عبد القادر الحيمر خرجت لجنة أصحاب السفن التجارية المغربية عن صمتها وأعدت ورقة حددت فيها أهم المراحل التي قطعها الأسطول المغربي، متبوعة باقتراحات عملية لحمايته من التردي الذي لحقه بفعل التحرير غير المصحوب بإجراءات مواكبة تقي المستثمر الوطني في القطاع من مخاطر التنافسية غير المتكافئة مع الأساطيل الأجنبية العاملة بالمغرب، والتي تحقق حوالي 92 % من رقم معاملات القطاع البالغ حوالي 22 مليار درهم، الدراسة التي أعدتها اللجنة أكدت أن عدد سفن الأسطول المغربي تقلص من 66 سفينة شحن في ثمانينيات القرن الماضي إلى 34 سفينة حاليا بمتوسط عمر في حدود 23.4 سنة وحمولة إجمالية لم تعد تتعدى 266083 طنا. كما أوضحت أن ثلثي (2/3) أسطول السفن التجارية العالمية تحمل أعلام دول تنهج سياسات قائمة أولا وأخيرا على تحسين تنافسية الكلفة التشغيلية لقطاعها البحري، ولاحظت أن العبء الضريبي في المغرب يرتكز بالأساس على نشاط الشركات المغربية بينما الشركات الأجنبية المنافسة، وخاصة منها التي تحمل علم ليبيريا، تؤدي للدول التي تحمل أعلامها ضريبة سنوية في حدود 10150 دولار أمريكي، معفاة بشكل كلي من الضريبة، وهي بذلك تؤكد المقولة التي تقوم على أن مجرد رفع الأسطول البحري التجاري المغربي لراية دولة أخرى كليبيريا او اليونان أو إسرائيل تؤهله لينتقل من أسطول متهالك إلى أسطول متجدد ومتطور. من الناحية العملية تقدمت اللجنة بمقترحات لمعالجة الوضع حددت أهمها في: حذف الاقتطاع الضريبي 10 % المطبق على المبالغ التي يدفعها المستأجرون المغاربة لأرباب السفن الأجانب تطبيق الضريبة على الحمولة عوض الضريبة على الشركات. اعتماد مدونة جديدة للتجارة البحرية عوض القانون القديم لسنة 1919 إنشاء سجل محفز لتسجيل السفن تحت العلم المغربي وضع تشريعات محفزة للاستثمار مثل قانون الاستثمار 1973 المذكرة التوضيحية التي أعدتها اللجنة ذكرت بأن قطاع النقل البحري شكل دائما تحديا استراتيجيا بالنسبة للمغرب، ليس فقط لكونه يقع في ملتقى أهم الطرق البحرية التجارية العالمية، و لكن كذلك لكون 95 % من المبادلات التجارية الخارجية للمملكة تمر عبر البحر. كما لاحظت أن الملك الراحل الحسن الثاني عمل خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي على تشجيع القطاع، إذ أن اعتماد قانون استثمارات يشجع على تحديث الأسطول التجاري الوطني أعطى للمغرب دفعة قوية لتعزيز سياسته البحرية، وبفضل هذه الخيارات ، تمكن المغرب من التوفر على 66 سفينة شحن (تضم سفنا بترولية، سفن نقل الحاويات، سفن نقل المواد الكيماوية، وسفن نقل المسافرين اضافة إلى سفن الصب) بقدرة شحن بلغت 660.000 طن. و قد مكنت هذه السياسة من تغطية 25% من فاتورة الشحن البحري للمملكة إضافة إلى خلق أكثر من 5000 منصب شغل مباشر. التطور الذي عرفه القطاع خلال هذه الحقبة الزمنية ، سواء على مستوى الموارد البشرية أو على مستوى الأسطول، جعل المغرب يصنف من بين الدول الإفريقية والعربية القليلة التي يمكن اعتبارها كأمة بحرية ، أما بالنسبة للتسعينيات فإن تقارير اللجنة عللت تدهور الوضع بعوامل منها ما هو خارجي مثل الظرفية الاقتصادية الدولية الصعبة ، ومنها ما هو داخلي مرتبط، من جهة بتقادم الأسطول المغربي الذي تطلب