ما هو الواقعي في اللوحة وما هو المتخيل؟ ما هو المتضاد فيها وماهو المتآلف؟ ما هو الثابت وما هو المتحول؟ أسئلة تواجهك وأنت تمسك بأول خيط يحيلك على موسيقى الجسد في لوحة عبد الكبير البحتوري، اللوحة باعتبارها خطابا جماليا يتوخى البحث في تفاصيل الكائن وبلورة كيمياء الوجود. إن فضاء اللوحة لدى البحتوري عالم من الأسرار، لايتوقف عن ممارسة مكره ودهائه فمنذ تجربته الأولى حول «مدن القصدير» وهو يتعمد الزج بعين الرائي في لانهائية المدى والحركة، وهو احتفال يعي من خلاله البحتوري أن الأساليب الجديدة والأشكال المبتكرة لا تفتأ تعطي لهندسة اللوحة عمقها الدلالي، فاتجاهات الخطوط ومفردات الشكل تنصهر في خامة اللوحة متماهية كما الكائنات التي غالبا ماتأتي راقصة تتبلور بما يليق بإفصاح اللون ولغة الأبعاد حتى تظهر في العمل الفني مسارات مخططة من أجل عين المشاهد التي تستكشف وتتحرك على السطح، إنه يقوم بهذه الحركة لا من أعلى إلى أسفل فقط، بل من اليمين الى اليسار أيضا وكذلك في جميع الاتجاهات التي تنجذب إليها، إنه يسلك الطرق المخطوطة في العمل الذي يشاهده، حسب تعبير «بول كلي» الجسد هذا المركب التعبيري يدين في لوحة البحتوري لخطوط متشابكة تتناسل في توتر حينا وفي تناغم حينا آخر، إنها جغرافية متخيلة لا تكتمل إلابتمردها عن الإطار، فالجسد في اللوحة لا تقبل المربعات ولا الدوائر، بل هو بأسلوبه التجريدي يصور مصائر الإنسان بكثافة اللون المختزل المتفلت من العراء، وكأنه يقول في الحركة يصبح السطح أكثر عمقا من الباطن المتراص. سفر البحتوري في جزيرة الجسد، يتميز بسمة هامة وهي التوازن بين مفردات الجسد تناغمها وارتباطها البنيوي، وهذا التأليف هو ما يجعل اللوحة مرهفة، شفافة، ت تتوازن فيها عناصر البناء لتوهمنا بسكون ينتهي على حافة تضاد بليغ. فإيقاع اللون وكتله تلاحق انفعالات الذات المبدعة وفق ثنائيات(السكون - الحركة، الفراغ - الامتلاء، الأضواء - الظلال) لدرجة يصير فيها الجسد ناطقا، حالما، مكثفا ببلاغة المشهد. إن خصوصية الموضوع لدى البحتوري تجعله منفتحا على تجارب ومنابع فنية مختلفة فهو يتفق مع التجريد، ويختلف معه، يتفق مع التشخيص ويختلف معه، بل هو يستقل بأسلوبه وتقنياته وينتصر للروح رغم سطوة الجسد، يلغي الزمن ويتجاوز الحركة. هكذا يأسرناالفنان المبدع عبدالكبير البحتوري في لغته المرئية، ذات ا لبعدالإنساني الكوني، فنتنفس معه هواء الرغبة ونلمس معه تراب المعنى، إنها وظيفة إبداعية تسعى لأن تجمع شتات الجهات على صفحة الجسد. قصائد البحتوري (الجديد) الساحر تخط بالفرشاة والألوان. فنان تشكيلي و شاعر من كلمة تقديم كاتالوغ المعرض المقام حاليا برواق محمد الفاسي بوزارة الثقافة الذي افتتح مساء الثلاثاء 22 فبراير ويستمر الى غاية 13 مارس المقبل.