هدد الاتحاد المغربي للشغل بخوض إضراب عام تضامني بجميع الموانئ المغربية في الوقت الذي يراه مناسبا. وفي حال تنفيذ هذا الإضراب، فإن الاقتصاد المغربي سيواجه صعوبات جديدة قد تكون لها انعكاسات يصعب تقدير قيمتها على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. الإضراب الذي يمكن أن يسفر عن شل الحركة بميناءي طنجة المتوسط وأكادير، وعن تقليص الحركة بميناء الدارالبيضاء إلى حوالي النصف، يهدد بالأساس الصادرات المغربية التي يساهم فيها الميناء المتوسطي وحده، حسب بعض المهنيين، بعبور ما بين 300 و 400 شاحنة في اليوم ، جلها من السلع القابلة للتلف، كما يهدد بتوقف بعض المهنيين الأجانب عن نشاطهم وخاصة منهم «ميركس» التي سبق لها أن نقلت نشاطها من الرصيف الذي تديره بميناء طنجة المتوسطي إلى ميناء إسباني، لأنه لا يهمهم احترام الحريات النقابية بما فيها الحق في الإضراب بقدر ما يهمهم تحقيق الربح السريع. واستنادا إلى البلاغ الصادر عن الجمع العام الاستثنائي للقطاعات المينائية بالمغرب، المنعقد يوم الثلاثاء 10 أبريل 2010 بالدارالبيضاء، فإن المجتمعين تدارسوا وضعية ضباط وبحارة وفندقيي شركتي «كومناف» و «كوماريت» التي حددوها في: - عدم توصل المستخدمين بأجورهم لمدة تزيد عن 5 أشهر - عدم تأدية مستحقات الصناديق الاجتماعية لمدة تزيد عن سنتين - الحالة المزرية التي يعيشها البحارة المغاربة بميناء «سيت» الفرنسي وبميناءي الجزيرة الخضراء وألميريا الإسبانيين، ثم ميناءي طنجة والناضور. البلاغ سجل تجاهل الجهات الوصية عن القطاع للمشكل القائم، واكتفاءها بدور المتفرج كما وصف موقف إدارتي الشركتين بالمتعنت. وعلى ضوء ذلك تقرر التضامن التام لكل القطاعات المينائية مع المتضررين والإعلان عن استعداد جميع القطاعات المينائية بالمغرب لخوض إضراب عام تضامني لم يحدد توقيته ومدته، كما أعلن استنكاره لصمت الجهات المعنية وتجاهلها للمشكل وحملها المسؤولية الكاملة لفقدان أزيد من 2000 منصب شغل مباشر، فضلا عن المناصب غير المباشرة. والملاحظ أن صيغة البلاغ المتميزة بتفادي تحديد توقيت الإضراب ومدته تحمل دلالتين مختلفتين، أولاهما ظاهرية تقوم على الدفاع عن المصالح الحيوية للمأجورين بعدما عجزت الحكومة عن إيجاد حلول ملائمة لما آلت إليه وضعية الشركتين السالفتين الذكر، وعن حماية القطاع ككل من مخاطر الإفلاس وما يترتب عنها من ضياع لمناصب الشغل، وثانيهما خفية تقوم على خلفية انتخابية نابعة عن تأجيل خوض المعارك النضالية المساندة للمتضررين من حجز البواخر المغربية في الموانئ الأوربية إلى حين قرب موعد انتخابات مناديب العمال. لكن مهما بلغت درجة الاختلاف حول الدوافع الحقيقية لخوض الإضراب، فإنه من الخطأ التعامل معالتهديد بمنطق إضافة مدة التوقف عن العمل بفعل الحركة الاحتجاجية إلى تلك التي تسجل سنويا بفعل هيجان البحر والتقلبات المناخية، فالأزمة قائمة، والضرر واضح، وعلى كل من له غيرة على هذا الوطن أن يعمل بشكل جدي على إيجاد مخرج من الأزمة الخانقة التي يتخبط فيها القطاع. والجدير بالذكر أن قطاع النقل البحري الذي فقد قدراته على خوض غمار المنافسة، بفعل التحرير الذي لم يكن مصاحبا بإجراءات مواكبة، وبفعل تأثر القطاع على المستوى العالمي بانعكاسات الأزمة الاقتصادية، يواجه اليوم مخاطر الاضطرار إلى إعلان إفلاسه ليتحول المغرب بعد ذلك إلى فريسة يمكن للأساطيل الأجنبية التي تواجه نفس المخاطر أن تتخذ من المغرب منفذا لتخطي المرحلة الصعبة التي تميز الظرفية الحالية، وإذا ما تأتى لها ذلك فمن عير المستبعد أن يؤدي مغاربة الخارج ثمن إفلاس الأسطول المغربي، إذ ستفقد الحكومة المغربية كل إمكانيات فرض المنافسة النزيهة والإبقاء على أسعار في المتناول. والملاحظ أن المحاولات الجارية لإنقاذ شركتي «كومناف» و «كوماريت» لم تتوصل لحد الآن لحل يؤمن تحرير البواخر المغربية من الحجز الذي تعرضت له، في حين أن موسم عودة المهاجرين المغاربة إلى أرض الوطن يقترب ويمارس ضغوطه على السلطات الوصية وعلى المهنيين. فإذا كان خوض الإضراب العام يهدد بمخاطر يصعب تقدير مستواها اقتصاديا واجتماعيا، فإن مخاطر التخلي عن القطاع وتركه بمفرده يواجه منافسة أساطيل أجنبية تجد في حكوماتها ومؤسساتها المالية السند الكافي للمقاومة إلى حين اجتياز الظرفية الصعبة، لا تقدر بثمن لأنها ستسفر عن فقدان المغرب لجانب هام من سيادته على مياهه الإقليمية وستفرض على الصادرات المغربية الامتثال لقرارات الشركات البحرية الأجنبية. وحينها ستجد الحكومة نفسها مرغمة من جديد على مراجعة معدل النمو إلى أقل من 3% وعلى الإخلال بالتوازنات الماكرواقتصادية، وخاصة ما يرتبط منها بالعجز التجاري وبمعدل البطالة. فالإنفاق طيلة عدة سنوات في تجهيز الموانئ لا يمكنه أن يحقق النتائج المرجوة منه إلا إذا اعتمد في نشاطه على أسطول مغربي يضع مصالح المغرب فوق كل اعتبار، ويجعل من تشغيل الكفاءات المغربية شرطا لحمل الراية المغربية.