إعادة هيكلة عميقة تمثلت في خفض عدد السفن وفي تسريح العمال، ومن جهة ثانية بكون إعادة هيكلة القطاع لم تكن مصحوبة بعملية إعادة تأهيل الشركات الوطنية التي واصلت تراكم العجز المالي. الوثيقة التي أعدها مهنيو النقل البحري التجاري استحضرت الدراسة الاستراتيجية والمؤسساتية التي أنجزتها وزارة التجهيز والنقل سنة 2005 بهدف سن سياسة قطاعية ترتكز على هدفين: إرساء قطاع بحري ، منخفض التكلفة ن قابل للاستمرار في خدمة الاقتصاد الوطني. تأهيل الفاعلين المغاربة العاملين بالقطاع وتحسين تنافسيتهم في ظل سوق تنافسية. وقد أسفرت هذه الدراسة عن تحديد مجموعة من الإجراءات الكفيلة بتأهيل الأسطول الوطني و الرفع من تنافسيته، خصوصا على المستوى الجبائي . وعن برمجة إعادة صياغة مدونة التجارة البحرية التي يعود تاريخ اعتمادها إلى سنة 1919. يستشف من الوثيقة التي أعدتها اللجنة أن سنة 2007 شكلت منعطفا خطيرا في مسيرة قطاع النقل البحري، إذ أن تحرير القطاع أمام كافة الشركات الأجنبية العاملة بالمغرب أو بالخارج، تحت يافطة «سياسة البحار المفتوحة» بينما البلدان التي استفادت أساطيلها من القرار لم تعتمد، في علاقاتها مع الأسطول المغربي، سياسة المعاملة بالمثل. الوثيقة تحدثت عن ارتفاع قيمة الاستثمارات التي أنجزها المجهزون المغاربة ما بين 2007 و 2010 إلى 5 ملايير درهم، ولكن السياسة الحكومية حالت دون جني ثمار هذا المجهود. إذ من جهة لم يتم الوفاء بالوعود الخاصة بدعم هذه الاستثمارات عبر أجرأة التدابير الخاصة بتأهيل المقاولات البحرية، ورفع تنافسية القطاع لم تر النور. ومن جهة ثانية لم يتم اعتماد مدونة جديدة للتجارة البحرية. وفي غياب شروط المنافسة العادلة فقد استأثرت أساطيل الدول المنخفضة التكلفة في تسجيل البواخر مثل ليبيريا وباناما بحصة الأسد في السوق الوطنية. وهكذا تراجع رقم معاملات الشركات البحرية الوطنية بين سنتي 2009 و2010ب 25 % إلى 3.5 مليار درهم، بينما ارتفعت أرباح الشركات الأجنبية من السوق الوطنية إلى 14.66 مليار درهم. فحصيلة أربع سنوات من تفعيل السياسة البحرية المعتمدة، لم تحقق النتائج المرسومة.إذ ظلت فاتورة الشحن البحري مستقرة بالنسبة لفاتورة المبادلات الخارجية أو الناتج الداخلي. ويتبين من ذلك أن السياسة التحريرية، لا يمكنها لوحدها أن تشكل عامل تنافسية القطاع الذي تسيطر عليه كبريات الشركات العالمية. إن وجود أسطول وطني هو وحده الكفيل بتوفير شروط المنافسة التي تحسن من تنافسية القطاع. التقرير الصادر عن لجنة أصحاب السفن التجارية المغربية حمل معطيات تلخص وضعية قطاع النقل البحري المغربي، وأهم ما حملته الأرقام هو أن الكلفة العامة للشحن البحري تتراوح بين 22 و 24 مليار درهم سنويا، بينما رقم معاملات الشركات المغربية يتراوح بين 3 و 4 مليار درهم سنويا. نفس المعطيات أوضحت أن القطاع يوفر 5000 منصب شغل وأن متوسط إنتاجيته الذي يعكس نسبة رقم المعاملات مع مناصب الشغل يقدر بحوالي 90 ألف دولار أمريكي، وبينما يرتفع حجم التبادل التجاري المنقول سنويا عبر البحر إلى 70 مليون طن فإن الحمولة التقليدية للأسطول المغربي لا تتعدى 120 ألف طن. دراسة المقارنة التي أنجزتها اللجنة حول تطور نشاط القطاع بين سنتي 2009 و 2010 