تتوالى فصول العبث السياسي، وتزداد حدة، مع كل مبادرة سياسية أو برلمانية يتضح أن الحزب المهيمن في الأغلبية وعليها، يضع فاصلا بينه وبين أخلاق المسؤولية، مفضلا أخلاق التحرر من كل التزام. ويتضح فعليا أن الحزب يريد أن يكون المهيمن في مجال الأغلبية، والمهيمن في مجال المعارضة، والمهيمن في الشارع. فقد تتبعنا، منذ مجيء الحكومة، أن معالجتها للتوترات الاجتماعية تمت، رسميا، بالدفاع عن هيبة الدولة ورفع عصا الحزم في وجه المتظاهرين في تازة، وفي الحسيمة، والمتظاهرين في الرباط، في الوقت ذاته، سعى نفس الحزب، عن طريق نوابه وأذرعه المؤسساتية الأخرى، الى رفع راية الاحتجاج والمعارضة والتنديد. وتتبعنا أطوار ما وقع حول دفتر التحملات، لنرى التهديد بالنزول الى الشارع، كان رئيس الحكومة ورئيس الحزب قد أعلن بعظمة لسانه أن الربيع لم يمر بعد في المغرب، وهدد باستدعاء» الربيع الى الحقل السياسي المغربي، بما يفيد أن الحزب يتحكم في الشارع.. وفي البرلمان نشهد الزوبعة الكبيرة التي أقامها الفريق النيابي، بشأن لائحة الولاة والعمال واتهامهم بالفساد، ولم يكن ذلك إبان نقاش مؤسساتي حول اللائحة أو قبله بقليل، بل بعد أن ظهرت اللائحة. والحال أن رئيس الحكومة، ورئيس الحزب في آن واحد، هو الذي وقع على اللائحة، وقد صرح بذلك في غير ما مناسبة. لقد سبق لرئيس الحكومة، عند الجلسة الشهرية الأولى، أن تحدث باسم العدالة والتنمية، وتعمد ولاشك أن ينتسب الى حزبه أكثر من رئاسة الحكومة. وبناء على قاعدة الوحدة في المسؤولية، لا يمكن أن يتقبل الرأي العام الرقص على حبلين، والازدواجية والتعالي على منطق الممارسة السياسية. إن هذا المنحى ينبئ برغبة قوية في التحكم المطلق ، من الشارع الى البرلمان الى الحكومة، والفكر المطلق الذي لا يقبل أن يترك هوامش لممارسة السياسة، علاوة على أنه يربك الحياة السياسية ويخلق الالتباس لدى الرأي العام، ويخلط بين الأنواع. تقتضي النزاهة الفكرية والشجاعة الأدبية أن يعلن الحزب المسؤول عن تحمله المسؤولية، ولا يمكن أن يظل المغرب، وكل مؤسساته، رهينة لنزوع أحادي نحو الهيمنة وخلط الأوراق وزرع البلبلة والتوجه نحو اللااستقرار المؤسساتي، الذي يعد شرط وجوده هو الوضوح في التموقعات والمواقف. هذا العبث يجب أن ينتهي لمصلحة البلاد ولمصلحة السياسة، ولمصلحة الوطنية الصادقة.