ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال منطقة التبت الصينية إلى 95 قتيلا    وزارة المالية: حاجيات الخزينة لشهر يناير تصل إلى 14 مليار درهم    الشرق الأوسط الجديد بين سراب الأوهام وحقائق القوة.. بقلم // عمر نجيب    تشاد والسنغال تستنكران تصريحات ماكرون بشأن ما اعتبره "جحود" الزعماء الأفارقة    وفاة اليميني المتطرف جان ماري لوبان عن عمر يناهز 96 عاما    بنعلي: إجمالي الاستثمارات في الشبكة الكهربائية الوطنية للنقل للفترة (2024-2030) يقدر بحوالي 30 مليار درهم    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية.. وهذه توقعات الأربعاء    المغرب يتأهل لربع نهائي دوري الملوك على حساب اليابان    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    المستشارون يؤجلون تقديم السكوري لمشروع قانون الإضراب ويشترطون التفاوض مع النقابات أولاً    أسعار الذهب تواصل الارتفاع    عدد القتلى يرتفع في زلزال الهيمالايا    أجهزة الرقابة المالية تبحث في امتلاك أجانب عقارات فاخرة بالمغرب    تصنيف "تكلفة المعيشة" يضع 3 مدن مغربية بين الأغلى في قارة إفريقيا    الدعم المباشر للسكن.. تسجيل 110 آلاف طلب استفادة في ظرف سنة    وزير الصحة في مواجهة انتقادات حادة بسبب إلغاء صفقة عمومية ب180 مليون درهم    صادم.. التدخين يقتل 12.800 مغربي سنويا    انطلاقة برنامج 'محاضرات علمية' الموجه لسجناء قضايا التطرف والإرهاب    مساء اليوم في البرنامج الثقافي "مدارات " بالإذاعة الوطنية : لمحات عن المؤلفات الفقهية والأدبية للسلطان العلوي المولى عبدالحفيظ    المغاربة يغيبون عن "بوكر العربية"    صناع محتوى مغاربة في "قمة المليار متابع" بالإمارات    حنان الإبراهيمي تنعي والدتها بكلمات مؤثرة (صور)    محمد بنشريفة مدرباً جديداً للمغرب التطواني    فرق التجهيز تتدخل لإزالة الثلوج عن محاور طرقية بإقليم الحسيمة    جمهورية غانا تقرر تعليق علاقاتها الدبلوماسية مع "الجمهورية" الوهمية    التدخين يكلف المغرب 5 مليارات درهم سنويًا ويتسبب في آلاف الوفيات المبكرة    شركة "سبيس إكس" تطلق 24 قمرا جديدا من "ستارلينك" إلى الفضاء    برلماني يفضح تورط مصحات خاصة في التلاعب بملفات التعويض عن المرض ويطالب بتحقيق عاجل    الدولي المغربي عبد الرزاق حمد الله يصبح الهداف التاريخي لكأس الملك السعودي    محمد صلاح يرد على كاراغر ساخراً: "بدأت أعتقد أنك مهووس بي"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    عاصفة ثلجية قوية تشل حركة أوروبا    عامل الحسيمة يتفقد تقدم أشغال مشاريع طرقية كبرى في الإقليم    المغربي بوعبيد يعزز صفوف "صحم"    المنتخب النسوي U20 يخوض معسكرا مكثفا بالمعمورة    المتصرفون المغاربة يستنكرون التمييز ويدعون إلى إصلاح عاجل لنظام الوظيفة العمومية    فنان أمريكي يرفض التعاقد على "عدم مقاطعة إسرائيل"    1,5 مليار درهم قيمة الاستثمارات الأجنبية في السينما بالمغرب    دراسة: الحليب لا يفرز البلغم عند الإصابة بنزلات البرد    بنسعيد يستعرض دواعي مشروع قانون حماية التراث    كلية الآداب بتطوان وجماعة العرائش يوقعان اتفاقية إطار للتعاون    سفيان رحيمي يتصدر قائمة الهدافين دوليا لعام 2024 حسب تصنيف IFFHS ب 20 هدفًا مذهلًا    منتجع مازاغان يحصل على عدد كبير من التتويجات في عام 2024    الرئيس الفرنسي يشيد "بالطموح غير المسبوق" للشراكة التي تم بناؤها مع المغرب    موعد مباراة برشلونة ضد بيلباو في نصف نهائي كأس السوبر الإسباني والقنوات المجانية الناقلة    مرسى ماروك تستثمر في محطة نفطية جديدة في دجيبوتي.. لتعزيز سلاسل الإمداد اللوجيستي في شرق إفريقيا    الولايات المتحدة تسجل أول وفاة بشرية بسبب إنفلونزا الطيور    ماحقيقة فيروس الصين الجديد الذي أثار الفزع حول العالم؟    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    الأوقاف تعلن عن فتح تسجيل الحجاج إلكترونيا لموسم 1447 هجرية    مقاطعة أم انهيار: غياب ممثلي «جمهورية تندوف» في الخارج عن ندوة «لحمادة» للعلاقات الخارجية    الشعب يفرح بالمطر والحكومة أيضا..    المغرب يشارك في مسابقة "le Bocuse d'Or" وكأس العالم للحلويات وكأس العالم للطهاة    مدوّنة الأسرة… استنبات الإصلاح في حقل ألغام -3-    تفاصيل انتشار فيروس يصيب الأطفال بالصين..    دراسة: التفاعل الاجتماعي يقلل خطر الإصابة بالنوبات القلبية    بنكيران: الملك لم يورط نفسه بأي حكم في مدونة الأسرة ووهبي مستفز وينبغي أن يوكل هذا الموضوع لغيره    الثورة السورية والحكم العطائية..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معرض رشيد بكار يرسم الغياب بمبررات تتلقفها الأرض

1 . في ناحية من اللوحة تندلع حقائق ليس في مصلحتي إخمادها :
عرض الفنان التشكيلي رشيد بكار آخر أعماله برواق : noir sur blanc في الفترة الممتدة من: 14 أبريل إلى 12 ماي 2012 بمراكش.