حملت ما يفيد أن ارتفاع حجم التجارة الخارجية ب %15.9 إلى 69,236 مليون طن، كان مصحوبا بتراجع مساهمة الأسطول المغربي ب 1,85 % إلى 4.440135 مليون طن وبتراجع رقم معاملات الشركات البحرية الوطنية ب 13 % إلى 2.685589 مليون درهم لتتراجع بذلك نسبة مشاركة الأسطول المغربي في تغطية المبادلات الخارجية للملكة من 7.6% إلى 6.4 % وبخصوص قطاع نقل المسافرين ،تراجع عدد المسافرين بمعدل 25.9% من 4.178.798 إلى 3.094.465 في حين ارتفعت نسبة مشاركة الأسطول المغربي من 46.2 % إلى 64.75 % وبالموازاة مع ذلك تراجعت حركة نقل السيارات بنسبة 33 % إلى 697170 سيارة وارتفعت نسبة مشاركة الأسطول المغربي في نقلها من 52.8 % إلى 84 % المعطيات المرقمة حول ميزان أداءات القطاع أفادت أن المقارنة بين سنتي 2008 و 2009 تميزت بارتفاع المداخيل ب 8.4 % إلى 4464 مليون درهم وبتراجعها سنة 2010 بنسبة 21 % إلى 3528 مليون درهم . وبالموازاة مع ذلك تراجعت المصاريف ما بين 2008 و 2009 ب 4.6% إلى 12602.3 مليون درهم ثم ارتفعت سنة 2010 ب 16.4 % إلى 14677.3 مليون درهم. نفس التقرير أوضح أن سنتي 2009 و 2010 تميزتا ببيع 4 سفن لنقل المشتقات الفوسفاطية وبشراء 4 سفن منها واحدة لنقل الحاويات وواحدة لنقل المشتقات النفطية وسفينتين سريعتين لنقل المسافرين، وبذلك صار الأسطول المغربي يتكون من 13 سفينة لنقل المسافرين والسيارات، 9 سفن لنقل الحاويات و 4 سفن لنقل مشتقات النفط و 4 لنقل المقطورات و 3 لنقل البضائع العامة. السياسة البحرية المغربية 1960 2011- أعدت لجنة أصحاب السفن التجارية المغربية ورقة عن أهم المحطات التي ميزت تاريخ الأسطول المغربي نوردها كالتالي: « لقد شعرنا بالحاجة إلى إعادة إحياء واحدة من التقاليد العريقة للمملكة، بالعودة إلى البحر. في الواقع كان من الضروري أن نمكن الأمة، من أسطول تجاري قادر على نقل عشرات ملايين الأطنان في الظروف الأكثر اقتصادا و الأسرع سواء بالنسبة للبضائع الموجهة نحو التصدير أو تلك المستوردة عن طريق البحر كل سنة. « *مقتطف من كتاب التحدي للمغفور له جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله في سنة 1958 قررت الحكومة المغربية تأميم الشركة الفرنسية الشريفة للملاحة ولتصبح الشركة المغربية للملاحة المعروفة اختصارا ب COMANAV .وفي سنة 1962 صدر ظهير شريف ينص على تنظيم قطاع النقل البحري والذي خصص جزءا من نقل السلع للبواخر المغربية، مما شكل قاعدة من الشحن للأسطول البحري المغربي الناشئ. في سنة 1973، صدر قانون الاستثمار البحري الذي يمنح تسهيلات ومساعدات مهمة في تمويل مجهزي السفن لتشجيعهم على اقتناء السفن. وقد مكنت التحفيزات المخولة في إطار قانون الاستثمار من إنشاء أسطول تجاري محترم، بحيث ضم 65 باخرة في سنة 1990. وتشير التقديرات إلى أن هذا المجهود التي بذلته الدولة في إطار قانون الاستثمار بلغ 900 مليون درهم. وقد ساعد هذا الجهد، في تطوير الأسطول البحري الوطني من 20 سفينة (بحمولة طن 60.000 ) سنة 1973، إلى 61 سفينة بحمولة طن 600.000، مع زيادة في عدد مالكي السفن من أربعة إلى ثمانية عشر( 2 منهم ينتمون إلى القطاع العام ). وقد مكن هذا المجهود من الرفع من الحمولة المنقولة من طرف أصحاب السفن التجارية المغربية من 920.000 طن إلى طن 7.800.000.