أقدمت سلطات ميناء طنجة المتوسط يوم الخميس الماضي على احتجاز الباخرة «بلادي» التابعة لشركة «كوماريت» وهو الحجز الذي يمكن أن يتسع ليشمل كافة بواخر الأسطول المغربي ما دام أن الظرفية الاقتصادية العالمية تعرف ركودا تجاريا اضطرت معه العديد من الدول إلى تمتيع أساطيلها بمعاملة تفضيلية لحمايتها من مخاطر الإفلاس. الحجز الذي تم تبريره بالتأخر عن أداء المستحقات، يعكس مستوى الخلل الذي تقوى بفعل التنافسية غير المتكافئة المترتبة عن استفادة المقاولات المغربية من الإجراءات الحمائية المواكبة لتحرير قطاع النقل والأنشطة اللوجيستيكية. أولى مظاهر الخلل تتمثل في التمييز في التعامل بين النقل الجوي وبين النقل البحري. فبينما بادرت الدولة إلى حماية الخطوط الملكية المغربية عبر الاستثمار في برنامج تعاقدي يرمي إلى تقليص التكاليف، وإلى تجديد الأسطول والتخلي عن الخطوط الخاسرة مع فتح خطوط جديدة في اتجاه بعض العواصم الإفريقية، فإن السلطات المينائية وضعت موازنة حساباتها فوق كل اعتبار، إذ فضلا عن كون الأسطول المغربي صار مطالبا بأداء رسوم عن كل مسافر تصل إلى 27 درهما عوض حوالي 11 درهمت التي كانت مطبقة في ميناء طنجة المدينة، فإنها صارت تطالب شركات النقل المغربية بأداء المستحقات في آجال لا تتعدى 30 يوما علما بأن الدولة نفسها لا تؤدي المستحقات المترتبة عليها، إلا بعد حوالي سنة، فالميز بين الشركات الوطنية وشركات القطاع الخاص يتناقض مع منطق التحرير ومع واجب الدولة في حماية ودعم قطاعاتها الاستراتيجية. ثاني مظاهر الخلل يتمثل في أن الأسطول الإسباني الذي يعتبر أكبر منافس للأسطول المغربي، يستفيد من دعم الدولة الإسبانية على عدة مستويات، بما في ذلك العبء الضريبي وفضلا عن ذلك، فإنه يستفيد من فوارق الرسوم المؤداة عن كل مسافر في ميناء الجزيرة الخضراء، حيث يؤدي حوالي 11 درهما عن كل مسافر بينما الأسطول المغربي يؤدي 27 درهما. لقد كانت مخاطر تسريع مسلسل التحرير دون تفعيل إجراءات المواكبة واضحة منذ انطلاق المسلسل. وبعد أن زادت الظرفية الاقتصادية الدولية من حدة هذه المخاطر، فإن السلطات الوصية على القطاع واجهت كل مشاريعه الاستثمارية بالتشدد كما أن القطاع البنكي صار يتعامل معه على أساس أنه قطاع محفوف بالمخاطر ولا يستحق التمويل. وبالموازاة مع ذلك، فإن الأساطيل الأجنبية وخاصة منها الإسبانية والإيطالية والفرنسية وجدت في حكوماتها خير سند ولعل ما تضمنه خطاب الوزير الفرنسي تيري مارياني أمام الجمعية العامة للمجهزين الفرنسيين المنعقدة يوم 5 أبريل 2011، يعكس حرص الدولة الفرنسية على الوقوف إلى جانب المجهزين، إذ فضلا عن الحماية العسكرية في الطرق البحرية التي تواجه مخاطر القرصنة، فإن الحكومة ملتزمة بالاستمرار في دعم الأسطول الفرنسي والمجهزين والمقاولات العاملة في قطاع النقل البحري وبتوفير نقل آمن وعالي الجودة، ثم بتطوير الطرق البحرية السيارة. ومن باب الدفاع عما سماه ب «النمو الأزرق»، أكد بأن الدولة سوف لن تتراجع عن الامتيازات الضريبية التي يستفيد منها المجهزون، وبأن كل الإجراءات التي ستتخذ ستكون مسبوقة بتشاور مع المهنيين. إن تضييق الخناق على المجهزين المغاربة سيؤدي بالضرورة إلى إفلاس الأسطول المغربي وتعويضه بالأساطيل الأجنبية التي تستفيد من دعم حكوماتها. فالمديونية لا تمس المجهزين المغاربة وإنما تطال حتى كبريات الأساطيل العالمية، لكن تقدير مكانة القطاع في الخيارات الاستراتيجية هو الذي يحدد الخيارات التي تتطلبها الأوضاع الآنية. وقد يكون في التجربة اليونانية خير مثال على مكانة القطاع. إن مجرد توقف الباخرة «بلادي» عن الإبحار سيزيد من متاعب شركة «كوماريت» وسيعرقل تنفيذ مقتضيات البروتوكول الموقع معها حول إعادة جدولة الديون، وتشديد الخناق لن يخدم إلا مصالح الشركات الإيطالية ومصالح كل الأساطيل التي لها مصلحة في إفلاس الشركات المغربية.