في هذا السياق كتب الناقد إبراهيم أولحيان كلمة سماها : «على حافة الغيابِ » هي نفس عنوان الكاتالوغ المهدى للحضور، أمسية افتتاح المعرض.
الكلمة في جانب مهم منها ذات نفس كرونولوجي يتابع بالرصد والتأمل منهجية الفنان في تطويع رؤاه، إلى أن تصير في متناول العين عملا مكمولا، لاغبار عليه، بدءا من حالة تشمير الأصابع، مرورا بطرح اللوحة أرضا في ناحية من نواحي مخيلته، وصولا إلى الدخول الفعلي معمعة تشابك ساخن بين هذا المكون أوذاك من المكونات المتنافسة فنيا على إيجاد موطىء قدم في فضاء اللوحة، حيث التوقيع على الأثر والذكرى بالوشم، ومداد التعبير عن ديمومة الحياة :حياة اللوحة في المناطق الأكثر توترا في مخيلة الفنان.
في ملاحظة أولى يبدو العنوان في تمام الإنسجام مع نفسه وقد نجح في جر الأعمال الفنية من تلابيبها إلى عتبته النصية، ومن تم تبئيرها في صيغة نداء للغائب، أي منه لا عنه، يصدر منه ويعود إليه، بحثا عن جوهر يتعذرالعثور عليه في حاضر، ندرك تمام الإدراك أنه يموت بمجرد ولادته بحكم تكالب الزمن عليه لحظة بلحظة.
هنا المشكلة، فالغائب هو الكل في الكل، والحالة تقتضي تجاوز حافة تراجيدية، يصنعها الفنان متيحا لهواجسه في الإبداع إمكانية اختبار حيويتها، في القفز على أكثر من حبل بمعنى تصويب معانيها، بما يكفل صياغة متجددة لنفسها من تلقاء نفسها، تعين على رفع الغلالة عن ماهو جوهري باطن وكامن فيها ،أمنية، العين الإحتكاك به جسديا وسبر أغواره وتبنيه جملة وتفصيلا كحقيقة غائبة، لكن بمبررات تحضر بقوة لا يطعن في مستقبلها مخلوق على وجه اللوحة.
إذن هذا هو الأفق المفقود الذي نترقب بحرارة أن يتمخض غيابه عن خلخلة وعصف ورفرفة للجفون وهي عربون حالة نفسية تنتظر رفع الحواجز عن تطلعاتها نهائيا، أنا هنا بصدد التشديد على الناحية التي تندلع فيها حقائق لانهائية، ليس من واجب أحد إسكاتها، بسبب ارتفاع ألسنتها إلى معاني قياسية، في الجهر بحقها في حرارة الإنتماء، إلى بقاع تشكو برودة الحضور طي أزمنة مأهولة بالغبار، تخطىء عقارب اليوم المضي قدما نحوها بثوان حثيثة، ما من شك أن الظفر بها برمشة عين من بكار غدا بحق يعني لقبَ نصر وتتويج في المسافات اللونية الطويلة الأنفاس .
2 . رشيد الذي
يظهر و يختفي :
الفنان حيال هذا الترقب يظهر ويختفي، يظهر كراع لحقائق من ابتكاره الخالص، يبدو ممتنا لها وبها غاية الإمتنان، ويختفي فجأة عن كل مسؤولية، تاركا الحبل على الغارب للأسرار تفرغ جعبتها بما فيها، تطلع خباياها بما عليها حيا أوميتا، تقدم كشف حساب مفصل لمجل أنشطتها الجارية في الظل مجرى مياه تحت تبن متخفية عن الأنظار، هي ما يشوش على الأقدام بقدر كبير من التغرير يتلف قدرتها على التركيزفي الخطى المؤدية إلى بر أمانيها، والخروج من حالة الزوبعة المرورية إلى طقس الوضوح في الرؤية والمقصد.