كما بلغ رقم المعاملات السنوية للشركات المغربية 2.5 مليار درهم أي نسبة تغطية لميزان الاداءات للنقل البحري بنسبة %25 تحرير غير مصاحب بسياسة تأهيلية للشركات، أجهز على طموحات المغرب البحري وخلال سنة2005، بلغ عدد سفن الأسطول الوطني 43 وحدة (بحمولة 300.000طن) و 17 شركة بحرية والتي حققت رقم معاملات بلغ3.4 مليار درهم مع نسبة تغطية الشحن البحري في ميزان المدفوعات بلغت %17.2 في سنة2005، قامت الدولة بالتنصيص في دفتر التحملات المتعلق بعقد امتياز الرصيف الثاني لميناء طنجة المتوسط 1 على إلزامية تشغيل 7 سفن لنقل الحاويات تحمل العلم المغربي من طرف الشركة الفائزة بالامتياز. في سنة 2005، قامت الدولة بتحديد التدابير التي من شأنها تحسين القدرة التنافسية للشركات الوطنية منأجل ضمان استمراريتها . ومن بين هذه التدابير، تبني مدونة جديدة للتجارة البحرية عوض الظهير بمثابة قانون بحري لسنة 1919 بالإضافة إلى إدخال تعديلات على مدونة الضرائب من أجل ضمان المنافسة العادلة مع الشركات التي تشغل بواخر تحت أعلام دول ذات سياسات ضريبية تفضيلية. في سنة2006، قامت الدولة بتحرير قطاع النقل البحري في خطوط منتظمة بالنسبة للسفن التجارية التابعة للأسطول الوطني، وليتلو ذلك التحرير الكامل لفائدة الأساطيل الأجنبية في يوليوز2007 ،علما بأن تحرير القطاع البحري لنقل البضائع في وجه الأساطيل الأجنبية، تم بصفة طوعية من طرف الحكومة- حيث أن المغرب لم يكن ملزما بنهج هذه السياسة بمقتضى أي اتفاق ثنائي أو متعدد الأطراف- كما أنه لم يستفد من قاعدة المعاملة بالمثل من طرف أي من شركائه الذين استفادوا من نهجه اللبرالي. وفي سنة 2007 قامت الدولة بخوصصة شركة COMANAV لصالح مجموعة CMA CGM بمبلغ 2.5 مليار درهم، وذلك بهدف تمكين الشركة من الاستفادة من التجربة العالمية للمجموعة الفرنسية وتطوير أدائها واستمرارية أسطولها الذي كان مكونا من 14 سفينة . 2010-2007 قام مجهزو السفن الخواص المغاربة خصوصا مجموعتي IMTCو COMARIT بإطلاق برامج استثمارية بلغت قيمتها 3.4 مليار درهم لتحديث وتطوير الأسطول المغربي. وفي 2008 ، بفضل الجهود الاستثمارية الكبرى لأصحاب السفن التجارية المغاربة، وبالرغم من انكماش عدد وحدات الأسطول البحري الوطني إلى 34 سفينة، فقد حققت الشركات الملاحية المغربية لأول مرة في تاريخها رقم معاملات قدر ب 4 ملايير درهم. -في سنة 2010، تم إلغاء ظهير1962 المتعلق بتنظيم النقل البحري، مما شكل إضافة إلى عدم تفعيل من طرف الحكومة للإجراءات المصاحبة لتحسين تنافسية الأسطول الوطني والأزمة الاقتصادية العالمية، عوامل ضغط شديد على الشركات المغربية التي أصبحت تعاني من تراجع عائداتها وانحسار التمويل البنكي لعمليتها الأساسية. -في سنة 2011، نظرا لاستمرار الأزمة الاقتصادية والمالية وعدم استجابة الدولة لطلبات الدعم من أجل انقاذ قطاع النقل البحري الوطني، فإن الشركات البحرية الوطنية تعيش اليوم أزمة حقيقية ومعرضة للإصابة بنوبة قلبية. وكنتيجة مباشرة لذلك فقدان 5000 منصب شغل مباشر وعائدات تقدر ب 4 ملايير درهم مع تفاقم عجز ميزان الأداءات بالنسبة للشحن البحري والذي تقدر فاتورته السنوية ب 22 مليار درهم