عززت السلطات المغربية الجسر الجوي الرابط بين طرابلس الليبية والدارالبيضاء عبر تونس، بإرسال باخرتين إلى ليبيا بهدف تسريع وتيرة إنقاذ المغاربة الذين يتمكنون من الالتحاق بالمطار أو الميناء بطرابلس أو من العبور برا إلى تونس. واستنادا إلى محمد عامر الوزير المكلف بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، فإن إرسال الباخرتين إلى ليبيا يتم تنفيذا للتعليمات الملكية السامية وفي إطار تنسيق تام ومستمر مع وزارة الشؤون الخارجية والسلك الدبلوماسي في كل من ليبيا وتونس ومصر، إذ تم إلى حدود زوال أمس الأحد، نقل أكثر من 2000 مواطن من طرابلس عبر الجو وأكثر من 300 من تونس والعشرات من مصر، وإذا سارت الأمور بشكل اعتيادي فمن المرتقب أن تصل أول باخرة من ليبيا يومه الاثنين إلى طنجة علما بأن حمولة كل من الباخرتين يمكن أن تصل إلى 2000 مسافر، ومع ذلك فإن الدولة المغربية جاهزة لتقوية الخطوط الجوية والبحرية برحلات إضافية إذا ما دعت الضرورة إلى ذلك. واستنادا إلى مصدر موثوق من الشركة المغربية «كوماريت» ، فإن الأمر يتعلق بالباخرة «بركان» التي كانت زوال أمس الأحد في طريقها إلى بنغازي وبالباخرة الميسترال إكسبريس التي ستصل إلى طرابلس. اللجوء إلى استعمال البواخر التي تحمل العلم الوطني في إبعاد الجالية المغربية من المخاطر التي تحدق بها في ليبيا وإعادتها إلى أرض الوطن، تزامن مع تكليف باخرة الشحن المغربية «مكناس» التابعة لشركة «إي إم تي سي «بإنجاز رحلة تنطلق يومه الاثنين من ميناء الدارالبيضاء في اتجاه ميناء العيون، وبذلك ثبت مرة أخرى أن المغرب، الذي يعتبر من الناحية الجيوسياسية بمثابة جزيرة، لا بديل له عن تقوية أسطوله الجوي والبحري لفرض سيادته وتثبيت مكتسباته في مجال تيسير التنقل بين المغرب وباقي أنحاء العالم وتأمين الرفع من حجم المبادلات مع الخارج وخاصة منها الصادرات والمبادلات مع الموانئ المغربية الواقعة جنوبأكادير. ما يسترعي الانتباه في الإجراءات المتخذة، هو أن الأسطولين المغربيين الجوي والبحري لبيا طلب الحكومة فورا، ليس فقط من منظور إنساني ووطني أصيل، ولكن كذلك لأن رفع العلم المغربي يعطي الحق للدولة المغربية في تسخير أسطولها وإرغامه على القيام بالمهام التي تدخل في إطار القيام بالواجب الوطني، وما يسترعي الانتباه كذلك هو أن هذا الأسطول، الذي لا يجادل أحد في بعده الاستراتيجي، تمكن من تلبية النداء في الوقت المناسب لأنه استطاع أن يقاوم كل الصعوبات التي كادت تعرضه للإفلاس بفعل الظرفية الاقتصادية الدولية وبفعل سوء تدبير ملف تحرير القطاع وما ترتب عنه من هيمنة للأساطيل الأجنبية واستمرار في التعامل بتعريفة مرتفعة للنقل والشحن. إن مبادرة الدولة المغربية بإنقاذ المواطنين في ليبيا اعتمادا على أسطولي النقل الجوي والبحري، عكست الروابط القوية بين الوطن وأبنائه ولكنها في نفس الوقت دقت ناقوس الخطر وفرضت التساؤل عن الوضع الذي كانت ستعاني منه الجالية المغربية فيما لو اتسعت دائرة العنف لتشمل تونس ومصر وغيرهما من الدول التي توجد بها جالية مغربية بأعداد كبيرة. حول هذا الموضوع عبر لنا رئيس اللجنة المركزية لمجهزي البواخر محمد قاريا عن استعداد الأسطول المغربي باستمرار للاستجابة لنداء الوطن، وبالمناسبة ذكر بأهم المحطات التي ميزت مسيرة الأسطول المغربي وخاصة سنوات 1964 و 1968 اللتين تميزتا بتعزيز الأسطول ببواخر جديدة بأمر من الملك الراحل الحسن الثاني الذي كان يعتبر النقل البحري بمثابة امتداد للدفاع الوطني، كما ذكر ببرنامج 1974 - 1978 الخاص برفع قدرة النقل والذي تم بموجبه التوفر على 66 باخرة بحمولة إجمالية تصل إلى 660 ألف طن عوض 86 ألف طن. وبعد أن سجل قاريا الدور الإيجابي الذي يلعبه ميناء طنجة المتوسطي، لاحظ أن تكليف توفيق الإبراهيمي برئاسة مجلس إدارته ساهم في تخطي الصعاب لأنه كان بدوره مجهزا وعلى بينة تامة بظروف عمل المجهزين، لكنه في نفس الوقت سجل سلبيات السياسة القطاعية التي أسفرت من جهة عن تقليص دور المغاربة لفائدة الشركة الفرنسية CMA CGM التي لم تلتزم بتعهداتها تجاه المغرب، وفضلا عن ذلك أبعدت المغاربة من «مارسا ماروك» وعوضتهم بأفارقة، ومن جهة ثانية عن حرمان المجهزين المغاربة من شراء بواخر بدعوى الامتثال لمقتضيات ظهير 1919، وهو الظهير الذي لم يطبق إلا في عهد الوزير الحالي، بدليل أن شركة كوماريت التي تتولى اليوم المساهمة في إجلاء المغاربة من ليبيا لم تخضع بواخرها لمقتضيات الظهير الموروث عن عهد الاستعمار. ومن بين البواخر التي لم توافق الوزارة بعد على شرائها، بدعوى أن عمرها يصل إلى 24 سنة بينما الظهير يحدد العمر المسموح به في 21 سنة، خص قاريا بالذكر الباخرة VENEZIOLS التي تولت إجلاء الجالية التركية من ليبيا والتي تصل حمولتها إلى 2000 مسافر و 800 سيارة ، ثم الباخرة CENAVATIKA التي أعيد ترميمها سنة 2005 وتتولى تغطية الخط الرابط بين السويد وألمانيا، فالمغرب الذي يعتبر من الدول النامية ويستحيل عليه الاستثمار في بناء بواخر جديدة قد تصل كلفتها إلى 10 مرات السعر الذي تعرض به اليوم للبيع، يجد نفسه محاصرا بظهير 1919 وبتهميش قطاع النقل البحري بينما تطورات الأوضاع في المنطقة العربية وفي العالم تقتضي حمايته ودعمه في إطار واضح ومسؤول.