وحتى إزاء التباس كهذا، مزروع بفائق العناية والتبصر في الطريق إلى النبض الخفي وراء كيمياء اللون وإيقاع الأشكال، فإن رشيد بكار لايجد كبير عناء في رسم مخارج جمالية بالغة التأثير على الوجدان، مستقويا بما ملكت العين من فائض الرؤية، هذه التي لاتذعن لنهاية، وتلك التي دٌربت وحنكت على خوض تحريات عميقة في صميم المجهول المتراكم على أعتابنا بكميات مجهولة، وذلك من منطلقات تشخيص شامل لملامح وقسمات الحالة، في كمونها لا في تجليها، في غيابها لا في حضورها، في سكونها لا في حركتها، للتدليل فنيا على أن مايسمى الباب المسدود في أية فكرة هو جزء لايتجزأ من الحل، مادام اختراق مصراعيه لا يستعصي على قوة الخيال وجنون الموهبة وهو ماليس متاحا بالنسبة لسائر الكائنات سيما التي تفكر بحاسة ميتة لحيوان متحجر، فلا تستوعب التعدد المطروح في الطريق الواسع إلى الغياب المفتوح على الثراء والغرابة والعجب، وهو هنا على ملل ونحل، منه الغياب المبرر بالحجج والبرهان، وما هو في العمق إلا حضور مضطرب لايعنينا تحايله في شيئ، وغياب لايملك الوقت والعبارة لتقديم أي اعتذار، وهذا مربط اللوحة، تنشدّ إليه الدواخل والأعماق برباط روحي متين، يطول ويقصر، تبعا لضربات القلب والشعور، وخفقان زمانهما ومكانهما. فأي قماش أو خشب أوورق يستوعب ارتباكا ارتجاجيا بدرجة هزات يد واحدة، ترتهن مدا وجزرا، صمتا وصوتا، للهامشي ضدا في المركزي، للغياب عوض الحضور، بتأليب هاجس على اعتقاد، بتسليط خيال على راهن مريض بالأوهام، بترجبح فكرة صغيرة على من يفقنها من نظيراتها، من الأفكار وزنا وطولا وعرضا، وانتظار ما سيسفر عنه هذا الجنون بإخراج مسرحي يخرج اللوحة من الحيز الضيق للصدفة، ويعرضها على الملأ ضيفا مستداما، يتحمل كل النعوت إلا المجاملة في وجه عالم نقول عادة عنه من باب الدفاع ضده : إنه يخفي تناقضاته بغربال، لاتتوانى في الكشف عن نفسها بكرم للعميان.
3 . شل فرامل اليد
و العين سواء بسواء :
من ميكانيزمات هذا الملمح السينوغرافي، تغليب لون على لون إلى حد مجاراته في ظلم أوحق، في صيغة اكتساح صامت الوقع ، يبصم ببواطن الأقدام على المحصول الوافر للحواس، من بصر وذوق ولمس وشم وحتى بمتلاشيات من نثر ذاكرة حول جسد، تنحَل جسميا إلى خطوط، تنزف طولا وعرضا، هي تعبير عن سبب ونتيجة، السبب في شل فرامل اليد، والنتيجة مسح متحرر من كل قيد أو شرط، في النفاد على وجه السرعة إلى الربع الخالي في دغل أو شكل تحت أي حجم أووزن، فإعماره هندسيا بالصور والعلامات المشبعة بالتشابه والإختلاف، التنوع والتفرد، القوة والعفة، على غرار إعمار جزر وأرخبيلات ومحاربة شياطين الهواء، هذا توغل لافت للنفس، يسعى رشيد بكار إلى اعتباره مقترحا جماليا خاصا به، وهو فخور حقيقة، وهو يضعه في متناول عيون يهمها صيانة الأمانة مدى البصر.
4 . حيف أشد مضاضة لا أتردد في تهشيم حسامه بفأس مهند :
في ملاحظة أخيرة، لابد من الإشارة إلى كون كلمة الناقد إبراهيم وهي المعدة أصلا ونصا، كمقدمة عربية للكاتالوغ، ستصاب بدورها بآفة غياب أعظم، حين تكتفي برتبة خاتمة هي في اعتقادي، شبه مغادرة كرهية أو طوعية ، ترتب عنها ترك المنصب شاغرا للأخت في الترجمة تشغله بشكل رسمي، وهي بالمناسبة ترجمة أنيقة للأستاذ خالد المعزوزي،لكني أتمنى في هذا الصدد ألا يتجاوز الأمر حفاوة لغة بلغة أو تقديرا فوق اللزوم، يجعل العربية تتصدر الغياب، وإلا صار الحدث في حكم العجب الذي تجري وقائعه في عقر أروقتنا، وهو ما لايتاح لأي فنان يرسم بلغة الضاد فيما ينظم من معارض فنية خارج حدود البلاد.
ألسنا إذن أمام آفتين بدل حافتين: واحدة للغياب وأخرى للحضور، مجرد تساؤل حضرني الآن على أمل كسر هذا الحيف بفأس، وبالتالي الذهاب بثقة نحو ألواننا وهوائنا ولا ضير أن نسميها وقتئد، بمسمياتنا دون أدنى مركب نقص وبإحساس من يرتكب جناية صادقة بالحب المبرح من أجل لوحة ،يلزم الوقت والجهد لتحريرها من براثن الوصاية والحجر الطاعنين في السن كما سوء الظن بهويتنا الفنية رسما وصباغة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.