من المفارقات التي تعرفها الحياة السياسية الفرنسية هو انتخاب رئيس جمهورية بدون أغلبية برلمانية، وهي خاصية من خصائص ونقائص الجمهورية الخامسة بفرنسا والتي اقترحها الجنرال دوغول، ومازالت سارية المفعول حتى اليوم، ففي مرحلة أولى يتم انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع، وهو ما تم في 6 من ماي الماضي بانتخاب الاشتراكي فرنسوا هولند رئيسا للجمهورية، بعد ذلك تقام انتخابات تشريعية في دورتين من أجل اختيار أغلبية برلمانية، وهو ما سيقوم به الفرنسيون الأسبوع المقبل. لكن مشكلة هذا النظام بفرنسا هو أنه بعد إعطاء الشرعية لرئيس جديد للجمهورية بعد شهر يمكن الفرنسيين أن يغيروا رأيهم ويمنحون الأغلبية للمعارضة، لحد الساعة لم يتحقق ذلك، مند تأسيس الجمهورية الخامسة بفرنسا منح الفرنسيون دائما الأغلبية لرئيس الجمهورية ولم تشهد فرنسا التعايش إلا بمناسبتين بسبب حل البرلمان من طرف رئيس الجمهورية قبل موعد الانتخابات . الحكومة الفرنسية الحالية تشهد حالة من الانتظار، فبعد أن تسلم الرئيس الجديد مقالد الحكم وتشكيل حكومة جديدة من طرف جون مارك ايرو، تعيش فرنسا بحكومة دون أغلبية برلمانية والتي يجب البحث عنها من خلال حملة انتخابية يشارك فيها كل الوزراء تقريبا من أجل منح أغلبية برلمانية لحكومتهم إلا عددا قليلا منهم اختاروا الابتعاد عن المعركة التشريعية، لأن كل وزير يفقد الانتخابات التشريعية عليه مغادرة الحكومة، وهي القاعدة التي فرضها رئيس الحكومة الجديد جون مارك ايرو. آخر استطلاعات الرأي تعطي الفوز للحزب الاشتراكي، لكن كل الاستطلاعات تؤكد كذلك أن هذا الفوز ليس بالأغلبية المريحة، وهو ما سوف يجعل الحزب الاشتراكي في حاجة ماسة إلى حلفائه في اليسار، سواء حزب الخضر أو جبهة اليسار من أجل الحصول على الأغلبية. هذا ما أكدته أغلب الاستطلاعات، آخرها ظهرت نتائجه يوم الأربعاء 30 يونيو التي تقول سوف يحصل اليسار على 45.5 في المائة من الأصوات، في حين يحصل اليمين على 33.5 في المائة، واليمين المتطرف على 15.5 في المائة، في حين يحصل أقصى اليسار على 1.5 في المائة وحزب الوسط الموديم على 4 في المائة. وبصفة عامة إذا كانت النتائج لصالح اليسار، فهي ليست نتائج حاسمة ولا تمنح أغلبية مريحة للحزب الاشتراكي داخل البرلمان المقبل. وهي نتائج مرتبطة بنوعية التحالفات التي سوف تتم بين اليمين واليمين المتطرف في الدور الثاني من الانتخابات التشريعية. فيما يخص ممثلي التنوع أو الأقليات بفرنسا، فإن المشاركة هي محدودة ، وتوج ذلك بكثافة في الاحزاب الصغرى التي ليست لها حظوظ كبيرة للظفر بأي مقعد في قبة البرلمان. وإحدى ممثلات هذا التنوع بفرنسا، وهي الوزيرة ذات الاصل المغربي، نجاة فالو بلقاسم، لن تشارك في الانتخابات التشريعية بمدينة ليون، وقررت الاكتفاء بمنصبها الوزاري. أحد أبرز ممثلات التنوع أيضا عن حزب اليمين رشيدة الداتي وزيرة العدل السابقة، وبعد أن أخذت معركة عنيفة ضد الوزير الاول السابق فرنسوا فيون الذي اختار الترشح في نفس الدائرة التي اختارتها بباريس، اختارت تأجيل هذه الرغبة والتحالف مع فرنسوا كوبي من أجل ترسيخ مكانتها داخل حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية، تأجيل معركة الانتخابات التشريعية. وهو ما يوحي بأان البرلمان المقبل لن يشبه الحكومة الفرنسية التي دمجت بشكل تام ولأول مرة المساواة بين الجنسين، من حيث عدد المناصب الحكومية، وكذلك التنوع الاثني والثقافي بفرنسا. في حين أن البرلمان المقبل لم يتغير كثيرا، وهو ما يعكس محافظة المجتمع الفرنسي وهيمنة الرجال من أصل أوربي على الحياة السياسية بفرنسا.