يأتي الاحتفاء الأممي بالشعر، هذه السنة، في وضعية عالمية صعبة تجعل شعراء العالم يدقون ناقوس الخطر. إن يد كل شاعر في هذه البسيطة على قلبه لما يرتكب من جرائم في حق الأبرياء. استبيحت الحياة واستُرخصت من آلة حرب عمياء لطغاة قيل لهم ارحلوا وما فعلوا إلا بعد أن ذبَّحوا شعوبهم، ضاربين بقيم الحياة عرض الحائط. إن العالم يسير نحو مزالق ومآزق لا مثيل لها في ظل شراسة نظام عالمي جديد. وفي مثل هذا الوضع، فإن البسطاء المستضعفين هم من يؤدون الفواتير الثقيلة من دمائهم. كأن التاريخ لا يريد أن يخرج من المستنقع. كأن صرخة المتنبي لاتزال تدوي في أرجاء الكون : «عيد بأية حال عدت يا عيد»... هكذا نشعر أن العالم كما لو في حداد بعد كل هذه الفظا عات التي طال أمدها في وطننا العربي، وفي مناطق أخرى من كوكبنا الذي تتهدده المخاطر من كل حدب وصوب. وقد كان الشعر، دوما، رفيق الإنسان. ولا شك أن إنسان المغارات ، وهو يشخص لأول مرة في سحر الكون، وامتداده اللانهائي، تملكته رعشة عارمة جعلته يتمتم ويدمدم شعرا ظل في الكمون لهيبا إلى أن اكتشف الكتابة فيما بعد بقرون فدون كل ذاك الذي كان في الغيهب السحيق. من هذا الليل العريق في القدم أبرق الشعر، كي يكون المصاحب الأمين للإنسان في رحلة الأبد الطويلة، بحثا عن معنى لتاريخ المسرات والنكبات والالتباسات والغامض والمفارق والسري والهارب على الدوام. الشعر هو الحضور المشع في غابة الروح. هو الصباح الدائم فيها والأنداء. لذلك لا يمكن أن نتصور اندفاق الحياة من غير ما يكفي من دفء الكلمات. هذا الزاد المعرفي والجمالي والمعنوي هو ما يجعل الإنسان يواجه قلقه الأنطولوجي وأسئلته الحائرة بما يكفي من سعادة غامرة في المضي إلى الأمام. في عيد الشعر، نتمنى لقيم الشعر الخلود. ولنتذكر، دوما، أن الانتصار للشعر انتصار للحياة.