ياسين الذي له تقدير خاص بنا كطلبة بن يوسف في مراكش في السر والعلن، وتأثرت لما ذكرني في بعض كتبه لما طالبت في البرلمان من أجل إطلاق سراحه. أعتبر أن على الشيخ الذي اختار أن يلتزم مع شعبه، أن يمد يد المصافحة القوية والصادقة والتي تحمل كل معاني الإسلام الخالدة من أجل أن ينخرط في هذا المغرب الجديد الذي يبنى اليوم. بالنسبة للنهج الديمقراطي، أعتقد أن على الإخوان في الاتحاد الاشتراكي الذين قرروا الخروج إلى المعارضة أن يجمعوا كل اليسار بكل تلويناته بما في ذلك اليسار الذي لا يزال متطرفا، وكذلك على السيد بنكيران وطاقمه أن يحاور كل فئات الشباب التي لا تنتمي لا إلى هذا المكون ولا ذاك، لأن كل خروج إلى الشارع وكل احتجاج تكون له أسبابه وتكون له أهدافه، وبالتالي عندما نجد الطريق مؤدية إلى تحقيق هده الأهداف فإنه لا يكون للحكومة اي خيار غير الانخراط في هذه الطريق وإلا فإننا سنكون أمام أشياء معلنة امام أشياء خفية.